الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) ثالثها ( ستر العورة ) عن العيون من إنس وجن وملك مع القدرة عليه ولو خاليا أو في ظلمة لإجماعهم على الأمر به فيها ، والأمر بالشيء نهي عن ضده ، وهو هنا يقتضي الفساد ولقوله تعالى { خذوا زينتكم عند كل مسجد } قال ابن عباس المراد به الثياب في الصلاة ، وفي الأول إطلاق اسم الحال على المحل ، وفي الثاني إطلاق اسم المحل على الحال لوجود الاتصال الذاتي بين الحال والمحل ، وهذا ; لأن أخذ الزينة وهي عرض محال فأريد محلها وهو الثوب مجازا ، ولما صح من قوله صلى الله عليه وسلم { لا يقبل الله صلاة حائض } أي بالغة " إلا بخمار " إذ الحائض زمن حيضها لا تصح صلاتها بخمار ولا غيره ، وظاهر أن غير البالغة كالبالغة لكنه قيد بها جريا على الغالب ، فإن عجز عن ذلك صلى عاريا وأتم ركوعه وسجوده ولا إعادة عليه . وحكمة وجوب الستر فيها ما جرت به عادة مريد التمثل بين يدي كبير من التجمل بالستر والتطهير ، والمصلي يريد التمثل بين يدي [ ص: 6 ] ملك الملوك والتجمل له بذلك أولى .

                                                                                                                            ويجب سترها في غير الصلاة أيضا ، لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم { لا تمشوا عراة } وقوله { الله أحق أن يستحيا منه } قال الزركشي : والعورة التي يجب سترها في الخلوة السوأتان فقط من الرجل وما بين السرة والركبة من المرأة نبه عليه الإمام ، وإطلاقهم محمول عليه . ا هـ . وظاهر أن الخنثى كالمرأة وفائدة الستر في الخلوة مع أن الله تعالى لا يحجبه شيء فيرى المستور كما يرى المكشوف أنه يرى الأول متأدبا والثاني تاركا للأدب ، فإن دعت حاجة إلى كشفها لاغتسال أو نحوه جاز بل صرح صاحب الذخائر بجواز كشفها في الخلوة لأدنى غرض ولا يشترط حصول الحاجة ، وعد من الأغراض كشفها لتبريد ، وصيانة الثوب عن الأدناس والغبار عند كنس البيت ونحوه . نعم لا يجب سترها عن نفسه في غير الصلاة ، وإنما يكره نظره إليها من غير حاجة ، أما فيها فواجب .

                                                                                                                            فلو رأى عورة نفسه في صلاته بطلت كما في فتاوى المصنف الغريبة . وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى . والعورة لغة النقصان والشيء المستقبح ، وسمي المقدار الآتي بيانه بها لقبح ظهوره ، [ ص: 7 ] وتطلق أيضا على ما يجب ستره في الصلاة ، وهو المراد هنا ، وعلى ما يحرم النظر إليه وسيأتي في النكاح إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                            التالي السابق



                                                                                                                            الخدمات العلمية