الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2707 (6) باب

                                                                                              إيلاء الرجل من نسائه

                                                                                              وتأديبهن باعتزالهن مدة

                                                                                              [ 1549 ] عن ابن عباس قال: لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، اللتين قال الله: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما حتى حج عمر وحججت معه، فلما كنا ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة فتبرز، ثم أتاني فسكبت على يديه فتوضأ فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما قال عمر: واعجبا لك يا بن عباس. قال الزهري: كره والله ما سأله عنه، ولم يكتمه. قال: هي حفصة وعائشة، ثم أخذ يسوق الحديث. قال: كنا معشر قريش قوما نغلب نساءنا، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم. فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم. قال: وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي، فتغضبت يوما على امرأتي، فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم. فقلت: أتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم. فقلت: قد خاب من فعل ذلك منكن، وخسر أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هي قد هلكت؟ لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك (يريد عائشة) قال: وكان لي جار من الأنصار فكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وأنزل يوما، فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك، وكنا نحدث: أن غسان تنعل الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي ثم أتاني فضرب بابي، ثم ناداني فخرجت إليه فقال: حدث أمر عظيم قلت: ماذا؟ أجاءت غسان؟ قال: لا. بل أعظم من ذلك وأطول؛ طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه. فقلت: قد خابت حفصة وخسرت - وقد كنت أظن أن هذا كائن - حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي، ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي. فقلت: أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري ها هو ذا يعتزل في هذه المشربة فأتيت غلاما أسود.

                                                                                              وفي رواية: فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على أسكفة المشربة، مدل رجليه على فقير من خشب وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينحدر. فقلت: استأذن لعمر فدخل، ثم خرج إلي فقال: قد ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتى انتهيت إلى المنبر فجلست، فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم فجلست قليلا، ثم غلبني ما أجد. ثم أتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر فدخل، ثم خرج إلي فقال: قد ذكرتك له فصمت، فوليت مدبرا فإذا الغلام يدعوني فقال: ادخل فقد أذن لك. فدخلت، فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو متكئ على رمل حصير قد أثر في جنبه. فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إلي وقال: لا. فقلت: الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله، وكنا معشر قريش قوما نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فتغضبت على امرأتي يوما، فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر، أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله، فإذا هي قد هلكت؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله، قد دخلت على حفصة فقلت: لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم منك، وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فتبسم أخرى، فقلت: آستأنس يا رسول الله؟ قال: نعم، فجلست، فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهبا ثلاثة. فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسا، ثم قال: أفي شك أنت يا بن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا.

                                                                                              وفي رواية: فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة. ولم يذكر: أولئك قوم. فقلت: استغفر لي يا رسول الله، وكان أقسم ألا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن، حتى عاتبه الله. قالت عائشة: لما مضى تسع وعشرون ليلة، دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بي. فقلت: يا رسول الله إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدهن فقال: إن الشهر تسع وعشرون، ثم قال: يا عائشة، إني ذاكر لك أمرا، فلا عليك ألا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك. ثم قرأ علي الآية: يا أيها النبي قل لأزواجك حتى بلغ: أجرا عظيما قالت عائشة: قد علم والله أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه. قالت: فقلت: أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. قالت عائشة: لا تخبر نساءك أني اخترتك، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أرسلني مبلغا، ولم يرسلني متعنتا". قال قتادة: صغت قلوبكما: مالت.


                                                                                              رواه البخاري (5191)، ومسلم (1479) (30 و 31 و 34 و 35)، والترمذي (3315)، والنسائي ( 4 \ 137 ). [ ص: 259 ]

                                                                                              التالي السابق



                                                                                              الخدمات العلمية