قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا [ ص: 18 ] nindex.php?page=treesubj&link=28990قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16واذكر في الكتاب مريم القصة إلى آخرها . هذا ابتداء قصة ليست من الأولى . والخطاب
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ أي عرفهم قصتها ليعرفوا كمال قدرتنا .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16إذ انتبذت أي تنحت وتباعدت . والنبذ الطرح والرمي ؛ قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=187فنبذوه وراء ظهورهم . من أهلها أي ممن كان معها . وإذ بدل من
مريم بدل اشتمال ؛ لأن الأحيان مشتملة على ما فيها . والانتباذ الاعتزال والانفراد . واختلف الناس لم انتبذت ؛ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : انتبذت لتطهر من حيض أو نفاس . وقال غيره : لتعبد الله ؛ وهذا حسن . وذلك أن
مريم - عليها السلام - كانت وقفا على سدانة المعبد وخدمته والعبادة فيه ، فتنحت من الناس لذلك ، ودخلت في المسجد إلى جانب المحراب في شرقيه لتخلو للعبادة ، فدخل عليها
جبريل - عليه السلام - .
فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16مكانا شرقيا أي مكانا من جانب الشرق . والشرق بسكون الراء المكان الذي تشرق فيه الشمس . والشرق بفتح الراء الشمس . وإنما خص المكان بالشرق لأنهم كانوا يعظمون جهة المشرق ومن حيث تطلع الأنوار ، وكانت الجهات الشرقية من كل شيء أفضل من سواها ؛ حكاه
الطبري . وحكي عن
ابن عباس أنه قال : إني لأعلم الناس لم اتخذ
النصارى المشرق قبلة لقول الله - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذوا ميلاد
عيسى - عليه السلام - قبلة ؛ وقالوا : لو كان شيء من الأرض خيرا من المشرق لوضعت
مريم عيسى - عليه السلام - فيه . واختلف الناس في نبوة
مريم ؛ فقيل : كانت نبية بهذا الإرسال والمحاورة للملك . وقيل : لم تكن نبية وإنما كلمها مثال بشر ، ورؤيتها للملك كما رئي
جبريل في صفة
دحية حين سؤاله عن الإيمان والإسلام . والأول أظهر . وقد مضى الكلام في هذا المعنى مستوفى في ( آل عمران ) والحمد لله .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فأرسلنا إليها روحنا قيل : هو روح
عيسى - عليه السلام - ؛ لأن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد ، فركب الروح في جسد
عيسى - عليه السلام - الذي خلقه في بطنها . وقيل : هو
جبريل وأضيف الروح إلى الله تعالى تخصيصا وكرامة . والظاهر أنه
جبريل - عليه السلام - ؛ لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فتمثل لها أي تمثل الملك لها . بشرا تفسير أو حال . سويا أي مستوي الخلقة ؛ لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر
جبريل في صورته . ولما رأت رجلا حسن الصورة
[ ص: 19 ] في صورة البشر قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء . ف
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا أي ممن يتقي الله .
البكالي : فنكص
جبريل - عليه السلام - فزعا من ذكر الرحمن تبارك وتعالى .
الثعلبي : كان رجلا صالحا فتعوذت به تعجبا . وقيل : تقي فعيل بمعنى مفعول أي كنت ممن يتقى منه . في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قال
أبو وائل : علمت
مريم أن التقي ذو نهية حين قالت :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18إن كنت تقيا . وقيل : تقي اسم فاجر معروف في ذلك الوقت ؛ قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه ؛ حكاه
مكي وغيره .
ابن عطية وهو ضعيف ذاهب مع التخرص .
فقال لها
جبريل - عليه السلام - :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا . جعل الهبة من قبله لما كان الإعلام بها من قبله . وقرأ
ورش عن
نافع ( ليهب لك ) على معنى أرسلني الله ليهب لك . وقيل : معنى ( لأهب ) بالهمز محمول على المعنى ؛ أي قال : أرسلته لأهب لك . ويحتمل ( ليهب ) بلا همز أن يكون بمعنى المهموز ثم خففت الهمزة . فلما سمعت
مريم ذلك من قوله استفهمت عن طريقه .
ف
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر أي بنكاح .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20ولم أك بغيا أي زانية . وذكرت هذا تأكيدا ؛ لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحلال والحرام . وقيل : ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا ، ولكن أرادت كيف يكون هذا الولد ؟ من قبل الزوج في المستقبل أم يخلقه الله ابتداء ؟ وروي أن
جبريل - عليه السلام - حين قال لها هذه المقالة نفخ في جيب درعها وكمها ؛ قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج .
ابن عباس : أخذ
جبريل - عليه السلام - ردن قميصها بإصبعه فنفخ فيه فحملت من ساعتها
بعيسى . قال
الطبري : وزعمت
النصارى أن
مريم حملت
بعيسى ولها ثلاث عشرة سنة ، وأن
عيسى عاش إلى أن رفع اثنتين وثلاثين سنة وأياما ، وأن
مريم بقيت بعد رفعه ست سنين ، فكان جميع عمرها نيفا وخمسين سنة . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21ولنجعله متعلق بمحذوف ؛ أي ونخلقه لنجعله . آية دلالة على قدرتنا عجيبة . ورحمة لمن آمن به .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وكان أمرا مقضيا مقدرا في اللوح مسطورا .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=22فانتبذت به مكانا قصيا أي تنحت بالحمل إلى مكان بعيد ؛ قال
ابن عباس : إلى أقصى الوادي ، وهو وادي
بيت لحم بينه وبين
إيلياء أربعة أميال ؛ وإنما بعدت فرارا من تعيير قومها إياها بالولادة من غير زوج . قال
ابن عباس : ما هو إلا أن حملت فوضعت في الحال وهذا هو الظاهر ؛ لأن الله تعالى ذكر الانتباذ عقب الحمل . وقيل غير ذلك على ما يأتي :
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=23فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ( أجاءها ) اضطرها ؛ وهو تعدية جاء بالهمز . يقال : جاء به وأجاءه إلى موضع كذا ، كما يقال : ذهب به وأذهبه . وقرأ
شبيل [ ص: 20 ] ورويت عن
عاصم ( فاجأها ) من المفاجأة . وفي مصحف
أبي ( فلما أجاءها المخاض ) .
وقال
زهير :
وجار سار معتمدا إلينا أجاءته المخافة والرجاء
وقرأ الجمهور
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=23المخاض بفتح الميم .
وابن كثير فيما روي عنه بكسرها وهو الطلق وشدة الولادة وأوجاعها . مخضت المرأة تمخض مخاضا ومخاضا . وناقة ماخض أي دنا ولادها .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=23إلى جذع النخلة كأنها طلبت شيئا تستند إليه وتتعلق به ، كما تتعلق الحامل لشدة وجع الطلق . والجذع ساق النخلة اليابسة في الصحراء الذي لا سعف عليه ولا غصن ؛ ولهذا لم يقل إلى النخلة .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=23قالت يا ليتني مت قبل هذا تمنت
مريم - عليها السلام - الموت من جهة الدين لوجهين : أحدهما : أنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير فيفتنها ذلك . الثاني : لئلا يقع قوم بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنا وذلك مهلك . وعلى هذا الحد يكون تمني الموت جائزا ، وقد مضى هذا المعنى مبينا في سورة يوسف - عليه السلام - والحمد لله .
قلت : وقد سمعت أن
مريم - عليها السلام - سمعت نداء من يقول : اخرج يا من يعبد من دون الله فحزنت لذلك . و
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=23قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا النسي في كلام العرب الشيء الحقير الذي شأنه أن ينسى ولا يتألم لفقده كالوتد والحبل للمسافر ونحوه . وحكي عن العرب أنهم إذا أرادوا الرحيل عن منزل قالوا : احفظوا أنساءكم ؛ الأنساء جمع نسي وهو الشيء الحقير يغفل فينسى . ومنه قول
الكميت - رضي الله تعالى عنه - :
أتجعلنا جسرا لكلب قضاعة ولست بنسي في معد ولا دخل
وقال
الفراء : النسي ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها ؛ فقول
مريم : ( نسيا منسيا ) أي حيضة ملقاة . وقرئ ( نسيا ) بفتح النون وهما لغتان مثل الحجر والحجر والوتر والوتر . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي بالهمز ( نسئا ) بكسر النون . وقرأ
نوف البكالي ( نسئا ) بفتح النون من نسأ الله تعالى في أجله أي أخره . وحكاها
أبو الفتح والداني عن
محمد بن كعب . وقرأ
بكر بن حبيب ( نسا ) بتشديد السين وفتح النون دون همز . وقد حكى
الطبري في قصصها أنها لما حملت
بعيسى - عليه السلام - حملت أيضا أختها
بيحيى ، فجاءتها أختها زائرة فقالت : يا
مريم أشعرت أنت أني حملت ؟ فقالت لها : وإني أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك ؛ فذلك أنه
[ ص: 21 ] روي أنها أحست بجنينها يخر برأسه إلى ناحية بطن
مريم ؛ قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي فذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=39مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين وذكر أيضا من قصصها أنها خرجت فارة مع رجل من
بني إسرائيل يقال له
يوسف النجار ، كان يخدم معها في المسجد وطول في ذلك . قال
الكلبي : قيل
ليوسف - وكانت سميت له أنها حملت من الزنا - فالآن يقتلها الملك ، فهرب بها ، فهم في الطريق بقتلها ، فأتاه
جبريل - عليه السلام - وقال له : إنه من روح القدس ؛ قال
ابن عطية : وهذا كله ضعيف . وهذه القصة تقتضي أنها حملت ، واستمرت حاملا على عرف النساء ، وتظاهرت الروايات بأنها ولدته لثمانية أشهر . قاله
عكرمة ؛ ولذلك قيل : لا يعيش ابن ثمانية أشهر حفظا لخاصة
عيسى . وقيل : ولدته لتسعة . وقيل : لستة . وما ذكرناه عن
ابن عباس أصح وأظهر . والله أعلم .
