( الفرق السابع ) : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28847السيئات التي هي المصائب ليس لها سبب إلا ذنبه الذي من نفسه ، وما يصير من الخير لا تنحصر أسبابه ; لأنه من فضل الله يحصل بعمله وبغير عمله ، وعمله من إنعام الله عليه ، وهو سبحانه لا يجزيه بقدر العمل بل يضاعفه فلا يتوكل إلا على الله ولا يرجع إلا إليه ، فهو يستحق الشكر المطلق العام التام ، وإنما يستحق غيره من الشكر ما يكون جزاء على ما يسره الله على يديه من الخير ، كشكر الوالدين ; فإنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس ; لكن لا يبلغ من قول أحد وإنعامه أن يشكر بمعصية الله أو يطاع بمعصيته ; فإنه هو
[ ص: 225 ] المنعم .
قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1970&ayano=16وما بكم من نعمة فمن الله } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4531&ayano=45وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه } وجزاؤه على الطاعة والشكر وعلى المعصية والكفر لا يقدر أحد على مثله ، فلهذا لم يجز أن يطاع مخلوق في معصية الخالق ، وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3377&ayano=29ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما } الآية .
وفي الآية الأخرى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3515&ayano=31وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا }
. والمقصود أنه إذا عرف أن النعم كلها من الله صار توكله ورجاؤه له سبحانه ، وإذا علم ما يستحقه من الشكر الذي لا يستحقه غيره صار ، والشر انحصر سببه في النفس فعلم من أين يأتي فاستغفر واستعان بالله واستعاذ به مما لم يعمل بعد ; كما قال من قال من
السلف : لا يرجون عبد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه ، وهذا خلاف قول
الجهمية الذين يقولون : يعذب بلا ذنب ، ويخافونه ولو لم يذنبوا ، فإذا صدق بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } علم بطلان هذا القول .
وقد تقدم قول
ابن عباس وغيره : إن ما أصابهم يوم أحد كان بذنوبهم : لم يستثن من ذلك أحدا ; وهذا من فوائد تخصيص الخطاب لئلا يظن أنه عام مخصوص .
( الْفَرْقُ السَّابِعُ ) : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28847السَّيِّئَاتِ الَّتِي هِيَ الْمَصَائِبُ لَيْسَ لَهَا سَبَبٌ إلَّا ذَنْبُهُ الَّذِي مِنْ نَفْسِهِ ، وَمَا يَصِيرُ مِنْ الْخَيْرِ لَا تَنْحَصِرُ أَسْبَابُهُ ; لِأَنَّهُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ يَحْصُلُ بِعَمَلِهِ وَبِغَيْرِ عَمَلِهِ ، وَعَمَلُهُ مِنْ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَجْزِيهِ بِقَدْرِ الْعَمَلِ بَلْ يُضَاعِفُهُ فَلَا يَتَوَكَّلُ إلَّا عَلَى اللَّهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَّا إلَيْهِ ، فَهُوَ يَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ الْمُطْلَقَ الْعَامَّ التَّامَّ ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ مِنْ الشُّكْرِ مَا يَكُونُ جَزَاءً عَلَى مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ ، كَشُكْرِ الْوَالِدَيْنِ ; فَإِنَّهُ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ ; لَكِنْ لَا يَبْلُغُ مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ وَإِنْعَامِهِ أَنْ يَشْكُرَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ أَوْ يُطَاعَ بِمَعْصِيَتِهِ ; فَإِنَّهُ هُوَ
[ ص: 225 ] الْمُنْعِمُ .
قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1970&ayano=16وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4531&ayano=45وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ } وَجَزَاؤُهُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالشُّكْرِ وَعَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْكُفْرِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِهِ ، فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُطَاعَ مَخْلُوقٌ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ ، وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3377&ayano=29وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا } الْآيَةَ .
وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3515&ayano=31وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا }
. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إذَا عَرَفَ أَنَّ النِّعَمَ كُلَّهَا مِنْ اللَّهِ صَارَ تَوَكُّلُهُ وَرَجَاؤُهُ لَهُ سُبْحَانَهُ ، وَإِذَا عَلِمَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الشُّكْرِ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ صَارَ ، وَالشَّرُّ انْحَصَرَ سَبَبُهُ فِي النَّفْسِ فَعَلِمَ مِنْ أَيْنَ يَأْتِي فَاسْتَغْفَرَ وَاسْتَعَانَ بِاَللَّهِ وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِمَّا لَمْ يَعْمَلْ بَعْدُ ; كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ
السَّلَفِ : لَا يَرْجُوَنَّ عَبْدٌ إلَّا رَبَّهُ وَلَا يَخَافَنَّ إلَّا ذَنْبَهُ ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ
الجهمية الَّذِينَ يَقُولُونَ : يُعَذِّبُ بِلَا ذَنْبٍ ، وَيَخَافُونَهُ وَلَوْ لَمْ يُذْنِبُوا ، فَإِذَا صَدَّقَ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } عَلِمَ بُطْلَانَ هَذَا الْقَوْلِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ : إنَّ مَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ كَانَ بِذُنُوبِهِمْ : لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا ; وَهَذَا مِنْ فَوَائِدِ تَخْصِيصِ الْخِطَابِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ .