[ ص: 387 ] وأما الزكاة فهي متضمنة النماء والزيادة كالزرع وإن كانت الطهارة قد تدخل في معناها ; فإن الشيء إذا تنظف مما يفسده زكا ونما وصلح وزاد في نفسه كالزرع ينفى من الدغل قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2836&ayano=24ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2232&ayano=18قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6143&ayano=91قد أفلح من زكاها } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2843&ayano=24فارجعوا هو أزكى لكم } فإن الرجوع عمل صالح يزيد المؤمن زكاة وطهارة وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3619&ayano=33ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } فإن ذلك مجانبة لأسباب الريبة ; وذلك من نوع مجانبة الذنوب والبعد عنها ومباعدتها فأخبر أن ذلك أطهر لقلوب الطائفتين .
وأما الآية التي نحن فيها وهي قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2845&ayano=24قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم }
nindex.php?page=treesubj&link=27141فالغض من البصر وحفظ الفرج يتضمن البعد عن نجاسة الذنوب ويتضمن الأعمال الصالحة التي يزكو بها الإنسان وهو أزكى
nindex.php?page=treesubj&link=2648والزكاة تتضمن الطهارة ; فإن فيها معنى ترك السيئات ومعنى فعل الحسنات ولهذا تفسر تارة بالطهارة وتارة بالزيادة والنماء ومعناها يتضمن الأمرين وإن كان قرن الطهارة معها في الذكر مثل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1347&ayano=9خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } فالصدقة توجب الطهارة من الذنوب وتوجب الزكاة التي هي العمل الصالح كما أن الغض من البصر وحفظ الفرج هو أزكى لهم
[ ص: 388 ] وهما يكونان باجتناب الذنوب وحفظ الجوارح ويكونان بالتوبة والصدقة التي هي الإحسان وهذان هما التقوى والإحسان و {
nindex.php?page=tafseer&surano=2045&ayano=16إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } .
وقد روى
الترمذي وصححه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597758أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما أكثر ما يدخل الناس النار ؟ فقال : الأجوفان : الفم والفرج وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ فقال : تقوى الله وحسن الخلق } فيدخل في تقوى الله حفظ الفرج وغض البصر ويدخل في حسن الخلق الإحسان إلى الخلق والامتناع من إيذائهم وذلك يحتاج إلى الصبر والإحسان إلى الخلق يكون عن الرحمة والله تعالى يقول : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6130&ayano=90وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة } .
وهو سبحانه ذكر الزكاة هنا كما قدمها في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2836&ayano=24ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا } فإن اجتناب الذنوب يوجب الزكاة التي هي زوال الشر وحصول الخير والمفلحون هم الذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات كما وصفهم في أول سورة البقرة فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2الم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } الآيات : وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6143&ayano=91قد أفلح من زكاها } فإذا كان قد أخبر أن هؤلاء مفلحون وأخبر أن المفلحين هم المتقون : {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=2الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون } وأخبر أن من زكى نفسه فهو مفلح : دل ذلك على
[ ص: 389 ] أن الزكاة تنتظم الأمور المذكورة في أول سورة البقرة .
وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=546&ayano=4ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4869&ayano=53فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } فالتزكية من العباد لأنفسهم هي إخبارهم عن أنفسهم بكونها زاكية واعتقاد ذلك ; لا نفس جعلها زاكية وقال تعالى عن
إبراهيم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=138&ayano=2ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=460&ayano=3لقد من الله على المؤمنين } الآية وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5241&ayano=62هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم } الآية فامتن سبحانه على العباد بإرساله في عدة مواضع فهذه أربعة أمور أرسله بها : تلاوة آياته عليهم وتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة .
وقد أفرد تعليمه الكتاب والحكمة بالذكر مثل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=240&ayano=2وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به } . وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3600&ayano=33واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } وذلك أن التلاوة عليهم وتزكيتهم أمر عام لجميع المؤمنين ; فإن التلاوة هي تبليغ كلامه تعالى إليهم وهذا لا بد منه لكل مؤمن وتزكيتهم هو جعل أنفسهم زكية بالعمل الصالح الناشئ عن الآيات التي سمعوها وتليت عليهم فالأول سمعهم والثاني طاعتهم والمؤمنون يقولون سمعنا وأطعنا . الأول علمهم والثاني عملهم والإيمان قول وعمل فإذا سمعوا آيات الله وعوها بقلوبهم وأحبوها وعملوا بها ولم يكونوا كمن قال فيهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=180&ayano=2ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون } وإذا عملوا بها زكوا بذلك وكانوا من المفلحين المؤمنين .
والله قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5173&ayano=58يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } وقال في ضدهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1341&ayano=9الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله } فأخبر أنهم أعظم كفرا ونفاقا وجهلا وذلك ضد الإيمان والعلم
nindex.php?page=treesubj&link=19278فاستماع آيات الله والتزكي بها أمر واجب على كل أحد فإنه لا بد لكل عبد من سماع رسالة سيده التي أرسل بها رسوله إليه وهذا هو السماع الواجب الذي هو أصل الإيمان ولا بد من التزكي بفعل المأمور وترك المحظور فهذان لا بد منهما .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=27826_18467العلم بالكتاب والحكمة فهو فرض على الكفاية ; لا يجب على كل أحد بعينه أن يكون عالما بالكتاب : لفظه ومعناه عالما بالحكمة جميعها ; بل المؤمنون كلهم مخاطبون بذلك وهو واجب عليهم كما هم مخاطبون بالجهاد بل وجوب ذلك أسبق وأوكد من وجوب الجهاد ; فإنه أصل الجهاد ولولاه لم يعرفوا علام يقاتلون ولهذا كان قيام الرسول والمؤمنين بذلك قبل قيامهم بالجهاد فالجهاد سنام الدين وفرعه وتمامه وهذا أصله وأساسه وعموده ورأسه ومقصود الرسالة فعل الواجبات والمستحبات جميعا ولا ريب أن استماع كتاب الله والإيمان به وتحريم حرامه وتحليل حلاله . والعمل بمحكمه والإيمان بمتشابهه واجب
[ ص: 391 ] على كل أحد وهذا هو التلاوة المذكورة في : {
nindex.php?page=tafseer&surano=130&ayano=2الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به } . فأخبر عن الذين يتلونه حق تلاوته أنهم يؤمنون به وبه قال سلف الأمة من
الصحابة والتابعين وغيرهم وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=130&ayano=2حق تلاوته } كقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=2695&ayano=22وجاهدوا في الله حق جهاده } {
nindex.php?page=tafseer&surano=398&ayano=3اتقوا الله حق تقاته } .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=27826_20511_24906حفظ جميع القرآن وفهم جميع معانيه ومعرفة جميع السنة فلا يجب على كل أحد ; لكن يجب على العبد أن يحفظ من القرآن ويعلم معانيه ويعرف من السنة ما يحتاج إليه
nindex.php?page=treesubj&link=27826_20511_28896وهل يجب عليه أن يسمع جميع القرآن ؟ فيه خلاف ولكن هذه المعرفة الحكمية التي تجب على كل عبد ليس هو علم الكتاب والحكمة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته ; بل ذلك لا يكون إلا بمعرفة حدود ما أنزل الله على رسوله من الألفاظ والمعاني والأفعال والمقاصد ولا يجب هذا على كل أحد .
[ ص: 387 ] وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ النَّمَاءَ وَالزِّيَادَةَ كَالزَّرْعِ وَإِنْ كَانَتْ الطَّهَارَةُ قَدْ تَدْخُلُ فِي مَعْنَاهَا ; فَإِنَّ الشَّيْءَ إذَا تَنَظَّفَ مِمَّا يُفْسِدُهُ زَكَا وَنَمَا وَصَلَحَ وَزَادَ فِي نَفْسِهِ كَالزَّرْعِ يُنْفَى مِنْ الدَّغَلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2836&ayano=24وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2232&ayano=18قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6143&ayano=91قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2843&ayano=24فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } فَإِنَّ الرُّجُوعَ عَمَلٌ صَالِحٌ يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ زَكَاةً وَطَهَارَةً وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3619&ayano=33ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } فَإِنَّ ذَلِكَ مُجَانَبَةٌ لِأَسْبَابِ الرِّيبَةِ ; وَذَلِكَ مِنْ نَوْعِ مُجَانَبَةِ الذُّنُوبِ وَالْبُعْدِ عَنْهَا وَمُبَاعَدَتِهَا فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ أَطْهَرُ لِقُلُوبِ الطَّائِفَتَيْنِ .
وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا وَهِيَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2845&ayano=24قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ }
nindex.php?page=treesubj&link=27141فَالْغَضُّ مِنْ الْبَصَرِ وَحِفْظُ الْفَرْجِ يَتَضَمَّنُ الْبُعْدَ عَنْ نَجَاسَةِ الذُّنُوبِ وَيَتَضَمَّنُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ الَّتِي يَزْكُو بِهَا الْإِنْسَانُ وَهُوَ أَزْكَى
nindex.php?page=treesubj&link=2648وَالزَّكَاةُ تَتَضَمَّنُ الطَّهَارَةَ ; فَإِنَّ فِيهَا مَعْنَى تَرْكِ السَّيِّئَاتِ وَمَعْنَى فِعْلِ الْحَسَنَاتِ وَلِهَذَا تُفَسَّرُ تَارَةً بِالطَّهَارَةِ وَتَارَةً بِالزِّيَادَةِ وَالنَّمَاءِ وَمَعْنَاهَا يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ قَرَنَ الطَّهَارَةَ مَعَهَا فِي الذِّكْرِ مِثْلَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1347&ayano=9خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } فَالصَّدَقَةُ تُوجِبُ الطَّهَارَةَ مِنْ الذُّنُوبِ وَتُوجِبُ الزَّكَاةَ الَّتِي هِيَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ كَمَا أَنَّ الْغَضَّ مِنْ الْبَصَرِ وَحِفْظَ الْفَرْجِ هُوَ أَزْكَى لَهُمْ
[ ص: 388 ] وَهُمَا يَكُونَانِ بِاجْتِنَابِ الذُّنُوبِ وَحِفْظِ الْجَوَارِحِ وَيَكُونَانِ بِالتَّوْبَةِ وَالصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ الْإِحْسَانُ وَهَذَانِ هُمَا التَّقْوَى وَالْإِحْسَانُ و {
nindex.php?page=tafseer&surano=2045&ayano=16إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } .
وَقَدْ رَوَى
التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597758أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ ؟ فَقَالَ : الْأَجْوَفَانِ : الْفَمُ وَالْفَرْجُ وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ ؟ فَقَالَ : تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ } فَيَدْخُلُ فِي تَقْوَى اللَّهِ حِفْظُ الْفَرْجِ وَغَضُّ الْبَصَرِ وَيَدْخُلُ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ الْإِحْسَانُ إلَى الْخَلْقِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ إيذَائِهِمْ وَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى الصَّبْرِ وَالْإِحْسَانُ إلَى الْخَلْقِ يَكُونُ عَنْ الرَّحْمَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6130&ayano=90وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } .
وَهُوَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الزَّكَاةَ هُنَا كَمَا قَدَّمَهَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2836&ayano=24وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا } فَإِنَّ اجْتِنَابَ الذُّنُوبِ يُوجِبُ الزَّكَاةَ الَّتِي هِيَ زَوَالُ الشَّرِّ وَحُصُولُ الْخَيْرِ وَالْمُفْلِحُونَ هُمْ الَّذِينَ أَدَّوْا الْوَاجِبَاتِ وَتَرَكُوا الْمُحَرَّمَاتِ كَمَا وَصَفَهُمْ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2الم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } الْآيَاتُ : وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6143&ayano=91قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } فَإِذَا كَانَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ مُفْلِحُونَ وَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُفْلِحِينَ هُمْ الْمُتَّقُونَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=2الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ فَهُوَ مُفْلِحٌ : دَلَّ ذَلِكَ عَلَى
[ ص: 389 ] أَنَّ الزَّكَاةَ تَنْتَظِمُ الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=546&ayano=4أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4869&ayano=53فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } فَالتَّزْكِيَةُ مِنْ الْعِبَادِ لِأَنْفُسِهِمْ هِيَ إخْبَارُهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِكَوْنِهَا زَاكِيَةً وَاعْتِقَادُ ذَلِكَ ; لَا نَفْسُ جَعْلِهَا زَاكِيَةً وَقَالَ تَعَالَى عَنْ
إبْرَاهِيمَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=138&ayano=2رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=460&ayano=3لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } الْآيَةُ وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5241&ayano=62هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ } الْآيَةُ فَامْتَنَّ سُبْحَانَهُ عَلَى الْعِبَادِ بِإِرْسَالِهِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ أَرْسَلَهُ بِهَا : تِلَاوَةُ آيَاتِهِ عَلَيْهِمْ وَتَزْكِيَتُهُمْ وَتَعْلِيمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ .
وَقَدْ أَفْرَدَ تَعْلِيمَهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ بِالذِّكْرِ مِثْلَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=240&ayano=2وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ } . وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3600&ayano=33وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } وَذَلِكَ أَنَّ التِّلَاوَةَ عَلَيْهِمْ وَتَزْكِيَتَهُمْ أَمْرٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ ; فَإِنَّ التِّلَاوَةَ هِيَ تَبْلِيغُ كَلَامِهِ تَعَالَى إلَيْهِمْ وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَتَزْكِيَتُهُمْ هُوَ جَعْلُ أَنْفُسِهِمْ زَكِيَّةً بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ النَّاشِئِ عَنْ الْآيَاتِ الَّتِي سَمِعُوهَا وَتُلِيَتْ عَلَيْهِمْ فَالْأَوَّلُ سَمْعُهُمْ وَالثَّانِي طَاعَتُهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يَقُولُونَ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا . الْأَوَّلُ عِلْمُهُمْ وَالثَّانِي عَمَلُهُمْ وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ فَإِذَا سَمِعُوا آيَاتِ اللَّهِ وَعَوْهَا بِقُلُوبِهِمْ وَأَحَبُّوهَا وَعَمِلُوا بِهَا وَلَمْ يَكُونُوا كَمَنْ قَالَ فِيهِمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=180&ayano=2وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } وَإِذَا عَمِلُوا بِهَا زَكَوْا بِذَلِكَ وَكَانُوا مِنْ الْمُفْلِحِينَ الْمُؤْمِنِينَ .
وَاَللَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5173&ayano=58يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } وَقَالَ فِي ضِدِّهِمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1341&ayano=9الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ } فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ أَعْظَمُ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَجَهْلًا وَذَلِكَ ضِدُّ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ
nindex.php?page=treesubj&link=19278فَاسْتِمَاعُ آيَاتِ اللَّهِ وَالتَّزَكِّي بِهَا أَمْرٌ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْ سَمَاعِ رِسَالَةِ سَيِّدِهِ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا رَسُولَهُ إلَيْهِ وَهَذَا هُوَ السَّمَاعُ الْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّزَكِّي بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ فَهَذَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=27826_18467الْعِلْمُ بِالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ فَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ; لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْكِتَابِ : لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ عَالِمًا بِالْحِكْمَةِ جَمِيعِهَا ; بَلْ الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ كَمَا هُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْجِهَادِ بَلْ وُجُوبُ ذَلِكَ أَسْبَقُ وَأَوْكَدُ مِنْ وُجُوبِ الْجِهَادِ ; فَإِنَّهُ أَصْلُ الْجِهَادِ وَلَوْلَاهُ لَمْ يَعْرِفُوا عَلَامَ يُقَاتِلُونَ وَلِهَذَا كَانَ قِيَامُ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ قَبْلَ قِيَامِهِمْ بِالْجِهَادِ فَالْجِهَادُ سَنَامُ الدِّينِ وَفَرْعُهُ وَتَمَامُهُ وَهَذَا أَصْلُهُ وَأَسَاسُهُ وَعَمُودُهُ وَرَأْسُهُ وَمَقْصُودُ الرِّسَالَةِ فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ والمستحبات جَمِيعًا وَلَا رَيْبَ أَنَّ اسْتِمَاعَ كِتَابِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِهِ وَتَحْرِيمَ حَرَامِهِ وَتَحْلِيلَ حَلَالِهِ . وَالْعَمَلَ بِمُحْكِمِهِ وَالْإِيمَانَ بِمُتَشَابِهِهِ وَاجِبٌ
[ ص: 391 ] عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَهَذَا هُوَ التِّلَاوَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي : {
nindex.php?page=tafseer&surano=130&ayano=2الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } . فَأَخْبَرَ عَنْ الَّذِينَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَبِهِ قَالَ سَلَفُ الْأُمَّةِ مِنْ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=130&ayano=2حَقَّ تِلَاوَتِهِ } كَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2695&ayano=22وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=398&ayano=3اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=27826_20511_24906حِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ وَفَهْمُ جَمِيعِ مَعَانِيهِ وَمَعْرِفَةُ جَمِيعِ السُّنَّةِ فَلَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ; لَكِنْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَحْفَظَ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَعْلَمَ مَعَانِيَهُ وَيَعْرِفَ مِنْ السُّنَّةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ
nindex.php?page=treesubj&link=27826_20511_28896وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَعَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ ؟ فِيهِ خِلَافٌ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ الْحِكَمِيَّةِ الَّتِي تَجِبُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ لَيْسَ هُوَ عِلْمُ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ الَّتِي عَلَّمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَأُمَّتَهُ ; بَلْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ حُدُودِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي وَالْأَفْعَالِ وَالْمَقَاصِدِ وَلَا يَجِبُ هَذَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ .