[ ص: 68 ] سورة الروم
قوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=28659_28723_30340_33677_33679_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وله المثل الأعلى في السماوات والأرض
قالت بعض العارفات من السلف: من عمل لله على المشاهدة، فهو عارف، ومن عمل على مشاهدة الله إياه فهو مخلص . فأشارت إلى المقامين اللذين تقدم ذكرهما:
أحدهما: مقام الإخلاص، وهو: أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه، واطلاعه عليه، وقربه منه، فإذا استحضر العبد هذا في عمله، وعمل عليه، فهو مخلص لله، لأن استحضاره ذلك في عمله يمنعه من الالتفات إلى غير الله وإرادته بالعمل .
والثاني: مقام المشاهدة، وهو: أن يعمل العبد على مقتضى مشاهدته لله تعالى بقلبه، وهو أن يتنور القلب بالإيمان، وتنفذ البصيرة في العرفان، حتى يصير الغيب كالعيان .
وهذا هو حقيقة مقام الإحسان المشار إليه في حديث
جبريل عليه السلام، ويتفاوت أهل هذا المقام فيه بحسب قوة نفوذ البصائر .
وقد فسر طائفة من العلماء المثل الأعلى المذكور في قوله عز وجل:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وله المثل الأعلى في السماوات والأرض بهذا المعنى، ومثله قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح والمراد:
[ ص: 69 ] مثل نوره في قلب المؤمن، كذا قاله
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب وغيره من السلف .
وقد سبق حديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=914190 "أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيث كنت "، وحديث
ما تزكية المرء نفسه؟ قال: "أن يعلم أن الله معه حيث كان " .
وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=944532 "ثلاثة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله: رجل حيث توجه علم أن الله معه "، وذكر الحديث .
وقد دل القرآن على هذا المعنى في مواضع متعددة، كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4وهو معكم أين ما كنتم وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=61وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=108ولا يستخفون من الله وهو معهم
* * *
وبهذا فسر المثل الأعلى المذكور في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وله المثل الأعلى في السماوات والأرض
ومثله قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم
قال
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب وغيره من السلف: مثل نوره في قلب المؤمن .
فمن وصل إلى هذا المقام فقد وصل إلى نهاية الإحسان، وصار الإيمان لقلبه بمنزلة العيان، فعرف ربه،
nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس به في خلوته، وتنعم بذكره ومناجاته ودعائه، حتى ربما استوحش من خلقه .
كما قال بعضهم: عجبت للخليقة، كيف أنست بسواك؟! بل عجبت للخليقة كيف استنارت قلوبها بذكر سواك؟! .
وقيل لآخر: أما تستوحش؟ قال: كيف أستوحش، وهو يقول: أنا جليس من ذكرني؟! .
وقيل لآخر: أما تستوحش وحدك ؟ قال: ويستوحش مع الله أحد؟!
وكان
حبيب أبو محمد يخلو في بيته، ويقول: من لم تقر عينه بك فلا قرت عينه، ومن لم يأنس بك فلا أنس .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل : طوبى لمن استوحش من الناس وكان الله جليسه . "
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17117معروف لرجل: توكل على الله، حتى يكون جليسك وأنيسك وموضع شكواك .
[ ص: 71 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15874ذو النون: علامة المحبين لله: أن لا يأنسوا بسواه، ولا يستوحشوا معه، ثم قال: إذا سكن القلب حب الله أنس بالله; لأن الله أجل في صدور العارفين أن يحبوا غيره .
* * *
ثبت في "الصحيحين " و"السنن " و"المسانيد" من غير وجه
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048أن جبريل - عليه السلام - سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإحسان، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: nindex.php?page=treesubj&link=28855_19801_19798 "الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .
وقال بعض العارفين من السلف: "من عمل لله على المشاهدة فهو عارف . ومن عمل على مشاهدة الله إياه فهو مخلص" . فهذان مقامان: أحدهما: الإخلاص، وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه، واطلاعه عليه وقربه منه، فإذا استحضر العبد ذلك في عمله، وعمل على هذا المقام فهو مخلص لله، لأن استحضاره ذلك يمنعه من الالتفات إلى غير الله وإرادته بالعمل .
