[ ص: 364 ] فصل في وهو ما أذن في فعله وتركه من حيث هو ترك له من غير تخصيص أحدهما باقتضاء مدح أو ذم ، فخرج بالإذن بقاء الأشياء على حكمها قبل ورود الشرع ، فإنه لا يسمى مباحا ، وخرج فعل الله فلا يوصف بالإباحة باتفاق أهل الحق كما قاله المباح الإمام في " التلخيص " ، والأستاذ ; لأنه لا يجوز أن يوصف بأنه مأذون له فيه . وقولنا : من حيث هو ترك للإشارة إلى أنه ، وإنما يستوي الأمران إذا ترك المباح بمثله كترك البيع بالاشتغال بعقد الإجارة ، وقد يترك بالواجب كترك البيع بالاشتغال بالأمر بالمعروف المتعين عليه ، وقد يترك بمندوب كترك البيع بالاشتغال بالذكر والقراءة ، وقد يترك بالحرام ، كترك البيع بالاشتغال بالكذب والقذف . [ ص: 365 ] والحاصل : أن قد يترك المباح بالحرام والواجب والمندوب ، فلا يكون تركه وفعله سواء ، بل يكون تركه واجبا فيصير واجبا إذا كان في تركه الهلاك ، ويصير محرما إذا كان في فعله فوات فريضة أو حصول مفسدة كالبيع وقت النداء ويصير مكروها إذا اقترنت به نية مكروه ، ويصير مندوبا إذا قصد به العون على الطاعة . وقال حكم المباح يتغير بمراعاة غيره الغزالي في " الإحياء " : كالترنم بالغناء ، ولعب الشطرنج ، وكلام بعض المباح يصير بالمواظبة عليه صغيرة ابن الصباغ وغيره يقتضي أنه لا يصير . واعلم أن جماعة من أصحابنا حدوا المباح بأنه الذي لا حرج في فعله ولا في تركه ، مع قولهم : إن الإباحة حكم شرعي . والجمع بين الكلامين عسر ، وذلك ; لأن المباح بهذا التفسير يدخل فيه فعل الله وفعل الساهي والغافل والنائم والصبي والمجنون والبهيمة ضرورة أنه لا حرج في ذلك ; لاستحالة تعلق المنع الشرعي بها ، فإذا شملت الإباحة لهذه الأفعال التي تمنع كونها متعلق الحكم الشرعي امتنع لاستحالة كون الإباحة حكما شرعيا ، وإلا لما تعلقت به الأفعال ، وقد تقرر أنها متعلقة بها .
: الحلال والمطلق والجائز ، وقال ومن أسمائه الأستاذ أبو إسحاق في " شرح كتاب الترتيب " : كل مباح جائز ، وليس كل جائز مباحا ، فإنا نقول في أفعال الله : إنها جائز حدوثها ، ولا نقول : إنها مباحة . قال : وهو سبحانه يريد المباح إذا وقع لتعلق إرادة الله ثمت بكل المرادات . [ ص: 366 ] وخالفت القاضي أبو بكر المعتزلة ، فقالوا : إن الله تعالى غير مريد للمباح ولا كاره له ، ونشأ من هذه المسألة ، وذلك أنهم قالوا : لو أراد الرب سبحانه فعل شيء وردت فيه صيغة الأمر لم يكن ذلك إلا تكليفا .