[ ص: 6 ] بسم الله الرحمن الرحيم [ ص: 7 ] حمدا
[ ص: 6 ]
وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْتَ رَحْمَانَا فَمِنْ تَعَنُّتِهِ وَغُلُوِّهِ فِي الْكُفْرِ
وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي . قَالَ السُّبْكِيُّ : وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَنْعَ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ ، وَأَنَّ الْمَخْصُوصَ بِهِ تَعَالَى الْمُعَرَّفُ . وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ ، وَقِيلَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي اللَّفْظِ لَا تَكُونُ إلَّا لِزِيَادَةِ الْمَعْنَى وَإِلَّا كَانَتْ عَبَثًا ، وَقَدْ زِيدَ فِيهِ حَرْفٌ عَلَى الرَّحِيمِ وَهُوَ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ بِصِيغَتِهِ ، فَدَلَّتْ زِيَادَتُهُ عَلَى زِيَادَتِهِ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى كَمًّا ، لِأَنَّ الرَّحْمَانِيَّةَ تَعُمُّ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ ، وَالرَّحِيمِيَّةَ تَخُصُّ الْمُؤْمِنَ ، أَوْ كَيْفًا لِأَنَّ الرَّحْمَنَ الْمُنْعِمُ بِجَلَائِل النِّعَمِ ، وَالرَّحِيمَ الْمُنْعِمُ بِدَقَائِقِهَا . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَصْفَ بِهِمَا لِلْمَدْحِ ، فِيهِ إشَارَةٌ إلَى لَمِّيَّةِ الْحُكْمِ أَيْ إنَّمَا افْتَتَحَ كِتَابَهُ بِاسْمِهِ تَعَالَى مُتَبَرِّكًا مُسْتَعِينًا بِهِ لِأَنَّهُ الْمُفِيضُ لِلنِّعَمِ كُلِّهَا ، وَكُلُّ مَنْ شَأْنُهُ ذَلِكَ لَا يُفْتَتَحُ إلَّا بِاسْمِهِ nindex.php?page=treesubj&link=29446_28714وَهَلْ وَصْفُهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا عَنْ الْإِنْعَامِ أَوْ عَنْ إرَادَتِهِ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ الْمُسْتَحِيلَةِ عَلَيْهِ تَعَالَى فَيُرَادُ غَايَتُهَا ؟ الْمَشْهُورُ الثَّانِي . وَالتَّحْقِيقُ الْأَوَّلُ ، لِأَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ الْأَعْرَاضِ هِيَ الْقَائِمَةُ بِنَا ، وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى كَذَلِكَ حَتَّى تَكُونَ مَجَازًا كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ مَعَانِيهَا الْقَائِمَةُ بِنَا مِنْ الْأَعْرَاضِ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَجَازٌ ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ مَعَ فَوَائِدَ أُخَرَ فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ لِلشَّارِحِ ( قَوْلُهُ : حَمْدًا ) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِعَامِلٍ مَحْذُوفٍ وُجُوبًا . وَالْحَمْدُ لُغَةً الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَالتَّبْجِيلِ . وَعُرْفًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ بِسَبَبِ إنْعَامِهِ ، فَالْأَوَّلُ أَخَصُّ مَوْرِدًا إذْ الْوَصْفُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ ، وَأَعَمُّ مُتَعَلِّقًا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَا بِمُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ وَالثَّانِي بِعَكْسِهِ ، فَبَيْنَهَا عُمُومٌ وَجْهِيٌّ وَالشُّكْرُ لُغَةً يُرَادِفُ الْحَمْدَ عُرْفًا . وَعُرْفًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ ، وَخَرَجَ بِالِاخْتِيَارِ الْمَدْحُ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْحَمْدِ لِانْفِرَادِهِ فِي مَدَحْت زَيْدًا عَلَى رَشَاقَةِ قَدِّهِ ، وَاللُّؤْلُؤَةَ عَلَى صَفَائِهَا فَبَيْنَهَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ . وَذَهَبَ nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيّ إلَى تَرَادُفِهِمَا لِاشْتِرَاطِهِ فِي الْمَمْدُوحِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا كَالْمَحْمُودِ عَلَيْهِ ، وَنَقَضَ التَّعْرِيفَ جَمْعًا بِخُرُوجِ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى صِفَاتِهِ . وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّاتَ لَمَّا كَانَتْ كَافِيَةً فِي اقْتِضَاءِ تِلْكَ الصِّفَاتِ جُعِلَتْ بِمَنْزِلَةِ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ ، وَبِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ مَبْدَأً لِأَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ كَانَ الْحَمْدُ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْأَفْعَالِ ، فَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ اخْتِيَارِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ ، أَوْ أَنَّ الْحَمْدَ عَلَيْهَا مَجَازٌ عَنْ الْمَدْحِ . [ ص: 8 ] ثُمَّ إنَّ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَدْ يَتَغَايَرَانِ ذَاتًا كَمَا هُنَا ، أَوْ اعْتِبَارًا كَمَا إذَا وُصِفَ الشُّجَاعُ بِشَجَاعَتِهِ ، فَهِيَ مَحْمُودٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَصْفَ كَانَ بِهَا ، وَمَحْمُودٌ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا كَانَتْ بَاعِثَةً عَلَى الْحَمْدِ . وَالْحَمْدُ حَيْثُ أُطْلِقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْعُرْفِيِّ لِمَا قَالَهُ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الْمَطَالِعِ : اللَّفْظُ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَاهُ الْعُرْفِيِّ ، مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ . وَعِنْدَ مُحَقِّقِي الصُّوفِيَّةِ حَقِيقَةُ الْحَمْدِ إظْهَارُ صِفَاتِ الْكَمَالِ ، وَهُوَ بِالْفِعْلِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْقَوْلِ ، لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَفْعَالِ عَقْلِيَّةٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا التَّخَلُّفُ ، وَدَلَالَةَ الْأَقْوَالِ وَضْعِيَّةٌ يُتَصَوَّرُ فِيهَا ذَلِكَ ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَثَنَاؤُهُ عَلَى ذَاتِهِ فَإِنَّهُ بَسَطَ بِسَاطَ الْوُجُودِ عَلَى مُمْكِنَاتٍ لَا تُحْصَى ، وَوَضَعَ عَلَيْهِ مَوَائِدَ كَرَمِهِ الَّتِي لَا تَتَنَاهَى ، فَإِنَّ كُلَّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِ الْوُجُودِ تَدُلُّ عَلَيْهَا ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعِبَارَاتِ مِثْلُ هَذِهِ الدَّلَالَاتِ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " { nindex.php?page=hadith&LINKID=29793لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك } " ثُمَّ إنَّ الْحَمْدَ مَصْدَرٌ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَى الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ : أَيْ الْحَامِدِيَّةُ ، أَوْ الْمَبْنِيَّ لِلْمَفْعُولِ : أَيْ الْمَحْمُودِيَّةُ ، أَوْ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ أَوْ الْحَاصِلَ بِالْمَصْدَرِ ، وَعَلَى كُلٍّ فَأَلْ فِي قَوْلِنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ إمَّا لِلْجِنْسِ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ : أَيْ الْفَرْدُ الْكَامِلُ الْمَعْهُودُ ذِهْنًا ، وَهُوَ الْحَمْدُ الْقَدِيمُ ، فَهِيَ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً . وَاخْتَارَ فِي الْكَشَّافِ الْجِنْسَ لِأَنَّ الصِّيغَةَ بِجَوْهَرِهَا تَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ جِنْسِ الْمَحَامِدِ بِهِ تَعَالَى ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِصَاصُ كُلِّ فَرْدٍ ، إذْ لَوْ خَرَجَ فَرْدٌ مِنْهَا لَخَرَجَ الْجِنْسُ تَبَعًا لَهُ لِتَحَقُّقِهِ فِي كُلِّ فَرْدٍ ، فَيَكُونُ اخْتِصَاصُ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ ثَابِتًا بِطَرِيقٍ بُرْهَانِيٍّ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ إثْبَاتِهِ ابْتِدَاءً فَلَا حَاجَةَ فِي تَأْدِيَةِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْحَمْدِ لَهُ تَعَالَى وَانْتِفَاؤُهُ عَنْ غَيْرِهِ إلَى أَنْ يُلَاحِظَ الشُّمُولَ وَالْإِحَاطَةَ . وَاخْتَارَ غَيْرُهُ الِاسْتِغْرَاقَ ، لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِدُونِ اعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ قَلِيلٌ فِي الشَّرْعِ ; وَعَلَى كُلٍّ فَالْحَصْرُ ادِّعَائِيٌّ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ تَنْزِيلًا لِحَمْدِ غَيْرِهِ تَعَالَى مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ ، أَوْ حَقِيقِيٌّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَيْهِ لِتَمْكِينِهِ تَعَالَى وَإِقْدَارِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ . وَقَدْ يُقَالُ : إنَّهُ جَعَلَ الْجِنْسَ فِي الْمَقَامِ الْخَطَّابِيِّ مُنْصَرِفًا إلَى الْكَامِلِ كَأَنَّهُ كُلُّ الْحَقِيقَةِ ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ - { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابِ } - وَالْحَاتِمُ الْجَوَادُ ، وَهَلْ الْحَصْرُ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ أَوْ الْمَنْطُوقِ ؟ قِيلَ بِالْمَنْطُوقِ . وَرُدَّ بِأَنَّ أَلْ تَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ وَالشُّمُولِ فَلَيْسَ النَّفْيُ جُزْءَ مَفْهُومِهَا وَإِنْ كَانَ لَازِمًا ، وَقِيلَ بِالْمَفْهُومِ لِمَا ذُكِرَ ، وَقِيلَ لَا تُفِيدُ الْحَصْرَ وَنُسِبَ لِلْحَنَفِيَّةِ ، وَضَعَّفَهُ فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ مَشْحُونٌ بِاعْتِبَارِهِ ، وَقَدْ تَكَرَّرَ الِاسْتِدْلَال مِنْهُمْ فِي نَفْيِ الْيَمِينِ عَنْ الْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " { nindex.php?page=hadith&LINKID=39896وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } " قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : جَعَلَ جِنْسَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ . وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الصُّوَرِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ فَلَامُ لِلَّهِ إمَّا لِلْمِلْكِ أَوْ لِلِاسْتِحْقَاقِ أَوْ لِلِاخْتِصَاصِ فَهِيَ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ ، وَعَلَى الْأَخِيرِ فَهِيَ لِتَأْكِيدِ الِاخْتِصَاصِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ أَلْ كَمَا قَالَهُ السَّيِّدُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَحَامِدِ بِهِ تَعَالَى ، وَقِيلَ إنَّ الِاخْتِصَاصَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ اللَّامِ هُوَ اخْتِصَاصُ الْحَمْدِ بِمَدْخُولِهَا وَأَلْ لِاخْتِصَاصِ ذَلِكَ الِاخْتِصَاصِ بِهِ تَعَالَى ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ آدَابِ الْبَحْثِ . أَقُولُ : يَظْهَرُ لِي أَنَّ أَلْ لَا تُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ أَصْلًا كَمَا مَرَّ مَنْسُوبًا لِلْحَنَفِيَّةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ النِّسْبَةِ أَوْ مِنْ اللَّامِ ، لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ أَلْ لِلتَّعْرِيفِ وَمَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ وَالتَّعْيِينُ وَالتَّمْيِيزُ ، وَالْإِشَارَةُ إمَّا إلَى حِصَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ أَيْ الْخَارِجِيِّ كَجَاءَنِي رَجُلٌ فَأَكْرَمْت الرَّجُلَ ، وَإِمَّا إلَى نَفْسِ الْحَقِيقَةِ ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى اعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ ، وَهُوَ تَعْرِيفُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَاهِيَّةِ ، كَ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ يَفْتَقِرُ إلَيْهِ ، وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تُوجَدَ قَرِينَةُ الْبَعْضِيَّةِ كَمَا فِي اُدْخُلْ السُّوقَ وَهُوَ الْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ ، [ ص: 9 ] أَوْ لَا وَهُوَ الِاسْتِغْرَاقُ كَ { nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=2إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ } احْتِرَازًا عَنْ تَرْجِيحِ بَعْضِ الْمُتَسَاوِيَاتِ بِلَا مُرَجِّحٍ . فَالْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ وَالِاسْتِغْرَاقُ مِنْ فُرُوعِ الْحَقِيقَةِ ، وَلِهَذَا ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إلَى أَنَّ اللَّامَ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ أَوْ الْحَقِيقَةِ لَا غَيْرُ إلَّا أَنَّ الْقَوْمَ أَخَذُوا بِالْحَاصِلِ وَجَعَلُوهُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ ا هـ مُوَضَّحًا فَهَذِهِ مَعَانِي أَلْ ; فَإِذَا كَانَ مَدْخُولُهَا مَوْضُوعًا وَحُمِلَ عَلَيْهِ مَقْرُونٌ بِاللَّامِ الَّتِي هِيَ لِلِاخْتِصَاصِ أَفَادَتْ اللَّامُ أَنَّ الْجِنْسَ أَوْ الْمَعْهُودَ مُخْتَصٌّ بِمَدْخُولِهَا وَإِنْ كَانَ الْمَحْمُولُ غَيْرَ مَقْرُونٍ بِهَا ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجُمْلَةِ مَا يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ كَتَعْرِيفِ الطَّرَفَيْنِ وَنَحْوِهِ فِيهَا . وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ أَلْ لِلْجِنْسِ وَالْمَاهِيَّةِ فَنَفْسُ النِّسْبَةِ تُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ ، إذْ لَوْ خَرَجَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَوْضُوعِ لَمْ تَصْدُقْ النِّسْبَةُ لِخُرُوجِ الْجِنْسِ مَعَهُ كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْكَشَّافِ ، وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِصَاصَ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللَّامِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُ أَوْ مِنْ النِّسْبَةِ ، لَكِنْ إذَا كَانَتْ أَلْ لِلْجِنْسِ وَالْمَاهِيَّةِ كَمَا فِي حَدِيثِ " { nindex.php?page=hadith&LINKID=39896وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } " أَمَّا إذَا كَانَتْ أَلْ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَلَمْ يَقْتَرِنْ الْمَحْمُولُ فَاللَّامُ الِاخْتِصَاصِ وَنَحْوِهَا ، كَقَوْلِك الرَّجُلُ يَأْكُلُ الرَّغِيفَ فَلَا اخْتِصَاصَ أَصْلًا ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ فَتَدَبَّرْهُ ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي التَّحْرِيرِ مِنْ التَّضْعِيفِ ، وَإِذَا جُعِلَتْ اللَّامُ لِلْمِلْكِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا اخْتِصَاصَ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ أَلْ تُفِيدُهُ ، لِأَنَّ اخْتِصَاصَ مِلْكِ الْحَمْدِ أَوْ اسْتِحْقَاقَهُ بِمَدْخُولِ اللَّامِ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْحَمْدِ لِآخَرَ لَا بِطَرِيقِ الْمِلْكِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ تَأَمَّلْ . ثُمَّ هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَحْتَمِلُ الْخَبَرِيَّةَ وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا التَّعْرِيفُ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالْحَمْدِ وَصْفٌ بِالْجَمِيلِ إلَخْ أَوْ فِعْلٌ يُنْبِئُ إلَخْ ، وَإِذَا كَانَتْ أَلْ فِيهَا لِلْجِنْسِ فَالْقَضِيَّةُ مُهْمَلَةٌ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَكُلِّيَّةٌ أَوْ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ فَجُزْئِيَّةٌ ; وَلَوْ صَحَّ جَعْلُهَا لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ فَشَخْصِيَّةٌ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَنْقُولَةً إلَى الْإِنْشَاءِ شَرْعًا أَوْ مَجَازًا عَنْ لَازِمِ مَعْنَاهَا فَالْمَقْصُودُ إيجَادُ الْحَمْدِ بِنَفْسِ الصِّيغَةِ : أَيْ إنْشَاءُ تَعْظِيمِهِ تَعَالَى . وَاخْتَلَفُوا فِي الْجُمْلَةِ الْإِخْبَارِيَّةِ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي لَازِمِ مَعْنَاهَا كَالْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ وَالْهِجَاءِ ، هَلْ تَصِيرُ إنْشَائِيَّةً أَمْ لَا ؟ ذَهَبَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ إلَى الثَّانِي ، قَالَ لِئَلَّا يَلْزَمَ إخْلَاءُ الْجُمْلَةِ عَنْ نَوْعِ مَعْنَاهَا ، قِيلَ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ هُنَا انْتِفَاءُ الِاتِّصَافِ بِالْجَمِيلِ قَبْلَ حَمْدِ الْحَامِدِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْإِنْشَاءَ يُقَارِنُ لَفْظُهُ مَعْنَاهُ فِي الْوُجُودِ . وَرُدَّ بِأَنَّ اللَّازِمَ انْتِفَاءُ الْوَصْفِ بِالْجَمِيلِ لَا الِاتِّصَافُ ، وَالْكَلَامُ فِيهِوأنت غيث الورى لا زلت رحمانا فمن تعنته وغلوه في الكفر
واختاره في المغني . قال السبكي : والحق أن المنع شرعي لا لغوي ، وأن المخصوص به تعالى المعرف . والجمهور على أنه صفة مشبهة ، وقيل صيغة مبالغة ، لأن الزيادة في اللفظ لا تكون إلا لزيادة المعنى وإلا كانت عبثا ، وقد زيد فيه حرف على الرحيم وهو يفيد المبالغة بصيغته ، فدلت زيادته على زيادته عليه في المعنى كما ، لأن الرحمانية تعم المؤمن والكافر ، والرحيمية تخص المؤمن ، أو كيفا لأن الرحمن المنعم بجلائل النعم ، والرحيم المنعم بدقائقها . والظاهر أن الوصف بهما للمدح ، فيه إشارة إلى لمية الحكم أي إنما افتتح كتابه باسمه تعالى متبركا مستعينا به لأنه المفيض للنعم كلها ، وكل من شأنه ذلك لا يفتتح إلا باسمه nindex.php?page=treesubj&link=29446_28714وهل وصفه تعالى بالرحمة حقيقة أو مجازا عن الإنعام أو عن إرادته لأنها من الأعراض النفسانية المستحيلة عليه تعالى فيراد غايتها ؟ المشهور الثاني . والتحقيق الأول ، لأن الرحمة التي هي من الأعراض هي القائمة بنا ، ولا يلزم كونها في حقه تعالى كذلك حتى تكون مجازا كالعلم والقدرة والإرادة وغيرها من الصفات معانيها القائمة بنا من الأعراض ، ولم يقل أحد إنها في حقه تعالى مجاز ، وتمام تحقيقه مع فوائد أخر في حواشينا على شرح المنار للشارح ( قوله : حمدا ) مفعول مطلق لعامل محذوف وجوبا . والحمد لغة الوصف بالجميل على الجميل الاختياري على جهة التعظيم والتبجيل . وعرفا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب إنعامه ، فالأول أخص موردا إذ الوصف لا يكون إلا باللسان ، وأعم متعلقا لأنه قد يكون لا بمقابلة نعمة والثاني بعكسه ، فبينها عموم وجهي والشكر لغة يرادف الحمد عرفا . وعرفا صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه إلى ما خلق لأجله ، وخرج بالاختيار المدح فإنه أعم من الحمد لانفراده في مدحت زيدا على رشاقة قده ، واللؤلؤة على صفائها فبينها عموم مطلق . وذهب nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري إلى ترادفهما لاشتراطه في الممدوح عليه أن يكون اختياريا كالمحمود عليه ، ونقض التعريف جمعا بخروج حمد الله تعالى على صفاته . وأجيب بأن الذات لما كانت كافية في اقتضاء تلك الصفات جعلت بمنزلة الأفعال الاختيارية ، وبأنه لما كانت تلك الصفات مبدأ لأفعال اختيارية كان الحمد عليها باعتبار تلك الأفعال ، فالمحمود عليه اختياري باعتبار المآل ، أو أن الحمد عليها مجاز عن المدح . [ ص: 8 ] ثم إن المحمود عليه وبه قد يتغايران ذاتا كما هنا ، أو اعتبارا كما إذا وصف الشجاع بشجاعته ، فهي محمود به من حيث إن الوصف كان بها ، ومحمود عليه من حيث إنها كانت باعثة على الحمد . والحمد حيث أطلق ينصرف إلى العرفي لما قاله السيد في حواشي المطالع : اللفظ عند أهل العرف حقيقة في معناه العرفي ، مجاز في غيره . وعند محققي الصوفية حقيقة الحمد إظهار صفات الكمال ، وهو بالفعل أقوى منه بالقول ، لأن دلالة الأفعال عقلية لا يتصور فيها التخلف ، ودلالة الأقوال وضعية يتصور فيها ذلك ، ومن هذا القبيل حمد الله تعالى وثناؤه على ذاته فإنه بسط بساط الوجود على ممكنات لا تحصى ، ووضع عليه موائد كرمه التي لا تتناهى ، فإن كل ذرة من ذرات الوجود تدل عليها ، ولا يتصور في العبارات مثل هذه الدلالات ، ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام " { nindex.php?page=hadith&LINKID=29793لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك } " ثم إن الحمد مصدر يصح أن يراد به معنى المبني للفاعل : أي الحامدية ، أو المبني للمفعول : أي المحمودية ، أو المعنى المصدري أو الحاصل بالمصدر ، وعلى كل فأل في قولنا الحمد لله إما للجنس أو للاستغراق أو للعهد الذهني : أي الفرد الكامل المعهود ذهنا ، وهو الحمد القديم ، فهي اثنتا عشرة صورة . واختار في الكشاف الجنس لأن الصيغة بجوهرها تدل على اختصاص جنس المحامد به تعالى ، ويلزم منه اختصاص كل فرد ، إذ لو خرج فرد منها لخرج الجنس تبعا له لتحققه في كل فرد ، فيكون اختصاص جميع الأفراد ثابتا بطريق برهاني وهو أقوى من إثباته ابتداء فلا حاجة في تأدية المقصود وهو ثبوت الحمد له تعالى وانتفاؤه عن غيره إلى أن يلاحظ الشمول والإحاطة . واختار غيره الاستغراق ، لأن الحكم على الحقيقة بدون اعتبار الأفراد قليل في الشرع ; وعلى كل فالحصر ادعائي محمول على المبالغة تنزيلا لحمد غيره تعالى منزلة العدم ، أو حقيقي باعتبار أنه راجع إليه لتمكينه تعالى وإقدار العبد عليه . وقد يقال : إنه جعل الجنس في المقام الخطابي منصرفا إلى الكامل كأنه كل الحقيقة ، فيكون من باب - { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب } - والحاتم الجواد ، وهل الحصر بطريق المفهوم أو المنطوق ؟ قيل بالمنطوق . ورد بأن أل تدل على العموم والشمول فليس النفي جزء مفهومها وإن كان لازما ، وقيل بالمفهوم لما ذكر ، وقيل لا تفيد الحصر ونسب للحنفية ، وضعفه في التحرير بأن كلامهم مشحون باعتباره ، وقد تكرر الاستدلال منهم في نفي اليمين عن المدعي بقوله عليه الصلاة والسلام " { nindex.php?page=hadith&LINKID=39896واليمين على من أنكر } " قال في الهداية : جعل جنس الأيمان على المنكرين وليس وراء الجنس شيء . وعلى كل من الصور الاثنتي عشرة فلام لله إما للملك أو للاستحقاق أو للاختصاص فهي ست وثلاثون ، وعلى الأخير فهي لتأكيد الاختصاص المستفاد من أل كما قاله السيد من أن كلا منهما يدل على اختصاص المحامد به تعالى ، وقيل إن الاختصاص المستفاد من اللام هو اختصاص الحمد بمدخولها وأل لاختصاص ذلك الاختصاص به تعالى ، وتمامه في شرح آداب البحث . أقول : يظهر لي أن أل لا تفيد الاختصاص أصلا كما مر منسوبا للحنفية ، وإنما هو مستفاد من النسبة أو من اللام ، لما صرح به في التلويح من أن أل للتعريف ومعناه الإشارة والتعيين والتمييز ، والإشارة إما إلى حصة معينة من الحقيقة وهو تعريف العهد أي الخارجي كجاءني رجل فأكرمت الرجل ، وإما إلى نفس الحقيقة ، وذلك قد يكون بحيث لا يفتقر إلى اعتبار الأفراد ، وهو تعريف الحقيقة والماهية ، ك الرجل خير من المرأة ، وقد يكون بحيث يفتقر إليه ، وحينئذ إما أن توجد قرينة البعضية كما في ادخل السوق وهو العهد الذهني ، [ ص: 9 ] أو لا وهو الاستغراق ك { nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=2إن الإنسان لفي خسر } احترازا عن ترجيح بعض المتساويات بلا مرجح . فالعهد الذهني والاستغراق من فروع الحقيقة ، ولهذا ذهب المحققون إلى أن اللام لتعريف العهد أو الحقيقة لا غير إلا أن القوم أخذوا بالحاصل وجعلوه أربعة أقسام ا هـ موضحا فهذه معاني أل ; فإذا كان مدخولها موضوعا وحمل عليه مقرون باللام التي هي للاختصاص أفادت اللام أن الجنس أو المعهود مختص بمدخولها وإن كان المحمول غير مقرون بها ، فإن كان في الجملة ما يفيد الاختصاص كتعريف الطرفين ونحوه فيها . وإلا فإن كانت أل للجنس والماهية فنفس النسبة تفيد الاختصاص ، إذ لو خرج فرد من أفراد الموضوع لم تصدق النسبة لخروج الجنس معه كما مر في كلام الكشاف ، ولذا قال في الهداية وليس وراء الجنس شيء . والحاصل أن الاختصاص مستفاد من اللام الموضوعة له أو من النسبة ، لكن إذا كانت أل للجنس والماهية كما في حديث " { nindex.php?page=hadith&LINKID=39896واليمين على من أنكر } " أما إذا كانت أل للاستغراق ولم يقترن المحمول فاللام الاختصاص ونحوها ، كقولك الرجل يأكل الرغيف فلا اختصاص أصلا ، هذا ما ظهر لفهمي القاصر فتدبره ، وبه اندفع ما في التحرير من التضعيف ، وإذا جعلت اللام للملك أو الاستحقاق فلا اختصاص وإن قلنا إن أل تفيده ، لأن اختصاص ملك الحمد أو استحقاقه بمدخول اللام لا ينافي ثبوت الحمد لآخر لا بطريق الملك أو الاستحقاق تأمل . ثم هذه الجملة تحتمل الخبرية ويصدق عليها التعريف لأن الإخبار بالحمد وصف بالجميل إلخ أو فعل ينبئ إلخ ، وإذا كانت أل فيها للجنس فالقضية مهملة أو للاستغراق فكلية أو للعهد الذهني فجزئية ; ولو صح جعلها للعهد الخارجي فشخصية . ويحتمل أن تكون منقولة إلى الإنشاء شرعا أو مجازا عن لازم معناها فالمقصود إيجاد الحمد بنفس الصيغة : أي إنشاء تعظيمه تعالى . واختلفوا في الجملة الإخبارية إذا استعملت في لازم معناها كالمدح والثناء والهجاء ، هل تصير إنشائية أم لا ؟ ذهب الشيخ عبد القاهر إلى الثاني ، قال لئلا يلزم إخلاء الجملة عن نوع معناها ، قيل ولأنه يلزم عليه هنا انتفاء الاتصاف بالجميل قبل حمد الحامد ضرورة أن الإنشاء يقارن لفظه معناه في الوجود . ورد بأن اللازم انتفاء الوصف بالجميل لا الاتصاف ، والكلام فيه