[ نصاب الشهادة ]
وقد ذكر الله سبحانه نصاب
nindex.php?page=treesubj&link=16053_16050_16049الشهادة في القرآن في خمسة مواضع ; فذكر
nindex.php?page=treesubj&link=16100_16050نصاب شهادة الزنا أربعة في سورة النساء وسورة النور ، وأما في غير الزنا فذكر
nindex.php?page=treesubj&link=16053شهادة الرجلين والرجل والمرأتين في الأموال ; فقال في آية الدين : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } فهذا في التحمل والوثيقة التي يحفظ بها صاحب المال حقه ، لا في طريق الحكم وما يحكم به الحاكم ، فإن هذا شيء وهذا شيء ، وأمر في الرجعة بشاهدين عدلين ، وأمر في الشهادة على الوصية في السفر بإشهاد عدلين من المسلمين أو آخرين من غيرهم ، وغير المؤمنين هم الكفار ، والآية صريحة في قبول
nindex.php?page=treesubj&link=17915_16228شهادة الكافرين على الوصية في السفر عند عدم الشاهدين المسلمين ، وقد حكم به النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بعده ولم يجئ بعدها ما ينسخها فإن المائدة من آخر القرآن نزولا ، وليس فيها منسوخ ، وليس لهذه الآية معارض ألبتة ، ولا يصح أن يكون المراد بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106من غيركم } من غير قبيلتكم ، فإن الله سبحانه خاطب بها المؤمنين كافة بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم } ولم يخاطب بذلك قبيلة معينة حتى يكون قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106من غيركم } أيتها القبيلة ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفهم هذا من الآية ، بل إنما فهم ما هي صريحة فيه ، وكذلك أصحابه من بعده ، وهو سبحانه ذكر ما يحفظ به الحقوق من الشهود ، ولم يذكر أن الحكام لا يحكمون إلا بذلك ،
nindex.php?page=treesubj&link=15246_15253_15263_16262_16263_16282_15218_16053_9459فليس في القرآن نفي الحكم بشاهد ويمين ، ولا بالنكول ، ولا باليمين المردودة ، ولا بأيمان القسامة ، ولا بأيمان اللعان ، وغير ذلك مما يبين الحق ويظهره ويدل عليه .
وقد اتفق المسلمون على أنه يقبل في الأموال رجل وامرأتان ، وكذلك توابعها من البيع ، والأجل فيه ، والخيار فيه ، والرهن ، والوصية للمعين ، وهبته ، والوقف عليه ، وضمان المال ، وإتلافه ، ودعوى رق مجهول النسب ، وتسمية المهر ، وتسمية عوض الخلع يقبل في ذلك رجل وامرأتان .
وتنازعوا في العتق ، والوكالة في المال ، والإيصاء إليه فيه ، ودعوى قتل الكافر لاستحقاق سلبه ، ودعوى الأسير الإسلام السابق لمنع رقه ، وجناية الخطأ والعمد التي لا
[ ص: 73 ] قود فيها ،
nindex.php?page=treesubj&link=16053_16102والنكاح ، والرجعة ، هل يقبل فيها رجل وامرأتان أم لا بد من رجلين ؟ على قولين وهما روايتان عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، فالأول قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، والثاني قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
والذين قالوا لا يقبل إلا رجلان قالوا : إنما ذكر الله الرجل والمرأتين في الأموال ، دون الرجعة ، والوصية وما معهما ، فقال لهم الآخرون : ولم يذكر سبحانه وصف الإيمان في الرقبة إلا في كفارة القتل ، ولم يذكر فيها إطعام ستين مسكينا ، وقلتم : نحمل المطلق على المقيد إما بيانا وإما قياسا ، وقالوا أيضا : فإنه سبحانه إنما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأشهدوا ذوي عدل منكم } وفي الآية الأخرى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم } بخلاف آية الدين فإنه قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء } وفي الموضعين الآخرين لما لم يقل رجلان لم يقل فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان .
فإن قيل : اللفظ مذكر ; فلا يتناول الإناث .
قيل : قد استقر في عرف الشارع أن الأحكام المذكورة بصيغة المذكرين إذا أطلقت ولم تقترن بالمؤنث فإنها تتناول الرجال والنساء ; لأنه يغلب المذكر عند الاجتماع كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11فإن كان له إخوة فلأمه السدس } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } وأمثال ذلك ، وعلى هذا فقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأشهدوا ذوي عدل منكم } يتناول الصنفين ، لكن قد استقرت الشريعة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=16001_16054شهادة المرأة نصف شهادة الرجل ، فالمرأتان في الشهادة كالرجل الواحد ، بل هذا أولى ; فإن حضور النساء عند الرجعة أيسر من حضورهن عند كتابة الوثائق بالديون ، وكذلك حضورهن عند الوصية وقت الموت ، فإذا جوز الشارع استشهاد النساء في وثائق الديون التي تكتبها الرجال مع أنها إنما تكتب غالبا في مجامع الرجال فلأن يسوغ ذلك فيما تشهده النساء كثيرا كالوصية والرجعة أولى .
يوضحه أنه قد شرع في الوصية استشهاد آخرين من غير المسلمين عند الحاجة ; فلأن يجوز استشهاد رجل وامرأتين بطريق الأولى والأحرى ، بخلاف الديون فإنه لم يأمر فيها باستشهاد آخرين من غيرنا ; إذ كانت مداينة المسلمين تكون بينهم وشهودهم حاضرون ، والوصية في السفر قد لا يشهدها إلا
أهل الذمة ، وكذلك الميت قد لا يشهده إلا النساء ، وأيضا فإنما أمر في الرجعة باستشهاد ذوي عدل ; لأن المستشهد هو المشهود عليه بالرجعة وهو الزوج لئلا يكتمها ، فأمر بأن يستشهد أكمل النصاب ، ولا يلزم إذا لم يشهد هذا الأكمل أن لا يقبل عليه شهادة النصاب الأنقص ، فإن طرق الحكم أعم من طرق حفظ
[ ص: 74 ] الحقوق ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الملتقط أن يشهد عليه ذوي عدل ، ولا يكتم ، ولا يغيب ، ولو
nindex.php?page=treesubj&link=7004_16102_16053شهد عليه باللقطة رجل وامرأتان قبل بالاتفاق ، بل يحكم عليه بمجرد وصف صاحبها لها .
وقال تعالى في شهادة المال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282ممن ترضون من الشهداء } وقال في الوصية والرجعة {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2ذوي عدل منكم } لأن المستشهد هناك صاحب الحق فهو يأتي بمن يرضاه لحفظ حقه ، فإن لم يكن عدلا كان هو المضيع لحقه ، وهذا المستشهد يستشهد بحق ثابت عنده ، فلا يكفي رضاه به ، بل لا بد أن يكون عدلا في نفسه ، وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى قال هناك : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282ممن ترضون من الشهداء } لأن صاحب الحق هو الذي يحفظ ماله بمن يرضاه ، وإذا قال من عليه الحق : أنا راض بشهادة هذا علي ، ففي قبوله نزاع ، والآية تدل على أنه يقبل ، بخلاف الرجعة والطلاق فإن فيهما حقا لله ، وكذلك الوصية فيها حق لغائب .
ومما يوضح ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المرأة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1782أليس شهادتهما بنصف شهادة الرجل ؟ } فأطلق ولم يقيد ، ويوضحه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمدعي لما قال : هذا غصبني أرضي ، فقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20514شاهداك أو يمينه } وقد عرف أنه لو أتى برجل وامرأتين حكم له ، فعلم أن هذا يقوم مقام الشاهدين ، وأن قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20514شاهداك أو يمينه } إشارة إلى الحجة الشرعية التي شعارها الشاهدان ، فإما أن يقال لفظ " شاهدان " معناه دليلان يشهدان ، وإما أن يقال رجلان أو ما يقوم مقامهما والمرأتان دليل بمنزلة الشاهد ، يوضحه أيضا أنه لو لم يأت المدعي بحجة حلف المدعى عليه ، فيمينه كشهادة آخر ; فصار معه دليلان يشهدان أحدهما البراءة والثاني اليمين ، وإن نكل عن اليمين فمن قضى عليه بالنكول قال : النكول إقرار أو بدل ، وهذا جيد إذا
nindex.php?page=treesubj&link=15227_26425_15217_15218_15261كان المدعى عليه هو الذي يعرف الحق دون المدعي ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر : تحلف أنك بعته وما به عيب تعلمه ، فلما لم يحلف قضى عليه ، وأما الأكثرون فيقولون : إذا نكل ترد اليمين على المدعي فيكون نكول الناكل دليلا ، ويمين المدعي ثانيا ; فصار الحكم بدليلين شاهد ويمين ، والشارع إنما جعل الحكم في الخصومة بشاهدين لأن المدعي لا يحكم له بمجرد قوله ، والخصم منكر ، وقد يحلف أيضا ، فكان أحد الشاهدين يقاوم الخصم المنكر ; فإن إنكاره ويمينه كشاهد ، ويبقى الشاهد الآخر خبر عدل لا معارض له ; فهو حجة شرعية لا معارض لها
[ ص: 75 ]
وفي الرواية إنما يقبل خبر الواحد إذا لم يعارضه أقوى منه ، فاطرد القياس والاعتبار في الحكم والرواية يوضحه أيضا أن المقصود بالشهادة أن يعلم بها ثبوت المشهود به ، وأنه حق وصدق ، فإنها خبر عنه ، وهذا لا يختلف بكون المشهود مالا أو طلاقا أو عتقا أو وصية ، بل من صدق في هذا صدق في هذا ، فإذا كان الرجل مع المرأتين كالرجلين يصدقان في الأموال فكذلك صدقهما في هذا ; وقد ذكر الله سبحانه
nindex.php?page=treesubj&link=16285حكمة تعدد الاثنين في الشهادة ، وهي أن المرأة قد تنسى الشهادة وتضل عنها فتذكرها الأخرى ، ومعلوم أن تذكيرها لها بالرجعة والطلاق والوصية مثل تذكيرها لها بالدين وأولى ، وهو سبحانه أمر بإشهاد امرأتين لتوكيد الحفظ ; لأن عقل المرأتين وحفظهما يقوم مقام عقل رجل وحفظه ، ولهذا جعلت على النصف من الرجل في الميراث والدية والعقيقة والعتق ; فعتق امرأتين يقوم مقام عتق رجل ، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35551من أعتق امرأ مسلما أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار ، ومن أعتق امرأتين مسلمتين أعتق الله بكل عضو منهما عضوا منه من النار } ولا ريب أن هذه الحكمة في التعدد هي في التحمل ، فأما إذا عقلت المرأة وحفظت وكانت ممن يوثق بدينها فإن المقصود حاصل بخبرها كما يحصل بأخبار الديانات ، ولهذا تقبل شهادتها وحدها في مواضع ،
nindex.php?page=treesubj&link=16273ويحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب في أصح القولين ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأحد الوجهين في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
قال شيخنا قدس الله روحه : ولو قيل يحكم بشهادة امرأة ويمين الطالب لكان متوجها ، قال : لأن المرأتين إنما أقيمتا مقام الرجل في التحمل لئلا تنسى إحداهما ، بخلاف الأداء فإنه ليس [ في ] الكتاب ولا في السنة أنه لا يحكم إلا بشهادة امرأتين ، ولا يلزم من الأمر باستشهاد المرأتين وقت التحمل ألا يحكم بأقل منهما ; فإنه سبحانه أمر باستشهاد رجلين في الديون ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، ومع هذا فيحكم بشاهد واحد ويمين الطالب ، ويحكم بالنكول والرد وغير ذلك .
فالطرق التي يحكم بها الحاكم أوسع عن الطرق التي أرشد الله صاحب الحق إلى أن يحفظ حقه بها ، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7574أنه سأله عقبة بن الحارث فقال : إني تزوجت امرأة فجاءت أمة سوداء فقالت : إنها أرضعتنا ، فأمره بفراق امرأته ، فقال : إنها كاذبة ، فقال : دعها عنك } ففي هذا قبول
nindex.php?page=treesubj&link=16287_16054شهادة المرأة الواحدة ، وإن كانت أمة وشهادتها على فعل نفسها ، وهو أصل في شهادة القاسم والخارص والوزان والكيال على فعل نفسه
[ ص: 76 ]
[ نِصَابُ الشَّهَادَةِ ]
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نِصَابَ
nindex.php?page=treesubj&link=16053_16050_16049الشَّهَادَةِ فِي الْقُرْآنِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ ; فَذَكَرَ
nindex.php?page=treesubj&link=16100_16050نِصَابَ شَهَادَةِ الزِّنَا أَرْبَعَةً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَسُورَةِ النُّورِ ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الزِّنَا فَذَكَرَ
nindex.php?page=treesubj&link=16053شَهَادَةَ الرَّجُلَيْنِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ ; فَقَالَ فِي آيَةِ الدَّيْنِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } فَهَذَا فِي التَّحَمُّلِ وَالْوَثِيقَةِ الَّتِي يَحْفَظُ بِهَا صَاحِبُ الْمَالِ حَقَّهُ ، لَا فِي طَرِيقِ الْحُكْمِ وَمَا يَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ ، فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ وَهَذَا شَيْءٌ ، وَأَمَرَ فِي الرَّجْعَةِ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ ، وَأَمَرَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ بِإِشْهَادِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ آخَرَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ الْكُفَّارُ ، وَالْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي قَبُولِ
nindex.php?page=treesubj&link=17915_16228شَهَادَةِ الْكَافِرِينَ عَلَى الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدِينَ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةُ بَعْدَهُ وَلَمْ يَجِئْ بَعْدَهَا مَا يَنْسَخُهَا فَإِنَّ الْمَائِدَةَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا ، وَلَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ ، وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْآيَةِ مُعَارِضٌ أَلْبَتَّةَ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106مِنْ غَيْرِكُمْ } مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَاطَبَ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ كَافَّةً بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةَ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } وَلَمْ يُخَاطِبْ بِذَلِكَ قَبِيلَةً مُعَيَّنَةً حَتَّى يَكُونَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106مِنْ غَيْرِكُمْ } أَيَّتُهَا الْقَبِيلَةُ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا مِنْ الْآيَةِ ، بَلْ إنَّمَا فَهِمَ مَا هِيَ صَرِيحَةٌ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ مَا يَحْفَظُ بِهِ الْحُقُوقَ مِنْ الشُّهُودِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْحُكَّامَ لَا يَحْكُمُونَ إلَّا بِذَلِكَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=15246_15253_15263_16262_16263_16282_15218_16053_9459فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَفْيُ الْحُكْمِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ، وَلَا بِالنُّكُولِ ، وَلَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ ، وَلَا بِأَيْمَانِ الْقَسَامَةِ ، وَلَا بِأَيْمَانِ اللِّعَانِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُبَيِّنَ الْحَقَّ وَيُظْهِرُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ .
وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ، وَكَذَلِكَ تَوَابِعُهَا مِنْ الْبَيْعِ ، وَالْأَجَلِ فِيهِ ، وَالْخِيَارِ فِيهِ ، وَالرَّهْنِ ، وَالْوَصِيَّةِ لِلْمُعَيَّنِ ، وَهِبَتِهِ ، وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ ، وَضَمَانِ الْمَالِ ، وَإِتْلَافِهِ ، وَدَعْوَى رِقِّ مَجْهُولِ النَّسَبِ ، وَتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ ، وَتَسْمِيَةِ عِوَضِ الْخُلْعِ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ .
وَتَنَازَعُوا فِي الْعِتْقِ ، وَالْوَكَالَةِ فِي الْمَالِ ، وَالْإِيصَاءِ إلَيْهِ فِيهِ ، وَدَعْوَى قَتْلِ الْكَافِرِ لِاسْتِحْقَاقِ سَلَبِهِ ، وَدَعْوَى الْأَسِيرِ الْإِسْلَامَ السَّابِقَ لِمَنْعِ رِقِّهِ ، وَجِنَايَةِ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ الَّتِي لَا
[ ص: 73 ] قَوَدَ فِيهَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=16053_16102وَالنِّكَاحِ ، وَالرَّجْعَةِ ، هَلْ يُقْبَلُ فِيهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ ، فَالْأَوَّلُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالثَّانِي قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ .
وَاَلَّذِينَ قَالُوا لَا يُقْبَلُ إلَّا رَجُلَانِ قَالُوا : إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ ، دُونَ الرَّجْعَةِ ، وَالْوَصِيَّةِ وَمَا مَعَهُمَا ، فَقَالَ لَهُمْ الْآخَرُونَ : وَلَمْ يَذْكُرْ سُبْحَانَهُ وَصْفَ الْإِيمَانِ فِي الرَّقَبَةِ إلَّا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا ، وَقُلْتُمْ : نَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ إمَّا بَيَانًا وَإِمَّا قِيَاسًا ، وَقَالُوا أَيْضًا : فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ إنَّمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَشْهِدُوا ذَوِي عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } بِخِلَافِ آيَةِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ الْآخَرِينَ لَمَّا لَمْ يَقُلْ رَجُلَانِ لَمْ يَقُلْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ .
فَإِنْ قِيلَ : اللَّفْظُ مُذَكَّرٌ ; فَلَا يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ .
قِيلَ : قَدْ اسْتَقَرَّ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ بِصِيغَةِ الْمُذَكَّرِينَ إذَا أُطْلِقَتْ وَلَمْ تَقْتَرِنْ بِالْمُؤَنَّثِ فَإِنَّهَا تَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ ; لِأَنَّهُ يُغَلِّبُ الْمُذَكَّرَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ } وَأَمْثَالُ ذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَشْهِدُوا ذَوِي عَدْلٍ مِنْكُمْ } يَتَنَاوَلُ الصِّنْفَيْنِ ، لَكِنْ قَدْ اسْتَقَرَّتْ الشَّرِيعَةُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=16001_16054شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ شَهَادَةِ الرَّجُلِ ، فَالْمَرْأَتَانِ فِي الشَّهَادَةِ كَالرَّجُلِ الْوَاحِدِ ، بَلْ هَذَا أَوْلَى ; فَإِنَّ حُضُورَ النِّسَاءِ عِنْدَ الرَّجْعَةِ أَيْسَرُ مِنْ حُضُورِهِنَّ عِنْدَ كِتَابَةِ الْوَثَائِقِ بِالدُّيُونِ ، وَكَذَلِكَ حُضُورُهُنَّ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَقْتَ الْمَوْتِ ، فَإِذَا جَوَّزَ الشَّارِعُ اسْتِشْهَادَ النِّسَاءِ فِي وَثَائِقِ الدُّيُونِ الَّتِي تَكْتُبُهَا الرِّجَالُ مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تُكْتَبُ غَالِبًا فِي مَجَامِعِ الرِّجَالِ فَلَأَنْ يَسُوغَ ذَلِكَ فِيمَا تَشْهَدُهُ النِّسَاءُ كَثِيرًا كَالْوَصِيَّةِ وَالرَّجْعَةِ أَوْلَى .
يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ قَدْ شَرَعَ فِي الْوَصِيَّةِ اسْتِشْهَادَ آخَرِينَ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْحَاجَةِ ; فَلَأَنْ يَجُوزَ اسْتِشْهَادُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِطَرِيقِ الْأُولَى وَالْأَحْرَى ، بِخِلَافِ الدُّيُونِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ فِيهَا بِاسْتِشْهَادِ آخَرِينَ مِنْ غَيْرِنَا ; إذْ كَانَتْ مُدَايَنَةَ الْمُسْلِمِينَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ وَشُهُودُهُمْ حَاضِرُونَ ، وَالْوَصِيَّةُ فِي السَّفَرِ قَدْ لَا يَشْهَدُهَا إلَّا
أَهْلُ الذِّمَّةِ ، وَكَذَلِكَ الْمَيِّتُ قَدْ لَا يَشْهَدُهُ إلَّا النِّسَاءُ ، وَأَيْضًا فَإِنَّمَا أَمَرَ فِي الرَّجْعَةِ بِاسْتِشْهَادِ ذَوِي عَدْلٍ ; لِأَنَّ الْمُسْتَشْهِدَ هُوَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالرَّجْعَةِ وَهُوَ الزَّوْجُ لِئَلَّا يَكْتُمَهَا ، فَأَمَرَ بِأَنْ يَسْتَشْهِدَ أَكْمَلَ النِّصَابِ ، وَلَا يَلْزَمُ إذَا لَمْ يُشْهِدْ هَذَا الْأَكْمَلَ أَنْ لَا يُقْبَلَ عَلَيْهِ شَهَادَةُ النِّصَابِ الْأَنْقَصِ ، فَإِنَّ طُرُقَ الْحُكْمِ أَعَمُّ مِنْ طُرُقِ حِفْظِ
[ ص: 74 ] الْحُقُوقِ ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُلْتَقِطَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ ذَوَيْ عَدْلٍ ، وَلَا يَكْتُمْ ، وَلَا يُغَيِّبْ ، وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=7004_16102_16053شَهِدَ عَلَيْهِ بِاللُّقَطَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قُبِلَ بِالِاتِّفَاقِ ، بَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ وَصْفِ صَاحِبِهَا لَهَا .
وَقَالَ تَعَالَى فِي شَهَادَةِ الْمَالِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } وَقَالَ فِي الْوَصِيَّةِ وَالرَّجْعَةِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } لِأَنَّ الْمُسْتَشْهِدَ هُنَاكَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَهُوَ يَأْتِي بِمَنْ يَرْضَاهُ لِحِفْظِ حَقِّهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا كَانَ هُوَ الْمُضَيِّعُ لَحِقَهُ ، وَهَذَا الْمُسْتَشْهِدُ يَسْتَشْهِدُ بِحَقٍّ ثَابِتٍ عِنْدَهُ ، فَلَا يَكْفِي رِضَاهُ بِهِ ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي نَفْسِهِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ هُنَاكَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ هُوَ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَهُ بِمَنْ يَرْضَاهُ ، وَإِذَا قَالَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ : أَنَا رَاضٍ بِشَهَادَةِ هَذَا عَلَيَّ ، فَفِي قَبُولِهِ نِزَاعٌ ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ ، بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّ فِيهِمَا حَقًّا لِلَّهِ ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ فِيهَا حَقٌّ لِغَائِبٍ .
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1782أَلَيْسَ شَهَادَتُهُمَا بِنِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ ؟ } فَأَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ ، وَيُوَضِّحُهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُدَّعِي لَمَّا قَالَ : هَذَا غَصَبَنِي أَرْضِي ، فَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20514شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ } وَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ حَكَمَ لَهُ ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا يَقُومُ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20514شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ } إشَارَةٌ إلَى الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي شِعَارُهَا الشَّاهِدَانِ ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ لَفْظُ " شَاهِدَانِ " مَعْنَاهُ دَلِيلَانِ يَشْهَدَانِ ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ رَجُلَانِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا وَالْمَرْأَتَانِ دَلِيلٌ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ ، يُوَضِّحُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ الْمُدَّعِي بِحُجَّةٍ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَيَمِينُهُ كَشَهَادَةِ آخَرَ ; فَصَارَ مَعَهُ دَلِيلَانِ يَشْهَدَانِ أَحَدُهُمَا الْبَرَاءَةُ وَالثَّانِي الْيَمِينُ ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَمَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ قَالَ : النُّكُولُ إقْرَارٌ أَوْ بَدَلٌ ، وَهَذَا جَيِّدٌ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=15227_26425_15217_15218_15261كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ الْحَقَّ دُونَ الْمُدَّعِي ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ nindex.php?page=showalam&ids=12لِابْنِ عُمَرَ : تَحْلِفُ أَنَّك بِعْتَهُ وَمَا بِهِ عَيْبٌ تَعْلَمُهُ ، فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفْ قَضَى عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الْأَكْثَرُونَ فَيَقُولُونَ : إذَا نَكَلَ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَيَكُونُ نُكُولُ النَّاكِلِ دَلِيلًا ، وَيَمِينُ الْمُدَّعِي ثَانِيًا ; فَصَارَ الْحُكْمُ بِدَلِيلَيْنِ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ ، وَالشَّارِعُ إنَّمَا جَعَلَ الْحُكْمَ فِي الْخُصُومَةِ بِشَاهِدَيْنِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَحْكُمُ لَهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ ، وَالْخَصْمُ مُنْكِرٌ ، وَقَدْ يَحْلِفُ أَيْضًا ، فَكَانَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ يُقَاوِمُ الْخَصْمَ الْمُنْكِرَ ; فَإِنَّ إنْكَارَهُ وَيَمِينَهُ كَشَاهِدٍ ، وَيَبْقَى الشَّاهِدُ الْآخَرُ خَبَرُ عَدْلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ ; فَهُوَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا
[ ص: 75 ]
وَفِي الرِّوَايَةِ إنَّمَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ إذَا لَمْ يُعَارِضُهُ أَقْوَى مِنْهُ ، فَاطَّرَدَ الْقِيَاسُ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْحُكْمِ وَالرِّوَايَةِ يُوَضِّحُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشَّهَادَةِ أَنْ يَعْلَمَ بِهَا ثُبُوتَ الْمَشْهُودِ بِهِ ، وَأَنَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ ، فَإِنَّهَا خَبَرٌ عَنْهُ ، وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِكَوْنِ الْمَشْهُودِ مَالًا أَوْ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا أَوْ وَصِيَّةً ، بَلْ مَنْ صَدَقَ فِي هَذَا صَدَقَ فِي هَذَا ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ كَالرَّجُلَيْنِ يُصَدَّقَانِ فِي الْأَمْوَالِ فَكَذَلِكَ صَدَّقَهُمَا فِي هَذَا ; وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=16285حِكْمَةَ تَعَدُّدِ الِاثْنَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ ، وَهِيَ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَنْسَى الشَّهَادَةَ وَتَضِلُّ عَنْهَا فَتُذَكِّرُهَا الْأُخْرَى ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَذْكِيرَهَا لَهَا بِالرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَصِيَّةِ مِثْلُ تَذْكِيرِهَا لَهَا بِالدَّيْنِ وَأَوْلَى ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِإِشْهَادِ امْرَأَتَيْنِ لِتَوْكِيدِ الْحِفْظِ ; لِأَنَّ عَقْلَ الْمَرْأَتَيْنِ وَحِفْظَهُمَا يَقُومُ مَقَامَ عَقْلِ رَجُلٍ وَحِفْظِهِ ، وَلِهَذَا جُعِلَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمِيرَاثِ وَالدِّيَةِ وَالْعَقِيقَةِ وَالْعِتْقِ ; فَعِتْقُ امْرَأَتَيْنِ يَقُومُ مَقَامَ عِتْقِ رَجُلٍ ، كَمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35551مَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ ، وَمَنْ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ } وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْحِكْمَةَ فِي التَّعَدُّدِ هِيَ فِي التَّحَمُّلِ ، فَأَمَّا إذَا عَقَلَتْ الْمَرْأَةُ وَحَفِظَتْ وَكَانَتْ مِمَّنْ يُوثَقُ بِدِينِهَا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ بِخَبَرِهَا كَمَا يَحْصُلُ بِأَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ ، وَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا وَحْدَهَا فِي مَوَاضِعَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=16273وَيُحْكَمُ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ .
قَالَ شَيْخُنَا قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ : وَلَوْ قِيلَ يُحْكَمُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَيَمِينِ الطَّالِبِ لَكَانَ مُتَوَجِّهًا ، قَالَ : لِأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ إنَّمَا أُقِيمَتَا مَقَامَ الرَّجُلِ فِي التَّحَمُّلِ لِئَلَّا تَنْسَى إحْدَاهُمَا ، بِخِلَافِ الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ [ فِي ] الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ إلَّا بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَمْرِ بِاسْتِشْهَادِ الْمَرْأَتَيْنِ وَقْتَ التَّحَمُّلِ أَلَّا يَحْكُمَ بِأَقَلَّ مِنْهُمَا ; فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِاسْتِشْهَادِ رَجُلَيْنِ فِي الدُّيُونِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ، وَمَعَ هَذَا فَيَحْكُمُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَيَمِينِ الطَّالِبِ ، وَيَحْكُمُ بِالنُّكُولِ وَالرَّدِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
فَالطُّرُقُ الَّتِي يَحْكُمُ بِهَا الْحَاكِمُ أَوْسَعُ عَنْ الطُّرُقِ الَّتِي أَرْشَدَ اللَّهُ صَاحِبَ الْحَقِّ إلَى أَنْ يَحْفَظَ حَقَّهُ بِهَا ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7574أَنَّهُ سَأَلَهُ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ : إنِّي تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَجَاءَتْ أَمَةً سَوْدَاءَ فَقَالَتْ : إنَّهَا أَرْضَعَتْنَا ، فَأَمَرَهُ بِفِرَاقِ امْرَأَتِهِ ، فَقَالَ : إنَّهَا كَاذِبَةٌ ، فَقَالَ : دَعْهَا عَنْك } فَفِي هَذَا قَبُولُ
nindex.php?page=treesubj&link=16287_16054شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَشَهَادَتُهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي شَهَادَةِ الْقَاسِمِ وَالْخَارِصِ وَالْوَزَّانِ وَالْكَيَّالِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ
[ ص: 76 ]