[ ص: 407 ] فصل
nindex.php?page=treesubj&link=60الترتيب في الوضوء وغيره من العبادات والعقود : النزاع فيه مشهور .
فمذهب
الشافعي وأحمد : يجب . ومذهب
مالك وأبي حنيفة : لا يجب .
وأحمد قد نص على وجوبه نصوصا متعددة . ولم يذكر المتقدمون - كالقاضي ومن قبله - عنه نزاعا .
قال
أبو محمد : لم أر عنه فيه خلافا .
قال : وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب : رواية أخرى عن
أحمد : أنه غير واجب .
قلت : هذه أخذت من نصه في القبضة للاستنشاق فلو أخر غسلها إلى ما بعد غسل الرجلين : ففيه عن
أحمد روايتان منصوصتان . فإنه قال في إحدى الروايتين : إنه لو نسيهما حتى صلى : تمضمض واستنشق وأعاد الصلاة ولم يعد الوضوء ; لما في السنن عن
المقدام بن معديكرب {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598714أنه أتي بوضوء . فغسل كفيه ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثم تمضمض واستنشق } .
[ ص: 408 ] فغير
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبي الخطاب فرق بينهما وبين غيرهما بأن الترتيب إنما يجب فيما ذكر في القرآن . وهما ليسا في القرآن .
nindex.php?page=showalam&ids=11851وأبو الخطاب - ومن تبعه - رأوا هذا فرقا ضعيفا .
فإن الأنف والفم لو لم يكونا من الوجه لما وجب غسلهما . ولهذا خرج الأصحاب : أنهما من الوجه . كما قال
الخرقي وغيره " والفم والأنف من الوجه " ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بهما غسل الوجه . يبدأ بغسل ما بطن منه . وقدم المضمضة لأن الفم أقرب إلى الظاهر من الأنف . ولهذا كان الأمر به أوكد . وجاءت الأحاديث الصحيحة بالأمر به . ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل سائر الوجه .
فإذا قيل بوجوبهما مع النزاع فهما كسائر ما نوزع فيه . مثل البياض الذي بين العذار والأذن
فمالك وغيره يقول : ليس من الوجه . وفي النزعتين والتحذيف ثلاثة أوجه .
قيل : هما من الرأس . وقيل : من الوجه .
والصحيح : أن النزعتين من الرأس والتحذيف من الوجه . فلو نسي ذلك فهو كما لو نسي المضمضة والاستنشاق .
فتسوية
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبي الخطاب أقوى .
[ ص: 409 ] وعلى هذا :
فأحمد إنما نص على من ترك ذلك ناسيا . ولهذا قيل له : نسي المضمضة وحدها ؟ فقال : الاستنشاق عندي أوكد . يعني إذا نسي ذلك وصلى . قال : يغسلهما ويعيد الصلاة والإعادة إذا ترك الاستنشاق عنده أوكد للأمر به في الأحاديث الصحيحة . وكذلك الحديث المرفوع فإن جميع من نقل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أخبروا : أنه بدأ بهما .
وهذا حكى فعلا واحدا . فلا يمكن الجزم بأنه كان متعمدا .
وحينئذ فليس في تأخيرهما عمدا سنة بل السنة في النسيان . فإن النسيان متيقن . فإن الظاهر : أنه كان ناسيا إذا قدر الشك . فإذا جاز مع التعمد فمع النسيان أولى . فالناسي معذور بكل حال . بخلاف المتعمد . وهو القول الثالث . وهو الفرق بين المتعمد لتنكيس الوضوء وبين المعذور بنسيان أو جهل . وهو أرجح الأقوال . وعليه يدل كلام الصحابة وجمهور العلماء .
وهو الموافق لأصول المذهب في غير هذا الموضع . وهو المنصوص عن
أحمد في الصورة التي خرج منها
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب .
فمن ذلك : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=28641_3736أخل بالترتيب بين الذبح والحلق . فإن الجاهل يعذر بلا خلاف في المذهب . وأما العالم المتعمد : فعنه روايتان
[ ص: 410 ] والسنة إنما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يسأل عن ذلك ؟ فيقول : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13674افعل ولا حرج } لأنهم قدموا وأخروا بلا علم . لم يتعمدوا المخالفة للسنة . وإلا فالقرآن قد جاء بالترتيب لقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=205&ayano=2ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } وقال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598715إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل وأحلق حتى أنحر } .
وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=2646&ayano=22ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } أدل على الترتيب من قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=167&ayano=2إن الصفا والمروة من شعائر الله } .
لكن يقال : قد فرقوا بأن هذه عبادة واحدة مرتبط بعضها ببعض وتلك عبادات كالحج والعمرة والصلاة والزكاة .
وهكذا فرق
أبو بكر عبد العزيز بين الوضوء وغيره . فقال : ذاك كله من الحج : الدماء والذبح والحلق والطواف . والحج عبادة واحدة . ولهذا متى وطئ قبل التحلل الأول فسد الحج عند الجمهور . وهل يحصل كالدم وحده أو كالدم والحلق ؟ على روايتين .
ومنها : إذا نسي بعض آيات السورة في قيام رمضان . فإنه لا يعيدها ولا يعيد ما بعدها مع أنه لو تعمد تنكيس آيات السورة
[ ص: 411 ] في الإضافة بل دلالة الإضافة على معناه كدلالة سائر الألفاظ المضافة فكل لفظ أضيف إلى لفظ دل على معنى يختص ذلك المضاف إليه فكما إذا قيل : يد زيد ورأسه : وعلمه ودينه ; وقوله وحكمه وخبره : دل على ما يختص به وإن لم يكن دين زيد مثل دين عمرو ; بل دين هذا الكفر ودين هذا الإسلام ولا حكمه مثل حكمه ; بل هذا الحكم بالجور وهذا الحكم بالعدل ولا خبره مثل خبره ; بل خبر هذا صدق وخبر هذا كذب ; وكذلك إذا قيل : لون هذا ولون هذا كان لون كل منهما يختص به وإن كان هذا أسود وهذا أبيض . فقد كان لون اللفظ المضاف واحدا مع اختلاف الحقائق في الموضعين ; كالسواد والبياض وإنما يميز لون أحدهما عن الآخر بإضافته إلى ما يميزه .
فإن قيل : لفظ الكون والدين والخبر ونحو ذلك عند الإطلاق يعم هذه الأنواع ; فكانت عامة ; وتسمى متواطئة ; بخلاف لفظ الرأس والظهر والجناح فإنها عند الإطلاق إنما تنصرف إلى أعضاء الحيوان .
قيل : فهب أن الأمر كذلك ; أليست بالإضافة اختصت ؟ فكانت عامة مطلقة ثم تخصصت بالإضافة أو التعريف فهي من باب اللفظ العام إذا خص بإضافة أو تعريف . وتخصيصه بذلك كتخصيصه بالصفة والاستثناء ; والبدل والغاية كما يقال : اللون الأحمر والخبر الصادق
[ ص: 412 ] والزهري والأوزاعي فيمن نسي مسح رأسه فرأى في لحيته بللا . فمسح به رأسه فلم يأمروه بإعادة غسل رجليه . واختاره
ابن المنذر .
وقد نقل عن
علي وابن مسعود " ما أبالي بأي أعضائي بدأت " قال
أحمد : إنما عنى به اليسرى على اليمنى ; لأن مخرجهما من الكتاب واحد .
ثم قال
أحمد : حدثني
جرير عن
قابوس عن أبيه " أن
عليا سئل فقيل له : أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شيء ؟ فقال : لا حتى يكون كما أمره الله تعالى " فهذا الذي ذكره
أحمد عن
علي يدل على وجوب الترتيب .
وما نقله
ابن المنذر في صورة النسيان : يدل على أن الترتيب يسقط مع النسيان ويعيد المنسي فقط .
فدل على أن التفصيل قول
علي .
رضي الله عنه وقد ذكر من أسقطه مطلقا : ما روي عن
ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : " لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك " .
لكن قال
أحمد وغيره : لا نعرف لهذا أصلا ; ونقلوا في الوجوب
[ ص: 413 ] عن
سعيد بن المسيب وعطاء والحسن . وهؤلاء أئمة التابعين .
وصورة النسيان مرادة قطعا . فتبين أنها قول جمهور السلف أو جميعهم .
والأمر المنكر : أن تتعمد
nindex.php?page=treesubj&link=60تنكيس الوضوء . فلا ريب أن هذا مخالف لظاهر الكتاب مخالف للسنة المتواترة . فإن هذا لو كان جائزا لكان قد وقع أحيانا أو تبين جوازه - كما في ترتيب التسبيح - لما قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598716أفضل الكلام - بعد القرآن - أربع . وهن من القرآن : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . لا يضرك بأيتهن بدأت } .
ومما يدل على ذلك شرعا ومذهبا : أن
nindex.php?page=treesubj&link=1408من نسي صلاة صلاها إذا ذكرها بالنص .
وقد سقط الترتيب هنا في مذهب
أحمد بلا خلاف ومذهب
أبي حنيفة وغيره .
ولكن حكي عن
مالك : أنه لا يسقط . وقاسوا ذلك على ترتيب الطهارة .
[ ص: 414 ] وقول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598717من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } نص في أنه يصليها في أي وقت ذكر . وليس عليه غير ذلك .
وقد سلم الأصحاب : أن ترتيب الجمع لا يسقط بالنسيان .
وعموم الحديث يدل على سقوطه . فلو كانت المنسية هي الأولى من صلاتي الجمع : أعادها وحدها بموجب النص . ومن أوجب إعادة الثانية فقد خالف .
وكذلك يقال في سائر أهل الأعذار كالمسبوق إذا أدركهم في الثانية : صلاها معهم ثم صلى الأولى . كما لو أدرك بعض الصلاة . وليس ترتيب صلاته على أول الصلاة بأعظم من ترتيب آخر الصلاة على أولها .
وإذا كان هكذا سقط ما أدرك ويقضي ما سقط ; فهذا في الصلاتين أولى ; لا سيما وهو إذا لم يدرك من المغرب إلا تشهدا تشهد ثلاث تشهدات كما في حديث
ابن مسعود المشهور في قصة
مسروق وحديثه .
وهذا أصل ثابت بالنص والإجماع يعتبر به نظائره ; وهو سقوط الترتيب عن المسبوق .
[ ص: 415 ] وكانوا في أول الإسلام لا يرتبون . فيصلون ما فاتهم ثم يصلون مع الإمام . لكن نسخ ذلك . وقد روي أن أول من فعله
معاذ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم {
قد سن لكم معاذ فاتبعوه } .
والأئمة الأربعة : على أنه يقرأ في ركعتي القضاء بالحمد وسورة .
وكذلك لو أدرك الإمام ساجدا سجد معه بالنص واتفاق الأئمة .
فقد سجد قبل القيام لمتابعة الإمام وإن لم يعتد به . لكنه لو فعل هذا عمدا لم يجز . فلو كبر وسجد ثم قام : لم تصح صلاته .
لكن هذا يستدل به على
nindex.php?page=treesubj&link=1543أن الركعة الواحدة يجب فيها الترتيب . فإن هذا السجود - ولو ضم إليه بعد السلام ركوعا مجردا - لم يصر ذلك ركعة . بل عليه أن يأتي بركعة بعدها سجدتان لأنه أخل بالترتيب والموالاة .