والثاني: المعرفة التي تستلزم المحبة الخاصة، وهو: أن يعمل العبد على مشاهدة الله بقلبه، وهو أن يتنور قلبه بنور الإيمان وتنفذ بصيرته في العرفان، حتى يصير الغيب عنده كالعيان، وهذا هو مقام الإحسان المشار إليه في حديث
جبريل - عليه السلام -، ويتفاوت أهل هذا المقام فيه بحسب قوة نفوذ البصائر .
وقد فسر طائفة من العلماء المثل الأعلى المذكور في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وله المثل الأعلى في السماوات والأرض بهذا ، ومثله قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح الآية، وقد فسرها
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب وغيره من السلف بأن المراد: مثل نور الله في قلب المؤمن .
ومن هذا حديث
حارثة المشهور لما قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=930443 "وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا; وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار يتعاوون فيها" فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عرفت فالزم، عبد نور الله الإيمان في قلبه " . وهذا الحديث مروي مرسلا، وروي مسندا متصلا لكن من وجوه ضعيفة .
وخطب
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ابنته وهما في الطواف فلم يجبه بشيء، ثم رآه بعد ذلك فاعتذر إليه وقال: "كنا في الطواف نتخايل الله بين أعيننا" . خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم وغيره .
ويتولد من هذين المقامين للعارفين مقام الحياء من الله - عز وجل -، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك في حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=665063 nindex.php?page=showalam&ids=15579بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سئل عن كشف العورة خاليا؟ فقال: "الله أحق أن يستحيا منه " وقد ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى
nindex.php?page=treesubj&link=19525_28729دوام استحضار معية الله وقربه وإلى الحياء منه بذلك في غير حديث، كما دل عليه قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4وهو معكم أين ما كنتم الآية، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=61وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار من حديث
عبد الله [ ص: 73 ] بن معاوية الغاضري أن رجلا قال: يا رسول الله، ما تزكية المرء نفسه؟ قال: "أن يعلم أن الله حيث كان معه " .
وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=914190nindex.php?page=treesubj&link=29674 "أفضل الإيمان: أن تعلم أن الله معك حيث كنت"، وبإسناد فيه نظر من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=944532 "ثلاثة في ظل الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله: رجل حيث توجه علم أن الله معه " إلخ .
ومن حديث
سعيد بن يزيد الأزدي أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني، قال: nindex.php?page=treesubj&link=19535_19527 "أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي رجلا صالحا من صالحي قومك "، ورويناه بإسناد فيه ضعف من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"استح من الله استحياؤك من رجلين من صالحي عشيرتك هما معك لا يفارقانك " .
[ ص: 68 ] سُورَةُ الرُّومِ
قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=28659_28723_30340_33677_33679_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
قَالَتْ بَعْضُ الْعَارِفَاتِ مِنَ السَّلَفِ: مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ، فَهُوَ عَارِفٌ، وَمَنْ عَمِلَ عَلَى مُشَاهَدَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ فَهُوَ مُخْلِصٌ . فَأَشَارَتْ إِلَى الْمَقَامَيْنِ اللَّذَيْنِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا:
أَحَدَهُمَا: مَقَامُ الْإِخْلَاصِ، وَهُوَ: أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ عَلَى اسْتِحْضَارِ مُشَاهَدَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ، وَاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ، وَقُرْبِهِ مِنْهُ، فَإِذَا اسْتَحْضَرَ الْعَبْدُ هَذَا فِي عَمَلِهِ، وَعَمِلَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُخْلِصٌ لِلَّهِ، لِأَنَّ اسْتِحْضَارَهُ ذَلِكَ فِي عَمَلِهِ يَمْنَعُهُ مِنَ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ بِالْعَمَلِ .
وَالثَّانِي: مَقَامُ الْمُشَاهَدَةِ، وَهُوَ: أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ عَلَى مُقْتَضَى مُشَاهَدَتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَلْبِهِ، وَهُوَ أَنْ يَتَنَوَّرَ الْقَلْبُ بِالْإِيمَانِ، وَتَنْفُذُ الْبَصِيرَةُ فِي الْعِرْفَانِ، حَتَّى يَصِيرَ الْغَيْبُ كَالْعِيَانِ .
وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ مَقَامِ الْإِحْسَانِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَتَفَاوَتُ أَهْلُ هَذَا الْمَقَامِ فِيهِ بِحَسَبِ قُوَّةِ نُفُوذِ الْبَصَائِرِ .
وَقَدْ فَسَّرَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمَثَلَ الْأَعْلَى الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ وَالْمُرَادُ:
[ ص: 69 ] مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، كَذَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ .
وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=914190 "أَفْضَلُ الْإِيمَانِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ مَعَكَ حَيْثُ كُنْتَ "، وَحَدِيثُ
مَا تَزْكِيَةُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ؟ قَالَ: "أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ " .
وَخَرَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=481أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=944532 "ثَلَاثَةٌ فِي ظِلِّ اللَّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: رَجُلٌ حَيْثُ تَوَجَّهَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مَعَهُ "، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدَّدَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=61وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=108وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ
* * *
وَبِهَذَا فُسِّرَ الْمَثَلُ الْأَعْلَى الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ: مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ .
فَمَنْ وَصَلَ إِلَى هَذَا الْمَقَامِ فَقَدْ وَصَلَ إِلَى نِهَايَةِ الْإِحْسَانِ، وَصَارَ الْإِيمَانُ لِقَلْبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعِيَانِ، فَعَرَفَ رَبَّهُ،
nindex.php?page=showalam&ids=9وَأَنِسَ بِهِ فِي خَلْوَتِهِ، وَتَنَعَّمَ بِذِكْرِهِ وَمُنَاجَاتِهِ وَدُعَائِهِ، حَتَّى رُبَّمَا اسْتَوْحَشَ مِنْ خَلْقِهِ .
كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: عَجِبْتُ لِلْخَلِيقَةِ، كَيْفَ أَنِسَتْ بِسِوَاكَ؟! بَلْ عَجِبْتُ لِلْخَلِيقَةِ كَيْفَ اسْتَنَارَتْ قُلُوبُهَا بِذِكْرِ سِوَاكَ؟! .
وَقِيلَ لِآخَرَ: أَمَا تَسْتَوْحِشُ؟ قَالَ: كَيْفَ أَسْتَوْحِشُ، وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي؟! .
وَقِيلَ لِآخَرَ: أَمَا تَسْتَوْحِشُ وَحْدَكَ ؟ قَالَ: وَيَسْتَوْحِشُ مَعَ اللَّهِ أَحَدٌ؟!
وَكَانَ
حَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ يَخْلُو فِي بَيْتِهِ، وَيَقُولُ: مَنْ لَمْ تَقَرَّ عَيْنُهُ بِكَ فَلَا قَرَّتْ عَيْنُهُ، وَمِنْ لَمْ يَأْنَسْ بِكَ فَلَا أَنِسَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14919الْفُضَيْلُ : طُوبَى لِمَنِ اسْتَوْحَشَ مِنَ النَّاسِ وَكَانَ اللَّهُ جَلِيسَهُ . "
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17117مَعْرُوفٌ لِرَجُلٍ: تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، حَتَّى يَكُونَ جَلِيسَكَ وَأَنِيسَكَ وَمَوْضِعَ شَكْوَاكَ .
[ ص: 71 ] وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15874ذُو النُّونِ: عَلَامَةُ الْمُحِبِّينَ لِلَّهِ: أَنْ لَا يَأْنَسُوا بِسِوَاهُ، وَلَا يَسْتَوْحِشُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا سَكَنَ الْقَلْبَ حُبُّ اللَّهِ أَنِسَ بِاللَّهِ; لِأَنَّ اللَّهَ أَجَلُّ فِي صُدُورِ الْعَارِفِينَ أَنْ يُحِبُّوا غَيْرَهُ .
* * *
ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ " وَ"السُّنَنِ " وَ"الْمَسَانِيدِ" مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْإِحْسَانِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: nindex.php?page=treesubj&link=28855_19801_19798 "الْإِحْسَانُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " .
وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ مِنَ السَّلَفِ: "مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ فَهُوَ عَارِفٌ . وَمَنْ عَمِلَ عَلَى مُشَاهَدَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ فَهُوَ مُخْلِصٌ" . فَهَذَانِ مَقَامَانِ: أَحَدُهُمَا: الْإِخْلَاصُ، وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ عَلَى اسْتِحْضَارِ مُشَاهَدَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ، وَاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ وَقُرْبِهِ مِنْهُ، فَإِذَا اسْتَحْضَرَ الْعَبْدُ ذَلِكَ فِي عَمَلِهِ، وَعَمِلَ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ فَهُوَ مُخْلِصٌ لِلَّهِ، لِأَنَّ اسْتِحْضَارَهُ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنَ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ بِالْعَمَلِ .
وَالثَّانِي: الْمَعْرِفَةُ الَّتِي تَسْتَلْزِمُ الْمَحَبَّةَ الْخَاصَّةَ، وَهُوَ: أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ عَلَى مُشَاهَدَةِ اللَّهِ بِقَلْبِهِ، وَهُوَ أَنْ يَتَنَوَّرَ قَلْبُهُ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَتَنْفُذَ بَصِيرَتُهُ فِي الْعِرْفَانِ، حَتَّى يَصِيرَ الْغَيْبُ عِنْدَهُ كَالْعِيَانِ، وَهَذَا هُوَ مَقَامُ الْإِحْسَانِ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ
جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَيَتَفَاوَتُ أَهْلُ هَذَا الْمَقَامِ فِيهِ بِحَسَبِ قُوَّةِ نُفُوذِ الْبَصَائِرِ .
وَقَدْ فَسَّرَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمَثَلَ الْأَعْلَى الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بِهَذَا ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْآيَةُ، وَقَدْ فَسَّرَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ بِأَنَّ الْمُرَادَ: مَثَلُ نُورِ اللَّهِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ .
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ
حَارِثَةَ الْمَشْهُورُ لَمَّا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=930443 "وَكَأنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا; وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَإِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَعَاوَوْنَ فِيهَا" فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عَرَفْتَ فَالْزَمْ، عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ " . وَهَذَا الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ مُرْسَلًا، وَرُوِيَ مُسْنَدًا متَّصِلًا لَكِنْ مِنْ وُجُوهٍ ضَعِيفَةٍ .
وَخَطَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةُ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ابْنَتَهُ وَهُمَا فِي الطَّوَافِ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ وَقَالَ: "كُنَّا فِي الطَّوَافِ نَتَخَايَلُ اللَّهُ بَيْنَ أَعْيُنِنَا" . خَرَّجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12181أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ .
وَيَتَوَلَّدَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَقَامَيْنِ لِلْعَارِفِينَ مَقَامَ الْحَيَاءِ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=665063 nindex.php?page=showalam&ids=15579بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ خَالِيًا؟ فَقَالَ: "اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَيَا مِنْهُ " وَقَدْ نَدَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19525_28729دَوَامِ اسْتِحْضَارِ مَعِيَّةِ اللَّهِ وَقُرْبِهِ وَإِلَى الْحَيَاءِ مِنْهُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ الْآيَةُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=61وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَخَرَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=13863الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ [ ص: 73 ] بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ أَنَّ رُجَلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَزْكِيَةُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ؟ قَالَ: "أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ حَيْثُ كَانَ مَعَهُ " .
وَخَرَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=914190nindex.php?page=treesubj&link=29674 "أَفْضَلُ الْإِيمَانِ: أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ مَعَكَ حَيْثُ كُنْتَ"، وَبِإِسْنَادٍ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=481أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=944532 "ثَلَاثَةٌ فِي ظِلِّ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمٌ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: رَجُلٌ حَيْثُ تَوَجَّهَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مَعَهُ " إِلَخْ .
وَمِنْ حَدِيثِ
سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ الْأَزْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوْصِنِي، قَالَ: nindex.php?page=treesubj&link=19535_19527 "أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ كَمَا تَسْتَحِي رَجُلًا صَالِحًا مِنْ صَالِحِي قَوْمِكَ "، وَرُوِّينَاهُ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=481أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
"اسْتَحِ مِنَ اللَّهِ اسْتِحْيَاؤُكَ مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ صَالِحِي عَشِيرَتِكَ هُمَا مَعَكَ لَا يُفَارِقَانِكَ " .