فصل :
[ إبطال ] حيلة لمن حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه
ومن الحيل الباطلة لو ، قالوا : يأكل الرغيف ويدع منه لقمة واحدة ، ويسكن السنة كلها إلا يوما واحدا ، ويأكل الطعام كله إلا القدر اليسير منه ولو أنه لقمة . حلف لا يأكل هذا الرغيف ، أو لا يسكن في الدار هذه السنة ، أو لا يأكل هذا الطعام
وهذه حيلة باطلة باردة ، ومتى فعل ذلك فقد أتى بحقيقة الحنث ، وفعل نفس ما حلف عليه ، وهذه الحيلة لا تتأتى على قول من يقول : يحنث بفعل [ بعض ] المحلوف [ عليه ] ولا على قول من يقول لا يحنث ، لأنه لم يرد مثل هذه الصورة قطعا ، وإنما أراد به إذا أكل لقمة مثلا من الطعام الذمي حلف أنه لا يأكله أو حبة من القطف الذي حلف على تركه ، ولم يرد أنه يأكل القطف إلا حبة واحدة منه ، وعالم لا يقول هذا .
ثم يلزم هذا المتحيل أن يجوز للمكلف فعل كل ما نهى الشارع عن جملته فيفعله إلا القدر اليسير منه ، فإن البر والحنث في الأيمان نظير الطاعة والمعصية في الأمر والنهي ، ولذلك لا يبر إلا بفعل المحلوف عليه جميعه ، لا بفعل بعضه ، كما لا يكون مطيعا إلا بفعله جميعه ، ويحنث بفعل بعضه كما يعصي بفعل بعضه ، فيلزم هذا القائل أن يجوز للمحرم [ ص: 229 ] في الإحرام حلق تسعة أعشار رأسه ، بل وتسعة أعشار العشر الباقي ; لأن الله تعالى إنما نهاه عن حلق رأسه كله ، لا عن بعضه ، كما يفتي لمن حلف لا يحلق رأسه أن يحلقه إلا القدر اليسير منه .
وتأمل لو فعل المريض هذا فيما نهاه الطبيب عن تناوله ، هل يعد قابلا منه ؟ أو لو فعل مملوك الرجل أو زوجته أو ولده ذلك فيما نهاهم عنه ، هل يكونون مطيعين له أم مخالفين ؟ وإذا تحيل أحدهم على نقض غرض الآمر وإبطاله بأدنى الحيل ، هل كان يقبل ذلك منه ويحمده عليه أو يعذره ؟ وهل يعذر أحدا من الناس يعامله بهذه الحيل ؟ فكيف يعامل هو بهذا من لا تخفى عليه خافية ؟