ودلت السنة على مثل ما دل عليه الكتاب.
عن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة [ ص: 194 ] «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله».
وفي حديث طويل عنه -رضي الله عنه-، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: - وأعطاني نعليه - اذهب بنعلي هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، فبشره بالجنة». أبا هريرة! «يا
وعن -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: عثمان بن عفان
«من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله، دخل الجنة».
وعن أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، وجبت له الجنة». معاذ بن جبل:
هذه الأحاديث ساقها بسنده، وقال في الحديث الأول: بيان ما يجب على المدعو أن يأتي به حتى يحقن به دمه. البيهقي
وفي الحديث الثاني: بيان ما يجب عليه من الجمع بين معرفة القلب، والإقرار باللسان مع الإمكان حتى يصح إيمانه.
وفي الخبر الثالث، والرابع: شرط الوفاة على الإيمان حتى يستحق دخول الجنان بوعد الله تعالى. انتهى.
وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه الذي سماه: «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية»: ملاك السعادة، والنجاة، والفوز بتحقيق التوحيدين اللذين عليهما مدار كتب الله تعالى، وبتحقيقهما بعث الله رسله، وإليهما دعت الرسل من أولهم إلى آخرهم.
أحدهما: التوحيد العلمي الخيري الاعتقادي: المتضمن إثبات صفات الكمال لله تعالى، وتنزيهه فيها عن التشبيه، والتمثيل، وتنزيهه عن صفات النقص.
والثاني: عبادته وحده لا شريك له، وتجريد محبته، والإخلاص له، وخوفه، ورجاؤه، والتوكل عليه، والرضا به ربا، وإلها، ووليا، وألا يجعل عدلا له في شيء من الأشياء. [ ص: 195 ]
وقد جمع الله هذين النوعين من التوحيد في سورتي الإخلاص.
وهما: سورة: قل يا أيها الكافرون والمتضمنة للتوحيد العملي الإرادي، وسورة: قل هو الله أحد المتضمنة للتوحيد العلمي الخبري.
فسورة: قل هو الله أحد فيها بيان ما يحب الله تعالى من صفات الكمال، وبيان ما يجب تنزيهه عنه من النقائص، والأمثال.
وسورة: قل يا أيها الكافرون فيها إيجاب عبادته وحده لا شريك له، والتبري من عبادة كل ما سواه.
ولا يتم أحد التوحيدين إلا بالآخر.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهاتين السورتين في سنة الفجر، وصلاة المغرب اللتين هما فاتحة العمل، وخاتمته؛ ليكون مبدأ النهار توحيدا، وخاتمته توحيدا.
فالتوحيد العلمي الخيري له ضدان: التعطيل، والتشبيه والتمثيل.
فمن نفى صفات الرب، وعطلها، كذب تعطيله توحيده.
ومن شبهه بخلقه، ومثله بهم، كذب تشبيهه وتمثيله توحيده.
والتوحيد الإرادي العملي له ضدان:
الإعراض عن محبته، والإنابة إليه، والتوكل عليه، والإشراك به في ذلك، واتخاذ أوليائه شفعاء من دونه.
وقد جمع الله تعالى بين التوحيدين في غير موضع من القرآن.
منها قوله تعالى: يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون إلى قوله: فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون [البقرة: 3].
ومنها قوله تعالى: ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون إلى قوله: هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين . [ ص: 196 ]
ومنها قوله تعالى: ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم [السجدة: 6].
تأمل ما في هذه الآيات من الرد على طوائف المعطلين، والمشركين.
فقوله: خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام يتضمن إبطال قول الملاحدة القائلين بقدم العالم، وأنه لم يزل، وأن الله سبحانه لم يخلق بقدرته، ومشيئته.
ومن أثبت منهم وجود الرب، جعله لازما لذاته أزلا، وأبدا، غير مخلوق كما هو قول ابن سينا، والنصير الطوسي، وأتباعهما من الملاحدة الجاحدين لما اتفقت عليه الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، والكتب، وشهدت به العقول، والفطر.
ثم استوى على العرش يتضمن إبطال قول المعطلة، والجهمية الذين يقولون: ليس على العرش شيء سوى العدم، وإن الله ليس مستويا على عرشه، ولا ترفع إليه الأيدي، ولا يصعد إليه الكلم الطيب، ولا رفع المسيح إليه، ولا عرج برسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تعرج الملائكة والروح إليه، ولا ينزل من عنده وقوله تعالى: جبريل - عليه السلام -، ولا غيره، ولا ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، ولا يخافه عباده من الملائكة، وغيرهم من فوقهم، ولا يراه المؤمنون في الدار الآخرة عيانا بأبصارهم من فوقهم، ولا تجوز الإشارة إليه بالأصابع إلى فوق، كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم في أعظم مجامعه في حجة الوداع إليه، وجعل يرفع إصبعه إلى السماء، وينكبها إلى الناس، ويقول: «اللهم اشهد». انتهى كلام ابن القيم -رحمه الله تعالى- الذي يلوح عليه من أنوار الإيمان، وقوته ما لا يخفى على إنسان.
قال الإمام العلامة محمد بن الحاج أحمد السفاريني في كتابه «لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية»: [ ص: 197 ]