الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
كتاب كسر الشهوتين .

وهو الكتاب الثالث من ربع المهلكات .

بسم الله الرحمن الرحيم .

الحمد لله المنفرد بالجلال في كبريائه وتعاليه المستحق للتحميد والتقديس والتسبيح والتنزيه القائم بالعدل فيما يبرمه ويقضيه المتطول بالفضل فيما ينعم به ويسديه المتكفل بحفظ عبده في جميع موارده ومجاريه المنعم عليه بما يزيد على مهمات مقاصده ، بل بما يفي بأمانيه فهو الذي يرشده ويهديه وهو الذي يميته ويحييه وإذا مرض فهو يشفيه وإذا ضعف فهو يقويه وهو الذي يوفقه للطاعة ويرتضيه وهو الذي يطعمه ويسقيه ويحفظه من الهلاك ويحميه ويحرسه بالطعام والشراب عما يهلكه ويرديه ويمكنه من القناعة بقليل القوت ويقربه ، حتى تضيق به مجاري الشيطان الذي يناويه ويكسر به شهوة النفس التي تعاديه فيدفع شرها ثم يعبد ربه ويتقيه هذا بعد أن يوسع عليه ما يلتذ به ويشتهيه ، ويكثر عليه ما يهيج بواعثه ويؤكد دواعيه ؛ كل ذلك يمتحنه به ويبتليه فينظر كيف يؤثره على ما يهواه وينتحيه وكيف يحفظ أوامره وينتهي عن نواهيه ويواظب على طاعته وينزجر ، عن معاصيه ، والصلاة على محمد ، عبده النبيه ورسوله الوجيه صلاة تزلفه وتحظيه وترفع منزلته وتعليه وعلى الأبرار من عترته وأقربيه والأخيار من صحابته وتابعيه .

أما بعد ، فأعظم المهلكات لابن آدم شهوة البطن ، فبها أخرج آدم عليه السلام وحواء من دار القرار إلى دار الذل والافتقار إذ نهيا عن الشجرة فغلبتهما شهواتهما حتى أكلا منها فبدت لهما سوآتهما والبطن على التحقيق ينبوع الشهوات ومنبت الأدواء والآفات ، إذ يتبعها شهوة الفرج ، وشدة الشبق إلى المنكوحات ، ثم تتبع شهوة الطعام والنكاح شدة الرغبة في الجاه والمال ، اللذين هما وسيلة إلى التوسع في المنكوحات والمطعومات ، ثم يتبع استكثار المال والجاه أنواع الرعونات وضروب المنافسات والمحاسدات ، ثم يتولد بينهما آفة الرياء ، وغائلة التفاخر والتكاثر والكبرياء ، ثم يتداعى ذلك إلى الحقد والحسد والعداوة والبغضاء ، ثم يفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي والمنكر والفحشاء وكل ذلك ثمرة إهمال المعدة وما يتولد منها من بطر الشبع والامتلاء ولو ذلل العبد نفسه بالجوع ، وضيق به مجاري الشيطان ، لأذعنت لطاعة الله عز وجل ، ولم تسلك سبيل البطر والطغيان ولم ينجر به ذلك إلى الانهماك في الدنيا ، وإيثار العاجلة على العقبى ولم يتكالب كل هذا التكالب على الدنيا وإذا عظمت آفة شهوة البطن إلى هذا الحد وجب شرح غوائلها وآفاتها ، تحذيرا منها ووجب إيضاح طريق المجاهدة لها والتنبيه على فضلها ؛ ترغيبا فيها ، وكذلك شرح شهوة الفرج ، فإنها تابعة لها ونحن نوضح ذلك بعون الله تعالى في فصول يجمعها ، بيان فضيلة الجوع ثم فوائده ، ثم طريق الرياضة في كسر شهوة البطن بالتقليل من الطعام والتأخير ، ثم بيان اختلاف حكم الجوع وفضيلته باختلاف أحوال الناس ، ثم بيان الرياضة في ترك الشهوة ، ثم القول في شهوة الفرج ، ثم بيان ما على المريد في ترك التزويج وفعله ، ثم بيان فضيلة من يخالف شهوة البطن والفرج والعين .

التالي السابق



الخدمات العلمية