[
nindex.php?page=treesubj&link=21388شروط حجية التقرير ] إذا ثبت هذا فإنما يكون التقرير حجة بشروط . أحدها : أن يعلم به ، فإن لم يعلم به لا يكون حجة ، وهو ظاهر من لفظ التقرير ، وخرج من هذا ما فعل في عصره مما لم يطلع عليه غالبا ، كقولهم : كنا نجامع ونكسل ، وما فعل في عهده عليه السلام ، ولم يعلم انتشاره انتشارا يبلغ النبي عليه السلام ، فهل يجعل ذلك سنة وشريعة من شرائعه ؟ جزم
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق في الملخص " بأنه لا يدل ، وقال
الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني في
[ ص: 57 ] شرح الترتيب " : اختلف قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فيه ، ولهذا قال في
nindex.php?page=treesubj&link=2982_21388الأقط : هل يجوز في الفطرة أم لا ؟ على قولين ; لأنه لم يكن قد علم أنه بلغ النبي عليه السلام ما كانوا يخرجونه في الزكاة في الأقط ; لأنه روي عن بعض الصحابة أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62573كنا نخرج على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من أقط } ، فعلق
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي القول في هذا على وجهين . ا هـ . وقال
ابن السمعاني :
nindex.php?page=treesubj&link=21574_21388إذا قال الصحابي : كانوا يفعلون كذا ، وأضافه إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان مما لا يخفى مثلهحمل على الإقرار ، ويكون شرعا لنا ، وإن كان مثله يخفى ، فإن تكرر منه ذكره حمل على إقراره ; لأن الأغلب فيما كثر أنه لا يخفى ، كقول
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62574كنا نخرج صدقة الفطر في زمن النبي عليه السلام صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من بر } قال : وعلى هذا إذا خرج الراوي الرواية مخرج الكثير بأن قال : كانوا يفعلون كذا ، حملت الرواية على عمله وإقراره ، وصار كالمنقول شرعا ، وإن تجرد عن لفظ التكثير ، كقوله : فعلوا كذا فهو محتمل ، ولا يثبت شرع باحتمال . أما إذا أضافه إلى عصر الصحابة أو أطلق فسيأتي .
الشرط الثاني : أن يكون قادرا على الإنكار ، كذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب وغيره ، وفيه نظر . فقد ذكر الفقهاء من خصائصه عدم سقوط وجوب تغيير المنكر بالخوف على النفس ، وعدم السقوط في الحقيقة ; لأنه لا يقع منه خوف على نفسه بعد إخبار الله بعصمته في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67والله يعصمك من الناس } قال
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في تعليقه : وإنما اختص عليه السلام بوجوبه لأمرين . أحدهما : أن الله ضمن له النصر والظفر بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إنا كفيناك [ ص: 58 ] المستهزئين } الثاني : أنه لو لم ينكره لكان يوهم أن ذلك جائز ، وإلا لأمر بتركه . ا هـ .
وحينئذ فلا يعقل هذا الشرط . الشرط الثالث : كون المقر على الفعل منقادا للشرع ، سامعا مطيعا ، فالممتنع كالكافر لا يكون التقرير في حقه دالا على الإباحة ، وألحق به
إمام الحرمين المنافق ، ونازعه
nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري ; لأنا نجري عليه الأحكام ظاهرا ، وهو كما قال ; لأنه من أهل الالتزام والانقياد في الجملة ، وحكى
الغزالي في المنخول " في
nindex.php?page=treesubj&link=21388تقرير المنافق خلافا ، ومال
إلكيا إلى ما قاله إمامه . قال : ; لأنه عليه السلام كان كثيرا ما يسكت عن المنافقين علما منه أن العظة لا تنفع معهم ، وإن كان العذاب حقيقا بهم ، وشرط
nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة في تعليقه كون التقرير بعد ثبوت الشرع ، وأما ما كان يقر عليه قبل استقرار الشرع ، حين كان داعيا إلى الإسلام فلا ، وهذا يرجع إلى الثاني ، وشرط
ابن السمعاني أن لا يتقدم تقريره إنكار سابق قال : وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=21388ذم الرسول فاعلا بعد إقراره على فعل مثله ، دل على حظره بعد إباحته ، وإن كان الآخر هو الذم بعد الإقرار ، دل على الحظر بعد الإباحة . قال : وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=26932_21388علم من حال مرتكب المنكر أن الإنكار عليه يزيده إغراء على مثله ، فإن علم به غير الرسول لم يجب عليه الإنكار ; لئلا يزداد من المنكر بالإغراء ، وإن علم به الرسول ففي إنكاره وجهان . أحدهما : لا يجب لما ذكر ، وهو قول
المعتزلة . والثاني : يجب إنكاره ليزول بالإنكار توهم الإباحة . قال : وهذا الوجه
[ ص: 59 ] أظهر ، وهو قول
الأشعرية ، وعليه يكون الرسول مخالفا لغيره ; لأن الإباحة والحظر شرع مختص بالرسول دون غيره ، وشرط
ابن القشيري أن لا نجد للسكوت محملا سوى التقرير ورفع الحرج . فلو كان مشتغلا ببيان حكم مستغرقا فيه ، فرأى إنسانا على أمر ولم يتعرض له ، فلا يكون تركه ذلك تقريرا إذ لا يمكنه تقرير جميع الموانع بمرة واحدة . قال : ولهذا أقول : ليس كل ما كان عليه الناس في صدر الشرع ، ثم تغير الأمر لا يدعى فيه النسخ ، بل إذا ثبت حكم شرعي ، ثم تغير فهو النسخ . فأما ما كان عليه الناس في الجاهلية ، ثم قرر الرسول فيه حكما ، فلا يقال : كان ذلك المتقدم شرعا مستمرا ثم نسخ ، إذ ربما لم يتفرغ الرسول لبيانه ، أو لم يتذكره .
مثاله : قول الخصم في نكاح المشركات : كان قد تقرر في ابتداء الإسلام انتفاء الحظر في المنكوحات ، ثم طرأ الحظر ، فنسخ ذلك الحكم ، وهذا مجازفة : إذ من الممكن أنهم كانوا ، ولم يكن ذلك شرعا ، بل جريا على حكم الجاهلية . ثم بين النبي عليه السلام أنه لا تجوز الزيادة على أربع بيانا مبتدأ ، وأما إذا أمكن أن يكون سكوته محمولا على أن
جبريل عليه السلام لم يبين له بعد ذلك الحكم ، لم يقطع بمشروعية ذلك التقرير ، بل يقال بانتفاء الحكم إذ لا عثور فيه على شرع ; لاندراس الشرائع المتقدمة ، فهذا لا يقضى فيه بحكم أصلا . ا هـ .
[
nindex.php?page=treesubj&link=21388شُرُوطُ حُجِّيَّةِ التَّقْرِيرِ ] إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّمَا يَكُونُ التَّقْرِيرُ حُجَّةً بِشُرُوطٍ . أَحَدُهَا : أَنْ يَعْلَمَ بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يَكُونُ حُجَّةً ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ لَفْظِ التَّقْرِيرِ ، وَخَرَجَ مِنْ هَذَا مَا فُعِلَ فِي عَصْرِهِ مِمَّا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَالِبًا ، كَقَوْلِهِمْ : كُنَّا نُجَامِعُ وَنَكْسَلُ ، وَمَا فُعِلَ فِي عَهْدِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَلَمْ يُعْلَمْ انْتِشَارُهُ انْتِشَارًا يَبْلُغُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَهَلْ يُجْعَلُ ذَلِكَ سُنَّةً وَشَرِيعَةً مِنْ شَرَائِعِهِ ؟ جَزَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُلَخَّصِ " بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ ، وَقَالَ
الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فِي
[ ص: 57 ] شَرْحِ التَّرْتِيبِ " : اخْتَلَفَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ فِيهِ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=2982_21388الْأَقِطِ : هَلْ يَجُوزُ فِي الْفِطْرَةِ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ بَلَغَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانُوا يُخْرِجُونَهُ فِي الزَّكَاةِ فِي الْأَقِطِ ; لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62573كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ } ، فَعَلَّقَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِي هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ . ا هـ . وَقَالَ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ :
nindex.php?page=treesubj&link=21574_21388إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ : كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا ، وَأَضَافَهُ إلَى عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ مِمَّا لَا يَخْفَى مِثْلُهُحُمِلَ عَلَى الْإِقْرَارِ ، وَيَكُونُ شَرْعًا لَنَا ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَخْفَى ، فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذِكْرُهُ حُمِلَ عَلَى إقْرَارِهِ ; لِأَنَّ الْأَغْلَبَ فِيمَا كَثُرَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى ، كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62574كُنَّا نُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ } قَالَ : وَعَلَى هَذَا إذَا خَرَّجَ الرَّاوِي الرِّوَايَةَ مَخْرَجَ الْكَثِيرِ بِأَنْ قَالَ : كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا ، حُمِلَتْ الرِّوَايَةُ عَلَى عَمَلِهِ وَإِقْرَارِهِ ، وَصَارَ كَالْمَنْقُولِ شَرْعًا ، وَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ لَفْظِ التَّكْثِيرِ ، كَقَوْلِهِ : فَعَلُوا كَذَا فَهُوَ مُحْتَمَلٌ ، وَلَا يَثْبُتُ شَرْعٌ بِاحْتِمَالٍ . أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى عَصْرِ الصَّحَابَةِ أَوْ أَطْلَقَ فَسَيَأْتِي .
الشَّرْطُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْإِنْكَارِ ، كَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ . فَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنْ خَصَائِصِهِ عَدَمَ سُقُوطِ وُجُوبِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ ، وَعَدَمَ السُّقُوطِ فِي الْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ مِنْهُ خَوْفٌ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ إخْبَارِ اللَّهِ بِعِصْمَتِهِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67وَاَللَّهُ يَعْصِمُك مِنْ النَّاسِ } قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11872الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ : وَإِنَّمَا اخْتَصَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِوُجُوبِهِ لِأَمْرَيْنِ . أَحَدُهُمَا : أَنَّ اللَّهَ ضَمِنَ لَهُ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إنَّا كَفَيْنَاك [ ص: 58 ] الْمُسْتَهْزِئِينَ } الثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُنْكِرْهُ لَكَانَ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ ، وَإِلَّا لَأَمَرَ بِتَرْكِهِ . ا هـ .
وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعْقَلُ هَذَا الشَّرْطُ . الشَّرْطُ الثَّالِثُ : كَوْنُ الْمُقَرِّ عَلَى الْفِعْلِ مُنْقَادًا لِلشَّرْعِ ، سَامِعًا مُطِيعًا ، فَالْمُمْتَنِعُ كَالْكَافِرِ لَا يَكُونُ التَّقْرِيرُ فِي حَقِّهِ دَالًّا عَلَى الْإِبَاحَةِ ، وَأَلْحَقَ بِهِ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمُنَافِقَ ، وَنَازَعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15140الْمَازِرِيُّ ; لِأَنَّا نُجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ ظَاهِرًا ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ وَالِانْقِيَادِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَحَكَى
الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ " فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21388تَقْرِيرِ الْمُنَافِقِ خِلَافًا ، وَمَالَ
إلْكِيَا إلَى مَا قَالَهُ إمَامُهُ . قَالَ : ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ كَثِيرًا مَا يَسْكُتُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ عِلْمًا مِنْهُ أَنَّ الْعِظَةَ لَا تَنْفَعُ مَعَهُمْ ، وَإِنْ كَانَ الْعَذَابُ حَقِيقًا بِهِمْ ، وَشَرَطَ
nindex.php?page=showalam&ids=12535ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَعْلِيقِهِ كَوْنَ التَّقْرِيرِ بَعْدَ ثُبُوتِ الشَّرْعِ ، وَأَمَّا مَا كَانَ يُقِرُّ عَلَيْهِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الشَّرْعِ ، حِينَ كَانَ دَاعِيًا إلَى الْإِسْلَامِ فَلَا ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الثَّانِي ، وَشَرَطَ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ إنْكَارٌ سَابِقٌ قَالَ : وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=21388ذَمَّ الرَّسُولُ فَاعِلًا بَعْدَ إقْرَارِهِ عَلَى فِعْلِ مِثْلِهِ ، دَلَّ عَلَى حَظْرِهِ بَعْدَ إبَاحَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ هُوَ الذَّمُّ بَعْدَ الْإِقْرَارِ ، دَلَّ عَلَى الْحَظْرِ بَعْدَ الْإِبَاحَةِ . قَالَ : وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=26932_21388عُلِمَ مِنْ حَالِ مُرْتَكِبِ الْمُنْكَرِ أَنَّ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ يَزِيدُهُ إغْرَاءً عَلَى مِثْلِهِ ، فَإِنْ عَلِمَ بِهِ غَيْرُ الرَّسُولِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ ; لِئَلَّا يَزْدَادَ مِنْ الْمُنْكَرِ بِالْإِغْرَاءِ ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ الرَّسُولُ فَفِي إنْكَارِهِ وَجْهَانِ . أَحَدُهُمَا : لَا يَجِبُ لِمَا ذُكِرَ ، وَهُوَ قَوْلُ
الْمُعْتَزِلَةِ . وَالثَّانِي : يَجِبُ إنْكَارُهُ لِيَزُولَ بِالْإِنْكَارِ تَوَهُّمُ الْإِبَاحَةِ . قَالَ : وَهَذَا الْوَجْهُ
[ ص: 59 ] أَظْهَرُ ، وَهُوَ قَوْلُ
الْأَشْعَرِيَّةِ ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ الرَّسُولُ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ ; لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ وَالْحَظْرَ شَرْعٌ مُخْتَصٌّ بِالرَّسُولِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَشَرَطَ
ابْنُ الْقُشَيْرِيّ أَنْ لَا نَجِدَ لِلسُّكُوتِ مَحْمَلًا سِوَى التَّقْرِيرِ وَرَفْعِ الْحَرَجِ . فَلَوْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِبَيَانِ حُكْمٍ مُسْتَغْرِقًا فِيهِ ، فَرَأَى إنْسَانًا عَلَى أَمْرٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ ، فَلَا يَكُونُ تَرْكُهُ ذَلِكَ تَقْرِيرًا إذْ لَا يُمْكِنُهُ تَقْرِيرُ جَمِيعِ الْمَوَانِعِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ . قَالَ : وَلِهَذَا أَقُولُ : لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي صَدْرِ الشَّرْعِ ، ثُمَّ تَغَيَّرَ الْأَمْرُ لَا يُدَّعَى فِيهِ النَّسْخُ ، بَلْ إذَا ثَبَتَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ ، ثُمَّ تَغَيَّرَ فَهُوَ النَّسْخُ . فَأَمَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، ثُمَّ قَرَّرَ الرَّسُولُ فِيهِ حُكْمًا ، فَلَا يُقَالُ : كَانَ ذَلِكَ الْمُتَقَدِّمُ شَرْعًا مُسْتَمِرًّا ثُمَّ نُسِخَ ، إذْ رُبَّمَا لَمْ يَتَفَرَّغْ الرَّسُولُ لِبَيَانِهِ ، أَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْهُ .
مِثَالُهُ : قَوْلُ الْخَصْمِ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ : كَانَ قَدْ تَقَرَّرَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ انْتِفَاءُ الْحَظْرِ فِي الْمَنْكُوحَاتِ ، ثُمَّ طَرَأَ الْحَظْرُ ، فَنُسِخَ ذَلِكَ الْحُكْمُ ، وَهَذَا مُجَازَفَةٌ : إذْ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنَّهُمْ كَانُوا ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْعًا ، بَلْ جَرْيًا عَلَى حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ . ثُمَّ بَيَّنَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ بَيَانًا مُبْتَدَأً ، وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْحُكْمَ ، لَمْ يُقْطَعْ بِمَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ التَّقْرِيرِ ، بَلْ يُقَالُ بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ إذْ لَا عُثُورَ فِيهِ عَلَى شَرْعٍ ; لِانْدِرَاسِ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَهَذَا لَا يُقْضَى فِيهِ بِحُكْمٍ أَصْلًا . ا هـ .