فكذلك إذا
nindex.php?page=treesubj&link=1866نسي الركوع حتى تشهد وسلم . ففيه قولان في المذهب : هل تبطل صلاته ؟ والمنصوص إن لم يطل الفصل بنى على ما مضى وهو قول
الشافعي رحمه الله وغيره .
وذهب طائفة من العلماء إلى سقوط الموالاة والترتيب في الصلاة
[ ص: 416 ] مع النسيان فقال
مكحول ومحمد بن أسلم - في
nindex.php?page=treesubj&link=1866المصلي : ينسى سجدة أو ركعة - يصليها متى ما ذكرها . ويسجد للسهو . وقال
الأوزاعي - لرجل نسي سجدة من صلاة الظهر فذكرها في صلاة العصر - يمضي في صلاته . فإذا فرغ سجد .
ويدل على هذا القول : أحاديث سجود السهو فإنها تدل على أنه يتم الصلاة ثم يسجد للسهو ولو مع طول الفصل .
وأما المسبوق : فالسجود الذي فعله مع الإمام : كان لمتابعة الإمام . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم
لأبي بكرة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19755زادك الله حرصا ; ولا تعد } وهو متمكن من أن يأتي بالركعة بعد السلام فلا عذر له حتى وإذا نسي ركنا من الأولى حتى شرع في الثانية . ففيها قولان .
مالك وأحمد لا يقولان بالتلفيق . بل تلغو المنسي ركنها . وتقوم هذه مقامها . ولكن هل يكون ذلك بالقراءة أو بالركوع ؟ فيه نزاع .
والشافعي يقول : ما فعله بعد الركوع المنسي فهو لغو . لأن فعله في غير محله لا أن يفعل نظيره في الثانية . فيكون هو تمام الأول
[ ص: 417 ] كما لو
nindex.php?page=treesubj&link=1866سلم من الصلاة ثم ذكر . فإن السلام يقع لغوا .
فأحمد ومالك يقولان : هو إنما يقصد بما فعله أن يكون من الركعة الثانية . لم يقصد أن يكون من الأولى وهو إذا قرأ أو ركع في الركعة الثانية : أمكن أن يجعلها هي الأولى . فإن الترتيب بين الركعات يسقط بالعذر ; فلا وجه لإبطال هذه ولا يكون فاعلا له في غير محله إلا إذا جعلت هذه ثانية . فإذا جعلت الأولى : كان قد فعله في محله .
وإذا قيل : هو قصد الثانية قبل وقصد بالسجود فيها السجود في الثانية لرعاية ترتيبه في أبعاض الركعة بأن لا يجعل بعضها في ركعة غيرها : أولى من رعايتها في الركعتين . فإن جعل الأولى ثانية يجوز للعذر كما في المسبوق . وأما جعل سجود الثانية تماما للأولى : فلا نظير له في الشرع . وبسط هذا له مكان آخر .
والمقصود هنا :
nindex.php?page=treesubj&link=31_60سقوط الترتيب في الوضوء بالنسيان وكذلك سقوط الموالاة كما هو قول
مالك . وكذلك بغير النسيان من الأعذار مثل بعد الماء . كما نقل عن
ابن عمر . فإن الصلاة نفسها إذا جاز فيها عدم الموالاة للعذر ; فالوضوء أولى . بدليل صلاة الخوف في حديث
ابن عمر وأحاديث سجود السهو .
[ ص: 418 ] وأما حديث صاحب اللمعة التي كانت في ظهر قدمه : فمثل هذا لا ينسى . فدل أنه تركها تفريطا .
nindex.php?page=treesubj&link=24079والموالاة في غسل الجنابة : لا تجب للحديث الذي فيه أنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598718رأى في بدنه موضعا لم يصبه الماء فعصر عليه شعره } والأصحاب فرقوا بينه وبين الوضوء . فإنه لا يجب ترتيبه فكذلك الموالاة .
ومالك يوجب الموالاة وإن لم يوجب الترتيب في الوضوء .
وأما في الغسل : فالبدن كعضو واحد . والعضو الواحد لا ترتيب فيه بالاتفاق . وأما تعمد تفريق الغسل : فهو كتعمد تفريق غسل العضو الواحد . لكن فرق بينهما ; فإن غسل الجنابة كإزالة النجاسة لا يتعدى حكم الماء محله ; بخلاف الوضوء . فإن حكمه طهارة جميع البدن والمغسول أربعة أعضاء . وهذا محل نظر . والجنب إذا وجد بعض ما يكفيه استعمله . وأما المتوضئ : ففيه قولان للأصحاب . ومن جوز ذلك جعل الوضوء يتفرق للعذر وجعل ما غسل يحصل به بعض الطهارة . وكذلك الماسح على الخفين إذا خلعهما . هل يقتصر على مسح الرجلين أو يعيد الوضوء ؟ فيه قولان هما روايتان .
وقد قيل : إن المأخذ هو الموالاة . وقيل : إن المأخذ أن
[ ص: 419 ] الوضوء لا ينقض . فإذا عاد الحدث إلى الرجل عاد إلى جميع الأعضاء وهذا عند العذر : فيه نزاع كما تقدم .
وقد يكون الترتيب شرطا لا يسقط بجهل ولا نسيان . كما في الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36370من ذبح قبل الصلاة فإنما هو شاة لحم } فالذبح للأضحية : مشروط بالصلاة قبله .
nindex.php?page=showalam&ids=177وأبو بردة بن نيار رضي الله عنه كان جاهلا . فلم يعذره بالجهل . بل أمره بإعادة الذبح . بخلاف الذين قدموا في الحج : الذبح على الرمي أو الحلق على ما قبله . فإنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13674افعل ولا حرج } فهاتان سنتان : سنة في الأضحية إذا ذبحت قبل الصلاة : أنها لا تجزئ . وسنة في الهدي إذا ذبح قبل الرمي جهلا : أجزأ .
والفرق بينهما - والله أعلم - أن الهدي صار نسكا بسوقه إلى الحرم وتقليده وإشعاره . فقد بلغ محله في المكان والزمان . فإذا قدم جهلا : لم يخرج عن كونه هديا ; وأما الأضحية : فإنها قبل الصلاة لا تتميز عن شاة اللحم . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36370من ذبح قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم قدمها لأهله } وإنما هي نسك بعد الصلاة . كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6314&ayano=108فصل لربك وانحر } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=957&ayano=6إن صلاتي ونسكي } فصار فعله قبل هذا الوقت : كالصلاة قبل وقتها .
[ ص: 420 ] فهذا
nindex.php?page=treesubj&link=4057وقت الأضحية ; وقته بعد فعل الصلاة كما بين الرسول ذلك في الأحاديث الصحيحة وهو قول الجمهور من العلماء :
مالك وأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وغيرهم . وإنما قدر وقتها بمقدار الصلاة :
الشافعي ومن وافقه من أصحاب
أحمد كالخرقي .
nindex.php?page=treesubj&link=4055وفي الأضحية : يشترط في أحد القولين أن يذبح بعد الإمام . وهو قول
مالك وأحد القولين في مذهب
أحمد . ذكره
أبو بكر . والحجة فيه : حديث
جابر في الصحيح .
وقد قيل : إن قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4662&ayano=49لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } نزلت في ذلك وكذلك في الإفاضة من
عرفة قبل الإمام قولان في مذهب
أحمد : يجب فيه دم . فهذا عند من يوجبه بمنزلة اتباع المأموم الإمام في الصلاة .
[ ص: 407 ] فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=60التَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ : النِّزَاعُ فِيهِ مَشْهُورٌ .
فَمَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد : يَجِبُ . وَمَذْهَبُ
مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ : لَا يَجِبُ .
وَأَحْمَد قَدْ نَصَّ عَلَى وُجُوبِهِ نُصُوصًا مُتَعَدِّدَةً . وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُتَقَدِّمُونَ - كَالْقَاضِي وَمَنْ قَبْلَهُ - عَنْهُ نِزَاعًا .
قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ : لَمْ أَرَ عَنْهُ فِيهِ خِلَافًا .
قَالَ : وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبُو الْخَطَّابِ : رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ
أَحْمَد : أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ .
قُلْت : هَذِهِ أُخِذَتْ مِنْ نَصِّهِ فِي الْقَبْضَةِ لِلِاسْتِنْشَاقِ فَلَوْ أَخَّرَ غَسْلَهَا إلَى مَا بَعْدَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ : فَفِيهِ عَنْ
أَحْمَد رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ . فَإِنَّهُ قَالَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ : إنَّهُ لَوْ نَسِيَهُمَا حَتَّى صَلَّى : تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ ; لِمَا فِي السُّنَنِ عَنْ
الْمِقْدَامِ بْنِ معديكرب {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598714أَنَّهُ أُتِيَ بِوَضُوءٍ . فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ } .
[ ص: 408 ] فَغَيْرُ
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبِي الْخَطَّابِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا بِأَنَّ التَّرْتِيبَ إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ . وَهُمَا لَيْسَا فِي الْقُرْآنِ .
nindex.php?page=showalam&ids=11851وَأَبُو الْخَطَّابِ - وَمَنْ تَبِعَهُ - رَأَوْا هَذَا فَرْقًا ضَعِيفًا .
فَإِنَّ الْأَنْفَ وَالْفَمَ لَوْ لَمْ يَكُونَا مِنْ الْوَجْهِ لَمَا وَجَبَ غَسْلُهُمَا . وَلِهَذَا خَرَّجَ الْأَصْحَابُ : أَنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ . كَمَا قَالَ
الخرقي وَغَيْرُهُ " وَالْفَمُ وَالْأَنْفُ مِنْ الْوَجْهِ " وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِهِمَا غَسْلَ الْوَجْهِ . يَبْدَأُ بِغَسْلِ مَا بَطَنَ مِنْهُ . وَقَدَّمَ الْمَضْمَضَةَ لِأَنَّ الْفَمَ أَقْرَبُ إلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْأَنْفِ . وَلِهَذَا كَانَ الْأَمْرُ بِهِ أَوْكَدَ . وَجَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالْأَمْرِ بِهِ . ثُمَّ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ سَائِرَ الْوَجْهَ .
فَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِهِمَا مَعَ النِّزَاعِ فَهُمَا كَسَائِرِ مَا نُوزِعَ فِيهِ . مِثْلُ الْبَيَاضِ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ
فَمَالِكٌ وَغَيْرُهُ يَقُولُ : لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ . وَفِي النَّزْعَتَيْنِ وَالتَّحْذِيفِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ .
قِيلَ : هُمَا مِنْ الرَّأْسِ . وَقِيلَ : مِنْ الْوَجْهِ .
وَالصَّحِيحُ : أَنَّ النَّزْعَتَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ وَالتَّحْذِيفُ مِنْ الْوَجْهِ . فَلَوْ نَسِيَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ .
فَتَسْوِيَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبِي الْخَطَّابِ أَقْوَى .
[ ص: 409 ] وَعَلَى هَذَا :
فَأَحْمَدُ إنَّمَا نَصَّ عَلَى مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ نَاسِيًا . وَلِهَذَا قِيلَ لَهُ : نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَحْدَهَا ؟ فَقَالَ : الِاسْتِنْشَاقُ عِنْدِي أَوْكَدُ . يَعْنِي إذَا نَسِيَ ذَلِكَ وَصَلَّى . قَالَ : يَغْسِلُهُمَا وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَالْإِعَادَةُ إذَا تَرَكَ الِاسْتِنْشَاقَ عِنْدَهُ أَوْكَدُ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ . وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ فَإِنَّ جَمِيعَ مَنْ نَقَلَ وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوا : أَنَّهُ بَدَأَ بِهِمَا .
