7363 ص: فلما اختلفوا في ذلك وجب الكشف عما اختلفوا فيه؛ لنستخرج من هذه الأقوال قولا صحيحا، فرأينا فرأينا من ملك دون ما يغديه أو دون ما يعشيه كانت الصدقة له حلالا باتفاق الفرق كلها، فخرج بذلك حكمها من حكم الأشياء المحرمات التي تحل عند الضرورة، ألا ترى أن من اضطر إلى الميتة أي الذي يحل له منها هو ما يمسك به نفسه لا ما يشبعه، حتى تكون له غداء أو حتى تكون له عشاء، فلما كان الذي يحل له من الصدقة هو بخلاف ما يحل من الميتة عند الضرورة، ثبت أنها إنما تحرم على مالك مقدار، فأردنا أن ننظر في ذلك المقدار ما هو؟ فرأينا من ملك دون ما يغدي أو دون ما يعشي لم يكن بذلك غنيا وكذلك من ملك أربعون درهما أو خمسين درهما أو ما هو دون مائتي درهم، فإذا ملك مائتي درهم كان بذلك غنيا؛ لأن رسول الله -عليه السلام- قال الصدقة لا تخلو من أحد وجهين: إما أن تكون حراما لا يحل منها إلا ما يحل من الأشياء المحرمات عند الضرورة إليها، أو تكون تحل إلى أن يملك مقدارا من المال الحرام فتحرم على مالكه، لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - في الزكاة: "خذها من أغنيائهم واجعلها في فقرائهم" فعقلنا بذلك أن مالك المائتين غني، وأن مالك ما دونها غير غني، فثبت بذلك أن الصدقة حرام على مالك المائتي درهم فصاعدا، وأنها حلال لمن يملك ما دون ذلك، وهذا قول ، أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد ، -رحمهم الله-.