وهو السفيه المهمل ( لا يستقل بنكاح ) كي لا يفني ماله في مؤنة ولا يصح إقرار وليه عليه به ولا إقراره هو حيث لم يأذن فيه وليه ، وإنما صح إقرار المرأة به لأنه يفيدها ونكاحه يغرمه ( بل ينكح بإذن وليه ، أو يقبل له الولي ) النكاح بإذنه لصحة عبارته فيه بعد إذن الولي له ، ويشترط حاجته للنكاح بنحو ما مر في المجنون ولا يكتفى فيها بقوله بل لا بد من ثبوتها في الخدمة وظهور قرائن عليها في الشهوة ولا يزوج إلا واحدة ، فإن كان مطلاقا بأن طلق بعد الحجر ، أو قبله كما هو ظاهر ثلاث زوجات ، أو ثنتين وكذا ثلاث مرات ولو في زوجة واحدة فيما يظهر سري بأمة . ( ومن حجر عليه ) حسا ( بسفه ) بأن بذر في ماله ، أو حكما كمن بلغ سفيها ولم يحجر عليه
فإن تضجر منها أبدلت ، ومن هذه المسألة يعلم اتفاق سائر الأصحاب على بطلان الدور في المسألة السريجية كما أوضح ذلك الناشري في نكته أتم إيضاح ، ولا يزاد له على حليلة وإن اتسع ماله نص عليه .
نعم لو جذمت ، أو برصت ، أو [ ص: 265 ] جنت جنونا يخاف عليه منها كانت كالعدم ، لكن هل تترك تحته ، أو يؤمر بفراقها إذا لم يكن له ولد منها ولم يرج شفاؤها ؟ هذا موضع نظر ، والأقرب إلى كلامهم تركها كما في نظيره في نكاح الأمة ، والأوجه تعين الأصلح من التسري ، أو التزويج لم يرد التزويج بخصوصه لأن التحصين به أقوى منه بالتسري ( فإن أذن ) له الولي ( وعين امرأة ) تليق به دون المهر ( لم ينكح غيرها ) فإن فعل لم يصح ولو بدون مهر المعينة ، بخلاف ما لو عين مهر فنكح بأزيد منه ، أو أنقص لأنه تابع .
قال ابن أبي الدم : وما تقرر من تعين المرأة محمول على ما إذا لحقه مغارم بسبب المخالفة ، فلو عدل إلى غيرها وكانت خيرا من المعينة نسبا وجمالا ودينا ودونها مهرا ونفقة فينبغي الصحة قطعا كما لو عين مهرا فنكح بدونه انتهى .
وهذا ظاهر لا شبهة فيه ( وينكحها ) أي المعينة ( بمهر المثل ) لأنه المرد الشرعي ( أو أقل ) منه لأن فيه رفقا به ( فإن زاد ) عليه ( فالمشهور صحة النكاح بمهر المثل ) أي بقدره ( من المسمى ) الذي نكح بعينه المأذون له في النكاح منه ويلغو ما زاد لأنه تبرع من سفيه .