nindex.php?page=treesubj&link=28990قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=24فناداها من تحتها قرئ بفتح الميم وكسرها . قال
ابن عباس : المراد ب ( من )
جبريل ، ولم يتكلم
عيسى حتى أتت به قومها ؛ وقاله
علقمة والضحاك وقتادة ؛ ففي هذا لها آية وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة التي لله فيها مراد عظيم . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=24ألا تحزني تفسير النداء ، ( وأن ) مفسرة بمعنى أي ، المعنى : فلا تحزني بولادتك .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=24قد جعل ربك تحتك سريا يعني
عيسى . والسري من الرجال العظيم الخصال السيد . قال
الحسن : كان والله سريا من الرجال . ويقال : سري فلان على فلان أي تكرم . وفلان سري من قوم سراة . وقال الجمهور : أشار لها إلى الجدول الذي كان قريب جذع النخلة . قال
ابن عباس : كان ذلك نهرا قد انقطع ماؤه فأجراه الله تعالى
لمريم . والنهر يسمى سريا ؛ لأن الماء يسري فيه ؛ قال الشاعر :
سلم ترى الدالي منه أزورا إذا يعب في السري هرهرا
وقال
لبيد :
فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاورا قلامها
[ ص: 22 ] وقيل : ناداها
عيسى ، وكان ذلك معجزة وآية وتسكينا لقلبها ؛ والأول أظهر . وقرأ
ابن عباس ( فناداها ملك من تحتها ) قالوا : وكان
جبريل - عليه السلام - في بقعة من الأرض أخفض من البقعة التي كانت هي عليها .
nindex.php?page=treesubj&link=28990قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25وهزي أمرها بهز الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع . والباء في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25بجذع زائدة مؤكدة كما يقال : خذ بالزمام ، وأعط بيدك قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15فليمدد بسبب إلى السماء أي فليمدد سببا . وقيل : المعنى وهزي إليك رطبا على جذع النخلة . و
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25تساقط أي تتساقط فأدغم التاء في السين . وقرأ
حمزة ( تساقط ) مخففا فحذف التي أدغمها غيره . وقرأ
عاصم في رواية
حفص nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25تساقط بضم التاء مخففا وكسر القاف . وقرئ ( تتساقط ) بإظهار التاءين و ( يساقط ) بالياء وإدغام التاء ( وتسقط ) و ( يسقط ) و ( تسقط ) و ( يسقط ) بالتاء للنخلة وبالياء للجذع ؛ فهذه تسع قراءات ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري - رحمة الله تعالى عليه - .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25رطبا نصب بالهز ؛ أي إذا هززت الجذع هززت بهزه
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25رطبا جنيا وعلى الجملة ف ( رطبا ) يختلف نصبه بحسب معاني القراءات ؛ فمرة يستند الفعل إلى الجذع ، ومرة إلى الهز ، ومرة إلى النخلة . وجنيا معناه قد طابت وصلحت للاجتناء ، وهي من جنيت الثمرة . ويروى عن
ابن مسعود - ولا يصح - أنه قرأ ( تساقط عليك رطبا جنيا برنيا ) . وقال
مجاهد :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25رطبا جنيا قال : كانت عجوة . وقال
عباس بن الفضل : سألت
أبا عمرو بن العلاء عن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25رطبا جنيا فقال : لم يذو . قال : وتفسيره : لم يجف ولم ييبس ولم يبعد عن يدي مجتنيه ؛ وهذا هو الصحيح . قال
الفراء : الجني والمجني واحد يذهب إلى أنهما بمنزلة القتيل والمقتول والجريح والمجروح . وقال غير
الفراء : الجني المقطوع من نخلة واحدة ، والمأخوذ من مكان نشأته ؛ وأنشدوا :
وطيب ثمار في رياض أريضة وأغصان أشجار جناها على قرب
[ ص: 23 ] يريد بالجنى ما يجنى منها أي يقطع ويؤخذ . قال
ابن عباس : كان جذعا نخرا فلما هزت نظرت إلى أعلى الجذع فإذا السعف قد طلع ، ثم نظرت إلى الطلع قد خرج من بين السعف ، ثم اخضر فصار بلحا ثم احمر فصار زهوا ، ثم رطبا ؛ كل ذلك في طرفة عين ، فجعل الرطب يقع بين يديها لا ينشدخ منه شيء .