وَهَذَا حَكَى فِعْلًا وَاحِدًا . فَلَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ كَانَ مُتَعَمِّدًا .
وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي تَأْخِيرِهِمَا عَمْدًا سُنَّةٌ بَلْ السُّنَّةُ فِي النِّسْيَانِ . فَإِنَّ النِّسْيَانَ مُتَيَقِّنٌ . فَإِنَّ الظَّاهِرَ : أَنَّهُ كَانَ نَاسِيًا إذَا قُدِّرَ الشَّكُّ . فَإِذَا جَازَ مَعَ التَّعَمُّدِ فَمَعَ النِّسْيَانِ أَوْلَى . فَالنَّاسِي مَعْذُورٌ بِكُلِّ حَالٍ . بِخِلَافِ الْمُتَعَمِّدِ . وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ . وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَعَمِّدِ لِتَنْكِيسِ الْوُضُوءِ وَبَيْنَ الْمَعْذُورِ بِنِسْيَانِ أَوْ جَهْلٍ . وَهُوَ أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ . وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ .
وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِأُصُولِ الْمَذْهَبِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ
أَحْمَد فِي الصُّورَةِ الَّتِي خَرَّجَ مِنْهَا
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبُو الْخَطَّابِ .
فَمِنْ ذَلِكَ : إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28641_3736أَخَلَّ بِالتَّرْتِيبِ بَيْنَ الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ . فَإِنَّ الْجَاهِلَ يُعْذَرُ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ . وَأَمَّا الْعَالِمُ الْمُتَعَمِّدُ : فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ
[ ص: 410 ] وَالسُّنَّةُ إنَّمَا جَاءَتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13674افْعَلْ وَلَا حَرَجَ } لِأَنَّهُمْ قَدَّمُوا وَأَخَّرُوا بِلَا عِلْمٍ . لَمْ يَتَعَمَّدُوا الْمُخَالَفَةَ لِلسُّنَّةِ . وَإِلَّا فَالْقُرْآنُ قَدْ جَاءَ بِالتَّرْتِيبِ لِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=205&ayano=2وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598715إنِّي قَلَّدْت هَدْيِي وَلَبَّدْت رَأْسِي فَلَا أُحِلُّ وَأَحْلِقُ حَتَّى أَنْحَرَ } .
وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2646&ayano=22ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } أَدَلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ مِنْ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=167&ayano=2إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } .
لَكِنْ يُقَالُ : قَدْ فَرَّقُوا بِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ مُرْتَبِطٌ بَعْضُهَا بِبَعْضِ وَتِلْكَ عِبَادَاتٌ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ .
وَهَكَذَا فَرَّقَ
أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ . فَقَالَ : ذَاكَ كُلُّهُ مِنْ الْحَجِّ : الدِّمَاءُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ . وَالْحَجُّ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ . وَلِهَذَا مَتَى وَطِئَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ الْحَجُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . وَهَلْ يَحْصُلُ كَالدَّمِ وَحْدَهُ أَوْ كَالدَّمِ وَالْحَلْقِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَمِنْهَا : إذَا نَسِيَ بَعْضَ آيَاتِ السُّورَةِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ . فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهَا وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهَا مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ تَنْكِيسَ آيَاتِ السُّورَةِ
[ ص: 411 ] فِي الْإِضَافَةِ بَلْ دِلَالَةُ الْإِضَافَةِ عَلَى مَعْنَاهُ كَدِلَالَةِ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُضَافَةِ فَكُلُّ لَفْظٍ أُضِيفَ إلَى لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى يَخْتَصُّ ذَلِكَ الْمُضَافُ إلَيْهِ فَكَمَا إذَا قِيلَ : يَدُ زَيْدٍ وَرَأْسُهُ : وَعِلْمُهُ وَدِينُهُ ; وَقَوْلُهُ وَحُكْمُهُ وَخَبَرُهُ : دَلَّ عَلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دِينُ زَيْدٍ مِثْلَ دِينِ عَمْرٍو ; بَلْ دِينُ هَذَا الْكُفْرُ وَدِينُ هَذَا الْإِسْلَامُ وَلَا حُكْمُهُ مِثْلَ حُكْمِهِ ; بَلْ هَذَا الْحُكْمُ بِالْجَوْرِ وَهَذَا الْحُكْمُ بِالْعَدْلِ وَلَا خَبَرُهُ مِثْلَ خَبَرِهِ ; بَلْ خَبَرُ هَذَا صِدْقٌ وَخَبَرُ هَذَا كَذِبٌ ; وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ : لَوْنُ هَذَا وَلَوْنُ هَذَا كَانَ لَوْنُ كَلٍّ مِنْهُمَا يَخْتَصُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ هَذَا أَسْوَدَ وَهَذَا أَبْيَضَ . فَقَدْ كَانَ لَوْنُ اللَّفْظِ الْمُضَافِ وَاحِدًا مَعَ اخْتِلَافِ الْحَقَائِقِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ; كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَإِنَّمَا يُمَيَّزُ لَوْنَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بِإِضَافَتِهِ إلَى مَا يُمَيِّزُهُ .
فَإِنْ قِيلَ : لَفْظُ الْكَوْنِ وَالدِّينِ وَالْخَبَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَعُمُّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ ; فَكَانَتْ عَامَّةً ; وَتُسَمَّى مُتَوَاطِئَةً ; بِخِلَافِ لَفْظِ الرَّأْسِ وَالظَّهْرِ وَالْجَنَاحِ فَإِنَّهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا تَنْصَرِفُ إلَى أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ .
قِيلَ : فَهَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ ; أَلَيْسَتْ بِالْإِضَافَةِ اخْتَصَّتْ ؟ فَكَانَتْ عَامَّةً مُطْلَقَةً ثُمَّ تَخَصَّصَتْ بِالْإِضَافَةِ أَوْ التَّعْرِيفِ فَهِيَ مِنْ بَابِ اللَّفْظِ الْعَامِّ إذَا خُصَّ بِإِضَافَةِ أَوْ تَعْرِيفٍ . وَتَخْصِيصُهُ بِذَلِكَ كَتَخْصِيصِهِ بِالصِّفَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ ; وَالْبَدَلِ وَالْغَايَةِ كَمَا يُقَالُ : اللَّوْنُ الْأَحْمَرُ وَالْخَبَرُ الصَّادِقُ
[ ص: 412 ] وَالزُّهْرِيُّ والأوزاعي فِيمَنْ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ فَرَأَى فِي لِحْيَتِهِ بَلَلًا . فَمَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ فَلَمْ يَأْمُرُوهُ بِإِعَادَةِ غَسْلِ رِجْلَيْهِ . وَاخْتَارَهُ
ابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ
عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ " مَا أُبَالِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْت " قَالَ
أَحْمَد : إنَّمَا عَنَى بِهِ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى ; لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا مِنْ الْكِتَابِ وَاحِدٌ .
ثُمَّ قَالَ
أَحْمَد : حَدَّثَنِي
جَرِيرٌ عَنْ
قَابُوسَ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ
عَلِيًّا سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ : أَحَدُنَا يَسْتَعْجِلُ فَيَغْسِلُ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ : لَا حَتَّى يَكُونَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى " فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ
أَحْمَد عَنْ
عَلِيٍّ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ .
وَمَا نَقَلَهُ
ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ : يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ مَعَ النِّسْيَانِ وَيُعِيدُ الْمَنْسِيَّ فَقَطْ .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّفْصِيلَ قَوْلُ
عَلِيٍّ .
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ مَنْ أَسْقَطَهُ مُطْلَقًا : مَا رُوِيَ عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " لَا بَأْسَ أَنَّ تَبْدَأَ بِرِجْلَيْك قَبْلَ يَدَيْك " .
لَكِنْ قَالَ
أَحْمَد وَغَيْرُهُ : لَا نَعْرِفُ لِهَذَا أَصْلًا ; وَنَقَلُوا فِي الْوُجُوبِ
[ ص: 413 ] عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ . وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ التَّابِعِينَ .
وَصُورَةُ النِّسْيَانِ مُرَادَةٌ قَطْعًا . فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ أَوْ جَمِيعِهِمْ .
وَالْأَمْرُ الْمُنْكَرُ : أَنْ تَتَعَمَّدَ
nindex.php?page=treesubj&link=60تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ . فَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ . فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ جَائِزًا لَكَانَ قَدْ وَقَعَ أَحْيَانًا أَوْ تَبَيَّنَ جَوَازُهُ - كَمَا فِي تَرْتِيبِ التَّسْبِيحِ - لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598716أَفْضَلُ الْكَلَامِ - بَعْدَ الْقُرْآنِ - أَرْبَعٌ . وَهُنَّ مِنْ الْقُرْآنِ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ . لَا يَضُرُّك بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأْت } .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ شَرْعًا وَمَذْهَبًا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=1408مَنْ نَسِيَ صَلَاةً صَلَّاهَا إذَا ذَكَرَهَا بِالنَّصِّ .
وَقَدْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ هُنَا فِي مَذْهَبِ
أَحْمَد بِلَا خِلَافٍ وَمَذْهَبِ
أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ .
وَلَكِنْ حُكِيَ عَنْ
مَالِكٍ : أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ . وَقَاسُوا ذَلِكَ عَلَى تَرْتِيبِ الطَّهَارَةِ .
[ ص: 414 ] وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598717مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا } نَصٌّ فِي أَنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي أَيِّ وَقْتِ ذَكَرَ . وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ .
وَقَدْ سَلَّمَ الْأَصْحَابُ : أَنَّ تَرْتِيبَ الْجَمْعِ لَا يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ .
وَعُمُومُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهِ . فَلَوْ كَانَتْ الْمَنْسِيَّةُ هِيَ الْأُولَى مِنْ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ : أَعَادَهَا وَحْدَهَا بِمُوجِبِ النَّصِّ . وَمَنْ أَوْجَبَ إعَادَةَ الثَّانِيَةِ فَقَدْ خَالَفَ .
وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي سَائِرِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ كَالْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَهُمْ فِي الثَّانِيَةِ : صَلَّاهَا مَعَهُمْ ثُمَّ صَلَّى الْأُولَى . كَمَا لَوْ أَدْرَكَ بَعْضَ الصَّلَاةِ . وَلَيْسَ تَرْتِيبُ صَلَاتِهِ عَلَى أَوَّلِ الصَّلَاةِ بِأَعْظَمَ مِنْ تَرْتِيبِ آخِرِ الصَّلَاةِ عَلَى أَوَّلِهَا .
وَإِذَا كَانَ هَكَذَا سَقَطَ مَا أَدْرَكَ وَيَقْضِي مَا سَقَطَ ; فَهَذَا فِي الصَّلَاتَيْنِ أَوْلَى ; لَا سِيَّمَا وَهُوَ إذَا لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَّا تَشَهُّدًا تَشَهَّدَ ثَلَاثَ تَشَهُّدَاتٍ كَمَا فِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَشْهُورِ فِي قِصَّةِ
مَسْرُوقٍ وَحَدِيثِهِ .
وَهَذَا أَصْلٌ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ يُعْتَبَرُ بِهِ نَظَائِرُهُ ; وَهُوَ سُقُوطُ التَّرْتِيبِ عَنْ الْمَسْبُوقِ .
[ ص: 415 ] وَكَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَا يُرَتِّبُونَ . فَيُصَلُّونَ مَا فَاتَهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ مَعَ الْإِمَامِ . لَكِنْ نُسِخَ ذَلِكَ . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ فَعَلَهُ
مُعَاذٌ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ فَاتَّبِعُوهُ } .
وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ : عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الْقَضَاءِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ سَاجِدًا سَجَدَ مَعَهُ بِالنَّصِّ وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ .
فَقَدْ سَجَدَ قَبْلَ الْقِيَامِ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ . لَكِنَّهُ لَوْ فَعَلَ هَذَا عَمْدًا لَمْ يَجُزْ . فَلَوْ كَبَّرَ وَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ : لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ .
لَكِنَّ هَذَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=1543أَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ يَجِبُ فِيهَا التَّرْتِيبُ . فَإِنَّ هَذَا السُّجُودَ - وَلَوْ ضَمَّ إلَيْهِ بَعْدَ السَّلَامِ رُكُوعًا مُجَرَّدًا - لَمْ يَصِرْ ذَلِكَ رَكْعَةً . بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةِ بَعْدَهَا سَجْدَتَانِ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالتَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ .
فَكَذَلِكَ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=1866نَسِيَ الرُّكُوعَ حَتَّى تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ . فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ : هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ؟ وَالْمَنْصُوصُ إنْ لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ بَنَى عَلَى مَا مَضَى وَهُوَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ .
وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى سُقُوطِ الْمُوَالَاةِ وَالتَّرْتِيبِ فِي الصَّلَاةِ
[ ص: 416 ] مَعَ النِّسْيَانِ فَقَالَ
مَكْحُولٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ - فِي
nindex.php?page=treesubj&link=1866الْمُصَلِّي : يَنْسَى سَجْدَةً أَوْ رَكْعَةً - يُصَلِّيهَا مَتَى مَا ذَكَرَهَا . وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ . وَقَالَ
الأوزاعي - لِرَجُلِ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَذَكَرَهَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ - يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ . فَإِذَا فَرَغَ سَجَدَ .
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ : أَحَادِيثُ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ .
وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ : فَالسُّجُودُ الَّذِي فَعَلَهُ مَعَ الْإِمَامِ : كَانَ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ . وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِأَبِي بَكْرَةَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19755زَادَك اللَّهُ حِرْصًا ; وَلَا تَعُدْ } وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِالرَّكْعَةِ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَا عُذْرَ لَهُ حَتَّى وَإِذَا نَسِيَ رُكْنًا مِنْ الْأُولَى حَتَّى شَرَعَ فِي الثَّانِيَةِ . فَفِيهَا قَوْلَانِ .
مَالِكٌ وَأَحْمَد لَا يَقُولَانِ بِالتَّلْفِيقِ . بَلْ تَلْغُو الْمَنْسِيُّ رُكْنَهَا . وَتَقُومُ هَذِهِ مَقَامَهَا . وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ بِالرُّكُوعِ ؟ فِيهِ نِزَاعٌ .
وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ : مَا فَعَلَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ الْمَنْسِيِّ فَهُوَ لَغْوٌ . لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لَا أَنْ يَفْعَلَ نَظِيرَهُ فِي الثَّانِيَةِ . فَيَكُونُ هُوَ تَمَامَ الْأَوَّلِ
[ ص: 417 ] كَمَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=1866سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ . فَإِنَّ السَّلَامَ يَقَعُ لَغْوًا .
فَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ يَقُولَانِ : هُوَ إنَّمَا يَقْصِدُ بِمَا فَعَلَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ . لَمْ يَقْصِدْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأُولَى وَهُوَ إذَا قَرَأَ أَوْ رَكَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ : أَمْكَنَ أَنْ يَجْعَلَهَا هِيَ الْأُولَى . فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ ; فَلَا وَجْهَ لِإِبْطَالِ هَذِهِ وَلَا يَكُونُ فَاعِلًا لَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ إلَّا إذَا جُعِلَتْ هَذِهِ ثَانِيَةً . فَإِذَا جُعِلَتْ الْأُولَى : كَانَ قَدْ فَعَلَهُ فِي مَحَلِّهِ .
وَإِذَا قِيلَ : هُوَ قَصَدَ الثَّانِيَةَ قَبْلُ وَقَصَدَ بِالسُّجُودِ فِيهَا السُّجُودَ فِي الثَّانِيَةِ لِرِعَايَةِ تَرْتِيبِهِ فِي أَبْعَاضِ الرَّكْعَةِ بِأَنْ لَا يَجْعَلَ بَعْضَهَا فِي رَكْعَةٍ غَيْرَهَا : أَوْلَى مِنْ رِعَايَتِهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ . فَإِنَّ جَعْلَ الْأُولَى ثَانِيَةً يَجُوزُ لِلْعُذْرِ كَمَا فِي الْمَسْبُوقِ . وَأَمَّا جَعْلُ سُجُودِ الثَّانِيَةِ تَمَامًا لِلْأُولَى : فَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ . وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَكَانٌ آخَرُ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا :
nindex.php?page=treesubj&link=31_60سُقُوطُ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ بِالنِّسْيَانِ وَكَذَلِكَ سُقُوطُ الْمُوَالَاةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ
مَالِكٍ . وَكَذَلِكَ بِغَيْرِ النِّسْيَانِ مِنْ الْأَعْذَارِ مِثْلُ بُعْدِ الْمَاءِ . كَمَا نُقِلَ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ . فَإِنَّ الصَّلَاةَ نَفْسَهَا إذَا جَازَ فِيهَا عَدَمُ الْمُوَالَاةِ لِلْعُذْرِ ; فَالْوُضُوءُ أَوْلَى . بِدَلِيلِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ وَأَحَادِيثِ سُجُودِ السَّهْوِ .
[ ص: 418 ] وَأَمَّا حَدِيثُ صَاحِبِ اللُّمْعَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ : فَمِثْلُ هَذَا لَا يُنْسَى . فَدَلَّ أَنَّهُ تَرَكَهَا تَفْرِيطًا .
nindex.php?page=treesubj&link=24079وَالْمُوَالَاةُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ : لَا تَجِبُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598718رَأَى فِي بَدَنِهِ مَوْضِعًا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَعَصَرَ عَلَيْهِ شَعْرَهُ } وَالْأَصْحَابُ فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ . فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ تَرْتِيبُهُ فَكَذَلِكَ الْمُوَالَاةُ .
وَمَالِكٌ يُوجِبُ الْمُوَالَاةَ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ .
وَأَمَّا فِي الْغُسْلِ : فَالْبَدَنُ كَعُضْوِ وَاحِدٍ . وَالْعُضْوُ الْوَاحِدُ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ . وَأَمَّا تَعَمُّدُ تَفْرِيقِ الْغُسْلِ : فَهُوَ كَتَعَمُّدِ تَفْرِيقِ غَسْلِ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ . لَكِنْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ; فَإِنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُ الْمَاءِ مَحَلَّهُ ; بِخِلَافِ الْوُضُوءِ . فَإِنَّ حُكْمَهُ طَهَارَةُ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَالْمَغْسُولُ أَرْبَعَةُ أَعْضَاءٍ . وَهَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ . وَالْجُنُبُ إذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ اسْتَعْمَلَهُ . وَأَمَّا الْمُتَوَضِّئُ : فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْأَصْحَابِ . وَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ جَعَلَ الْوُضُوءَ يَتَفَرَّقُ لِلْعُذْرِ وَجَعَلَ مَا غُسِلَ يَحْصُلُ بِهِ بَعْضُ الطَّهَارَةِ . وَكَذَلِكَ الْمَاسِحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا خَلَعَهُمَا . هَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ يُعِيدُ الْوُضُوءَ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ هُمَا رِوَايَتَانِ .
وَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْمَأْخَذَ هُوَ الْمُوَالَاةُ . وَقِيلَ : إنَّ الْمَأْخَذَ أَنَّ
[ ص: 419 ] الْوُضُوءَ لَا يُنْقَضُ . فَإِذَا عَادَ الْحَدَثُ إلَى الرَّجُلِ عَادَ إلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَهَذَا عِنْدَ الْعُذْرِ : فِيهِ نِزَاعٌ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَقَدْ يَكُونُ التَّرْتِيبُ شَرْطًا لَا يَسْقُطُ بِجَهْلِ وَلَا نِسْيَانٍ . كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36370مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ شَاةُ لَحْمٍ } فَالذَّبْحُ لِلْأُضْحِيَّةِ : مَشْرُوطٌ بِالصَّلَاةِ قَبْلَهُ .
nindex.php?page=showalam&ids=177وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ جَاهِلًا . فَلَمْ يَعْذُرْهُ بِالْجَهْلِ . بَلْ أَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الذَّبْحِ . بِخِلَافِ الَّذِينَ قَدَّمُوا فِي الْحَجِّ : الذَّبْحَ عَلَى الرَّمْيِ أَوْ الْحَلْقَ عَلَى مَا قَبْلَهُ . فَإِنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13674افْعَلْ وَلَا حَرَجَ } فَهَاتَانِ سُنَّتَانِ : سُنَّةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ إذَا ذُبِحَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ : أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ . وَسُنَّةٌ فِي الْهَدْيِ إذَا ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ جَهْلًا : أَجْزَأَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْهَدْيَ صَارَ نُسُكًا بِسَوْقِهِ إلَى الْحَرَمِ وَتَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ . فَقَدْ بَلَغَ مَحَلَّهُ فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ . فَإِذَا قَدَّمَ جَهْلًا : لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ هَدْيًا ; وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ : فَإِنَّهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ لَا تَتَمَيَّزُ عَنْ شَاةِ اللَّحْمِ . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36370مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هِيَ شَاةُ لَحْمٍ قَدَّمَهَا لِأَهْلِهِ } وَإِنَّمَا هِيَ نُسُكٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6314&ayano=108فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=957&ayano=6إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي } فَصَارَ فِعْلُهُ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ : كَالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا .
[ ص: 420 ] فَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=4057وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ ; وَقْتُهُ بَعْدَ فِعْلِ الصَّلَاةِ كَمَا بَيَّنَ الرَّسُولُ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ :
مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ . وَإِنَّمَا قَدَّرَ وَقْتَهَا بِمِقْدَارِ الصَّلَاةِ :
الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ
أَحْمَد كالخرقي .
nindex.php?page=treesubj&link=4055وَفِي الْأُضْحِيَّةِ : يُشْتَرَطُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَذْبَحَ بَعْدَ الْإِمَامِ . وَهُوَ قَوْلُ
مَالِكٍ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ
أَحْمَد . ذَكَرَهُ
أَبُو بَكْرٍ . وَالْحُجَّةُ فِيهِ : حَدِيثُ
جَابِرٍ فِي الصَّحِيحِ .
وَقَدْ قِيلَ : إنَّ قَوْلَهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4662&ayano=49لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ فِي الْإِفَاضَةِ مِنْ
عَرَفَةَ قَبْلَ الْإِمَامِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ
أَحْمَد : يَجِبُ فِيهِ دَمٌ . فَهَذَا عِنْدَ مَنْ يُوجِبُهُ بِمَنْزِلَةِ اتِّبَاعِ الْمَأْمُومِ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ .