الفرق بين المكي والمدني
للعلماء في ثلاثة آراء اصطلاحية ، كل رأي منها بني على اعتبار خاص . الفرق بين المكي والمدني
الأول : اعتبار زمن النزول ، فالمكي : ما نزل قبل الهجرة وإن كان بغير مكة ، والمدني : ما نزل بعد الهجرة وإن كان بغير المدينة ، فما نزل بعد الهجرة ولو بمكة ، أو عرفة : مدني ، كالذي نزل عام الفتح ، كقوله تعالى : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، فإنها نزلت بمكة في جوف الكعبة عام الفتح الأعظم ، أو نزل بحجة الوداع كقوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ، وهذا الرأي أولى من الرأيين بعده لحصره واطراده .
الثاني : اعتبار مكان النزول ، فالمكي : ما نزل بمكة وما جاورها كمنى وعرفات والحديبية . والمدني : ما نزل بالمدينة وما جاورها كأحد وقباء وسلع .
ويترتب على هذا الرأي عدم ثنائية القسمة وحصرها ، فما نزل بالأسفار أو بتبوك أو ببيت المقدس لا يدخل تحت القسمة ، فلا يسمى مكيا ولا مدنيا ، كما يترتب عليه كذلك أن ما نزل بمكة بعد الهجرة يكون مكيا .
[ ص: 58 ] الثالث : اعتبار المخاطب ، فالمكي : ما كان خطابا لأهل مكة ، والمدني : ما كان خطابا لأهل المدينة .
وينبني على هذا الرأي عند أصحابه أن ما في القرآن من قوله تعالى : " يا أيها الناس " مكي ، وما فيه من قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا " مدني .
وبالملاحظة يتبين أن أكثر سور القرآن لم تفتتح بأحد الخطابين ، وأن هذا الضابط لا يطرد ، فسورة البقرة مدنية ، وفيها : يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون . . وقوله تعالى : يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ، وسورة النساء مدنية وأولها : يا أيها الناس وسورة الحج مكية ، وفيها : يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون 2 ، والقرآن الكريم هو خطاب الله للخلق أجمعين ، ويجوز أن يخاطب المؤمنون بصفتهم وباسمهم وجنسهم ، كما يجوز أن يؤمر غير المؤمنين بالعبادة كما يؤمر المؤمنون بالاستمرار والازدياد منها .
"