الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=685167nindex.php?page=treesubj&link=18738لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في الحق آناء الليل والنهار .
(الحديث الثالث) وعن nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=685167لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله [ ص: 72 ] القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في الحق آناء الليل والنهار . (فيه) فوائد : (الأولى) أخرجه الأئمة الستة خلا nindex.php?page=showalam&ids=11998أبا داود من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان بن عيينة وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس بن يزيد كلاهما عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم عن أبيه وفي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني سمعت من nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان مرارا لم أسمعه يذكر الخبر ، أي يذكر أخبار nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري له إنما أتى بلفظ قال nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري . قال وهو صحيح من حديثه .
(الثانية) قال النووي قال العلماء nindex.php?page=treesubj&link=18737_18735الحسد قسمان حقيقي ومجازي فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة ؛ وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة وإن كانت طاعة فهي مستحبة والمراد بالحديث لا غبطة محمودة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما انتهى ولهذا بوب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وهو بمعنى حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر هذا باب الاغتباط في العلم والحكمة فأشار إلى أن إطلاق الحسد في هذا الحديث مجاز ، وإنما هو اغتباط ويدل على أنه ليس المراد في هذا الحديث تمني زوال نعمة الإنفاق والقراءة عن صاحبها ، وإنما المراد أن يكون له مثلها قوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وهو في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=656974لا تحاسد إلا في اثنين رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه من آناء الليل وآناء النهار فهو يقول لو أوتيت مثل هذا فعلت كما يفعل ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في حقه فيقول لو أوتيت مثل ما أوتى هذا عملت فيه مثل ما يعمل .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي بسند صحيح من حديث أبي كبشة الأنماري مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=664617إنما الدنيا لأربعة نفر ، عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا [ ص: 73 ] لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء ، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعمل لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل ، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء
وذكر أبو العباس القرطبي أن الحسد الحقيقي الذي هو تمني زوال نعمة الغير قد يكون غير مذموم بل محمود مثل أن يتمنى زوال النعمة عن الكافر أو عمن يستعين بها على المعصية ثم قال nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي في معنى هذا الحديث فكأنه قال لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الأمرين (قلت) فكأن هذين الأمرين لعظم الغبطة فيهما بولغ في شأنهما حتى نفيت الغبطة عما سواهما كأن الغبطة في غيرهما ليست غبطة بالنسبة لعظم الغبطة فيهما والله أعلم .
(الثالثة) قوله رجل مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف بتقدير مضاف محذوف أي هما خصلة nindex.php?page=hadith&LINKID=685167رجل آتاه الله القرآن ورجل آتاه الله مالا ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه .
(الرابعة) قوله nindex.php?page=hadith&LINKID=685167فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار يحتمل أن يراد بالقيام به تلاوته وعليه يدل قوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=654638فهو يتلوه من آناء الليل وآناء النهار ويحتمل أن يراد بالقيام به تفهمه والاستنباط منه والتفقه فيه وتعليمه للناس وعليه يدل قوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وهو في الصحيحين nindex.php?page=hadith&LINKID=650071ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها قال النووي والحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح ا هـ .
على أنه يحتمل أن يكون قوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فهو يتلوه معناه يتبعه من التلو لا من التلاوة ، وقد ذكر الاحتمالان في قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=92وأن أتلو القرآن ويحتمل أن المراد بالقيام به الأمران تلاوته والتفقه فيه وتعليمه فكل ذلك قيام به ، وقد قام على إرادة كل منهما دليل وهذا أظهر nindex.php?page=treesubj&link=18469_18468والاشتغال بالتعلم والتعليم أفضل من الاشتغال بالتلاوة والله أعلم .
(الخامسة) وبتقدير أن يجعل تعليمه للناس داخلا في القيام به فهل يشترط في ذلك أن يكون متبرعا به أم يدخل فيه nindex.php?page=treesubj&link=18632تعليم بأجرة أيضا قال النووي في قوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فهو يقضي بها ويعلمها معناه يعمل بها ويعلمها احتسابا .
(السادسة) ويدخل فيه أيضا nindex.php?page=treesubj&link=15083_26022القضاء بالعلم وفصل الخصومات به ويأتي فيه ما تقدم عن النووي أنه لا بد أن يفعل ذلك احتسابا ، وقد بوب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على حديث [ ص: 74 ] nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود باب أجر من قضى بالحكمة .
(السابعة) قوله آناء الليل بالمد أي ساعاته وواحد الآناء إناء وأناء بكسر الهمزة وفتحها وإنو وإني بالواو والياء مع كسر الهمزة فيهما أربع لغات .
(الثامنة) قوله فهو ينفقه في الحق أي في الطاعات والحق هنا واحد الحقوق وهو يستعمل في المندوب كما يستعمل في الواجب ومنه الحديث إن في المال حقا سوى الزكاة رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ، وقد يراد بالحق هنا ضد الباطل ولكن يلزم عليه أن يكون المباح باطلا ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال nindex.php?page=treesubj&link=2686_13346_13022إنفاق المال في حقه ثلاثة أقسام .
(الأول) أن ينفق على نفسه وأهله ومن تلزمه النفقة عليه غير مقتر عما يجب لهم ولا مسرف في ذلك كما قال الله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وهذه النفقة أفضل من الصدقة ومن جميع النفقات (والقسم الثاني) أداء الزكاة وإخراج حق الله تعالى لمن وجب له (والقسم الثالث) nindex.php?page=treesubj&link=18045_23467صلة الأهل البعداء ومواساة الصديق وإطعام الجائع وصدقة التطوع كلها ؛ فهذه نفقة مندوب إليها مأجور عليها لقوله عليه الصلاة والسلام الساعي على الأرملة واليتيم كالمجاهد في سبيل الله .
(العاشرة) لا يخفى أن ذكر الرجل خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له فالمرأة كذلك .
(الحادية عشرة) قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال فيه أن nindex.php?page=treesubj&link=19913_19912الغني إذا قام بشروط المال وفعل فيه ما يرضي ربه عز وجل فهو أفضل من الفقير الذي لا يقدر على مثل حاله
ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، الإمام الزاهد ، الحافظ ، مفتي المدينة ، [ ص: 458 ] أبو عمر ، وأبو عبد الله ، القرشي ، العدوي ، المدني ، وأمه أم ولد . مولده في خلافة عثمان .
أخبرنا أحمد بن هبة الله سنة اثنتين وتسعين وستمائة ، أنبأنا أبو روح الهروي ، أنبأنا تميم الجرجاني ، أنبأنا أبو سعد الأديب ، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا حوثرة بن أشرس ، حدثنا عقبة بن أبي الصهباء - وسألت يحيى بن معين عنه فوثقه - عن سالم ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح ، ثم استقبل مطلع الشمس ، فقال : ألا إن الفتن من هاهنا - ثلاث مرات - ومن ثم يطلع قرن الشيطان .
إسناده حسن عال ، ولا يقع لنا حديث سالم أعلى من هذا .
حدث عن أبيه فجود وأكثر ، وعن عائشة - وذلك في سنن النسائي - وأبي هريرة - وذلك في البخاري ومسلم - وعن زيد بن الخطاب العدوي ، وأبي لبابة بن عبد المنذر - وذلك مرسل - وعن رافع بن خديج ، وسفينة ، وأبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسعيد بن المسيب ، وامرأة أبيه صفية .
وعنه : ابنه أبو بكر ، وسالم بن أبي الجعد ، وعمرو بن دينار ، وعمرو بن دينار القهرمان ، ومحمد بن واسع ، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي ، وأبو بكر بن حزم ، والزهري ، ومحمد بن أبي حرملة ، وكثير بن زيد ، وفضيل بن غزوان ، وحنظلة بن أبي سفيان ، وصالح بن كيسان ، وصالح بن محمد بن زائدة أبو واقد ، وعاصم بن عبد الله ، وعبد العزيز بن أبي رواد ، وعبيد الله بن عمر ، وعكرمة بن عمار ، وابن أخيه عمر بن حمزة ، وابن ابن أخيه عمر بن محمد بن زيد ، [ ص: 459 ] وابن ابن أخيه خالد بن أبي بكر بن عبيد الله ، وابن أخيه القاسم بن عبيد الله ، وخلق سواهم .
روى علي بن زيد ، عن ابن المسيب ، قال : قال لي ابن عمر : أتدري لم سميت ابني سالما ؟ قلت : لا . قال : باسم سالم مولى أبي حذيفة - يعني أحد السابقين . يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب ، قال : كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به ، وكان سالم أشبه ولد عبد الله به .
روى سلمة الأبرش ، عن ابن إسحاق قال : رأيت سالم بن عبد الله يلبس الصوف ، وكان علج الخلق ، يعالج بيديه ويعمل .
قال يحيى بن بكير : قدم جماعة من المصريين المدينة ، فأتوا باب سالم بن عبد الله ، فسمعوا رغاء بعير ، فبينا هم كذلك خرج عليهم رجل شديد الأدمة ، متزر بكساء صوف إلى ثندوته ، فقالوا له : مولاك داخل ؟ قال : من تريدون ؟ قالوا : سالم . قال : فلما كلمهم جاء شيء غير المنظر ، قال : من أردتم ؟ قالوا : سالم . قال : ها أنا ذا فما جاء بكم ؟ قالوا : أردنا أن نسائلك . قال : سلوا عما شئتم . وجلس ويده ملطخة بالدم والقيح الذي أصابه من البعير ، فسألوه .
قال أشهب ، عن مالك ، قال : لم يكن أحد في زمان سالم أشبه بمن مضى من الصالحين ، في الزهد والفضل والعيش منه ; كان يلبس الثوب [ ص: 460 ] بدرهمين ، ويشتري الشمال ليحملها . قال : فقال سليمان بن عبد الملك لسالم - ورآه حسن السحنة - : أي شيء تأكل ؟ قال : الخبز والزيت ، وإذا وجدت اللحم أكلته . فقال له عمر : أوتشتهيه ؟ قال : إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه . وروى أبو المليح الرقي ، عن ميمون بن مهران قال : دخلت على ابن عمر ، فقومت كل شيء في بيته ، فما وجدته يسوى مائة درهم ، ثم دخلت مرة أخرى ، فما وجدت ما يسوى ثمن طيلسان ، ودخلت على سالم من بعده ، فوجدته على مثل حال أبيه .
روى زيد بن محمد بن زيد ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر يقبل سالما ويقول : شيخ يقبل شيخا . ابن سعد ، عن محمد بن حرب المكي : سمع خالد بن أبي بكر يقول : بلغني أن ابن عمر كان يلام في حب سالم ، فكان يقول : يلومونني في سالم وألومهم وجلدة بين العين والأنف سالم
قال ابن أبي الزناد : كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم الغر السادة : علي بن الحسين ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، ففاقوا أهل المدينة علما وتقى وعبادة وورعا ، فرغب الناس حينئذ في السراري . [ ص: 461 ]
قال ابن المبارك : كان فقهاء أهل المدينة الذين كانوا يصدرون عن رأيهم سبعة : ابن المسيب ، وسليمان بن يسار ، وسالم ، والقاسم ، وعروة ، وعبيد الله بن عبد الله ، وخارجة بن زيد . وكانوا إذا جاءتهم مسألة دخلوا فيها جميعا فنظروا فيها ، ولا يقضي القاضي حتى يرفع إليهم ، فينظرون فيها فيصدرون . ابن وهب : حدثنا مالك ، عن يزيد بن رومان ، عن سالم بن عبد الله : أنه كان يخرج إلى السوق في حوائج نفسه . واشترى شملة ، فانتهى بها إلى المسجد ، فرمى بها إلى عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ، فحبسها عنده ساعة ، ثم قال : ألا تبعث من يحملها لك ؟ فقال : بل أنا أحملها .
وحدثني مالك ، قال : كان ابن عمر يخرج إلى السوق فيشتري ، وكان سالم دهره يشتري في الأسواق ، وكان من أفضل أهل زمانه .
وروى أبو سعيد الحارثي ، عن العتبي ، عن أبيه ، قال : دخل سالم على سليمان بن عبد الملك ، وعلى سالم ثياب غليظة رثة ، فلم يزل سليمان يرحب به ، ويرفعه حتى أقعده معه على سريره ، وعمر بن عبد العزيز في المجلس ، فقال له رجل من أخريات الناس : ما استطاع خالك أن يلبس ثيابا فاخرة أحسن من هذه ، يدخل فيها على أمير المؤمنين ؟ ! قال : وعلى المتكلم ثياب سرية ، لها قيمة ، فقال له عمر : ما رأيت هذه الثياب التي على خالي وضعته في مكانك ، ولا رأيت ثيابك هذه رفعتك إلى مكان خالي ذاك . [ ص: 462 ]
قال أحمد بن عبد الله العجلي : سالم بن عبد الله تابعي ثقة .
وقال أحمد وابن راهويه : أصح الأسانيد ; الزهري ، عن سالم ، عن أبيه .
وروى عباس ، عن يحيى بن معين ، قال : سالم والقاسم حديثهما قريب من السواء ، وسعيد بن المسيب - أيضا - قريب منهما ، وإبراهيم أعجب إلي مرسلات منهم . قال عباس : قلت ليحيى : فسالم أعلم بابن عمر أو نافع ؟ قال : يقولون : إن نافعا لم يحدث حتى مات سالم .
وقال البخاري : لم يسمع سالم من عائشة .
وقال النسائي في حديث الزهري ، عن سالم ، عن أبيه مرفوعا " فيما سقت السماء العشر . . " الحديث : ورواه نافع عن ابن عمر قوله ، قال : واختلف سالم ونافع على ابن عمر في ثلاثة أحاديث ; هذا أحدها .
والثاني : " من باع عبدا له مال " فقال : سالم عن أبيه مرفوعا . وقال : نافع عن ابن عمر قوله . [ ص: 463 ]
وقال : سالم عن أبيه مرفوعا : " يخرج نار من قبل اليمن . . " ورواه نافع عن ابن عمر ، عن كعب قوله . قال : وسالم أجل من نافع ، وأحاديث نافع أولى بالصواب .
وقال ابن سعد كان سالم ثقة ، كثير الحديث ، عاليا من الرجال ورعا .
قال أبو ضمرة الليثي : حج هشام بن عبد الملك في سالم بن عبد الله ، فأعجبته سحنته ، فقال : أي شيء تأكل ؟ فقال : الخبز والزيت . قال : فإذا لم تشتهه ؟ قال : أخمره حتى أشتهيه . فعانه هشام ، فمرض ومات ، فشهده هشام وأجفل الناس في جنازته فرآهم هشام فقال : إن أهل المدينة لكثير . فضرب عليهم بعثا أخرج فيه جماعة منهم ، فلم يرجع منه أحد ، فتشاءم به أهل المدينة ، فقالوا : عان فقيهنا ، وعان أهل بلدنا . قال جويرية بن أسماء : حدثني أشعب الطمع ، قال : قال لي سالم : لا تسأل أحدا غير الله تعالى .
وقال فطر بن خليفة : رأيت سالم بن عبد الله أبيض الرأس واللحية . [ ص: 464 ]
وقال معن بن عيسى : حدثني خالد بن أبي بكر ، قال : رأيت على سالم قلنسوة بيضاء ، وعمامة بيضاء يسدل منها خلفه أكثر من شبر .
قال أيوب السختياني : أتينا سالم بن عبد الله وهو في قميص وجبة قد اتزر فوقها .
قال نافع : كان سالم يركب في عهد ابن عمر بالقطيفة الأرجوان .
قال ابن سعد أخبرت عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك ، عن ابن المسيب ، قال : أشبه ولد ابن عمر به سالم .
وقيل : كان سالم يركب حمارا عتيقا زريا ، فعمد أولاده فقطعوا ذنبه حتى لا يعود يركبه سالم ، فركب وهو أقطش الذنب ، فعمدوا فقطعوا أذنه ، فركبه ولم يغيره ذلك ، ثم جدعوا أذنه الأخرى ; وهو مع ذلك يركبه تواضعا واطراحا للتكلف . الأصمعي ، عن أشعب ، قال : دخلت على سالم بن عبد الله فقال : حمل إلينا هريسة وأنا صائم ، فاقعد كل . قال : فأمعنت ، فقال : ارفق فما بقي يحمل معك . قال : فرجعت ، فقالت المرأة : يا مشئوم بعث عبد الله بن عمرو بن عثمان يطلبك ، وقلت : إنك مريض ! قال : أحسنت ، فدخل حماما وتمرج بدهن وصفرة ، قال : وعصبت رأسي ، وأخذت قصبة أتوكأ عليها وأتيته ، فقال : أشعب ؟ قلت : نعم ، جعلت فداك ، ما قمت منذ شهرين . قال : وعنده سالم ولم أشعر ، فقال : ويحك يا أشعب ، وغضب وخرج ، فقال عبد الله : [ ص: 465 ] ما غضب خالي سالم إلا من شيء ، فاعترفت له ، فضحك هو وجلساؤه . ووهب لي ، فخرجت فإذا أشعب قد لقي سالما فقال : ويحك ، ألم تأكل عندي الهريسة ؟ قلت : بلى ، فقال : والله لقد شككتني .
وحكى الأصمعي ، أن أشعب مر في طريق ، فعبث به الصبيان ، فقال : ويحكم ، سالم يقسم جوزا أو تمرا ، فمروا يعدون ، فغدا أشعب معهم ، وقال : ما يدريني لعله حق .
مات سالم في سنة ست ومائة . قاله ابن شوذب ، وعطاف بن خالد ، وضمرة ، وأبو نعيم ، وعدة . زاد بعضهم : في ذي القعدة ، وقال بعضهم : في ذي الحجة . فصلى عليه هشام بن عبد الملك بعد انصرافه من الحج .
وقال خليفة ، وأبو أمية بن يعلى : سنة سبع ومائة .
وقال الهيثم بن عدي ، وأبو عمر الضرير : سنة ثمان . والأول أصح .
قال الحافظ ابن عساكر : قدم سالم الشام وافدا على عبد الملك ببيعة والده له ، ثم قدم على الوليد ، ثم على عمر بن عبد العزيز .
قال يحيى بن سعيد : قلت لسالم في حديث : أسمعته من ابن عمر ؟ فقال : مرة واحدة ! أكثر من مائة مرة . [ ص: 466 ]
قال همام ، عن عطاء بن السائب : دفع الحجاج رجلا إلى سالم بن عبد الله ليقتله ، فقال للرجل : أمسلم أنت ؟ قال : نعم : قال : فصليت اليوم الصبح ؟ قال : نعم ، فرد إلى الحجاج ، فرمى بالسيف ، وقال : ذكر أنه مسلم ، وأنه صلى الصبح ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من صلى الصبح فهو في ذمة الله " فقال : لسنا نقتله على صلاة ، ولكنه ممن أعان على قتل عثمان ، فقال : هاهنا من هو أولى بعثمان مني . فبلغ ذلك ابن عمر فقال : مكيس مكيس .
قال ابن عيينة : دخل هشام الكعبة ، فإذا هو بسالم بن عبد الله ، فقال : سلني حاجة . قال : إني أستحيي من الله أن أسأل في بيته غيره . فلما خرجا قال : الآن فسلني حاجة ، فقال له سالم : من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة ؟ فقال : من حوائج الدنيا . قال : والله ما سألت الدنيا من يملكها ، فكيف أسألها من لا يملكها . وكان سالم حسن الخلق ، فروي عن إبراهيم بن عقبة ، قال : كان سالم إذا خلا حدثنا حديث الفتيان .
وعن أبي سعد قال : كان سالم غليظا كأنه حمال . وقيل : كان على سمت أبيه في عدم الرفاهية . حماد بن عيسى الجهني ، حدثنا حنظلة ، عن سالم ، عن أبيه ، عن [ ص: 467 ] عمر ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مد يديه في الدعاء ، لم يرسلهما حتى يمسح بهما وجهه .