قوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=20043_28723_30394_30524_30526_33501_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما وقد بين في سورة آل عمران خصال التقوى التي يغفر لأهلها ويدخلهم
[ ص: 328 ] الجنة، فذكر منها الاستغفار، وعدم الإصرار، فلم يضمن تكفير السيئات ومغفرة الذنوب إلا لمن كان على هذه الصفة، والله أعلم .
nindex.php?page=treesubj&link=19714_19706الصغائر هل تجب التوبة منها كالكبائر أم لا؟ لأنها تقع مكفرة باجتناب الكبائر، لقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما هذا مما اختلف الناس فيه .
فمنهم من أوجب التوبة منها . وهو قول أصحابنا وغيرهم من الفقهاء والمتكلمين وغيرهم . وقد أمر الله بالتوبة عقيب ذكر الصغائر والكبائر، فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=30قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن الآية إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون وأمر بالتوبة من الصغائر بخصوصها في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون
ومن الناس من لم يوجب التوبة منها، وحكي عن طائفة من
المعتزلة ومن المتأخرين من قال: يجب أحد أمرين، إما التوبة منها، أو الإتيان ببعض المكفرات للذنوب من الحسنات .
وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13365ابن عطية في "تفسيره" في
nindex.php?page=treesubj&link=30520تكفير الصغائر بامتثال الفرائض واجتناب الكبائر قولين:
[ ص: 329 ] أحدهما - وحكاه عن جماعة من الفقهاء وأهل الحديث - . أنه يقطع بتكفيرها بذلك قطعا، لظاهر الآية والحديث .
والثاني - وحكاه عن الأصوليين -: أنه لا يقطع بذلك، بل يحمل على غلبة الظن وقوة الرجاء، وهو في مشيئة الله عز وجل، إذ لو قطع بتكفيرها، لكانت الصغائر في حكم المباح الذي لا تبعة فيه، وذلك نقض لعرى الشريعة .
قلت: قد يقال: لا يقطع بتكفيرها لأن أحاديث التكفير المطلقة بالأعمال جاءت مقيدة بتحسين العمل، كما ورد ذلك في الوضوء والصلاة، وحينئذ فلا يتحقق وجود حسن العمل الذي يوجب التكفير، وعلى هذا الاختلاف الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13365ابن عطية ينبني الاختلاف في وجوب التوبة من الصغائر .
وقد خرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أن قوما أتوا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، فقالوا: نرى أشياء من كتاب الله لا يعمل بها، فقال لرجل منهم: أقرأت القرآن كله؟ قال: نعم، قال: فهل أحصيته في نفسك؟ قال: اللهم لا، قال: فهل أحصيته في بصرك؟ فهل أحصيته في لفظك؟ هل أحصيته في أثرك؟ ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم، ثم قال: ثكلت
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أمه أتكلفونه أن يقيم على الناس كتاب الله؟ قد علم ربنا أنه سيكون لنا سيئات، قال وتلا:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما . وبإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك أنه قال: لم أر مثل الذي بلغنا عن ربنا تعالى، ثم لم نخرج له من كل أهل ومال، ثم سكت، ثم قال: والله لقد
[ ص: 330 ] كلفنا ربنا أهون من ذلك، لقد تجاوز لنا عما دون الكبائر، فما لنا ولها; ثم تلا:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما (31 . وخرجه
البزار في " مسنده " مرفوعا، والموقوف أصح . وقد وصف الله المحسنين باجتناب الكبائر، قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة وفي تفسير اللمم قولان للسلف:
أحدهما: أنه مقدمات الفواحش كاللمس والقبلة . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: هو ما دون الحدين: وعيد الآخرة بالنار، وحد الدنيا .
والثاني: أنه الإلمام بشيء من الفواحش، والكبائر مرة واحدة، ثم يتوب منه .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ، وروي عنه مرفوعا بالشك في رفعه، قال:
"اللمة من الزنى، ثم يتوب، فلا يعود، واللمة من شرب الخمر، ثم يتوب فلا يعود، واللمة من السرقة ثم يتوب، فلا يعود" . ، ومن فسر الآية بهذا قال: لا بد أن يتوب منه، بخلاف من فسره بالمقدمات، فإنه لم يشترط توبة
[ ص: 331 ] والظاهر: أن القولين صحيحان، وأن كلاهما مراد من الآية، وحينئذ فالمحسن: هو من لا يأتي بكبيرة إلا نادرا ثم يتوب منها، ومن إذا أتى بصغيرة كانت مغمورة في حسناته المكفرة لها، ولا بد أن لا يكون مصرا عليها، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال: لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار، وروي مرفوعا من وجوه ضعيفة . وإذا صارت الصغائر كبائر بالمداومة عليها، فلا بد للمحسنين من اجتناب المداومة على الصغائر حتى يكونوا مجتنبين لكبائر الإثم والفواحش .
وقال الله عز وجل:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=36وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=37والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=38والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=39والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله
فهذه الآيات تضمنت وصف المؤمنين بقيامهم بما أوجب الله عليهم من الإيمان والتوكل، وإقام الصلاة، والإنفاق مما رزقهم الله والاستجابة لله في جميع طاعاته، ومع هذا، فهم مجتنبون كبائر الإثم والفواحش، فهذا هو تحقيق التقوى، ووصفهم في معاملتهم للخلق بالمغفرة عند الغضب، وندبهم إلى العفو والإصلاح . وأما قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=39والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون فليس منافيا للعفو، فإن الانتصار يكون بإظهار القدرة على الانتقام، ثم يقع العفو بعد ذلك، فيكون أتم وأكمل، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي في هذه
[ ص: 332 ] الآية : كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : كانوا يكرهون للمؤمن أن يذل نفسه، فيجترئ عليه الفساق، فالمؤمن إذا بغي عليه يظهر القدرة على الانتقام، ثم يعفو بعد ذلك، وقد جرى مثل هذا لكثير من السلف، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة وغيره .
فهذه الآيات تتضمن جميع ما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في وصيته
nindex.php?page=showalam&ids=32لمعاذ ، فإنها تضمنت أصول خصال التقوى بفعل الواجبات، والانتهاء عن كبائر المحرمات ومعاملة الخلق بالإحسان والعفو، ولازم هذا أنه إن وقع منهم شيء من الإثم من غير الكبائر والفواحش، يكون مغمورا بخصال التقوى المقتضية لتكفيرها ومحوها .
وأما الآيات التي في سورة "آل عمران "، فوصف فيها المتقين بالإحسان إلى الخلق، وبالاستغفار من الفواحش وظلم النفس، وعدم الإصرار على ذلك . وهذا هو الأكمل، وهو إحداث التوبة، والاستغفار عقيب كل ذنب من الذنوب صغيرا كان أو كبيرا، كما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصى بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا ، وقد ذكرناه فيما سبق .
وإنما بسطنا القول في هذا، لأن حاجة الخلق إليه شديدة، وكل أحد يحتاج إلى معرفة هذا، ثم إلى العمل بمقتضاه، والله الموفق والمعين .
قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=20043_28723_30394_30524_30526_33501_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا وَقَدْ بَيَّنَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ خِصَالَ التَّقْوَى الَّتِي يَغْفِرُ لِأَهْلِهَا وَيُدْخِلُهُمْ
[ ص: 328 ] الْجَنَّةَ، فَذَكَرَ مِنْهَا الِاسْتِغْفَارَ، وَعَدَمَ الْإِصْرَارِ، فَلَمْ يَضْمَنْ تَكْفِيرَ السَّيِّئَاتِ وَمَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ إِلَّا لِمَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
nindex.php?page=treesubj&link=19714_19706الصَّغَائِرُ هَلْ تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا كَالْكَبَائِرِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهَا تَقَعُ مُكَفِّرَةً بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ .
فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ التَّوْبَةَ مِنْهَا . وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ . وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالتَّوْبَةِ عَقِيبَ ذِكْرِ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ، فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=30قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ الْآيَةُ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَمَرَ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الصَّغَائِرِ بِخُصُوصِهَا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَمْ يُوجِبِ التَّوْبَةَ مِنْهَا، وَحُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ: يَجِبُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ، إِمَّا التَّوْبَةُ مِنْهَا، أَوِ الْإِتْيَانُ بِبَعْضِ الْمُكَفِّرَاتِ لِلذُّنُوبِ مِنَ الْحَسَنَاتِ .
وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=13365ابْنُ عَطِيَّةَ فِي "تَفْسِيرِهِ" فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30520تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ بِامْتِثَالِ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ قَوْلَيْنِ:
[ ص: 329 ] أَحَدُهُمَا - وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ - . أَنَّهُ يُقْطَعُ بِتَكْفِيرِهَا بِذَلِكَ قَطْعًا، لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ .
وَالثَّانِي - وَحَكَاهُ عَنِ الْأُصُولِيِّينَ -: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِذَلِكَ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَقُوَّةِ الرَّجَاءِ، وَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِذْ لَوْ قَطَعَ بِتَكْفِيرِهَا، لَكَانَتِ الصَّغَائِرُ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ الَّذِي لَا تَبِعَةَ فِيهِ، وَذَلِكَ نَقْضٌ لِعُرَى الشَّرِيعَةِ .
قُلْتُ: قَدْ يُقَالُ: لَا يُقْطَعُ بِتَكْفِيرِهَا لِأَنَّ أَحَادِيثَ التَّكْفِيرِ الْمُطْلَقَةِ بِالْأَعْمَالِ جَاءَتْ مُقَيَّدَةً بِتَحْسِينِ الْعَمَلِ، كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ حُسْنِ الْعَمَلِ الَّذِي يُوجِبُ التَّكْفِيرَ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13365ابْنُ عَطِيَّةَ يَنْبَنِي الِاخْتِلَافُ فِي وُجُوبِ التَّوْبَةِ مِنَ الصَّغَائِرِ .
وَقَدْ خَرَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ أَنَّ قَوْمًا أَتَوْا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ ، فَقَالُوا: نَرَى أَشْيَاءَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَا يُعْمَلُ بِهَا، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ: أَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي نَفْسِكَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا، قَالَ: فَهَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي بَصَرِكَ؟ فَهَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي لَفْظِكَ؟ هَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي أَثَرِكَ؟ ثُمَّ تَتَّبَعَهُمْ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: ثَكِلَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ أُمُّهُ أَتُكَلِّفُونَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى النَّاسِ كِتَابَ اللَّهِ؟ قَدْ عَلِمَ رَبُّنَا أَنَّهُ سَيَكُونُ لَنَا سَيِّئَاتٌ، قَالَ وَتَلَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا . وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَرَ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ رَبِّنَا تَعَالَى، ثُمَّ لَمْ نَخْرُجْ لَهُ مِنْ كُلِّ أَهْلٍ وَمَالٍ، ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ
[ ص: 330 ] كَلَّفَنَا رَبُّنَا أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ، لَقَدْ تَجَاوَزَ لَنَا عَمَّا دُونَ الْكَبَائِرِ، فَمَا لَنَا وَلَهَا; ثُمَّ تَلَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا (31 . وَخَرَّجَهُ
الْبَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ " مَرْفُوعًا، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ . وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ الْمُحْسِنِينَ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ وَفِي تَفْسِيرِ اللَّمَمِ قَوْلَانِ لِلسَّلَفِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُقَدِّمَاتُ الْفَوَاحِشِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11اِبْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ مَا دُونَ الْحَدَّيْنِ: وَعِيدُ الْآخِرَةِ بِالنَّارِ، وَحَدُّ الدُّنْيَا .
وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْإِلْمَامُ بِشَيْءٍ مِنَ الْفَوَاحِشِ، وَالْكَبَائِرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يَتُوبُ مِنْهُ .
وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11اِبْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَرُوِيَ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِالشَّكِّ فِي رَفْعِهِ، قَالَ:
"اللَّمَّةُ مِنَ الزِّنَى، ثُمَّ يَتُوبُ، فَلَا يَعُودُ، وَاللَّمَّةُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، ثُمَّ يَتُوبُ فَلَا يَعُودُ، وَاللَّمَّةُ مِنَ السَّرِقَةِ ثُمَّ يَتُوبُ، فَلَا يَعُودُ" . ، وَمَنْ فَسَّرَ الْآيَةَ بِهَذَا قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَتُوبَ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْمُقَدِّمَاتِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ تَوْبَةً
[ ص: 331 ] وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْقَوْلَيْنِ صَحِيحَانِ، وَأَنَّ كِلَاهُمَا مُرَادٌ مِنَ الْآيَةِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُحْسِنُ: هُوَ مَنْ لَا يَأْتِي بِكَبِيرَةٍ إِلَّا نَادِرًا ثُمَّ يَتُوبُ مِنْهَا، وَمَنْ إِذَا أَتَى بِصَغِيرَةٍ كَانَتْ مَغْمُورَةً فِي حَسَنَاتِهِ الْمُكَفِّرَةِ لَهَا، وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ مُصِرًّا عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ، وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ وُجُوهٍ ضَعِيفَةٍ . وَإِذَا صَارَتِ الصَّغَائِرُ كَبَائِرَ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا، فَلَا بُدَّ لِلْمُحْسِنِينَ مِنِ اجْتِنَابِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الصَّغَائِرِ حَتَّى يَكُونُوا مُجْتَنِبِينَ لِكَبَائِرِ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ .
وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=36وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=37وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=38وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=39وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ
فَهَذِهِ الْآيَاتُ تَضَمَّنَتْ وَصْفَ الْمُؤْمِنِينَ بِقِيَامِهِمْ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّوَكُّلِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَالْإِنْفَاقِ مِمَّا رَزَقَهَمُ اللَّهُ وَالِاسْتِجَابَةِ لِلَّهِ فِي جَمِيعِ طَاعَاتِهِ، وَمَعَ هَذَا، فَهُمْ مُجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ، فَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ التَّقْوَى، وَوَصَفَهُمْ فِي مُعَامَلَتِهِمْ لِلْخَلْقِ بِالْمَغْفِرَةِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَنَدَبَهُمْ إِلَى الْعَفْوِ وَالْإِصْلَاحِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=39وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ فَلَيْسَ مُنَافِيًا لِلْعَفْوِ، فَإِنَّ الِانْتِصَارَ يَكُونُ بِإِظْهَارِ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِقَامِ، ثُمَّ يَقَعُ الْعَفْوُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ أَتَمَّ وَأَكْمَلَ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12354النَّخَعِيُّ فِي هَذِهِ
[ ص: 332 ] الْآيَةِ : كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُسْتَذَلُّوا فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : كَانُوا يَكْرَهُونَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ، فَيَجْتَرِئُ عَلَيْهِ الْفُسَّاقُ، فَالْمُؤْمِنُ إِذَا بُغِيَ عَلَيْهِ يُظْهِرُ الْقُدْرَةَ عَلَى الِانْتِقَامِ، ثُمَّ يَعْفُو بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ جَرَى مِثْلُ هَذَا لِكَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ .
فَهَذِهِ الْآيَاتُ تَتَضَمَّنُ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَصِيَّتِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=32لِمُعَاذٍ ، فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ أُصُولَ خِصَالِ التَّقْوَى بِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ، وَالِانْتِهَاءِ عَنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ وَمُعَامَلَةِ الْخَلْقِ بِالْإِحْسَانِ وَالْعَفْوِ، وَلَازِمُ هَذَا أَنَّهُ إِنْ وَقَعَ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْإِثْمِ مِنْ غَيْرِ الْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ، يَكُونُ مَغْمُورًا بِخِصَالِ التَّقْوَى الْمُقْتَضِيَةِ لِتَكْفِيرِهَا وَمَحْوِهَا .
وَأَمَّا الْآيَاتُ الَّتِي فِي سُورَةِ "آلِ عِمْرَانَ "، فَوَصَفَ فِيهَا الْمُتَّقِينَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ، وَبِالِاسْتِغْفَارِ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَظُلْمِ النَّفْسِ، وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ عَلَى ذَلِكَ . وَهَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ، وَهُوَ إِحْدَاثُ التَّوْبَةِ، وَالِاسْتِغْفَارُ عَقِيبَ كُلِّ ذَنْبٍ مِنَ الذُّنُوبِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَّى بِذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذًا ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا سَبَقَ .
وَإِنَّمَا بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا، لِأَنَّ حَاجَةَ الْخَلْقِ إِلَيْهِ شَدِيدَةٌ، وَكُلُّ أَحَدٍ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ هَذَا، ثُمَّ إِلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَالْمُعِينُ .