وما نتنـزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا "وما نتنزل "؛ هذا بيان من متكلم؛ ما هو؟ أهو من الملائكة؛ أم من المتقين؟ إن النص يحتملهما؛ وقد روي أن ذلك من الملائكة؛ وروى البخاري أن الذي قال ذلك والترمذي جبريل - عليه السلام -؛ فإنه قد روى الترمذي عن والبخاري ابن عباس لجبريل - عليه السلام -: "ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ "؛ فنزلت هذه الآية؛ ومعناها على ذلك: "وما نتنزل "؛ أي: ما نتنزل نحن الملائكة إلا بأمر ربك؛ الذي خلقك؛ فلا ننزل من تلقاء أنفسنا بل بإرادته؛ وروي أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "إني كنت أشد شوقا إليك ".
وقد قيل: إن المشركين قالوا: قلاه الله؛ وودعه؛ وقد قال (تعالى) - في سورة "الضحى ": ما ودعك ربك وما قلى ؛ هذا تخريج تؤيده الرواية الصحيحة؛ و "نتنزل "؛ أي: ننزل وقتا بعد آخر.
وهناك تخريج آخر؛ وهو أن قائل ذلك هم المتقون الذين نزلوا الجنة؛ وأدخلهم الله (تعالى) فيها؛ ويكون معنى التنزل النزول إليها مترفقين؛ ويكون كلامهم إعلانا لشكرهم لله (تعالى).
ونحن نميل إلى التخريج الأول؛ ونرجحه; لأنه قد ورد فيه حديث صحيح؛ وهو معقول في ذاته; ولأن التعبير بالتنزل يدل على النزول وقتا بعد آخر؛ وذلك يتفق مع نزول جبريل؛ ولا يتفق مع دخول الجنة; لأنه يكون دفعة واحدة؛ ولأنه [ ص: 4670 ] هو الذي يناسب نفي النسيان في قوله - بعد ذلك -: وما كان ربك نسيا "فعيل "؛ من "نسي "؛ أي: ناسيا نسيانا شديدا؛ حتى يترك نبيه؛ وقد أرسله لبيان شريعته؛ والدعوة بقرآنه الحكيم؛ الذي هو تنزيل من حكيم حميد.
وقد ذكر الملائكة قدرة الله (تعالى)؛ وأنه هو الملك للملائكة؛ والإنس؛ والجن؛ فقالوا - كما حكى الله (تعالى) عنهم -: له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك له ما مضى من أمرنا؛ لا يعلمه سواه؛ وله ما بين أيدينا؛ مما هو مبهم؛ وما خلفنا؛ مما تركنا؛ وما بين ذلك؛ هو حاضرنا؛ وملكيته - سبحانه - لحاضرنا؛ وهو ما بين ملك المتصرف العالم علما محيطا.
وقد بين - سبحانه وتعالى - ملكه للسماوات والأرض؛ فقال: