الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وصوم النذر عن الميت كقضاء رمضان ، على ما سبق عند الكل ( و ) واختاره ابن عقيل ، ونص أحمد وعليه الأصحاب : يفعله الولي عنه بخلاف رمضان ، وفاقا لليث وأبي عبيد وإسحاق . وسبق قول ابن عباس . ويجوز أن يصوم غير الولي بإذنه وبدونه ، جزم به القاضي والأكثر ، لأنه عليه السلام شبهه بالدين ، وقيل : لا يصح إلا بإذنه ( و ش ) لأنه خلاف القياس ، فلا يتعدى النص ، وذكر صاحب المحرر أنه ظاهر نقل حرب ، يصوم أقرب الناس إليه : ابنه أو غيره ، فيتوجه : يلزم من الاقتصار على النص : لا يصوم بإذنه ، وكذا الوجهان في الحج ، واختار عدم الصحة فيه في الانتصار ، كحال الحياة ، واختار صاحب الفصول والمحرر الصحة ، لعدم استفصاله عليه السلام ، وهل يجوز صوم جماعة عنه في يوم واحد ويجزئ عن عدتهم من الأيام ؟ نقل أبو طالب : يصوم واحد ، قال في الخلاف : فمنع الاشتراك كالحجة المنذورة تصح النيابة فيها من واحد لا من جماعة . وحكى أحمد عن طاوس الجواز ، وحكاه البخاري عن الحسن ، وهو أظهر ، واختاره صاحب شرح المهذب من الشافعية وقال : لم يذكر المسألة أصحابهم ، واختاره صاحب المحرر ( م 1 ) وحمل ما سبق على صوم شرطه التتابع ، [ ص: 99 ] وتعليل القاضي يدل عليه ، فإن ما جاز تفريقه كل يوم كحجة مفردة ، فدل ذلك أن من أوصى بثلاث حجج جاز صرفها إلى ثلاثة يحجون عنه في سنة واحدة ، وجزم ابن عقيل بأنه لا يجوز ، لأن نائبه مثله ، وليس له أن يحج ثلاث حجات في عام واحد ، وذكره في الرعاية قولا ، ولم يذكر قبله ما يخالفه ، وذكره في فصل استنابة المغصوب من باب الإحرام ، وهو قياس ما ذكره القاضي في الصوم ، وهو لم يفرق بينهما ، ولا فرق . ويأتي في تفريق الاعتكاف . ويستحب للولي فعله عنه ، ولا يجب ( و ) خلافا للظاهرية ، كالدين لا يلزمه إذا لم يكن [ له ] تركة ، وله أن يصوم ، وله أن يدفع إلى من يصوم عنه من تركته عن كل يوم مسكينا ، فإن لم تكن [ له ] [ ص: 100 ] تركة لم يلزمه شيء . قال القاضي وغيره : كالحج الوارث بالخيار بين الحج بنفسه وبين دفع نفقة إلى من يحج عنه .

                                                                                                          وقال صاحب المحرر : إن القاضي في المجرد لم يذكر أن الورثة إذا امتنعوا يلزمهم استنابة ولا إطعام . وذكر في المستوعب وغيره أن مع عدم صوم الورثة يجب إطعام مسكين من ماله عن كل يوم ، ومع صوم الورثة لا يجب ، وجزم الشيخ في مسألة من نذر صوما فعجز عنه أن صوم النذر لا إطعام فيه بعد الموت ، بخلاف رمضان ، ولم أجد في كلامه خلافه ، ولا كفارة مع الصوم عنه أو الإطعام ، واختار شيخنا أن الصوم عنه بدل مجزئ بلا كفارة ، ويأتي كلامهم في الصلاة المنذورة ، وسبق كلامهم في الانتصار في تأخير قضاء رمضان لعذر ، وأوجبها في المستوعب ، قال : كما لو عين بنذره صوم شهر فلم يصمه فإنه يجب القضاء والكفارة . وفي الرعاية كالمستوعب ، فإنه قال : إن لم يقضه عنه ورثته أو غيرهم أطعم عنه من تركته لكل يوم فقير مع كفارة يمين ، وإن قضى كفته كفارة يمين وعنه . مع العذر المتصل بالموت . وهذه الرواية والله أعلم هي رواية حنبل ، فإنه نقل : إذا نذر صوم شهر فحال بينه مرض أو علة حتى يموت صام عنه وليه وأطعم لكل يوم مسكينا ، لتفريطه ، هذا كله فيمن أمكنه صوم ما نذره فلم يصمه ومات ، ولو أمكنه صوم بعض ما نذره قضى عنه ما أمكنه صومه فقط ( و م ) ذكره القاضي وبعض أصحابنا ، ذكره صاحب المحرر ، وذكره ابن عقيل أيضا ، لأن رمضان يعتبر فيه إمكان الأداء ، والنذر [ ص: 101 ] يحمل على أصله في الفرض . وأجاب القاضي بأنا لا نسلم أن النذر المطلق يثبت في ذمته مطلقا ، بل بشرط الإمكان ، كالنذر المعلق بشرط ، والنذر في حال المرض ، وقضاء رمضان ; ومذهب ( هـ ش ) يلزم أن يقضي عنه كله ، لثبوته في ذمته صحيحة في الحال ، كالكفارة ، بخلاف من دام مرضه حتى مات لأنه لا ذمة له يثبت فيها الصوم ، وذكر القاضي في مسألة الصوم عن الميت : أن من نذر صوم شهر وهو مريض ومات قبل القدرة عليه يثبت الصيام في ذمته ، ولا يعتبر إمكان الأداء ، ويخير وليه بين أن يصوم عنه أو ينفق على من يصوم ; وفرق بينهما بأن النذر محله الذمة ، فلا يعتبر فيه إمكان الأداء كالكفارة ، وذكر نص أحمد في رواية عبد الله في رجل مرض في رمضان : إن استمر به المرض حتى مات ليس عليه شيء ، وإن كان نذرا صام عنه وليه إذا [ هو ] مات . قال : وأومأ إليه في رواية الميموني والفضل وابن منصور ، واختار صاحب المحرر أنه يقضي عن الميت ما تعذر فعله بالمرض دون المتعذر بالموت ، لأن النذر وإن تعلق بالذمة يتعلق بالأيام الآتية بعد النذر ، فإذا مات قبل مضي المدة المقدرة تبينا أن قدر ما بقي منها صادف نذره حالة موته ، وهو يمنع الثبوت في ذمته ، كما لو نذر صوم شهر معين فمات قبله أو جن ودام جنونه حتى انقضى ، بخلاف القدر الذي أدركه حيا وهو مريض ، لأن [ ص: 102 ] المرض لا ينافي ثبوت الصوم في الذمة ، بدليل أنه يقضي رمضان ، ويقضي من نذر صوم شهر بعينه فلم يصمه لمرض ، وإذا ثبت في ذمة المريض والنيابة تدخله بعد الموت فلا معنى لسقوطه به ، وإنما سقط قضاء رمضان لأن النيابة لا تدخله ، ولم يجب الإطعام لأنه وجب عقوبة للتفريط ولم يوجد . قال : ويؤيد ذلك أمره عليه السلام بقضائه عن الميت ، ولم يستفصل هل تركه لمرض أو غيره . هذا كله في النذر في الذمة . فأما إن نذر صوم شهر بعينه فمات قبل دخوله لم يصم ولم يقض عنه . قال صاحب المحرر : وهو مذهب سائر الأئمة ، ولا أعلم فيه خلافا ، وإن مات في أثنائه سقط باقيه فإن لم يصمه لمرض حتى انقضى ثم مات في مرضه فعلى الخلاف السابق فيما إذا كان في الذمة ، وسبق كلامه في الانتصار والرعاية فيما إذا أخر قضاء رمضان لعذر حتى مات ، والله أعلم .

                                                                                                          [ ص: 98 ]

                                                                                                          التالي السابق



                                                                                                          الخدمات العلمية