إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه [20].
عطف على ( ثلثي الليل ) وهي قراءة الحسن وأبي عمرو وأبي جعفر وشيبة ، وقرأ ونافع عاصم والأعمش وحمزة ( نصفه وثلثه ) عطفا على أدنى، وقرأ والكسائي ( ابن كثير ونصفه وثلثه ) حذف الضمة لثقلها.
واختار الخفض، واحتج أن بعده ( أبو عبيد علم أن لن تحصوه ) قال: فكيف يقومون نصفه؟
قال : القراءتان قد قرأ بهما الجماعة، وتقدير الخفض: ويقوم أدنى من نصفه وأدنى من ثلثه، وتقدير النصب: أدنى من ثلثي الليل، وذلك أكثر من النصف مرة، وتقوم نصفه مرة، وتقوم ثلثه مرة، والاحتجاج بـ( أبو جعفر علم أن لن تحصوه ) لا معنى له؛ لأنه لم يخبر أنهم قالوا: قمنا نصفه وإنما أخبر بحقيقة ما يعلمه، وقد عكس قوله فاختار النصب لأن المعنى عنده عليه أولى؛ لأنه يستبعد ( وأقل من نصفه ) لأنه إنما يبين القليل عنده لا أقل القليل، ولو كان كما قال لكان ( الفراء نصفه ) بغير واو حتى يكون تبيينا لـ(أدنى).
والسلامة من هذا عند أهل الدين إذا صحت القراءتان عن الجماعة أن لا يقال إحداهما أجود من الأخرى؛ لأنهما جميعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيأثم من قال ذلك، وكان رؤساء الصحابة - رحمهم الله - ينكرون مثل هذا، وقد أجاز ( الفراء إن ربك يعلم أنك [ ص: 63 ] تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه ) نصب ( ثلثه ) عطفا على أدنى، وخفض ( نصفه ) عطفا على ( ثلثي الليل ) واحتج بالحديث: « انتهت صلاة النبي إلى ثلث الليل » وهذا أيضا مما يكره أن تعارض به قراءة الجماعة بما لم يقرأ به وبحديث إن صح لم تكن فيه حجة.
( وطائفة من الذين معك ) احتج بعض العلماء بهذا، واستدل على أن قال: ولو كانت فرضا لقاموا كلهم ( صلاة الليل ليست بفرض، والله يقدر الليل والنهار ) أي يقدر ساعاتهما وأوقاتهما ( علم أن لن تحصوه ) قال الحسن : أن لن تطيقوه، وقال وسعيد بن جبير : أن لن تحفظوه ( الفراء فتاب عليكم ) رجع لكم إلى ما هو أسهل عليكم، والتوبة في اللغة الرجوع ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى ) والتقدير عند : أنثه وذكر سيكون؛ لأنه تأنيث غير حقيقي ( سيبويه وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ) عطف على مرضى، وكذا ( وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه ) فلهذا استحب جماعة من العلماء قيام الليل ولو كان أدنى شيء، والحديث فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤكد ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا ) قال ابن زيد : النوافل سوى الزكاة ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا ) أي: مما أنفقتم، ونصبت ( خيرا ) لأنه خبر ( تجدوه ) و( هو ) زائدة للفصل ( واستغفروا الله ) أي: من ذنوبكم وتقصيركم ( إن الله غفور ) أي: على سائر عقوبة من تاب ( رحيم ) به لا يعذبه بعد التوبة.
[ ص: 64 ]