وقال ابن السبكي: للحافظ ومن أراد معرفة قدر الأشعري وأن يمتلئ قلبه من حبه فعليه بكتاب "تبيين المفتري" أبي القاسم بن عساكر، وهو من أجل الكتب وأعظمها فائدة وأحسنها، ويقال: لا يكون الفقيه شافعيا على الحقيقة حتى يحصل هذا الكتاب، وكان مشيختنا يأمرون الطلبة بالنظر فيه، قال: وقد زعم بعض الناس أن الشيخ كان مالكي المذهب، وليس ذلك بصحيح، إنما كان شافعيا تفقه على نص على ذلك الأستاذ أبي إسحاق المروزي، في طبقات المتكلمين، والأستاذ أبو بكر بن فورك فيما نقله الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني في شرح الرسالة، والمالكي هو القاضي أبو محمد الجويني شيخ الأشاعرة. اهـ . أبو بكر الباقلاني
قلت: والذي قال: إنه مالكي المذهب جماعة، منهم فذكره في طبقاتهم في كتابه "المدارك"، واعتمد عليه، وتبعه على ذلك غير واحد منهم: القاضي عياض، أبو عبد الله محمد بن موسى بن عماد الكلاعي اليورقي، وهو من أئمة المالكية؛ فإنه صرح في ترجمة الشيخ بأنه كان مالكي المذهب في الفروع، وحكي أنه سمع الإمام رافع الحمال يقول ذلك، هكذا نقله الذهبي.
قال ابن السبكي: وقد وقع لي أن سبب الوهم فيه أن القاضي أبا بكر كان يقال له: لشدة قيامه في نصرة مذهب الشيخ، وكان مالكيا على الصحيح الذي صرح ابن السمعاني في القواطع وغيره من النقلة الأثبات ورافع الحمال، قرأ على من قرأ على القاضي، فأظن الأشعري؛ اليورقي سمع رافعا يقول: مالكي، فتوهمه، يعني الشيخ، وإنما يعني رافعا القاضي الأشعري أبا بكر، هذا ما وقع لي، ولا أشك فيه، واليورقي رجل معتزلي بعيد الدار عن بلاد العراق متأخر عن زمان أصحاب الشيخ وأصحاب أصحابه، فبعد عليه تحقيق حاله، وقد تقدم كلام الشيخ أبي محمد الجويني عن الأستاذ أبي إسحاق، وكفى به؛ فإنه أعرف من رافع، ولا أحد في عصر الأستاذ أخبر منه بحال الشيخ، إلا أن يكون اهـ . الباقلاني.
وهذا الذي ذكره آخره مسلم، ولكن توجيهه لكلام رافع مستبعد، كما لا يخفى، ولم لا يكون الشيخ عارفا بالمذهبين، يفتي بهما كما كان ابن دقيق العيد وغيره من جهابذة العلماء، ويكون دعوى كل من الفريقين صحيحا؟ فتأمل .