[ ص: 217 ] وقال شيخ الإسلام
أبو العباس تقي الدين بن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه : - فصل : في (
nindex.php?page=treesubj&link=28722الصفات الاختيارية وهي الأمور التي يتصف بها الرب عز وجل فتقوم بذاته بمشيئته وقدرته ; مثل كلامه وسمعه وبصره وإرادته ومحبته ورضاه ورحمته وغضبه وسخطه ; ومثل خلقه وإحسانه وعدله ; ومثل استوائه ومجيئه وإتيانه ونزوله ونحو ذلك من الصفات التي نطق بها الكتاب العزيز والسنة . "
فالجهمية " ومن وافقهم من "
المعتزلة " وغيرهم يقولون : لا يقوم بذاته شيء من هذه الصفات ولا غيرها . و "
الكلابية " ومن وافقهم من "
السالمية " وغيرهم يقولون : " تقوم صفات بغير مشيئته وقدرته ; فأما ما يكون بمشيئته وقدرته : فلا يكون إلا مخلوقا منفصلا عنه " .
[ ص: 218 ] وأما "
السلف وأئمة السنة والحديث " فيقولون : إنه متصف بذلك ; كما نطق به الكتاب والسنة ; وهو قول كثير من " أهل الكلام والفلسفة " أو أكثرهم كما ذكرنا أقوالهم بألفاظها في غير هذا الموضع . ومثل هذا : " الكلام " . فإن
السلف وأئمة السنة والحديث يقولون : يتكلم بمشيئته وقدرته ; وكلامه ليس بمخلوق ; بل كلامه صفة له قائمة بذاته . وممن ذكر أن ذلك قول أئمة السنة :
أبو عبد الله ابن منده وأبو عبد الله ابن حامد وأبو بكر عبد العزيز وأبو إسماعيل الأنصاري وغيرهم ; وكذلك ذكر
أبو عمر بن عبد البر نظير هذا في " الاستواء " وأئمة السنة -
كعبد الله بن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل والبخاري nindex.php?page=showalam&ids=14274وعثمان بن سعيد الدارمي ومن لا يحصى من الأئمة وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15703حرب بن إسماعيل الكرماني عن
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وسائر
أهل السنة والحديث - متفقون على أنه متكلم بمشيئته وأنه لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء .
وقد سمى الله القرآن العزيز حديثا فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4120&ayano=39الله نزل أحسن الحديث } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=584&ayano=4ومن أصدق من الله حديثا } . وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=2506&ayano=21ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595960إن الله يحدث من أمره ما يشاء } " وهذا مما احتج به
البخاري في صحيحه وفي غير صحيحه ; واحتج به غير
البخاري كنعيم بن حماد nindex.php?page=showalam&ids=15743وحماد بن زيد .
[ ص: 219 ] ومن المشهور عن
السلف : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29453_29455_29457_29458القرآن العزيز كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود . وأما "
الجهمية " و "
المعتزلة " فيقولون : ليس له كلام قائم بذاته ; بل كلامه منفصل عنه مخلوق عنه و "
المعتزلة " يطلقون القول : بأنه يتكلم بمشيئته ; ولكن مرادهم بذلك أنه يخلق كلاما منفصلا عنه . و "
الكلابية والسالمية " يقولون : إنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته ; بل كلامه قائم بذاته بدون قدرته ومشيئته مثل حياته ; وهم يقولون : الكلام صفة ذات ; لا صفة فعل يتعلق بمشيئته وقدرته ; وأولئك يقولون : هو صفة فعل ; لكن الفعل عندهم : هو المفعول المخلوق بمشيئته وقدرته .
