الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فإذا علم الشفيع بالبيع فليبادر ) عقب علمه من غير فاصل ( على العادة ) ولا يكلف البدار على خلافها بعدو ونحوه بل يرجع فيه إلى العرف ، فما عده توانيا وتقصيرا كان مسقطا وما لا فلا ، وضابط ما هنا ما مر في الرد بالعيب وذكر كغيره بعض ذلك ثم وبعضه هنا إشارة إلى اتحاد البابين : أي غالبا لما يأتي ، فإن لم يعلم كان على شفعته وإن مضى سنون : نعم يأتي في خيار أمة عتقت أنه لا يقبل دعواها الجهل به إذا كذبتها العادة بأن كانت معه في داره وشاع عتقها فالأوجه أن يقال بمثله هنا ( فإن كان مريضا ) أو محبوسا ولو بحق وعجز عن الطلب بنفسه ( أو غائبا عن بلد المشتري ) بحيث تعد غيبته حائلة بينه وبين مباشرة الطلب كما جزم به السبكي تبعا لابن الصلاح ( أو خائفا من عدو ) أو إفراط برد أو حر ( فليوكل ) في الطلب ( إن قدر ) عليه لأنه الممكن ( وإلا ) بأن عجز عن التوكيل ( فليشهد ) رجلين أو رجلا وامرأتين أو واحدا ليحلف معه قياسا على ما مر في الرد بالعيب ، وقال الزركشي : إنه الأقرب ، وبه جزم ابن كج في التجريد خلافا للروياني ( على الطلب ) ولو قال : أشهدت فلانا وفلانا فأنكرا لم يسقط حقه ( فإن ترك المقدور عليه منهما ) أي التوكيل والإشهاد المذكورين ( بطل حقه في الأظهر ) لتقصيره المشعر بالرضا ، والثاني لا إحالة للترك على السبب الظاهر لا سيما أن التوكيل لا بد فيه من بدل مؤنة أو تحمل منه ، نعم الغائب مخير بين التوكيل والرفع إلى الحاكم كما أخذه السبكي من كلام البغوي قال : وكذا إذا حضر الشفيع وغاب المشتري ، ويجوز للقادر التوكيل أيضا فغرضهم ذلك عند العجز إنما هو لتعينه حينئذ طريقا لا لامتناعه عند القدرة على الطلب بنفسه ، ولو سار عقب العلم بنفسه أو وكل لم يتعين عليه الإشهاد على الطلب حينئذ ، بخلافه [ ص: 217 ] في نظيره من الرد بالعيب لأن الإشهاد تم على المقصود وهو الفسخ وهنا على الطلب وهو وسيلة يغتفر فيها ما لا يغتفر في المقصود وإذا كان الفور بالعادة

                                                                                                                            ( فلو كان في صلاة أو حمام أو طعام ) أو قضاء حاجة ( فله الإتمام ) على العادة ولا يكلف الاقتصار على أقل مجزئ ، ولو دخل وقت هذه الأمور قبل شروعه فيها فله الشروع ، ولو نوى نفلا مطلقا في اقتصاره على ركعة أو ركعتين ، وزيادته عليهما ما مر في المتيمم إذا رأى ماء في صلاته على ما أشار إليه الأذرعي .

                                                                                                                            والأوجه أنه يغتفر له الزيادة مطلقا ما لم يزد على العادة في ذلك ، ويفرق بأن الأعذار هنا أوسع منها ثم كما يعلم بتأمل البابين ، وله التأخير ليلا حتى يصبح ما لم يتمكن من الذهاب إليه ليلا من غير ضرر ، ولو أخر ثم اعتذر بمرض أو حبس أو غيبة وأنكر المشتري ، فإن علم به العارض الذي يدعيه صدق الشفيع وإلا فالمشتري ، ولو لقي الشفيع المشتري في غير بلد الشقص فأخر الأخذ إلى العود إلى بلد الشقص بطلت شفعته لاستغناء الآخذ عن الحضور عند الشقص ( ولو أخر الطلب ) لها ( وقال لم أصدق المخبر ) ببيع الشريك الشقص ( لم يعذر ) جزما ( إن أخبره عدلان ) أو رجل وامرأتان بصفة العدالة لأنه كان من حقه أن يعتمد ذلك .

                                                                                                                            نعم لو ادعى جهله بعدالتهما صدق فيما يظهر حيث أمكن خفاء ذلك عليه قاله ابن الرفعة ، ولو كانا عدلين عنده دون الحاكم عذر على ما قاله السبكي ، وهو الأوجه وإن نظر غيره فيه ، ولو أخبره مستوران عذر قاله ابن الملقن بحثا ، والأوجه حمل كلام السبكي على ما إذا لم يقع في قلبه صدقهما ويأتي نظيره فيما بعده ، ولا ينافي الأول قول المصنف لم يعذر إن أخبره عدلان إذ ما هنا فيما إذا قال : إنهما غير عدلين عند الحاكم ( وكذا ثقة في الأصح ) ولو أمة لأنه إخبار وخبر الثقة مقبول .

                                                                                                                            والثاني يعذر ; لأن البيع لا يثبت بواحد ولو عدلا إلا منضما إلى اليمين ( ويعذر إن أخبره من لا يقبل خبره ) كصبي وفاسق لأنه معذور ، ومحله ما لم يبلغ عدد التواتر وإلا بطل حقه ولو صبيانا وكفارا وفسقة لحصول العلم بهم حينئذ هذا كله في الظاهر ، أما باطنا فالعبرة بمن يقع في نفسه صدقه وكذبه ، ولو قال : أخبرني [ ص: 218 ] رجلان وليسا عدلين عندي وهما عدلان لم تبطل شفعته لأن قوله محتمل

                                                                                                                            التالي السابق



                                                                                                                            الخدمات العلمية