وقال ابن الصباغ : القياس بطلان المسمى جميعه لأنها لم ترض إلا بجميعه وترجع لمهر المثل : أي من نقد البلد في ذمته ، واعتمده البلقيني وأراد بالمقيس عليه نكاح الولي له بالأزيد الآتي قريبا ، وفرق الغزي بما حاصله أن تصرف الولي وقع للغير مع كونه مخالفا للشرع والمصلحة فبطل المسمى من أصله والسفيه هنا تصرف لنفسه وهو يملك أن يعقد بمهر المثل ، فإذا زاد بطل في الزائد كشريك باع مشتركا بغير إذن شريكه ، ومر في تفريق الصفقة مسائل يبطل فيها العقد من أصله بتوجيهها بما يوافق ذلك ويوضحه ، ويأتي في الصداق أنه لو نكح لطفله بفوق مهر المثل من مال الطفل ، أو أنكح موليته القاصرة أو التي لم تأذن بدونه فسد المس وصح النكاح بمهر المثل : أي في الذمة من نقد البلد فيوافق ما هنا في ولي السفيه ( ولو قال له انكح بألف ولم يعين له امرأة نكح بالأقل من ألف ومهر مثلها ) لامتناع الزيادة على ما أذن فيه الولي وعلى [ ص: 266 ] مهر المنكوحة ، فإذا نكح امرأة بألف وهو مساو لمهر مثلها ، أو ناقص عنه صح به ، أو زائد عليه صح بمهر المثل منه خلافا لابن الصباغ ولغا الزائد ، أو نكحها بأكثر من ألف بطل النكاح إن نقص الألف عن مهر مثلها لتعذر صحته بالمسمى وبمهر المثل لأن كلا منهما أزيد من المأذون فيه ، والأصح بمهر المثل لأنه أقل من المأذون فيه ، أو مساو له ، أو بأقل من الألف والألف مهر مثلها ، أو أقل صح بالمسمى لأنه أقل من مهر المثل أو أكثر صح بمهر المثل إن نكح بأكثر منه وإلا فبالمسمى ، أما إذا عين له قدرا وامرأة كانكح فلانة بألف ، فإن كان الألف مهر مثلها ، أو أقل فنكحها به ، أو بأقل منه صح بالمسمى لأنه لم يخالف الإذن بما يضره ، أو بأكثر منه لغا الزائد في الأولى لزيادته على مهر المثل وانعقد به لموافقته للمأذون فيه
وبطل النكاح في الثانية لتعذره بالمسمى وبمهر المثل لأن كلا منهما أزيد من المأذون فيه نظير ما مر ، أو أكثر منه فالإذن باطل من أصله ( ولو أطلق الإذن ) بأن قال له انكح ولم يعين امرأة ولا قدرا ( فالأصح صحته ) لأن له مردا كما قال ( وينكح بمهر المثل ) لأنه المأذون فيه شرعا أو بأقل منه فإن زاد لغا الزائد ( من تليق به ) فلو نكح من يستغرق مهر مثلها ماله لم يصح النكاح كما اختاره الإمام وقطع به الغزالي لانتفاء المصلحة فيه ، والأوجه أنه لو لم يستغرقه وكان الفاضل تافها بالنسبة إليه عرفا كان كالمستغرق ، ولو زوج الولي المجنون بهذه لم يصح فيما يظهر لاعتبار الحاجة فيه كالسفيه وهي تندفع بدون هذه ، بخلاف تزويجه للصغير العاقل فإنه منوط بالمصلحة في ظن الولي ، وقد تظهر له في نكاحها ولهذا جاز له تزويجه بأربع كما مر .
والثاني لا يصح بل لا بد من تعيين المهر والمرأة أو القبيلة وإلا لم يؤمن أن ينكح من يستغرق مهر مثلها ماله ، ولهذا لو قال له انكح من شئت بما شئت لم يصح لأنه رفع للحجر بالكلية فبطل الإذن من أصله ومن ثم لم يتأت فيه تفريق الصفقة ، وليس لسفيه أذن له في نكاح توكيل فيه لأن حجره لم يرفع إلا عن مباشرته
( فإن قبل له وليه اشترط إذنه في الأصح ) لما مر من صحة عبارته هنا .
والثاني لا يشترط لأن النكاح من مصلحته وعلى الولي رعايتها ( ويقبل ) له ( بمهر المثل فأقل ) كالشراء له ( فإن زاد ) عليه ( صح النكاح بمهر المثل ) ولغت الزيادة لانتفاء أهليته للتبرع وبطل المسمى من أصله كما مر آنفا بما فيه ( وفي قول يبطل ) النكاح كما لو اشترى له بأكثر من ثمن المثل ، ويرد بأنه يلزم من بطلان الثمن بطلان البيع إذ لا مرد له بخلاف النكاح .