التفسير:
(المطففون): الذين يبخسون الكيل والوزن، ويظهرون أنهم يوفون.
وروي: أن أهل المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا ووزنا، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة; نزلت هذه السورة، قاله ابن عباس.
وقوله: اكتالوا على الناس : على عند بمعنى: (من)، [ومعنى (اكتلت عليه): أخذت ما عليه، و (اكتلت منه); أي: استوفيت منه]. الطبري
وقوله: وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون أي: كالوا لهم، [أو وزنوا لهم]، فحذفت اللام، فتعدى الفعل، قاله الأخفش، والفراء.
عيسى بن عمر: المعنى: وإذا كالوا هم، أو وزنوا هم، فجعل {هم} للتوكيد، وينبغي على هذه أن تكون بعد الواو ألف، وليست في المصحف كذلك.
وقوله: كلا إن كتاب الفجار لفي سجين} : قال ابن عباس، يعني: الأرض [ ص: 53 ] السابعة، وقال كعب، وقال: تحتها أرواح الكفار، تحت خد إبليس، وعن كعب أيضا قال: ومجاهد: سجين : شجرة سوداء تحت الأرض السابعة، مكتوب فيها اسم كل شيطان، تلقى أنفس الكفار عندها.
المعنى: عملهم تحت الأرض السابعة، لا يصعد منه شيء، قال: مجاهد:
و {سجين}: صخرة في الأرض السابعة.
وعن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:" {سجين} جب في جهنم، وهو مفتوح"، وقال في {الفلق}: "إنه جب في جهنم مغطى".
أبو عبيدة: سجين : [حبس] شديد.
وقيل: أصله: (سجيل); فأبدلت اللام نونا، وقد تقدم ذلك.
وقوله: كتاب مرقوم أي: مكتوب فيه أعمال الكفار.
وقوله: كلا بل ران على قلوبهم أي: غلب على قلوبهم ما اكتسبوه من المعاصي.
الحسن، (الرين): الذنب على الذنب حتى يموت القلب. وقتادة:
عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: أبو هريرة كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون . "إذا أذنب العبد الذنب; [ ص: 54 ] كانت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب صقل قلبه، فإن زاد زادت حتى يسود قلبه، قال: فذلك قوله:
وقوله: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون : في هذا دليل على أن قاله الأبرار غير محجوبين عن رؤية الله عز وجل في الآخرة، وغيره. مالك بن أنس،
وقوله: كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين : قيل: يعني: السماء السابعة، فيها أرواح المؤمنين، قاله مجاهد وغيرهما، وعن والضحاك أيضا: هي عند سدرة المنتهى. الضحاك
هي الجنة. ابن عباس:
هي فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى. قتادة:
وقيل: عليون : أعلى الأمكنة.
وقيل: معناه: علو في علو مضاعف; ولذلك جمع بالواو والنون، وهو معنى قول الطبري.
وقيل: إن {عليين} صفة للملائكة.
وقوله: يشهده المقربون : [قال ابن عباس أهل كل سماء. والضحاك:
[ ص: 55 ] وقوله: على الأرائك ينظرون أي: ينظرون إلى نعم الله عز وجل عليهم، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "ينظرون إلى أعدائهم في النار".
وقوله: يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك ]: قال ابن مسعود، وغيرهما: (الرحيق): الخمر، وقيل: هي الخمر الصافية الخالصة من الغش. وابن عباس،
ومعنى {مختوم}: مخلوط.
وقوله: ختامه مسك أي: خلطه مسك، عن ابن مسعود.
ابن عباس، وغيرهما: المعنى: أنه توجد رائحة المسك عند آخر شربه. والحسن،
عاقبته مسك. قتادة:
مجاهد، ختم إناؤه بالمسك بدل الطين. وابن زيد:
هو شراب أبيض مثل الفضة، يختمون به شرابهم. أبو الدرداء:
وقوله: ومزاجه من تسنيم * عينا يشرب بها المقربون قال [ ص: 56 ] ابن مسعود وابن عباس: تسنيم : أشرف شراب في الجنة، يشرب منه المقربون صرفا، ويمزج لسائر أهل الجنة.
مجاهد: من تسنيم أي: من علو; فالمعنى: من عين تنصب عليهم من علو.
ابن زيد: بلغنا أنها عين تخرج من تحت العرش.
وقوله: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون يعني: استهزاء الكفار بالمؤمنين.
وتقدم القول في {فاكهين}، و {فكهين}.
وقوله: وما أرسلوا عليهم حافظين أي: لم يرسل الكفار حافظين على المؤمنين.
إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون يعني: إذا نظروا إليهم من الجنة وهم في النار يعذبون.
وقوله: هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون : [أي: هل أعطوا إذا فعل بهم ذلك ثواب أعمالهم؟
وقيل: إنه متعلق بـ ينظرون ; أي: ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون؟].
وقيل: هو على إضمار القول; والمعنى: يقول بعض المؤمنين لبعض: هل ثوب [ ص: 57 ] الكفار ما كانوا يفعلون؟
ومعنى {ثوب}: رجوع ما يرجع إليهم من مجازاة ربهم.