الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الثامن والتسعون والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه قبل قبضه وقاعدة ما لا يجوز بيعه قبل قبضه )

قال صاحب الجواهر لا يتوقف شيء من التصرفات على القبض إلا البيع فيمتنع بيع الطعام [ ص: 280 ] قبل قبضه لقوله عليه السلام في الصحيح { من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه } فيمتنع فيما فيه حق توفية من كيل أو وزن أو عدد إلا في غير المعارضة كالقرض أو البدل ، ثم لا يجوز لمن صار إليه هذا الطعام بيعه قبل قبضه .

وأما ما بيع جزافا فيجوز قبل النقل إذا خلى البائع بينه وبينه لحصول الاستيفاء ومنع الشافعي وأبو حنيفة بيعه قبل نقله لقول ابن عمر رضي الله عنهما ما كنا نبتاع الطعام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث علينا من يأمرنا بنقله من المكان الذي نبتاعه فيه إلى مكان سواه ، وقال عمر رضي الله عنه كنا إذا ابتعنا الطعام جزافا لم نبعه حتى نحوله من مكانه والمشهور اختصاص المنع بالطعام وتعميمه فيه يتعدى لما فيه حق توفية { لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن } خرجه الترمذي ، وقال الشافعي وأبو حنيفة يمتنع التصرف في البيع قبل قبضه مطلقا واستثنى أبو حنيفة العقار ؛ لأن العقد لا يخشى انفساخه بهلاكه قبل قبضه ووافق المشهور ابن حنبل .

واحتج الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما بحديث الترمذي المتقدم ؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام لما بعث [ ص: 281 ] عتاب بن أسيد أميرا على مكة أمره أن ينهاهم عن بيع ما لم يقبضوا أو ربح ما لم يضمنوا وبالقياس على الطعام ( والجواب عن الأول والثاني ) أن هذه الأحاديث المراد بها نهيه عليه السلام عن بيع ما ليس عندك فينهى الإنسان عن بيع ملك غيره ويضمن تخليصه ؛ لأنه غرر ودليله قوله عليه السلام { الخراج بالضمان والغلة للمشتري } ، فيكون الضمان منه فما باع إلا مضمونا فما يتناول الحديث محل النزاع ( وعن الثالث ) الفرق بأن الطعام أشرف من غيره لكونه سبب قيام البنية وعماد الحياة ، فشدد الشرع على عاداته في تكثير الشروط فيما عظم شرفه كاشتراط الولي والصداق في عقد النكاح دون عقد البيع وشرط في القضاء ما لم يشترطه في منصب الشهادة ، ثم يتأكد ما ذكرناه بمفهوم نهيه عليه السلام عن بيع الطعام حتى يستوفي [ ص: 282 ] ومفهومه أن غير الطعام يجوز بيعه قبل أن يستوفى وقوله تعالى { وأحل الله البيع } ( فإن قلت ) أدلة الخصوم عامة في الطعام وغيره ، والقاعدة الأصولية أن اللفظ العام لا يخصص بذكر بعضه فالحديث الخاص بالطعام لا يخصص تلك العمومات فإن من شرط المخصص أن يكون منافيا ولا منافاة بين الجزء والكل والقاعدة أيضا أن الخاص مقدم على العام عند التعارض وقوله تعالى { وأحل الله البيع } عام وتلك الأحاديث خاصة فتقدم على الآية والاعتماد في تخصيص تلك الأدلة على عمل أهل المدينة لا يستقيم ؛ لأن الخصم لا يسلم أنه حجة فضلا عن تخصيص الأدلة .

( قلت ) أسئلة صحيحة متجهة الإيراد لا يحضرني عنها جواب نظائر : قال العبد يجوز بيع الطعام قبل قبضه في خمسة مواضع : الهبة والميراث على اختلاف والاستهلاك والقرض والصكوك ، وهي [ ص: 283 ] أعطيات الناس من بيت المال واختلف في طعام أهل الصلح ووقعت الرخصة في الشركة في الطعام قبل قبضه والإقالة والتولية تنزيلا للثاني منزلة الأول المشتري على وجه المعروف بشرط أن لا يفترق العقدان في أجل أو مقدار أو غيرهما ؛ لأن ذلك يشعر بالمكايسة ، ومنع الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم الجميع نظرا للنقل والمعاوضة فهذا تلخيص الفرق بين القاعدتين .

التالي السابق



الخدمات العلمية