وأما "
السلف وأئمة السنة " وكثير من أهل الكلام
كالهشامية والكرامية وأصحاب
أبي معاذ التومني وزهير اليامي وطوائف غير هؤلاء : يقولون : إنه " صفة ذات وفعل " هو يتكلم بمشيئته وقدرته كلاما قائما بذاته . وهذا هو المعقول من
nindex.php?page=treesubj&link=28743صفة الكلام لكل متكلم فكل من وصف بالكلام كالملائكة والبشر والجن وغيرهم : فكلامهم لا بد أن يقوم بأنفسهم وهم يتكلمون بمشيئتهم وقدرتهم . والكلام صفة كمال ; لا صفة نقص ومن تكلم بمشيئته أكمل ممن لا يتكلم بمشيئته ; فكيف يتصف المخلوق بصفات الكمال دون الخالق
[ ص: 220 ] ولكن "
الجهمية والمعتزلة " بنوا على " أصلهم " : أن الرب لا يقوم به صفة ; لأن ذلك بزعمهم يستلزم التجسيم والتشبيه الممتنع ; إذ الصفة عرض والعرض لا يقوم إلا بجسم .
و "
الكلابية " يقولون : هو متصف بالصفات التي ليس له عليها قدرة ولا تكون بمشيئته ; فأما ما يكون بمشيئته فإنه حادث والرب - تعالى - لا تقوم به الحوادث . ويسمون " الصفات الاختيارية " بمسألة " حلول الحوادث " فإنه إذا كلم
موسى بن عمران بمشيئته وقدرته وناداه حين أتاه بقدرته ومشيئته كان ذلك النداء والكلام حادثا . قالوا : فلو اتصف الرب به لقامت به الحوادث قالوا : ولو قامت به الحوادث لم يخل منها وما لم يخل من الحوادث فهو حادث ; قالوا : ولأن كونه قابلا لتلك الصفة إن كانت من لوازم ذاته كان قابلا لها في الأزل فيلزم جواز وجودها في الأزل والحوادث لا تكون في الأزل ; فإن ذلك يقتضي وجود حوادث لا أول لها وذلك محال : " لوجوه " قد ذكرت في غير هذا الموضع . قالوا : وبذلك استدللنا على حدوث الأجسام وبه عرفنا حدوث العالم وبذلك أثبتنا وجود المانع وصدق رسله ; فلو قدحنا في تلك لزم القدح في أصول " الإيمان " و " التوحيد " .
وإن لم يكن من لوازم ذاته صار قابلا لها بعد أن لم يكن قابلا فيكون
[ ص: 221 ] قابلا لتلك الصفة فيلزم التسلسل الممتنع . وقد بسطنا القول على عامة ما ذكروه في هذا الباب وبينا فساده وتناقضه على وجه لا تبقى فيه شبهة لمن فهم هذا الباب . وفضلاؤهم - وهم المتأخرون :
كالرازي والآمدي والطوسي والحلي وغيرهم - معترفون بأنه ليس لهم حجة عقلية على نفي ذلك ; بل ذكر
الرازي وأتباعه أن هذا القول يلزم جميع الطوائف ونصره في آخر كتبه : " كالمطالب العالية " - وهو من أكبر كتبه الكلامية الذي سماه " نهاية العقول في دراية الأصول " - لما عرف فساد قول النفاة لم يعتمد على ذلك في " مسألة القرآن " . فإن عمدتهم في " مسألة القرآن " إذا قالوا : لم يتكلم بمشيئته وقدرته - قالوا - لأن ذلك يستلزم حلول الحوادث ; فلما عرف فساد هذا الأصل لم يعتمد على ذلك في " مسألة القرآن " . فإن عمدتهم عليه ; بل استدل بإجماع مركب وهو دليل ضعيف إلى الغاية لأنه لم يكن عنده في نصر قول
الكلابية غيره ; وهذا مما يبين أنه وأمثاله تبين له فساد قول
الكلابية .
وكذلك "
الآمدي " ذكر في " أبكار الأفكار " ما يبطل قولهم وذكر أنه لا جواب عنه وقد كشفت هذه الأمور في مواضع ; وهذا معروف عند عامة العلماء حتى
الحلي بن المطهر ذكر في كتبه أن القول بنفي " حلول الحوادث " لا دليل عليه فالمنازع جاهل بالعقل والشرع .
