الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
8 8 - من حديث عكرمة بن خالد عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي nindex.php?page=hadith&LINKID=650007صلى الله عليه وسلم قال : " nindex.php?page=treesubj&link=24589_30472_28633_28635بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصوم رمضان " .
وهذا الحديث دل على أن nindex.php?page=treesubj&link=28633الإسلام مبني على خمسة أركان ، وهذا يدل على أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري يرى أن الإيمان والإسلام مترادفان .
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس " - أن الإسلام مثله كبنيان ، وهذه الخمس دعائم البنيان وأركانه التي يثبت عليها البنيان .
وقد روي في لفظ : " بني الإسلام على خمس دعائم " .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي .
وإذا كانت هذه دعائم البنيان وأركانه فبقية خصال الإسلام كبقية البنيان ، فإذا فقد شيء من بقية الخصال الداخلة في مسمى الإسلام الواجب نقص البنيان ولم يسقط بفقده ، وأما هذه الخمس فإذا زالت كلها سقط البنيان ولم يثبت بعد زوالها .
وكذلك إن زال منها الركن الأعظم وهو الشهادتان ، وزوالهما يكون بالإتيان بما يضادهما ولا يجتمع معهما .
وأما زوال الأربع البواقي فاختلف العلماء هل يزول الاسم بزوالها أو بزوال واحد منها ؟ أم لا يزول بذلك ؟ أم يفرق بين الصلاة وغيرها ، فيزول بترك [ ص: 21 ] الصلاة دون غيرها ؟ أم يختص زوال الإسلام بترك الصلاة والزكاة خاصة ؟ وفي ذلك اختلاف مشهور .
وهذه الأقوال كلها محكية عن nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد .
وكثير من علماء أهل الحديث يرى nindex.php?page=treesubj&link=23390تكفير تارك الصلاة ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه إجماعا منهم ، حتى إنه جعل قول من قال : لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها - من أقوال المرجئة .
وكذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة : المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم ، وليسا سواء ; لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال معصية ، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر .
وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس ، وعلماء اليهود ، والذين أقروا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=17191ونافع مولى ابن عمر أنهما سئلا عمن قال : الصلاة فريضة ، ولا أصلي ، فقالا : هو كافر .
وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد .
ونقل حرب عن nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق قال : غلت المرجئة حتى صار من قولهم : إن قوما يقولون : من ترك الصلوات المكتوبات ، وصوم رمضان ، والزكاة ، والحج ، وعامة الفرائض من غير جحود لها - إنا لا نكفره ، يرجأ أمره إلى الله بعد ، إذ هو مقر . فهؤلاء الذين لا شك فيهم ، يعني في أنهم مرجئة .
وظاهر هذا أنه يكفر بترك هذه الفرائض .
وروى يعقوب الأشعري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16861ليث ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير قال : من ترك [ ص: 22 ] الصلاة متعمدا فقد كفر ، ومن أفطر يوما من رمضان متعمدا فقد كفر ، ومن ترك الحج متعمدا فقد كفر ، ومن ترك الزكاة متعمدا فقد كفر .
ويروى عن nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة نحوه .
وحكي رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، اختارها أبو بكر من أصحابه .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=13055عبد الملك بن حبيب المالكي مثله .
وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=14171أبي بكر الحميدي .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : التكفير ببعض هذه الأركان دون بعض ; فروى nindex.php?page=showalam&ids=16862مؤمل ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، عن عمرو بن مالك النكري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11838أبي الجوزاء ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - ولا أحسبه إلا رفعه - قال : " عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة ، عليهن أسس الإسلام : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وصوم رمضان ; من ترك منها واحدة فهو بها كافر حلال الدم . وتجده كثير المال لم يحج ، فلا يزال بذلك كافرا ، ولا يحل دمه . وتجده كثير المال لا يزكي فلا يزال بذلك كافرا ، ولا يحل دمه .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، فوقفه واختصره ، ولم يتمه .
ورواه سعيد بن زيد - أخو nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد - عن عمرو بن مالك ورفعه ، وقال : " من ترك منهن واحدة فهو بالله كافر ، ولا يقبل منه صرف ولا عدل ، وقد حل دمه وماله " ولم يزد على ذلك .
والأظهر وقفه على nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ; فقد جعل nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ترك هذه الأركان كفرا ، لكن بعضها كفر يبيح الدم ، وبعضها لا يبيحه ، وهذا يدل على أن nindex.php?page=treesubj&link=23390الكفر بعضه ينقل عن الملة ، وبعضه لا ينقل .
[ ص: 23 ] وأكثر أهل الحديث على أن ترك الصلاة كفر دون غيرها من الأركان ، كذلك حكاه nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي وغيره عنهم .
وممن قال بذلك : nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد في المشهور عنه ، nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق ، وحكى عليه إجماع أهل العلم كما سبق .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب : ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه .
وقال عبد الله بن شقيق : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي .
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وغيرهم ، قالوا : من ترك الصلاة فقد كفر .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة .
وفي " صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=657124بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=14656العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " .
فأما بقية خصال الإسلام والإيمان فلا يخرج العبد بتركها من الإسلام عند أهل السنة والجماعة . وإنما خالف في ذلك الخوارج ونحوهم من أهل البدع .
قال nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة : الإسلام ثمانية أسهم : الإسلام سهم ، والصلاة سهم ، والزكاة سهم ، والحج سهم ، ورمضان سهم ، والجهاد سهم ، والأمر بالمعروف سهم ، والنهي عن المنكر سهم ، وقد خاب من لا سهم له .
وروي مرفوعا ، والموقوف أصح .
فسائر خصال الإسلام الزائدة على أركانه الخمسة ودعائمه إذا زال منها شيء نقص البنيان ، ولم ينهدم أصل البنيان بذلك النقص .
وقد ضرب الله ورسوله مثل الإيمان والإسلام بالنخلة .
فالكلمة الطيبة هي كلمة التوحيد وهي أساس الإسلام ، وهي جارية على لسان المؤمن ، وثبوت أصلها هو ثبوت التصديق بها في قلب المؤمن ، وارتفاع فرعها في السماء هو علو هذه الكلمة وبسوقها ، وأنها تخرق الحجب ولا تتناهى دون العرش .
وإتيانها أكلها كل حين هو ما يرفع بسببها للمؤمن كل حين من القول [ ص: 25 ] الطيب والعمل الصالح ، فهو ثمرتها .
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن أو المسلم كمثل النخلة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : مثل [الإيمان] كشجرة أصلها الشهادة ، وساقها كذا وكذا ، وورقها كذا وكذا ، وثمرها الورع ، ولا خير في شجرة لا ثمر لها ، ولا خير في إنسان لا ورع فيه .
ومعلوم أن ما دخل في مسمى الشجرة والنخلة من فروعها وأغصانها وورقها وثمرها إذا ذهب شيء منه لم يذهب عن الشجرة اسمها ، ولكن يقال : هي شجرة ناقصة ، وغيرها أكمل منها . فإن قطع أصلها وسقطت لم تبق شجرة ، وإنما تصير حطبا .
فكذلك الإيمان والإسلام إذا زال منه بعض ما يدخل في مسماه مع بقاء أركان بنيانه لا يزول به اسم الإسلام والإيمان بالكلية ، وإن كان قد سلب الاسم عنه لنقصه ، بخلاف ما انهدمت أركانه وبنيانه ; فإنه يزول مسماه بالكلية ، والله أعلم .