وكل بدعة ليست واجبة ولا مستحبة فهي بدعة سيئة وهي ضلالة باتفاق المسلمين ومن فإنما ذلك إذا قام دليل شرعي أنها مستحبة فأما ما ليس بمستحب ولا واجب فلا يقول أحد من المسلمين إنها من الحسنات التي يتقرب بها إلى الله . ومن قال في بعض البدع إنها بدعة حسنة فهو ضال متبع للشيطان وسبيله من سبيل الشيطان كما { تقرب إلى الله بما ليس من الحسنات المأمور بها أمر إيجاب ولا استحباب : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال : هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ : { عبد الله بن مسعود وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } } . فهذا أصل جامع يجب على كل من آمن بالله ورسوله أن يتبعه ولا يخالف السنة المعلومة وسبيل السابقين الأولين من قال المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان باتباع من خالف السنة والإجماع القديم لا سيما وليس معه في بدعته إمام من أئمة المسلمين ولا مجتهد يعتمد على قوله في الدين ولا من [ ص: 163 ] يعتبر قوله في مسائل الإجماع والنزاع فلا ينخرم الإجماع بمخالفته ولا يتوقف الإجماع على موافقته . ولو قدر أنه نازع في ذلك عالم مجتهد لكان مخصوما بما عليه السنة المتواترة وباتفاق الأئمة قبله فكيف إذا كان المنازع ليس من المجتهدين ولا معه دليل شرعي وإنما اتبع من تكلم في الدين بلا علم ويجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير . بل إن النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه لم يشرع هذا فليس هو واجبا ولا مستحبا فإنه قد حرم ذلك وحرم ما يفضي إليه كما حرم : ففي صحيح اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد مسلم عن جندب بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس { } . إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك
وفي الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل موته : { اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } يحذر ما فعلوا قالت لعن الله عائشة : ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا . واتخاذ المكان مسجدا هو أن يتخذ للصلوات الخمس وغيرها كما تبنى المساجد لذلك والمكان المتخذ مسجدا إنما يقصد فيه عبادة الله ودعاؤه لا دعاء المخلوقين . فحرم صلى الله عليه وسلم أن تتخذ قبورهم مساجد بقصد الصلوات فيها كما تقصد المساجد وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده لأن ذلك [ ص: 164 ] ذريعة إلا أن يقصدوا المسجد لأجل صاحب القبر ودعائه والدعاء به والدعاء عنده فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده لئلا يتخذ ذريعة إلى الشرك بالله . والفعل إذا كان يفضي إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة ينهى عنه ; كما نهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة لما في ذلك من المفسدة الراجحة : وهو التشبه بالمشركين الذي يفضي إلى الشرك . وليس في قصد الصلاة في تلك الأوقات مصلحة راجحة لإمكان التطوع في غير ذلك من الأوقات . ولهذا تنازع العلماء في ذوات الأسباب فسوغها كثير منهم في هذه الأوقات وهو أظهر قولي العلماء لأن النهي إذا كان لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة وفعل ذوات الأسباب يحتاج إليه في هذه الأوقات ويفوت إذا لم يفعل فيها فتفوت مصلحتها فأبيحت لما فيها من المصلحة الراجحة ; بخلاف ما لا سبب له فإنه يمكن فعله في غير هذا الوقت فلا تفوت بالنهي عنه مصلحة راجحة وفيه مفسدة توجب النهي عنه . فإذا كان نهيه عن الصلاة في هذه الأوقات لسد ذريعة الشرك لئلا يفضي ذلك إلى السجود للشمس ودعائها وسؤالها - كما يفعله أهل دعوة الشمس والقمر والكواكب الذين يدعونها ويسألونها - كان معلوما أن هو محرم في نفسه أعظم تحريما من الصلاة التي نهى عنها لئلا يفضي إلى دعاء الكواكب . كذلك لما نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد - فنهى عن [ ص: 165 ] قصدها للصلاة عندها لئلا يفضي ذلك إلى دعائهم والسجود لهم - كان دعاؤهم والسجود لهم أعظم تحريما من اتخاذ قبورهم مساجد . دعوة الشمس والسجود لها