[ ص: 222 ] وكذلك من قبل هؤلاء
كأبي المعالي وذويه إنما عمدتهم أن "
الكرامية " قالوا ذلك وتناقضوا فيبينون تناقض
الكرامية ويظنون أنهم إذا بينوا تناقض
الكرامية - وهم منازعوهم - فقد فلجوا ; ولم يعلموا أن
السلف وأئمة السنة والحديث - بل من قبل
الكرامية من الطوائف - لم تكن تلتفت إلى
الكرامية وأمثالهم ; بل تكلموا بذلك قبل أن تخلق
الكرامية : فإن
ابن كرام كان متأخرا بعد
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل في زمن
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج وطبقته وأئمة السنة والمتكلمون تكلموا بهذه قبل هؤلاء وما زال
السلف يقولون بموجب ذلك . لكن لما ظهرت "
الجهمية النفاة " في أوائل المائة الثانية بين علماء المسلمين ضلالهم وخطاؤهم ; ثم ظهر رعنة
الجهمية في أوائل المائة الثالثة وامتحن " العلماء " :
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيره فجردوا الرد على
الجهمية وكشف ضلالهم حتى جرد
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد الآيات التي من القرآن تدل على بطلان قولهم وهي كثيرة جدا .
بل
nindex.php?page=treesubj&link=28722الآيات التي تدل على " الصفات الاختيارية " التي يسمونها " حلول الحوادث " كثيرة جدا وهذا كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=972&ayano=7ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا } فهذا بين في أنه إنما أمر الملائكة بالسجود بعد خلق
آدم ; لم يأمرهم في الأزل ; وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=355&ayano=3إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } فإنما قال له : بعد أن خلقه من تراب ; لا في الأزل .
[ ص: 223 ] وكذلك قوله في " قصة
موسى " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3194&ayano=27فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3310&ayano=28فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين } فهذا بين في أنه إنما ناداه حين جاء لم يكن النداء في الأزل كما يقوله "
الكلابية " يقولون : إن النداء قائم بذات الله في الأزل وهو لازم لذاته لم يزل ولا يزال مناديا له لكنه لما أتى خلق فيه إدراكا لما كان موجودا في الأزل . ثم من قال منهم إن الكلام معنى واحد : منهم من قال : سمع ذلك المعنى بأذنه كما يقول
الأشعري ومنهم من يقول : بل أفهم منه ما أفهم ; كما يقوله :
القاضي أبو بكر وغيره فقيل لهم : عندكم هو معنى واحد لا يتبعض ولا يتعدد
فموسى فهم المعنى كله أو بعضه ؟ إن قلتم كله فقد علم علم الله كله وإن قلتم بعضه فقد تبعض وعندكم لا يتبعض . ومن قال من أتباع "
الكلابية " : بأن النداء وغيره من الكلام القديم حروف أو حروف وأصوات لازمة لذات الرب كما تقوله "
السالمية " ومن وافقهم يقولون : إنه يخلق له إدراكا لتلك الحروف والأصوات ; والقرآن والسنة وكلام
السلف قاطبة يقتضي أنه إنما ناداه وناجاه حين أتى ; لم يكن النداء موجودا قبل ذلك فضلا عن أن يكون قديما أزليا .
وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=983&ayano=7فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين } . وهذا يدل على أنه لما أكلا منها ناداهما لم ينادهما قبل ذلك . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3345&ayano=28ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين } . {
nindex.php?page=tafseer&surano=3342&ayano=28ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون } . فجعل النداء في يوم معين وذلك اليوم حادث كائن بعد أن لم يكن وهو حينئذ يناديهم ; لم ينادهم قبل ذلك . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=675&ayano=5يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد } . فبين أنه يحكم فيحلل ما يريد ويحرم ما يريد ويأمر بما يريد ; فجعل التحليل والتحريم والأمر والنهي متعلقا بإرادته وينهى بإرادته ويحلل بإرادته ويحرم بإرادته ; و "
الكلابية " يقولون : ليس شيء من ذلك بإرادته ; بل قديم لازم لذاته غير مراد له ولا مقدور . و "
المعتزلة مع
الجهمية " يقولون : كل ذلك مخلوق منفصل عنه ليس له كلام قائم به لا بإرادته ولا بغير إرادته ومثل هذا كثير في القرآن العزيز .
[ ص: 217 ] وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
أَبُو الْعَبَّاسِ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ : - فَصْلٌ : فِي (
nindex.php?page=treesubj&link=28722الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَهِيَ الْأُمُورُ الَّتِي يَتَّصِفُ بِهَا الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ فَتَقُومُ بِذَاتِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ; مِثْلُ كَلَامِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَرَحْمَتِهِ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ ; وَمِثْلُ خَلْقِهِ وَإِحْسَانِهِ وَعَدْلِهِ ; وَمِثْلُ اسْتِوَائِهِ وَمَجِيئِهِ وَإِتْيَانِهِ وَنُزُولِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا الْكِتَابُ الْعَزِيزُ وَالسُّنَّةُ . "
فالجهمية " وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ "
الْمُعْتَزِلَةِ " وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ : لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَلَا غَيْرِهَا . وَ "
الكلابية " وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ "
السالمية " وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ : " تَقُومُ صِفَاتٌ بِغَيْرِ مَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ; فَأَمَّا مَا يَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ : فَلَا يَكُونُ إلَّا مَخْلُوقًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ " .
[ ص: 218 ] وَأَمَّا "
السَّلَفُ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ " فَيَقُولُونَ : إنَّهُ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ ; كَمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ; وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ " أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ " أَوْ أَكْثَرُهُمْ كَمَا ذَكَرْنَا أَقْوَالَهُمْ بِأَلْفَاظِهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَمِثْلُ هَذَا : " الْكَلَامِ " . فَإِنَّ
السَّلَفَ وَأَئِمَّةَ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ يَقُولُونَ : يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ; وَكَلَامُهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقِ ; بَلْ كَلَامُهُ صِفَةٌ لَهُ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ . وَمِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ :
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ منده وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَأَبُو إسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ ; وَكَذَلِكَ ذَكَرَ
أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ نَظِيرَ هَذَا فِي " الِاسْتِوَاءِ " وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ -
كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبُخَارِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14274وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدارمي وَمَنْ لَا يُحْصَى مِنْ الْأَئِمَّةِ وَذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15703حَرْبُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الكرماني عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16000سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَسَائِرُ
أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ - مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِمَشِيئَتِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ .
وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْقُرْآنَ الْعَزِيزَ حَدِيثًا فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4120&ayano=39اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=584&ayano=4وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا } . وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2506&ayano=21مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ } . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595960إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ } " وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ
الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَفِي غَيْرِ صَحِيحِهِ ; وَاحْتَجَّ بِهِ غَيْرُ
الْبُخَارِيِّ كَنَعِيمِ بْنِ حَمَّادٍ nindex.php?page=showalam&ids=15743وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ .
[ ص: 219 ] وَمِنْ الْمَشْهُورِ عَنْ
السَّلَفِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29453_29455_29457_29458الْقُرْآنَ الْعَزِيزَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرَ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ . وَأَمَّا "
الجهمية " وَ "
الْمُعْتَزِلَةُ " فَيَقُولُونَ : لَيْسَ لَهُ كَلَامٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ ; بَلْ كَلَامُهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ مَخْلُوقٌ عَنْهُ وَ "
الْمُعْتَزِلَةُ " يُطْلِقُونَ الْقَوْلَ : بِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ ; وَلَكِنَّ مُرَادَهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَخْلُقُ كَلَامًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ . وَ "
الكلابية والسالمية " يَقُولُونَ : إنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ; بَلْ كَلَامُهُ قَائِمٌ بِذَاتِهِ بِدُونِ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ مِثْلُ حَيَاتِهِ ; وَهُمْ يَقُولُونَ : الْكَلَامُ صِفَةُ ذَاتٍ ; لَا صِفَةُ فِعْلٍ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ; وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ : هُوَ صِفَةُ فِعْلٍ ; لَكِنَّ الْفِعْلَ عِنْدَهُمْ : هُوَ الْمَفْعُولُ الْمَخْلُوقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ .
وَأَمَّا "
السَّلَفُ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ " وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ
كالهشامية والكرامية وَأَصْحَابِ
أَبِي مُعَاذٍ التومني وَزُهَيْرِ اليامي وَطَوَائِفَ غَيْرِ هَؤُلَاءِ : يَقُولُونَ : إنَّهُ " صِفَةُ ذَاتٍ وَفِعْلٍ " هُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَلَامًا قَائِمًا بِذَاتِهِ . وَهَذَا هُوَ الْمَعْقُولُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28743صِفَةِ الْكَلَامِ لِكُلِّ مُتَكَلِّمٍ فَكُلُّ مَنْ وُصِفَ بِالْكَلَامِ كَالْمَلَائِكَةِ وَالْبَشَرِ وَالْجِنِّ وَغَيْرِهِمْ : فَكَلَامُهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِأَنْفُسِهِمْ وَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِمَشِيئَتِهِمْ وَقُدْرَتِهِمْ . وَالْكَلَامُ صِفَةُ كَمَالٍ ; لَا صِفَةُ نَقْصٍ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِمَشِيئَتِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ ; فَكَيْفَ يَتَّصِفُ الْمَخْلُوقُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ دُونَ الْخَالِقِ
[ ص: 220 ] وَلَكِنَّ "
الجهمية وَالْمُعْتَزِلَةَ " بَنَوْا عَلَى " أَصْلِهِمْ " : أَنَّ الرَّبَّ لَا يَقُومُ بِهِ صِفَةٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ بِزَعْمِهِمْ يَسْتَلْزِمُ التَّجْسِيمَ وَالتَّشْبِيهَ الْمُمْتَنِعَ ; إذْ الصِّفَةُ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ لَا يَقُومُ إلَّا بِجِسْمِ .
وَ "
الكلابية " يَقُولُونَ : هُوَ مُتَّصِفٌ بِالصِّفَاتِ الَّتِي لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا قُدْرَةٌ وَلَا تَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ ; فَأَمَّا مَا يَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ فَإِنَّهُ حَادِثٌ وَالرَّبُّ - تَعَالَى - لَا تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ . وَيُسَمُّونَ " الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةَ " بِمَسْأَلَةِ " حُلُولِ الْحَوَادِثِ " فَإِنَّهُ إذَا كَلَّمَ
مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَنَادَاهُ حِينَ أَتَاهُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ كَانَ ذَلِكَ النِّدَاءُ وَالْكَلَامُ حَادِثًا . قَالُوا : فَلَوْ اتَّصَفَ الرَّبُّ بِهِ لَقَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ قَالُوا : وَلَوْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ ; قَالُوا : وَلِأَنَّ كَوْنَهُ قَابِلًا لِتِلْكَ الصِّفَةِ إنْ كَانَتْ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ كَانَ قَابِلًا لَهَا فِي الْأَزَلِ فَيَلْزَمُ جَوَازُ وُجُودِهَا فِي الْأَزَلِ وَالْحَوَادِثُ لَا تَكُونُ فِي الْأَزَلِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُودَ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا وَذَلِكَ مُحَالٌ : " لِوُجُوهِ " قَدْ ذُكِرَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . قَالُوا : وَبِذَلِكَ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ وَبِهِ عَرَفْنَا حُدُوثَ الْعَالَمِ وَبِذَلِكَ أَثْبَتْنَا وُجُودَ الْمَانِعِ وَصِدْقَ رُسُلِهِ ; فَلَوْ قَدَحْنَا فِي تِلْكَ لَزِمَ الْقَدْحُ فِي أُصُولِ " الْإِيمَانِ " وَ " التَّوْحِيدِ " .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ صَارَ قَابِلًا لَهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَابِلًا فَيَكُونُ
[ ص: 221 ] قَابِلًا لِتِلْكَ الصِّفَةِ فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ الْمُمْتَنِعُ . وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ عَلَى عَامَّةِ مَا ذَكَرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَبَيَّنَّا فَسَادَهُ وَتَنَاقُضَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا تَبْقَى فِيهِ شُبْهَةٌ لِمَنْ فَهِمَ هَذَا الْبَابَ . وَفُضَلَاؤُهُمْ - وَهُمْ الْمُتَأَخِّرُونَ :
كالرازي والآمدي والطوسي وَالْحُلِيِّ وَغَيْرِهِمْ - مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ عَقْلِيَّةٌ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ ; بَلْ ذَكَرَ
الرازي وَأَتْبَاعُهُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَلْزَمُ جَمِيعَ الطَّوَائِفِ وَنَصَرَهُ فِي آخِرِ كُتُبِهِ : " كَالْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ " - وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ كُتُبِهِ الْكَلَامِيَّةِ الَّذِي سَمَّاهُ " نِهَايَةَ الْعُقُولِ فِي دِرَايَةِ الْأُصُولِ " - لَمَّا عَرَفَ فَسَادَ قَوْلِ النفاة لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى ذَلِكَ فِي " مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ " . فَإِنَّ عُمْدَتَهُمْ فِي " مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ " إذَا قَالُوا : لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ - قَالُوا - لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ حُلُولَ الْحَوَادِثِ ; فَلَمَّا عَرَفَ فَسَادَ هَذَا الْأَصْلِ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى ذَلِكَ فِي " مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ " . فَإِنَّ عُمْدَتَهُمْ عَلَيْهِ ; بَلْ اسْتَدَلَّ بِإِجْمَاعِ مُرَكَّبٍ وَهُوَ دَلِيلٌ ضَعِيفٌ إلَى الْغَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِي نَصْرِ قَوْلِ
الكلابية غَيْرُهُ ; وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ وَأَمْثَالُهُ تَبَيَّنَ لَهُ فَسَادُ قَوْلِ
الكلابية .