الثانية : استدل بعض الناس من هذه الآية على
nindex.php?page=treesubj&link=19651أن الرزق وإن كان محتوما ؛ فإن الله تعالى قد وكل ابن آدم إلى سعي ما فيه ؛ لأنه أمر
مريم بهز النخلة لترى آية ، وكانت الآية تكون بألا تهز .
الثالثة : الأمر بتكليف الكسب في الرزق سنة الله تعالى في عباده ، وأن ذلك لا يقدح في التوكل ، خلافا لما تقوله جهال المتزهدة ؛ وقد تقدم هذا المعنى والخلاف فيه . وقد كانت قبل ذلك يأتيها رزقها من غير تكسب كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=37كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا الآية . فلما ولدت أمرت بهز الجذع . قال علماؤنا : لما كان قلبها فارغا فرغ الله جارحتها عن النصب ، فلما ولدت
عيسى وتعلق قلبها بحبه ، واشتغل سرها بحديثه وأمره ، وكلها إلى كسبها ، وردها إلى العادة بالتعلق بالأسباب في عباده . وحكى
الطبري عن
ابن زيد أن
عيسى - عليه السلام - قال لها : لا تحزني ؛ فقالت له : وكيف لا أحزن وأنت معي ؟ ! لا ذات زوج ولا مملوكة ! أي شيء عذري عند الناس ؟ !
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=23يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فقال لها
عيسى : أنا أكفيك الكلام .
الرابعة : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14355الربيع بن خيثم : ما
nindex.php?page=treesubj&link=17352للنفساء عندي خير من الرطب لهذه الآية ، ولو علم الله شيئا هو أفضل من الرطب للنفساء لأطعمه
مريم ؛ ولذلك قالوا : التمر عادة للنفساء من ذلك الوقت وكذلك التحنيك . وقيل : إذا عسر ولادها لم يكن لها خير من الرطب ، ولا للمريض خير من العسل ؛ ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . قال
ابن وهب قال
مالك قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25رطبا جنيا الجني من التمر ما طاب من غير نقش ولا إفساد . والنقش أن ينقش من أسفل البسرة حتى ترطب ؛ فهذا مكروه ؛ يعني
مالك أن هذا تعجيل للشيء قبل وقته ، فلا ينبغي لأحد أن يفعله ،
[ ص: 24 ] وإن فعله فاعل ما كان ذلك مجوزا لبيعه ؛ ولا حكما بطيبه . وقد مضى هذا القول في الأنعام . والحمد لله . عن
طلحة بن سليمان nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25جنيا بكسر الجيم للإتباع ؛ أي جعلنا لك في السري والرطب فائدتين : إحداهما الأكل والشرب ، الثانية سلوة الصدر لكونهما معجزتين .
وهو معنى
nindex.php?page=treesubj&link=28990قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فكلي واشربي وقري عينا أي فكلي من الجني ، واشربي من السري ، وقري عينا برؤية الولد النبي . وقرئ بفتح القاف وهي قراءة الجمهور . وحكى
الطبري قراءة ( وقري ) بكسر القاف وهي لغة
نجد . يقال : قر عينا يقر ويقر بضم القاف وكسرها وأقر الله عينه فقرت . وهو مأخوذ من القر والقرة وهما البرد . ودمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة . وضعفت فرقة هذا وقالت : الدمع كله حار ، فمعنى أقر الله عينه أي سكن الله عينه بالنظر إلى من يحبه حتى تقر وتسكن ؛ وفلان قرة عيني ؛ أي نفسي تسكن بقربه . وقال
الشيباني : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26وقري عينا ) معناه نامي ؛ حضها على الأكل والشرب والنوم . قال
أبو عمرو : أقر الله عينه أي أنام عينه ، وأذهب سهره . وعينا نصب على التمييز ؛ كقولك : طب نفسا . والفعل في الحقيقة إنما هو للعين فنقل ذلك إلى ذي العين ؛ وينصب الذي كان فاعلا في الحقيقة على التفسير . ومثله طبت نفسا ، وتفقأت شحما ، وتصببت عرقا ، ومثله كثير .
nindex.php?page=treesubj&link=28990قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما .
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فإما ترين الأصل في ترين ترأيين فحذفت الهمزة كما حذفت من ترى ونقلت فتحتها إلى الراء فصار ( تريين ) ثم قلبت الياء الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فاجتمع ساكنان الألف المنقلبة عن الياء وياء التأنيث ، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ، فصار ترين ، ثم حذفت النون علامة للجزم لأن إن حرف شرط وما صلة فبقي تري ، ثم دخله نون التوكيد وهي مثقلة ، فكسر ياء التأنيث لالتقاء الساكنين ؛ لأن النون المثقلة بمنزلة نونين الأولى ساكنة فصار ترين وعلى هذا النحو قول
ابن دريد :
إما تري رأسي حاكى لونه
وقول
الأفوه :
إما تري رأسي أزرى به
[ ص: 25 ] وإنما دخلت النون هنا بتوطئة ما كما يوطئ لدخولها أيضا لام القسم . وقرأ
طلحة وأبو جعفر وشيبة ( ترين ) بسكون الياء وفتح النون خفيفة ؛ قال
أبو الفتح : وهي شاذة .
الثانية قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فقولي إني نذرت هذا جواب الشرط وفيه إضمار ؛ أي فسألك عن ولدك
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فقولي إني نذرت للرحمن صوما أي صمتا ؛ قاله
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك . وفي قراءة
أبي بن كعب ( إني نذرت للرحمن صوما صمتا ) وروي عن
أنس . وعنه أيضا ( وصمتا ) بواو ، واختلاف اللفظين يدل على أن الحرف ذكر تفسيرا لا قرآنا ؛ فإذا أتت معه واو فممكن أن يكون غير الصوم . والذي تتابعت به الأخبار عن أهل الحديث ورواة اللغة أن الصوم هو الصمت ؛ لأن الصوم إمساك والصمت إمساك عن الكلام .
وقيل : هو الصوم المعروف ، وكان يلزمهم الصمت يوم الصوم إلا بالإشارة . وعلى هذا تخرج قراءة
أنس ( وصمتا ) بواو ، وأن الصمت كان عندهم في الصوم ملتزما بالنذر ، كما أن
nindex.php?page=treesubj&link=26616من نذر منا المشي إلى البيت اقتضى ذلك الإحرام بالحج أو العمرة . ومعنى هذه الآية أن الله تعالى أمرها على لسان
جبريل - عليه السلام - - أو ابنها على الخلاف المتقدم - بأن تمسك عن مخاطبة البشر ، وتحيل على ابنها في ذلك ليرتفع عنها خجلها ، وتتبين الآية فيقوم عذرها . وظاهر الآية أنها أبيح لها أن تقول هذه الألفاظ التي في الآية ، وهو قول الجمهور . وقالت فرقة : معنى ( قولي ) بالإشارة لا بالكلام .
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وفيه أن السكوت عن السفيه واجب ، ومن أذل الناس سفيه لم يجد مسافها .
الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=4175من التزم بالنذر ألا يكلم أحدا من الآدميين فيحتمل أن يقال : إنه قربة فيلزم بالنذر ، ويحتمل أن يقال : ذلك لا يجوز في شرعنا لما فيه من التضييق وتعذيب النفس ؛ كنذر القيام في الشمس ونحوه . وعلى هذا كان نذر الصمت في تلك الشريعة لا في شريعتنا ؛ وقد تقدم . وقد أمر
ابن مسعود من فعل ذلك بالنطق بالكلام . وهذا هو الصحيح لحديث
أبي إسرائيل ، خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
ابن عباس . وقال
ابن زيد nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : كانت سنة الصيام عندهم الإمساك عن الأكل والكلام .
قلت : ومن سنتنا نحن في الصيام الإمساك عن الكلام القبيح ؛ قال - عليه الصلاة
[ ص: 26 ] والسلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832046إذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه ، فليقل إني صائم . وقال - عليه الصلاة والسلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832047من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه .