وفي جواز ، خلاف ، رأى تقليد العالم من هو أعلم منه جوازه وإن لم ينقل عنه وجوب ذلك . قال : ثم مذهب محمد بن الحسن قديما وجديدا اتباع قضاء الشافعي - رضي الله عنه - في تقدير عمر بثمانمائة درهم ، دية المجوسي بالأسباب الثلاثة [ ص: 67 ] اتباعا لآثار الصحابة واختلف الأصحاب في سبب ذلك ، فقيل : لأن الواقعة اشتهرت وسكتوا وذلك دليل الإجماع . وقيل : لأنه يرى وتغليظ الدية . الاحتجاج بقول الصحابي إذا خالف القياس من حيث لا محمل له سوى التوقيف
قال : ويظهر هذا في ، إلا أن يلوح لنا في مجاري نظره فساد في أصل له عليه بنى ما بنى . ويخرج من هذا قول آخر أنه حجة إذا لم يكن مدركا بالقياس دون ما للقياس فيه مجال ، وهذا القول هو المختار . وبه تجمع نصوص التابعي إذا علم مسالك الأحكام وكان مشهورا بالورع لا يميل إلى الأهواء رضي الله عنه ، وهذا حكاه القاضي في " التقريب " الشافعي والغزالي استنباطا من قول في كتاب اختلاف الحديث " أنه روي عن الشافعي - كرم الله وجهه - أنه صلى في ليلة ست ركعات ، كل ركعة بست سجدات ، ثم قال : إن ثبت ذلك عن علي قلت به ، فإنه لا مجال للقياس فيه ، فالظاهر أنه جعله توقيفا . هذا لفظه . قال علي القاضي : وهذا من قوله يدل على أنه كان يعتقد أن فإنه لا يقوله إلا سمعا وتوقيفا وأنه يجب اتباعه عليه ، لأنه لا يقول ذلك إلا عن خبر . انتهى . الصحابي إذا قال قولا ليس للاجتهاد فيه مدخل
لكن الغزالي جعله من تفاريع القديم . وهو مردود ، لأن اختلاف الحديث من الكتب الجديدة قطعا ، رواه عنه الربيع بن سليمان بمصر ، وبهذا جزم ابن الصباغ في كتاب الكامل في الخلاف " وقال إلكيا في التلويح " إنه الصحيح ، وكذا صاحب المحصول " في باب الأخبار . وعلى هذا ينزل كل ما وقع في الجديد من التصريح فيه بالتقليد ، كاتباعه في عدم قتل الراهب ، وتقليده الصديق في البراءة ، عثمان في أمهات الأولاد . قال في الأم " : إذا وعمر بمكة حماما من حمامها فعليه شاة ، اتباعا أصاب الرجل لعمر وعثمان وابن عباس وغيرهم . وقال في اختلاف الحديث " : أخذت بقول وابن عمر في اليربوع والضبع حمل . وحكى في القديم هذا القول [ ص: 68 ] عن عمر ، واختاره الكرخي البزدوي وغيرهم من الحنفية . وهذا هو الذي يعبر عنه وابن الساعاتي بقوله : إنه حجة إذا خالف القياس . نعم ، تصرفات ابن الحاجب في الجديد تقتضي أن قوله حجة بشرطين : ( أحدهما ) : أن لا يكون للاجتهاد فيه مجال . ( الثاني ) : أن يرد في موافقة قوله نص ، وإن كان للاجتهاد فيه مجال كما فعل في مسائل الفرائض مقلدا الشافعي فيها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : { زيدا زيد } قال أفرضكم إمام الحرمين في النهاية " : اختار أن يتبع مذهب الشافعي ولم يضع لذلك كتابا في الفرائض لعلمه بعلم الناس بمذهب زيد ، وإنما نص في مسائل متفرقة في الكتاب فجمعها زيد وضم إليها مذهب المزني في المسائل ، ولم يقل : " تحريت مذهب زيد " كقوله في أواخر كتب مضت ، فإن التحري اجتهاد ، ولا اجتهاد في النقل . وقد تحقق اتباع الشافعي الشافعي ، وتردد قول زيدا حيث تردد قول الشافعي ، وقرب مذهب زيد إلى القياس أن جعل الأم دون الأب في النصيب ، قياس ميراث الذكر والأنثى . وكذا قوله : أولاد الأبوين يشاركون ولد الأم لاشتراكهم في القرابة ، وجعل الأبوين مانعين الأخوة في رد الأم إلى السدس قياسا على جعل البنين في معنى البنات في استحقاق الثلثين . وقد أورد على هذا أنه خالف القياس في مسائل الجد والإخوة ، والمعادة ، وإعطاء الأم ثلث . زيد
[ ص: 69 ] ما يبقى ، وليس فيه كتاب ولا سنة ولا قياس ، لأنا سوينا بين الأبوين مع الابن ومشاركة أولاد الأم خارجة عن القياس ، لأنا نعطي العشرة من إخوة الأبوين نصف السدس مثلا ، ونعطي الأخت الواحدة للأم السدس ، فأي مراعاة لاتخاذ القرابة ؟ فإن قيل : إذا كان دليل التقليد الحديث السابق فينبغي أن يتبع رضي الله عنه في قضائه عليا في الحلال والحرام لقوله : { ومعاذا ، وأعلمكم بالحلال والحرام علي معاذ } ، والجواب - كما قال - إن القضاء يتسع ، ويتعلق بما لا يسوغ التقليد فيه ، وكذلك الحلال والحرام . قال : وعندنا أن المذهب لا يستقل بتقليد أقضاكم : وما انتحل مذهبه إلا عن أصل يجوز فيه الرأي ، ولهذا خالف الصحابة . زيد لم يخل بمسألة عن احتجاج ، وإنما اعتصم بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم ترجيحا وبهذا تبين . انتهى . وجرى على ذلك والشافعي الرافعي . وأما ابن الرفعة فقال : الظاهر أن اختيار لمذهب الشافعي اختيار تقليد ، كما يقتضيه ظاهر لفظ الأم " إذ قال زيد : وقلنا الشافعي قاسمهم ما كانت المقاسمة خيرا له من الثلث ، فإذا كان الثلث خيرا له منها أعطيه . وهذا قول إذا ورث الجد مع الإخوة ، وعنه قبلنا أكثر الفرائض وهي التي لا نص فيها ولا إجماع . وجعل زيد بن ثابت الرافعي موضع القولين ما إذا لم ينتشر فيهم ، قال : ثم عن الصيرفي والقفال أن القول فيما إذا لم يكن معه قياس أصلا ، فإن كان مع قوله قياس ضعيف احتج به وترجح على القياس القوي . قال : والأكثرون على أنه لا فرق . قال : وإن انتشر فإما أن يخالفه غيره أو يوافقه سائر أصحابه أو يسكتوا . فإن خالفه فعلى قوله الجديد هو كاختلاف المجتهدين . وعلى .
[ ص: 70 ] القديم هما حجتان تعارضتا ، فترجح من خارج ، وإن وافقه جميع الصحابة فهو إجماع منهم . .