فإذا النعم الدنيوية مشوبة قد امتزج دواؤها بدائها ، ومرجوها بمخوفها ، ونفعها بضرها ، فمن وثق ببصيرته وكمال معرفته فله أن يقرب منها متقيا داءها ، ومستخرجا دواءها ، ومن لا يثق بها فالبعد البعد ، والفرار الفرار عن مظان الأخطار ، فلا تعدل بالسلامة شيئا في حق هؤلاء وهم الخلق كلهم إلا من عصمه الله تعالى وهداه لطريقه .
فإن قلت : فما معنى النعم التوفيقية الراجحة إلى الهداية والرشد والتأييد والتسديد ؟ فاعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=34142التوفيق لا يستغني عنه أحد ، وهو عبارة عن التأليف والتلفيق بين إرادة العبد وبين قضاء الله وقدره وهذا يشمل الخير والشر وما هو سعادة ، وما هو شقاوة ولكن جرت العادة بتخصيص اسم التوفيق بما يوافق السعادة من جملة قضاء الله تعالى وقدره ، كما أن الإلحاد عبارة عن الميل فخصص بمن مال إلى الباطل عن الحق وكذا الارتداد ولا خفاء بالحاجة إلى التوفيق ولذلك قيل :
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأكثر ما يجني عليه اجتهاده
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=30404_32411_29703الهداية فلا سبيل لأحد إلى طلب السعادة إلا بها : لأن داعية الإنسان قد تكون مائلة إلى ما فيه صلاح آخرته .
ولكن إذا لم يعلم ما فيه صلاح آخرته حتى يظن الفساد صلاحا فمن أين ينفعه مجرد الإرادة فلا فائدة في الإرادة ، والقدرة والأسباب إلا بعد الهداية ولذلك قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=50ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، وقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=21ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء ، وقال صلى الله عليه وسلم : ما من أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى ، أي : بهدايته ، فقيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا .
فَإِذًا النِّعَمُ الدُّنْيَوِيَّةُ مَشُوبَةٌ قَدِ امْتَزَجَ دَوَاؤُهَا بِدَائِهَا ، وَمَرْجُوُّهَا بِمُخَوِّفِهَا ، وَنَفْعُهَا بِضُرِّهَا ، فَمَنْ وَثَقَ بِبَصِيرَتِهِ وَكَمَالِ مَعْرِفَتِهِ فَلَهُ أَنْ يَقْرُبَ مِنْهَا مُتَّقِيًا دَاءَهَا ، وَمُسْتَخْرِجًا دَوَاءَهَا ، وَمَنْ لَا يَثِقُ بِهَا فَالْبُعْدَ الْبُعْدَ ، وَالْفِرَارَ الْفِرَارَ عَنْ مَظَانِّ الْأَخْطَارِ ، فَلَا تَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ وَهُمُ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَدَاهُ لِطَرِيقِهِ .
فَإِنْ قُلْتَ : فَمَا مَعْنَى النِّعَمِ التَّوْفِيقِيَّةِ الرَّاجِحَةِ إِلَى الْهِدَايَةِ وَالرُّشْدِ وَالتَّأْيِيدِ وَالتَّسْدِيدِ ؟ فَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34142التَّوْفِيقَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ أَحَدٌ ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّأْلِيفِ وَالتَّلْفِيقِ بَيْنَ إِرَادَةِ الْعَبْدِ وَبَيْنَ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَهَذَا يَشْمَلُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَمَا هُوَ سَعَادَةٌ ، وَمَا هُوَ شَقَاوَةٌ وَلَكِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِتَخْصِيصِ اسْمِ التَّوْفِيقِ بِمَا يُوَافِقُ السَّعَادَةَ مِنْ جُمْلَةِ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ ، كَمَا أَنَّ الْإِلْحَادَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمِيلِ فَخَصَّصَ بِمَنْ مَالَ إِلَى الْبَاطِلِ عَنِ الْحَقِّ وَكَذَا الِارْتِدَادُ وَلَا خَفَاءَ بِالْحَاجَةِ إِلَى التَّوْفِيقِ وَلِذَلِكَ قِيلَ :
إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللَّهِ لِلْفَتَى فَأَكْثَرُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=30404_32411_29703الْهِدَايَةُ فَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَى طَلَبِ السَّعَادَةِ إِلَّا بِهَا : لِأَنَّ دَاعِيَةَ الْإِنْسَانِ قَدْ تَكُونُ مَائِلَةً إِلَى مَا فِيهِ صَلَاحُ آخِرَتِهِ .
وَلَكِنْ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا فِيهِ صَلَاحُ آخِرَتِهِ حَتَّى يَظُنَّ الْفَسَادَ صَلَاحًا فَمِنْ أَيْنَ يَنْفَعُهُ مُجَرَّدُ الْإِرَادَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِرَادَةِ ، وَالْقُدْرَةِ وَالْأَسْبَابِ إِلَّا بَعْدَ الْهِدَايَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=50رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ، وَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=21وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهِ يُزَكِّي مِنْ يَشَاءُ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَيْ : بِهِدَايَتِهِ ، فَقِيلَ : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَلَا أَنَا .