وَكَذَلِكَ "
الآمدي " ذَكَرَ فِي " أَبْكَارِ الْأَفْكَارِ " مَا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا جَوَابَ عَنْهُ وَقَدْ كَشَفْت هَذِهِ الْأُمُورَ فِي مَوَاضِعَ ; وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى
الْحُلِيُّ بْنُ الْمُطَهَّرِ ذَكَرَ فِي كُتُبِهِ أَنَّ الْقَوْلَ بِنَفْيِ " حُلُولِ الْحَوَادِثِ " لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَالْمُنَازِعُ جَاهِلٌ بِالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ .
[ ص: 222 ] وَكَذَلِكَ مَنْ قَبْلُ هَؤُلَاءِ
كَأَبِي الْمَعَالِي وَذَوِيهِ إنَّمَا عُمْدَتُهُمْ أَنَّ "
الكرامية " قَالُوا ذَلِكَ وَتَنَاقَضُوا فَيُبَيِّنُونَ تَنَاقُضَ
الكرامية وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إذَا بَيَّنُوا تَنَاقُضَ
الكرامية - وَهُمْ مُنَازِعُوهُمْ - فَقَدْ فَلَجُوا ; وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ
السَّلَفَ وَأَئِمَّةَ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ - بَلْ مِنْ قَبْلِ
الكرامية مِنْ الطَّوَائِفِ - لَمْ تَكُنْ تَلْتَفِتُ إلَى
الكرامية وَأَمْثَالِهِمْ ; بَلْ تَكَلَّمُوا بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ
الكرامية : فَإِنَّ
ابْنَ كَرَّامٍ كَانَ مُتَأَخِّرًا بَعْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي زَمَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَطَبَقَتِهِ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ والمتكلمون تَكَلَّمُوا بِهَذِهِ قَبْلَ هَؤُلَاءِ وَمَا زَالَ
السَّلَفُ يَقُولُونَ بِمُوجَبِ ذَلِكَ . لَكِنْ لَمَّا ظَهَرَتْ "
الجهمية النفاة " فِي أَوَائِلِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ضُلَّالُهُمْ وَخُطَّاؤُهُمْ ; ثُمَّ ظَهَرَ رَعْنَةُ
الجهمية فِي أَوَائِلِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ وَامْتَحَنَ " الْعُلَمَاءُ " :
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامَ أَحْمَدُ وَغَيْرَهُ فَجَرَّدُوا الرَّدَّ عَلَى
الجهمية وَكَشْفِ ضُلَّالِهِمْ حَتَّى جَرَّدَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْآيَاتِ الَّتِي مِنْ الْقُرْآنِ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا .
بَلْ
nindex.php?page=treesubj&link=28722الْآيَاتُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى " الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ " الَّتِي يُسَمُّونَهَا " حُلُولَ الْحَوَادِثِ " كَثِيرَةٌ جِدًّا وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=972&ayano=7وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا } فَهَذَا بَيِّنٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ بَعْدَ خَلْقِ
آدَمَ ; لَمْ يَأْمُرْهُمْ فِي الْأَزَلِ ; وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=355&ayano=3إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } فَإِنَّمَا قَالَ لَهُ : بَعْدَ أَنْ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ; لَا فِي الْأَزَلِ .
[ ص: 223 ] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي " قِصَّةِ
مُوسَى " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3194&ayano=27فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3310&ayano=28فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } فَهَذَا بَيِّنٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا نَادَاهُ حِينَ جَاءَ لَمْ يَكُنْ النِّدَاءُ فِي الْأَزَلِ كَمَا يَقُولُهُ "
الكلابية " يَقُولُونَ : إنَّ النِّدَاءَ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ فِي الْأَزَلِ وَهُوَ لَازِمٌ لِذَاتِهِ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مُنَادِيًا لَهُ لَكِنَّهُ لَمَّا أَتَى خَلَقَ فِيهِ إدْرَاكًا لِمَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الْأَزَلِ . ثُمَّ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ إنَّ الْكَلَامَ مَعْنًى وَاحِدٌ : مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : سَمِعَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِأُذُنِهِ كَمَا يَقُولُ
الْأَشْعَرِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : بَلْ أَفْهَمُ مِنْهُ مَا أَفْهَمُ ; كَمَا يَقُولُهُ :
الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ فَقِيلَ لَهُمْ : عِنْدَكُمْ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَعَدَّدُ
فَمُوسَى فَهِمَ الْمَعْنَى كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ ؟ إنْ قُلْتُمْ كُلَّهُ فَقَدْ عَلِمَ عِلْمَ اللَّهِ كُلَّهُ وَإِنْ قُلْتُمْ بَعْضَهُ فَقَدْ تَبَعَّضَ وَعِنْدَكُمْ لَا يَتَبَعَّضُ . وَمَنْ قَالَ مِنْ أَتْبَاعِ "
الكلابية " : بِأَنَّ النِّدَاءَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ الْقَدِيمِ حُرُوفٌ أَوْ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ لَازِمَةٌ لِذَاتِ الرَّبِّ كَمَا تَقُولهُ "
السالمية " وَمَنْ وَافَقَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّهُ يَخْلُقُ لَهُ إدْرَاكًا لِتِلْكَ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ ; وَالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامُ
السَّلَفِ قَاطِبَةً يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا نَادَاهُ وَنَاجَاهُ حِينَ أَتَى ; لَمْ يَكُنْ النِّدَاءُ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا أَزَلِيًّا .
وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=983&ayano=7فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ } . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا أَكَلَا مِنْهَا نَادَاهُمَا لَمْ يُنَادِهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3345&ayano=28وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ } . {
nindex.php?page=tafseer&surano=3342&ayano=28وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } . فَجَعَلَ النِّدَاءَ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ وَذَلِكَ الْيَوْمُ حَادِثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ حِينَئِذٍ يُنَادِيهِمْ ; لَمْ يُنَادِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=675&ayano=5يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } . فَبَيَّنَ أَنَّهُ يَحْكُمُ فَيُحَلِّلُ مَا يُرِيدُ وَيُحَرِّمُ مَا يُرِيدُ وَيَأْمُرُ بِمَا يُرِيدُ ; فَجَعَلَ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مُتَعَلِّقًا بِإِرَادَتِهِ وَيَنْهَى بِإِرَادَتِهِ وَيُحَلِّلُ بِإِرَادَتِهِ وَيُحَرِّمُ بِإِرَادَتِهِ ; وَ "
الكلابية " يَقُولُونَ : لَيْسَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِإِرَادَتِهِ ; بَلْ قَدِيمٌ لَازِمٌ لِذَاتِهِ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ وَلَا مَقْدُورٍ . وَ "
الْمُعْتَزِلَةُ مَعَ
الجهمية " يَقُولُونَ : كُلُّ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ لَيْسَ لَهُ كَلَامٌ قَائِمٌ بِهِ لَا بِإِرَادَتِهِ وَلَا بِغَيْرِ إرَادَتِهِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ .