تنبيه [ ] علم من تعريف الحكم بالتعلق بفعل المكلف أن الأحكام لا تتعلق بالأعيان ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب المجمل أن نحو { تعلق الأحكام حرمت عليكم [ ص: 159 ] أمهاتكم } أنه من باب الحذف بقرينة دلالة العقل أن الأحكام إنما تتعلق بالأفعال دون الأعيان . ولكن هذا ليس متفقا عليه ، فقد ذهب جمع من الحنفية إلى أن الحكم يتعلق بالعين كما يتعلق بالفعل ، ومعنى حرمة العين خروجها من أن تكون محلا للفعل شرعا كما أن حرمة الفعل خروج من الأعيان شرعا ، وذكر صاحب " الميزان " من الحنفية : أن الحل والحرمة إذا أضيفا إلى الأعيان فهي أوصاف لها كما تكون أوصافا للأفعال في قول الحنفية خلافا ، للمعتزلة .
قال : وإنما أنكرت المعتزلة إضافة التحريم إلى الأعيان لئلا يلزمهم نسبة خلق القبيح إلى الله تعالى بناء على أن كل محرم قبيح . وذكر صاحب " الأسرار " منهم أن الحل والحرمة معا إذا كان لمعنى في العين أضيف إليها ; لأنها نسبة كما يقال : جرى الميزاب ، وقال : حرمت الميتة ; لأن تحريمها لمعنى فيها ، ولا يقال : حرمت ; لأن حرمتها احترام المالك فحصل في ثلاثة مذاهب ، وذكر هذه المسألة هنا من الغرائب ، وذكر تعليق الأحكام بالأعيان القاضي في " التقريب " أن الشيء قد يوصف بما يعود إلى نفس الذات أو صفة نفسية ، أو معنوية قائمة بالذات ، أو صفة تعلق لا يرجع منها شيء إلى الذات ، وقد اختلف في ؟ . الأحكام هل يكتسب بها الذوات صفة أم لا
الجمهور على أنها من صفات التعلق فإذا قيل : هذا نجس فليس النجاسة [ ص: 160 ] ولا كونه نجسا راجعا إلى نفسه ، ولا إلى صفة نفسية أو معنوية للذات ، بل هي حال الطهارة والنجاسة على حد سواء لم يفد هذا الحكم صفة زائدة قائمة بها لأجل الحكم ، ومعنى النجاسة تعلق قول الله تعالى إنها مجتنبة في الصلاة ونحوه ، وكذا قولنا : شرب الخمر حرام ليس المراد تجرعها وحركات الشارب ، وإنما التحريم راجع إلى تعلق قول الله في النهي عن شربها ، وقد تحقق في علم الكلام أن صفات التعلق لا تقتضي إفادة وصف عائد إلى الذات ، وهذا كمن علم أن زيدا قاعد بين يديه فإن علمه وإن تعلق بزيد لم يغير من صفات زيد شيئا ، ولا حدثت لزيد صفة لأجل تعلق العلم به ، وذهب بعضهم إلى استفادة الذوات من الأحكام فائدة ، ورأوا أن التحريم والوجوب يرجع إلى ذات الفعل المحرم والواجب ، وقدروه وصفا ذاتيا .
قال القاضي : واعتلوا لذلك بضرب من الجهل ، وهو أنه لو توهم عدم الفعل لعدمت أحكامه بأسرها فوجب أن يكون أحكامه هي هو . قال : وهذا باطل ; لأنه يوجب أن تكون جميع صفات الأجسام ، وأحكامها وأقوالها وأفعالها هي هي ; لأنه لو تصور عدم الجسم لعدمت أحواله وألوانه وجميع تصرفاته ، فيجب أن تكون عبارة عن أفعاله ولا يقوله عاقل ، ونسب غيره هذا إلى المعتزلة ، فقال : الأحكام ترجع إلى تعلق الخطاب وهي صفة إضافية ، وقالت المعتزلة : إلى صفات الأفعال ، وهي نفسية [ ص: 161 ]
وقال الغزالي : وقولنا : الخمر محرمة تجوز ، فإنه جماد لا يتعلق به خطاب ، وإنما المحرم تناولها ، وقال إلكيا الطبري : الحكم لا يرجع إلى ذات المحكوم ولا إلى صفة ذاتية له إن قلنا : إنها زائدة على الذات ، أو صفة عرضية له ، وإنما هو تعلق أمر الله بالمخاطب ، وهذا التعلق معقول من غير وصف محدث للمتعلق به كالعلم . يتعلق بالمعلوم ، وإذا سمعت الفقيه يقول : حقي يتعلق بالعين فمعناه أنه ثبت لمعنى في العين كالخمر حرمت لمعنى فيها ، فتعلق الحكم تابعا للمعنى ، فكانت على حال ما يتعلق بالعين ، وإن لم تتعلق بها حقيقة . قال : وهذا أصل كبير في الشرع تمس الحاجة إليه في مواضع .