nindex.php?page=treesubj&link=10825_11145_27030_28640_28723_29694_30497_30532_32942_34091_34144_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم nindex.php?page=treesubj&link=10814الخطبة : من الخطاب ، وهي مخاطبة المرأة أو ذويها في أمر زواجها ; والتعريض ضد التصريح ، وهو إفهام المراد لكلام يحتمل ما يريده المتكلم ، ويحتمل غيره ، وهو في ظاهره غير ما يريد ، ولكن يبدو من لحن القول وإشاراته والمقام ما يريده ، وهو من عرض الشيء وهو جانبه ، كأنه يحوم به حول الشيء وعلى جوانبه ولا يظهر مراده .
والنساء المراد بهن في الآية هن المتوفى عنهن أزواجهن في أثناء العدة . والإكنان في النفس أن يخفي إرادة الزواج والرغبة فيه مع الإصرار عليه ، واعتزامه من غير إعلانه لأحد .
ومعنى الجملة الكريمة : أنه لا إثم في
nindex.php?page=treesubj&link=10825التعريض بخطبة المتوفى عنهن أزواجهن ، كما أنه لا إثم في الرغبة في الزواج منهن مع إكنان ذلك وستره من غير كشف وإعلان ; لأن الكشف والإعلان قد يؤذي الميت ، وهو فوق ذلك لا يليق بأهل المروءة من الرجال .
nindex.php?page=treesubj&link=12608والتصريح بالخطبة لا يجوز ، حتى لا يؤذي أهل الميت ، وحتى لا يدفعها إلى الامتناع عن الحداد على زواجها ، فوق أن ذلك نقص في الخلق . وفساد في الذوق لا يصدر عن ذي إحساس كريم ; فالتعريض فقط هو المباح في الخطبة في حال عدة الوفاة ; وأساليب التعريض متباينة يبينها المقام ; ومن ذلك ما يروى عن
سكينة بنت حنظلة أنها قالت : " استأذن علي
محمد بن علي زين العابدين فقال : قد عرفت قرابتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقرابتي من
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، وموضعي في
العرب . . فقلت : غفر الله لك يا
أبا جعفر ، إنك رجل يؤخذ عنك ; تخطبني في عدتي ! ! قال إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي " .
[ ص: 823 ] وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة ، فقال : " لقد علمت أني رسول الله وخيرته وموضعي في قومي " . وكانت تلك خطبة .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا في هذه الجملة الكريمة يشير سبحانه وتعالى إلى طبائع النفس البشرية فيمنعها من الانسياق فيما يردي ويفسد ، ويبيح لها ما لا ضرر فيه ، وقد يكون فيه ما تطيب به نفوس ، وتطمئن إليه قلوب .
فالله سبحانه وتعالى علم أن العارفين لأخبار المتوفى عنها زوجها وأحوالها وحقيقتها ، من جمال أو نحوه ، ومن حسن عشرة ولطف مودة ، أنهم سيذكرونها في نفوسهم ويقرنون الذكر بالرغب والاتجاه إلى طلبها ، وإعلان الرغبة والتحبب إليها وإمالة قلبها ، ولقد علم الله سبحانه وتعالى حال النفوس هذه فأباح للناس ما تكون مغبته حسنة ، ومنع غيره ، فأباح إكنان الرغبة في الأنفس وحديث النفس بها ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=30534حديث النفس ليس موضع مؤاخذة ; وأباح التعريض بالخطبة ، ونهى عن أمرين :
أولهما : المواعدة السرية ، سواء أكانت تلك المواعدة على الزواج أو غيره .
وقد تكلم العلماء في معنى كلمة " سرا " فقيل : إن معناها ما يكون بين الرجل وزوجه من متعة جسدية . وقيل : إن معناها عقد الزواج . وقيل إن سرا ، معناها زنا .
وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ومجاهدا
nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، فسروا " سرا " بألا يأخذ عليها ميثاقا بألا تتزوج غيره في استسرار وخفية .
وإن الذي نميل إليه أن " سرا " وصف لمحذوف أي لا تواعدوهن وعدا سريا بأي شكل من الأشكال ، وفي أي موضوع من الموضوعات ; لأن الإسرار يدفع إلى الخلوة فتكون الحال في مكان النهي حيثما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=67792لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما " والمعنى على هذا : لا تندفعوا وراء رغباتكم فتلتقوا بهن سرا
[ ص: 824 ] وتقولوا معهن ما تستحيون من قوله جهرا ; إما لأنه قبيح لا يعلن ، وإما لأنه في غير وقته فيستنكر القول فيه فور الوفاة ; وذلك فوق قبح الخلوة في ذاتها .
ولقد استثنى سبحانه استثناء منقطعا في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235إلا أن تقولوا قولا معروفا والمعنى لكن المباح لكم أن تقولوا قولا معروفا لا تستنكره العقول ، وتقره الأخلاق ، ولا يقبح إعلانه ، بل يقال في غير استسرار ; وبهذا الاستثناء يحد الله سبحانه فرق ما بين الحلال والحرام في هذا المقام ; فالسرية ممنوعة أيا كان موضوعها ، لما يكون معها من ملابسات محرمة ، والقول المعروف الذي يكون بالتعريض ، وإظهار المودة بشكل لا يؤدي إلى محرم ، ولا تستهجنه العادات الفاضلة والأخلاق الكريمة ، هذا حلال لا ريب فيه .
وقبل أن نترك الكلام في هذا الأمر المنهي عنه ، نذكر تحقيقا لفظيا ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وهو مقام " لكن " في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235ولكن لا تواعدوهن سرا مما قبلها ; فقد قرر رحمه الله أن المعنى : علم الله أنكم ستذكرون النساء فاذكروهن ، ولكن لا تواعدوهن سرا ، ويكون المؤدى اذكروهن ذكرا حسنا معروفا معلنا غير منكر ، لا تمجه الأذواق ، ولا تنبو عنه الأخلاق .
الأمر الثاني الذي هو في موضع النهي ما اشتمل عليه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله العزم : القطع ، وهو يتعدى بعلى ، وبنفسه ، فيقال : عزم الأمر وعزم عليه ، وعقدة النكاح : الارتباط به . والكتاب : هو الأمر المكتوب المفروض ، وهو هنا العدة . والأجل : هو انتهاء المدة المقررة للعدة والمعنى : لا تعقدوا العزم نهائيا في أثناء العدة على أن تتموا الزواج بعدها ، بأن تقطعوا في أمر الخطبة فتجعلوها تصريحا بدل أن تكون تعريضا ; فإن العزم القاطع لا يكون بالتعريض ، بل يكون بالتصريح ; لأن عبارة التعريض كيفما كانت يدخلها الاحتمال ، فلا تنبئ عن القطع أو الجزم ; وعلى ذلك يكون هذا الكلام السامي ذكرا لما فهم عند نفي الإثم عن التعريض من منع التصريح ; وفوق ذلك فيه دلالة على منع العزم مطلقا ولو بإصرار النية ، وإكنان النفس ; لأن العاقل لا يسوغ له أن يعزم
[ ص: 825 ] أمرا ولو في نفسه قبل أن يجيء وقته ; لأن المستقبل بيد الله ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا ، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم في هذا الكلام الكريم الحكيم تحذير وتقريب ، وتخويف ورحمة ; إذ بين سبحانه أنه يعلم خلجات القلوب ، وخطرات النفوس ، وما تخفي الصدور وما يستكن فيها ، وما يعلن ; وإن للنفس هواجس وخواطر ، فإذا همت النفس أو جالت فيها أمور تستهجن ولا تستحسن ، كأن يجول بخاطره أن يكلم المعتدة من وفاة في أمر منكر لا يسوغ في الدين ، ولا في العرف ، ولا في الأخلاق ، فليعلم أن الله عليه رقيب يعلم تلك الخواطر ; فليحذره ; لكيلا يبرزها إلى الوجود ، فيندفع وراءها ، وإنه إذا قمعها وقدع نفسه عنها ، وجعلها في محيط قلبه لا تخرج منه ، فإن ذلك يكون في عفو الله تعالى ; ولذا قال سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235واعلموا أن الله غفور حليم يغفر الله فلا يأخذ العبد إلا بما يفعل ولا يأخذه بما يجول بخاطره ، ولا بما تحدثه به نفسه ، ومن هم بسيئة فلم يفعلها لم يكتب عليه شيء ، تبارك الله سبحانه هو المنتقم الجبار العفو القدير ، الغفور الرحيم .
* * *
nindex.php?page=treesubj&link=10825_11145_27030_28640_28723_29694_30497_30532_32942_34091_34144_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ nindex.php?page=treesubj&link=10814الْخِطْبَةُ : مِنَ الْخِطَابِ ، وَهِيَ مُخَاطَبَةُ الْمَرْأَةِ أَوْ ذَوِيهَا فِي أَمْرِ زَوَاجِهَا ; وَالتَّعْرِيضُ ضِدُّ التَّصْرِيحِ ، وَهُوَ إِفْهَامُ الْمُرَادِ لِكَلَامٍ يَحْتَمِلُ مَا يُرِيدُهُ الْمُتَكَلِّمُ ، وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ ، وَهُوَ فِي ظَاهِرِهِ غَيْرُ مَا يُرِيدُ ، وَلَكِنْ يَبْدُو مِنْ لَحْنِ الْقَوْلِ وَإِشَارَاتِهِ وَالْمَقَامِ مَا يُرِيدُهُ ، وَهُوَ مِنْ عَرْضِ الشَّيْءِ وَهُوَ جَانِبُهُ ، كَأَنَّهُ يَحُومُ بِهِ حَوْلَ الشَّيْءِ وَعَلَى جَوَانِبِهِ وَلَا يُظْهِرُ مُرَادَهُ .
وَالنِّسَاءُ الْمُرَادُ بِهِنَّ فِي الْآيَةِ هُنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ . وَالْإِكْنَانُ فِي النَّفْسِ أَنْ يُخْفِيَ إِرَادَةَ الزَّوَاجِ وَالرَّغْبَةَ فِيهِ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَيْهِ ، وَاعْتِزَامِهِ مِنْ غَيْرِ إِعْلَانِهِ لِأَحَدٍ .
وَمَعْنَى الْجُمْلَةِ الْكَرِيمَةِ : أَنَّهُ لَا إِثْمَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=10825التَّعْرِيضِ بِخِطْبَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ ، كَمَا أَنَّهُ لَا إِثْمَ فِي الرَّغْبَةِ فِي الزَّوَاجِ مِنْهُنَّ مَعَ إِكْنَانِ ذَلِكَ وَسَتْرِهِ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ وَإِعْلَانٍ ; لِأَنَّ الْكَشْفَ وَالْإِعْلَانَ قَدْ يُؤْذِي الْمَيِّتَ ، وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِأَهْلِ الْمُرُوءَةِ مِنَ الرِّجَالِ .
nindex.php?page=treesubj&link=12608وَالتَّصْرِيحُ بِالْخِطْبَةِ لَا يَجُوزُ ، حَتَّى لَا يُؤْذِيَ أَهْلَ الْمَيِّتِ ، وَحَتَّى لَا يَدْفَعُهَا إِلَى الِامْتِنَاعِ عَنِ الْحِدَادِ عَلَى زَوَاجِهَا ، فَوْقَ أَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ فِي الْخُلُقِ . وَفَسَادٌ فِي الذَّوْقِ لَا يَصْدُرُ عَنْ ذِي إِحْسَاسٍ كَرِيمٍ ; فَالتَّعْرِيضُ فَقَطْ هُوَ الْمُبَاحُ فِي الْخِطْبَةِ فِي حَالِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ ; وَأَسَالِيبُ التَّعْرِيضِ مُتَبَايِنَةٌ يُبَيِّنُهَا الْمَقَامُ ; وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُرْوَى عَنْ
سُكَيْنَةَ بِنْتِ حَنْظَلَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : " اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ زَيْنُ الْعَابِدِينَ فَقَالَ : قَدْ عَرَفْتِ قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقَرَابَتِي مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، وَمَوْضِعِي فِي
الْعَرَبِ . . فَقُلْتُ : غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا
أَبَا جَعْفَرٍ ، إِنَّكَ رَجُلٌ يُؤْخَذُ عَنْكَ ; تَخْطُبُنِي فِي عِدَّتِي ! ! قَالَ إِنَّمَا أَخْبَرْتُكِ بِقَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ " .
[ ص: 823 ] وَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ مُتَأَيِّمَةٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ ، فَقَالَ : " لَقَدْ عَلِمْتِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَخِيرَتُهُ وَمَوْضِعِي فِي قَوْمِي " . وَكَانَتْ تِلْكَ خِطْبَةً .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْكَرِيمَةِ يُشِيرُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى طَبَائِعِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ فَيَمْنَعُهَا مِنَ الِانْسِيَاقِ فِيمَا يُرْدِي وَيُفْسِدُ ، وَيُبِيحُ لَهَا مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ مَا تَطِيبُ بِهِ نُفُوسٌ ، وَتَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ قُلُوبٌ .
فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلِمَ أَنَّ الْعَارِفِينَ لِأَخْبَارِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَأَحْوَالِهَا وَحَقِيقَتِهَا ، مِنْ جَمَالٍ أَوْ نَحْوِهِ ، وَمِنْ حُسْنِ عِشْرَةٍ وَلُطْفِ مَوَدَّةٍ ، أَنَّهُمْ سَيَذْكُرُونَهَا فِي نُفُوسِهِمْ وَيُقْرِنُونَ الذِّكْرَ بِالرَّغْبِ وَالِاتِّجَاهِ إِلَى طَلَبِهَا ، وَإِعْلَانِ الرَّغْبَةِ وَالتَّحَبُّبِ إِلَيْهَا وَإِمَالَةِ قَلْبِهَا ، وَلَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَالَ النُّفُوسِ هَذِهِ فَأَبَاحَ لِلنَّاسِ مَا تَكُونُ مَغَبَّتُهُ حَسَنَةً ، وَمَنَعَ غَيْرَهُ ، فَأَبَاحَ إِكْنَانَ الرَّغْبَةِ فِي الْأَنْفُسِ وَحَدِيثَ النَّفْسِ بِهَا ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30534حَدِيثَ النَّفْسِ لَيْسَ مَوْضِعَ مُؤَاخَذَةٍ ; وَأَبَاحَ التَّعْرِيضَ بِالْخِطْبَةِ ، وَنَهَى عَنْ أَمْرَيْنِ :
أَوَّلُهُمَا : الْمُوَاعَدَةُ السِّرِّيَّةُ ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ تِلْكَ الْمُوَاعَدَةُ عَلَى الزَّوَاجِ أَوْ غَيْرِهِ .
وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى كَلِمَةِ " سِرًّا " فَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَاهَا مَا يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجِهِ مِنْ مُتْعَةٍ جَسَدِيَّةٍ . وَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَاهَا عَقْدُ الزَّوَاجِ . وَقِيلَ إِنَّ سِرًّا ، مَعْنَاهَا زِنًا .
وَرُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَابْنَ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيَّ وَمُجَاهِدًا
nindex.php?page=showalam&ids=16584وَعِكْرِمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيَّ ، فَسَّرُوا " سِرًّا " بِأَلَّا يَأْخُذَ عَلَيْهَا مِيثَاقًا بِأَلَّا تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ فِي اسْتِسْرَارٍ وَخُفْيَةٍ .
وَإِنَّ الَّذِي نَمِيلُ إِلَيْهِ أَنَّ " سِرًّا " وَصْفٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ وَعْدًا سِرِّيًّا بِأَيِّ شَكْلٍ مِنَ الْأَشْكَالِ ، وَفِي أَيِّ مَوْضُوعٍ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ ; لِأَنَّ الْإِسْرَارَ يَدْفَعُ إِلَى الْخَلْوَةِ فَتَكُونُ الْحَالُ فِي مَكَانِ النَّهْيِ حَيْثُمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=67792لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا " وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا : لَا تَنْدَفِعُوا وَرَاءَ رَغَبَاتِكُمْ فَتَلْتَقُوا بِهِنَّ سِرًّا
[ ص: 824 ] وَتَقُولُوا مَعَهُنَّ مَا تَسْتَحْيُونَ مِنْ قَوْلِهِ جَهْرًا ; إِمَّا لِأَنَّهُ قَبِيحٌ لَا يُعْلَنُ ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ فَيُسْتَنْكَرُ الْقَوْلُ فِيهِ فَوْرَ الْوَفَاةِ ; وَذَلِكَ فَوْقَ قُبْحِ الْخَلْوَةِ فِي ذَاتِهَا .
وَلَقَدِ اسْتَثْنَى سُبْحَانَهُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا وَالْمَعْنَى لَكِنَّ الْمُبَاحَ لَكُمْ أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا لَا تَسْتَنْكِرُهُ الْعُقُولُ ، وَتُقِرُّهُ الْأَخْلَاقُ ، وَلَا يَقْبُحُ إِعْلَانُهُ ، بَلْ يُقَالُ فِي غَيْرِ اسْتِسْرَارٍ ; وَبِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ يَحُدُّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَرْقَ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ ; فَالسِّرِّيَّةُ مَمْنُوعَةٌ أَيًّا كَانَ مَوْضُوعُهَا ، لِمَا يَكُونُ مَعَهَا مِنْ مُلَابَسَاتٍ مُحَرَّمَةٍ ، وَالْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يَكُونُ بِالتَّعْرِيضِ ، وَإِظْهَارُ الْمَوَدَّةِ بِشَكْلٍ لَا يُؤَدِّي إِلَى مُحَرَّمٍ ، وَلَا تَسْتَهْجِنُهُ الْعَادَاتُ الْفَاضِلَةُ وَالْأَخْلَاقُ الْكَرِيمَةُ ، هَذَا حَلَالٌ لَا رَيْبَ فِيهِ .
وَقَبْلَ أَنْ نَتْرُكَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، نَذْكُرُ تَحْقِيقًا لَفْظِيًّا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، وَهُوَ مَقَامُ " لَكِنْ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا مِمَّا قَبْلَهَا ; فَقَدْ قَرَّرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمَعْنَى : عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَ النِّسَاءَ فَاذْكُرُوهُنَّ ، وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا ، وَيَكُونُ الْمُؤَدَّى اذْكُرُوهُنَّ ذِكْرًا حَسَنًا مَعْرُوفًا مُعْلَنًا غَيْرَ مُنْكَرٍ ، لَا تَمُجُّهُ الْأَذْوَاقُ ، وَلَا تَنْبُو عَنْهُ الْأَخْلَاقُ .
الْأَمْرُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ فِي مَوْضِعِ النَّهْيِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ الْعَزْمُ : الْقَطْعُ ، وَهُوَ يَتَعَدَّى بِعَلَى ، وَبِنَفْسِهِ ، فَيُقَالُ : عَزْمَ الْأَمْرُ وَعَزْمَ عَلَيْهِ ، وَعُقْدَةُ النِّكَاحِ : الِارْتِبَاطُ بِهِ . وَالْكِتَابُ : هُوَ الْأَمْرُ الْمَكْتُوبُ الْمَفْرُوضُ ، وَهُوَ هُنَا الْعِدَّةُ . وَالْأَجَلُ : هُوَ انْتِهَاءُ الْمُدَّةِ الْمُقَرَّرَةِ لِلْعِدَّةِ وَالْمَعْنَى : لَا تَعْقِدُوا الْعَزْمَ نِهَائِيًّا فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى أَنْ تُتِمُّوا الزَّوَاجَ بَعْدَهَا ، بِأَنْ تَقْطَعُوا فِي أَمْرِ الْخِطْبَةِ فَتَجْعَلُوهَا تَصْرِيحًا بَدَلَ أَنْ تَكُونَ تَعْرِيضًا ; فَإِنَّ الْعَزْمَ الْقَاطِعَ لَا يَكُونُ بِالتَّعْرِيضِ ، بَلْ يَكُونُ بِالتَّصْرِيحِ ; لِأَنَّ عِبَارَةَ التَّعْرِيضِ كَيْفَمَا كَانَتْ يَدْخُلُهَا الِاحْتِمَالُ ، فَلَا تُنْبِئُ عَنِ الْقَطْعِ أَوِ الْجَزْمِ ; وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ السَّامِي ذِكْرًا لِمَا فُهِمَ عِنْدَ نَفْيِ الْإِثْمِ عَنِ التَّعْرِيضِ مِنْ مَنْعِ التَّصْرِيحِ ; وَفَوْقَ ذَلِكَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَنْعِ الْعَزْمِ مُطْلَقًا وَلَوْ بِإِصْرَارِ النِّيَّةِ ، وَإِكْنَانِ النَّفْسِ ; لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَعْزِمَ
[ ص: 825 ] أَمْرًا وَلَوْ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ وَقْتُهُ ; لِأَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ بِيَدِ اللَّهِ وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ فِي هَذَا الْكَلَامِ الْكَرِيمِ الْحَكِيمِ تَحْذِيرٌ وَتَقْرِيبٌ ، وَتَخْوِيفٌ وَرَحْمَةٌ ; إِذْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَعْلَمُ خَلَجَاتِ الْقُلُوبِ ، وَخَطِرَاتِ النُّفُوسِ ، وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَمَا يَسْتَكِنُّ فِيهَا ، وَمَا يُعْلَنُ ; وَإِنَّ لِلنَّفْسِ هَوَاجِسَ وَخَوَاطِرَ ، فَإِذَا هَمَّتِ النَّفْسُ أَوْ جَالَتْ فِيهَا أُمُورٌ تُسْتَهْجَنُ وَلَا تُسْتَحْسَنُ ، كَأَنْ يَجُولَ بِخَاطِرِهِ أَنْ يُكَلِّمَ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ وَفَاةٍ فِي أَمْرٍ مُنْكَرٍ لَا يَسُوغُ فِي الدِّينِ ، وَلَا فِي الْعُرْفِ ، وَلَا فِي الْأَخْلَاقِ ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَيْهِ رَقِيبٌ يَعْلَمُ تِلْكَ الْخَوَاطِرَ ; فَلْيَحْذَرْهُ ; لِكَيْلَا يُبْرِزَهَا إِلَى الْوُجُودِ ، فَيَنْدَفِعَ وَرَاءَهَا ، وَإِنَّهُ إِذَا قَمَعَهَا وَقَدَعَ نَفْسَهُ عَنْهَا ، وَجَعَلَهَا فِي مُحِيطِ قَلْبِهِ لَا تَخْرُجُ مِنْهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي عَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى ; وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ يَغْفِرُ اللَّهُ فَلَا يَأْخُذُ الْعَبْدَ إِلَّا بِمَا يَفْعَلُ وَلَا يَأْخُذُهُ بِمَا يَجُولُ بِخَاطِرِهِ ، وَلَا بِمَا تُحَدِّثُهُ بِهِ نَفْسُهُ ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْهَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، تَبَارَكَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُنْتَقِمُ الْجَبَّارُ الْعَفُوُّ الْقَدِيرُ ، الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
* * *