[ ] ضمان دين الميت الذي لم يترك وفاء
المثال الحادي والسبعون : رد السنة الثابتة الصريحة المحكمة في صحة ضمان دين الميت الذي لم يخلف وفاء ، كما في الصحيحين عن قال : { أبي قتادة : هما علي يا رسول الله ، فصلى عليه أبو قتادة } فردت هذه السنة برأي لا يقاومها ، وهو أن الميت قد خربت ذمته ; فلا يصح ضمان شيء خراب في محل خراب ، بخلاف الحي القادر فإن ذمته بصدد العمارة في ضمان دينه ، وإن لم يكن له وفاء في الحال ، وأما إذا خلف وفاء فإنه يصح الضمان في الحال تنزيلا لذمته بما خلفه من الوفاء منزلة الحي القادر . أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة ليصلي عليها ، فقال : أعليه دين ؟ فقالوا : نعم . ديناران ، فقال : أترك لهما وفاء ؟ [ ص: 8 ] قالوا : لا ، قال : صلوا على صاحبكم ، فقال
قالوا : وأما الحديث فإنما هو إخبار عن ضمان متقدم على الموت ; فهو إخبار منه بالتزام سابق ، لا إنشاء للالتزام حينئذ ، وليس في ذلك ما ترد به السنة الصريحة ، ولا يصح حملها على الأخبار لوجوه ; أحدها : أن في بعض ألفاظ الحديث : { : أنا الكفيل به يا رسول الله ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو قتادة } رواه فقال بإسناد صحيح . الثاني : أن في بعض طرق البخاري { النسائي : صل عليه يا رسول الله وعلي دينه أبو قتادة } فقوله : { فقال } كالصريح في الالتزام أو صريح فيه ; فإن هذه الواو للاستئناف ، وليس قبلها ما يصح أن يعطف ما بعدها عليه ، كما لو قال : صل عليه وأنا ألتزم ما عليه أو وأنا ملتزم ما عليه ، الثالث : أن الحكم لو اختلف لقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل ضمنت ذلك في حياته أو بعد موته ؟ ولا سيما فإن الظاهر منه الإنشاء ، وأدنى الأحوال أن يحتملهما على السواء ، فإن كان أحدهما باطلا في الشرع والآخر صحيحا فكيف يقره على قول محتمل لحق وباطل ولم يستفصله عن مراده به ؟ الرابع : أن القياس يقتضي صحة الضمان وإن لم يخلف وفاء ، فإن من صح ضمان دينه إذا خلف وفاء صح ضمانه وإن لم يكن له مال كالحي ، وأيضا فمن صح ضمان دينه حيا صح ضمان دينه ميتا ، وأيضا فإن الضمان لا يوجب الرجوع ، وإنما يوجب مطالبة رب الدين للضامن فلا فرق بين أن يخلف الميت وفاء أو لم يخلفه ، وأيضا فالميت أحوج إلى ضمان دينه الحي لحاجته إلى تبريد جلده ببراءة ذمته وتخليصه من ارتهانه بالدين ، وأيضا فإن ذمة الميت وإن خربت من وجه - وهو تعذر مطالبته - لم تخرب من جهة بقاء الحق فيها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { وعلي دينه } ولا يكون مرتهنا وقد خربت ذمته ، وأيضا فإنه لو خربت ذمته لبطل الضمان بموته ; فإن الضامن فرعه ، وقد خربت ذمة الأصل ، فلما استديم الضمان ولم يبطل بالموت علم أن الضمان لا ينافي الموت ; فإنه لو نافاه ابتداء لنافاه استدامة ; فإن هذا من الأحكام التي لا يفرق فيها بين الدوام والابتداء لاتحاد سبب الابتداء والدوام فيها ; فظهر أن القياس المحض مع السنة الصحيحة ، والله الموفق . ليس من ميت يموت إلا وهو مرتهن بدينه