قال تعالى : له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا [الكهف : 26] .
أفاد هذا التعجب أن شأنه سبحانه في علمه بذلك خارج عما عليه إدراك المدركين . وقرئ «ولا تشرك » بالتاء .على أنه . والمراد بحكم الله : ما يقضيه ، أو علم الغيب ، والأول أولى . نهي للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لله شريكا [ ص: 428 ] في حكمه
ويدخل علم الغيب في ذلك دخولا أوليا ؛ فإن علمه سبحانه من جملة قضائه تعالى .
وقال تعالى : قال فما بال القرون الأولى [طه : 51] ؛ كقوم نوح ، وهود ، ولوط ، وصالح في عبادتهم الأوثان ؛ فإنها لم تقر بالرب ، بل عبدت الأوثان ونحوها من المخلوقات .
فأجابه موسى -عليه السلام - قال علمها عند ربي هو من علم الغيب الذي استأثر الله به لا تعلمه أنت ، ولا أنا : في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى أضاف موسى هذا العلم إلى الله سبحانه ، ونفى ذلك عن نفسه .
فدل على أن الأنبياء لا يعلمون منه شيئا إلا ما يخبر به سبحانه إياهم .
وقال تعالى : عالم الغيب والشهادة [المؤمنون : 92] ؛ أي : هو مختص بذلك، وهذا دليل آخر على الوحدانية . فتعالى الله عما يشركون ؛ أي : أنه سبحانه متعال عن أن يكون له شريك في الملك ، أو في علم الغيب .
وقال تعالى : يسألك الناس [الأحزاب : 63] عن الساعة ؛ أي : عن وقت حصولها ، ووجودها ، وقيامها ، قل إنما علمها عند الله يعني : أنه سبحانه استأثر به ، ولم يطلع عليه نبيا مرسلا ، ولا ملكا مقربا ، وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ؟ .
قال في «فتح البيان » : الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لبيان أنها إذا كانت محجوبة عنه لا يعلم وقتها ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بغيره من الناس ؟ .
قال : وفي هذا تهديد عظيم للمستعجلين ، وإسكات للمتحينين ، والمشركين ، ولمن يثبت علم المغيبات للأنبياء والصالحين ، وغيرهم من الخلق أجمعين .
وقال تعالى : عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين [سبأ : 3] . [ ص: 429 ]
فيه رد على من يقول من الفلاسفة وغيرهم ، من أن الله يعلم الأشياء علما كليا ، ولا يعلمها علما جزئيا .
فهذه الآية الشريفة نص قاطع في محل النزاع ، وحجة بالغة إلى الأعداء والأحباء ، في كونه سبحانه عالما بالعمل الجزئي الشامل لكل ذرة من الخلق ، ومن جحده ، فقد كفر .