ولما ذكرت : أن جميع : تنازع كبيران هل هو مقول بالاشتراك أو بالتواطؤ ؟ فقال أحدهما هو متواطئ . وقال آخر هو مشترك لئلا يلزم التركيب . وقال هذا : قد ذكر أسماء الله التي يسمى بها المخلوق - كلفظ " الوجود " : الذي هو مقول بالحقيقة على الواجب والممكن أن هذا النزاع مبني على أن وجوده هل هو عين ماهيته أم لا ؟ فمن قال : إن وجود كل شيء عين ماهيته قال : إنه مقول بالاشتراك ومن قال إن وجوده قدر زائد على ماهيته قال : إنه مقول بالتواطؤ فأخذ الأول يرجح قول من يقول : إن الوجود زائد على الماهية لينصر أنه مقول بالتواطؤ فقال الثاني : مذهب فخر الدين الأشعري وأهل السنة أن وجوده عين ماهيته ; فأنكر الأول ذلك .
فقلت : أما متكلمو أهل السنة فعندهم أن وجود كل شيء عين ماهيته ; وأما القول الآخر : فهو قول المعتزلة : أن وجود كل شيء قدر زائد على ماهيته . وكل منهما أصاب من وجه ; فإن الصواب أن هذه الأسماء مقولة بالتواطؤ . كما قد قررته في غير هذا الموضع .
[ ص: 201 ] وأما بناء ذلك على كون وجود الشيء عين ماهيته أو ليس [ عين وجود ماهيته ] فهو من الغلط المضاف إلى ابن الخطيب ; فإنا وإن قلنا إن وجود الشيء عين ماهيته : لا يجب أن يكون الاسم مقولا عليه وعلى غيره بالاشتراك اللفظي فقط ; كما في جميع أسماء الأجناس : فإن اسم السواد مقول على هذا السواد وهذا السواد بالتواطؤ وليس عين هذا السواد هو عين هذا السواد ; إذ الاسم دال على القدر المشترك بينهما وهو المطلق الكلي ; لكنه لا يوجد مطلقا بشرط الإطلاق إلا في الذهن . ولا يلزم من ذلك نفي القدر المشترك بين الأعيان الموجودة في الخارج فإنه على ذلك تنتفي " الأسماء المتواطئة " وهي جمهور الأسماء الموجودة في اللغات وهي " أسماء الأجناس اللغوية " وهو الاسم المعلق على الشيء وما أشبهه - سواء كان اسم عين أو اسم صفة جامدا أو مشتقا وسواء كان جنسا منطقيا أو فقهيا أو لم يكن . بل اسم الجنس في اللغة تدخل فيه الأجناس والأصناف والأنواع ونحو ذلك . وكلها أسماء متواطئة وأعيان مسمياتها في الخارج متميزة .
قال الذهبي : ثم وقع الاتفاق على أن هذا معتقد سلفي جيد .