( الفرق الحادي والخمسون والمائة بين قاعدة الإباحة المطلقة وبين قاعدة الإباحة المنسوبة إلى سبب مخصوص )
اعلم أن ويكون عليه حرج في الإقدام باعتبار سبب آخر فالتحريم يجتمع مع هذه الإباحة ولا يجتمع مع الإباحة الأولى وسر ذلك أن أسباب التحريم قد تجتمع وقد تفترق فإن اجتمع الإباحة قد تثبت مطلقا فلا يكون على المكلف حرج في الإقدام على الفعل مطلقا وقد تثبت باعتبار سبب معين فلا يكون على المكلف حرج في الإقدام على ذلك الفعل من جهة ذلك السبب ثبتت الإباحة باعتبار ذلك السبب خاصة وبقي الفعل محرما باعتبار السبب الآخر وكذلك إذا كان له سبب واحد للتحريم فزال وخلفه سبب آخر صدقت الإباحة باعتبار السبب الأول وصدق التحريم باعتبار السبب المتجدد ولذلك نظائر كثيرة في الشريعة وبمعرفة هذا الفرق تحصل أجوبة عن أسئلة كثيرة في الفقه والنصوص وأذكر من ذلك ثلاث مسائل ( المسألة الأولى ) اجتمع سببان فأكثر لتحريم فارتفع أحدهما
قوله تعالى { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } قال بعض الفضلاء مقتضى حتى التي هي حرف غاية أن يكون ما قبلها مخالفا لما بعدها ويكون ما بعدها نقيض ما قبلها ويظهر من هذه القاعدة أن تكون المرأة حلالا إذا عقد عليها زوج آخر ووطئها وليس الأمر كذلك إجماعا بل هي حرام على حالها حتى يطلقها هذا الزوج وإذا طلقها لا تحل حتى يعقد عليها الزوج الأول وإذا عقد عليها الزوج الأول لا تحل حتى تنفى موانع الوطء من الحيض والصيام والإحرام وغير ذلك من الموانع فلم يحصل مقتضى الغاية فهل هذه هي الغاية باقية على بابها مقتضية لثبوت النقيض أو هي مستثناة عن قاعدة الغايات بالإجماع
( والجواب ) أنها باقية على بابها وتقريره أنها كانت محرمة بكونها أجنبية وبكونها مطلقة ثلاثا فلما تزوجها الزوج الثاني صارت مباحة من جهة الطلاق الثلاث وزال التحريم الناشئ عنه وبقي التحريم بكونها أجنبية وتجدد سبب آخر للتحريم وهو كونها زوجة لغيره فقد خلف السبب الزائل سبب آخر وزال التحريم الكائن بسبب الطلاق الثلاث وثبت مقتضى الغاية وإذا طلقها الزوج الثاني بقيت محرمة بالعدة وهو [ ص: 132 ] سبب متجدد وبكونها أجنبية فإذا عقد عليها الزوج الأول زال التحريم بسبب كونها أجنبية وبقيت محرمة بسبب ما تجدد من حيض أو صوم أو غيرهما فإذا زال ذلك ثبتت الإباحة المطلقة وكان الثابت قبل ذلك مطلق الإباحة المطلقة وقد تقدم فظهر أن الغاية على بابها لم تخالف مقتضاها بل هي معمول بها واندفع الإشكال عن الآية ( المسألة الثانية ) الفرق بين مطلق الإباحة والإباحة المطلقة
إذا فهذا قد أبيح دمه بكل واحد من هذه الأسباب فإذا عفا الأولياء عن القصاص ذهبت الإباحة الناشئة عن القتل وثبتت الإباحة الناشئة عن غير ذلك من الأسباب المذكورة فالإباحة المرتفعة ههنا نظير الإباحة الحاصلة في المسألة المتقدمة وهي مطلق الإباحة المنسوبة إلى سبب معين غير أنها في المسألة الأولى حاصلة وههنا ذاهبة فتأمل ذلك ( المسألة الثالثة ) ترك الصلاة وزنى وهو محصن وارتد عن الإسلام وقتل النفس التي حرم الله
في تصوير وذلك أن اجتماع التحريم مضاعفا في أئمة وتعلقات الخطاب فيه الكعبة أشد فهذه أربعة أسباب من التحريم اجتمعت فيكون هذا الفعل محرما من أربعة أوجه ويكون الإثم مضاعفا أربع مرات ويكون خطاب التحريم قد حصل في هذه الصور أربع تعليقات فإذا تصورت اجتماع التحريمات تصورت ارتفاع بعضها وحصول مطلق الإباحة بالنسبة إلى ذلك السبب المرتفع وتصورت أيضا الزنى محرم وبالبنت أشد وبها في الصوم أشد ومع الإحرام أشد وفي وكذا بقية اجتماع الوجوبات بتظافر أسبابها على الفعل فتأمل ذلك . الأحكام تارة تثبت مطلقة وتارة بالنسبة إلى سبب معين