وقال تعالى: وأذن في الناس بالحج أي: ونادهم والخطاب بدعوة الحج والأمر به، لإبراهيم -عليه السلام- وقيل: لمحمد -صلى الله عليه وسلم- والأول أظهر.
وعن قال: أبي هريرة، أخرجه خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «يا أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا» مسلم.
يأتوك رجالا هذا جواب الأمر، وعده الله إجابة الناس له إلى حج البيت ما بين راجل وراكب.
وعلى كل ضامر أي: بعير، والضامر: البعير المهزول الذي أتعبه السفر يأتين من كل فج عميق [الحج: 27]، "الفج" الطريق الواسع "العميق" البعيد ليشهدوا أي: ليحضروا منافع لهم وهي تعم منافع الدنيا والآخرة. وقيل: المراد بها المناسك، وقيل: المغفرة، وقيل: التجارة ويذكروا اسم الله عند ذبح الهدايا والضحايا. وقيل: إن هذا الذكر كناية عن الذبح؛ لأنه لا ينفك عنه؛ تنبيها على أن المقصود مما يتقرب به إلى الله تعالى: أن يذكر اسمه.
في أيام معلومات هي أيام النحر، كما يفيد ذلك قوله الآتي: على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ، وبه قال والصاحبان. وقيل: عشر ذي الحجة، وهي قول أكثر المفسرين، ابن عمر، والشافعي، وأبي حنيفة على ما رزقهم من بهيمة الأنعام البهيمة: مبهمة في كل ذات أربع، في البر والبحر، فبينت بالأنعام، وهي: الإبل، والبقر، والضأن، والمعز، التي تنحر في يوم العيد وما بعده من الهدايا والضحايا.
فكلوا منها أي: من لحومها، الأمر هنا للندب عند الجمهور. وذهبت طائفة إلى أن الأمر للوجوب، وهذا التفات من الغيبة إلى الخطاب.
[ ص: 55 ] وأطعموا البائس الفقير البائس: ذو البؤس، وهو شدة الفقر، فذكر الفقير بعده لمزيد الإيضاح.
وقال "البائس": الزمن الذي لا شيء له، والأمر هنا للوجوب، وقيل: للندب. ابن عباس:
ثم أي: بعد حلهم وخروجهم من الإحرام، وبعد الإتيان بما عليهم من النسك ليقضوا تفثهم المراد بالقضاء هنا: هو التأدية؛ أي: ليؤدوا إزالة وسخهم؛ لأن التفث هو الوسخ، والدرن، والشعث، والقذارة من طول الشعر والأظفار.
وليوفوا نذورهم أي: ما ينذرون به من البر في حجهم، والأمر للوجوب. وقيل: المراد بالنذر هنا: أعمال الحج، أو الهدايا، والضحايا.
وليطوفوا بالبيت العتيق ، هذا الطواف هو يوم النحر بعد الرمي والحلق. طواف الإفاضة الواجب وقته
قال لا خلاف في ذلك بين المتأولين، "والعتيق": القديم. قال بعض أهل العلم: يعني: أن الله تعالى جعل بعض الأمكنة لإظهار عظمته وكرامته؛ ابن جرير: كالكعبة، وعرفات، والمزدلفة، ومنى، والصفا، والمروة، ومقام إبراهيم، والمسجد الحرام كله، بل سائر مكة المكرمة، وألقى في قلوب الناس شوقا إليه، فيقصدونها من أقصى الغايات، رجالا وركبانا، على مطايا مهزولة، وأنعام ضامرة، في إعياء ومشقة من السفر، وتفث وشعث كثير، ويذبحون هناك على اسمه بهيمة الأنعام، ويوفون نذورهم، ويطوفون بالبيت العتيق، ويظهرون تعظيم ربه الذي امتلأت به قلوبهم كما هو حق الإظهار. فمنهم من يقبل أسكفته، ومنهم من يدعو حيال بابه، ومنهم من يلتزم ستر [ ص: 56 ] الكعبة ملتجئا إليه سبحانه، ومنهم من ينوي اعتكاف البيت، فيشتغل بذكر الله ليلا ونهارا، ومنهم من ينظر إليه قائما في نهاية الأدب. فمثل هذه الأفعال مختصة بتعظيم الله سبحانه، والله تعالى راض عنهم، وهم يستفيدون هناك فوائد الدنيا والدين. فلا ينبغي أن يؤتى بمثل هذه الأفعال في تعظيم من دون الله، ولا مع قبر، وضريحه، وأنصابه، فيقصده من أقصى أمد، ويسافر إليه في عناء وكلفة، ولباس رث، وصورة هي تفث وشعث. فيرد هناك، ويذبح حيوانا، أو ينذر له نذرا، ويطوف بقبره، أو مكانه، ويتأدب لواديه، ولا يصطاد صيده، ولا يعضد شجره، ولا يختلي خلاه، ونحوها من الأفعال، أو يتوقع منه نفعا في الدنيا، أو في الدين؛ فإن هذا كله شرك يجب الاجتناب منه؛ لأن هذه المعاملة لا تليق إلا بالله. وليس هذا الشأن لأحد من المخلوق حتى يعامل ذلك به.