156 [ 83 ] وعن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب أليم : شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر .

رواه أحمد ( 2 \ 433 ) ، ومسلم ( 107 ) ، والنسائي ( 6 \ 86 ) ، وابن ماجه ( 2208 ) .

التالي السابق

الشرح

وَ (قَوْلُهُ : " شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ") الْعَائِلُ : الْفَقِيرُ ، وَالْمُعِيلُ : الْكَثِيرُ الْعِيَالِ ; يُقَالُ : عَالَ الرَّجُلُ فَهُوَ عَائِلٌ : إِذَا افْتَقَرَ ، وَالْعَيْلَةُ : الْفَقْرُ ، وَأَعَالَ فَهُوَ مُعِيلٌ : إِذَا كَثُرَ عِيَالُهُ . وَإِنَّمَا غَلَّظَ الْعِقَابَ عَلَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ ; لِأَنَّ الْحَامِلَ لَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْمَعَاصِي مَحْضُ الْمُعَانَدَةِ ، وَاسْتِخْفَافُ أَمْرِ تِلْكَ الْمَعَاصِي الَّتِي اقْتَحَمُوهَا ; إِذْ لَمْ يَحْمِلْهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَامِلٌ حَاجِيٌّ ، وَلَا دَعَتْهُمْ إِلَيْهَا ضَرُورَةٌ كَمَا يَدْعُو مَنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُمْ .

وَبَيَانُ ذَلِكَ : أَنَّ الشَّيْخَ لَا حَاجَةَ وَلَا دَاعِيَةَ لَهُ تَدْعُوهُ إِلَى الزِّنَى ; لِضِعْفِ دَاعِيَةِ النِّكَاحِ فِي حَقِّهِ ، وَلِكَمَالِ عَقْلِهِ ، وَلِقُرْبِ أَجَلِهِ ; إِذْ قَدِ انْتَهَى إِلَى طَرَفِ عُمْرِهِ . وَنَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكُ الْكَذَّابُ ; إِذْ لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى الْكَذِبِ ; فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُمَشِّيَ أَغْرَاضَهُ بِالصِّدْقِ ، فَإِنْ خَافَ مِنَ الصِّدْقِ مَفْسَدَةً ، وَرَّى .

وَأَمَّا الْعَائِلُ الْمُسْتَكْبِرُ : فَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ ; لِغَلَبَةِ الْكِبْرِ عَلَى نَفْسِهِ ; إِذْ لَا سَبَبَ لَهُ مِنْ خَارِجٍ يَحْمِلُهُ عَلَى الْكِبَرِ ; فَإِنَّ الْكِبْرَ غَالِبًا إِنَّمَا يَكُونُ بِالْمَالِ وَالْخَوَلِ وَالْجَاهَ ، وَهُوَ قَدْ عَدِمَ ذَلِكَ كُلَّهُ ; فَلَا مُوجِبَ لَهُ إِلَّا غَلَبَةُ الْكِبْرِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَقِلَّةُ مُبَالَاتِهِ بِتَحْرِيمِهِ وَتَوْعِيدِ الشَّرْعِ عَلَيْهِ ، مَعَ أَنَّ اللَّائِقَ بِهِ وَالْمُنَاسِبَ لِحَالِهِ الرِّقَّةُ وَالتَّوَاضُعُ ; لِفَقْرِهِ وَعَجْزِهِ .

و (قوله : " شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر ") العائل : الفقير ، والمعيل : الكثير العيال ; يقال : عال الرجل فهو عائل : إذا افتقر ، والعيلة : الفقر ، وأعال فهو معيل : إذا كثر عياله . وإنما غلظ العقاب على هؤلاء الثلاثة ; لأن الحامل لهم على تلك المعاصي محض المعاندة ، واستخفاف أمر تلك المعاصي التي اقتحموها ; إذ لم يحملهم على ذلك حامل حاجي ، ولا دعتهم إليها ضرورة كما يدعو من لم يكن مثلهم .

وبيان ذلك : أن الشيخ لا حاجة ولا داعية له تدعوه إلى الزنى ; لضعف داعية النكاح في حقه ، ولكمال عقله ، ولقرب أجله ; إذ قد انتهى إلى طرف عمره . ونحو من ذلك الملك الكذاب ; إذ لا حاجة له إلى الكذب ; فإنه يمكنه أن يمشي أغراضه بالصدق ، فإن خاف من الصدق مفسدة ، ورى .

وأما العائل المستكبر : فاستحق ذلك ; لغلبة الكبر على نفسه ; إذ لا سبب له من خارج يحمله على الكبر ; فإن الكبر غالبا إنما يكون بالمال والخول والجاه ، وهو قد عدم ذلك كله ; فلا موجب له إلا غلبة الكبر على نفسه ، وقلة مبالاته بتحريمه وتوعيد الشرع عليه ، مع أن اللائق به والمناسب لحاله الرقة والتواضع ; لفقره وعجزه .