فصل
nindex.php?page=treesubj&link=28995_10479قال الله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=2819&ayano=24والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } وقال فيها : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2819&ayano=24والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } وقال فيها : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2828&ayano=24لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء } فذكر عدد الشهداء وأطلق صفتهم ولم يقيدهم بكونهم منا ولا ممن نرضى ولا من ذوي العدل كما قيد صفة الشهداء في غير هذا الموضع .
ولهذا تنازع العلماء :
nindex.php?page=treesubj&link=10282_26929_25855هل شهادة الأربعة التي يجب بها الحد على الزاني مثل شهادة أهل الفسوق والعصيان وغيرهم هل تدرأ الحد عن القاذف ؟ على قولين في مذهب
أحمد .
" أحدهما " أنها تدرأ الحد عن القاذف وإن لم توجب حد الزنا على المقذوف كشهادة الزوج على امرأته أربع شهادات بالله فإن ذلك يدرأ حد القذف ولا يجب الحد على امرأته لمجرد ذلك ; لأنها تدفع العذاب عنها بشهادتها أربع شهادات ولو لم تشهد فهل تحد أو تحبس حتى تقر أو تلاعن أو يخلى سبيلها ؟ فيه نزاع مشهور بين العلماء فلا يلزم من درء الحد عن القاذف وجوب حد الزنا على المقذوف ; فإن كلاهما حد
nindex.php?page=treesubj&link=25855والحدود تدرأ بالشبهات والأربع شهادات للقاذف شبهة قوية ولو اعترف المقذوف مرة أو مرتين أو ثلاثا درئ الحد عن القاذف ولم يجب الحد عنها عند أكثر العلماء ولو كان المقذوف غير محصن - مثل أن يكون مشهورا بالفاحشة - لم يحد قاذفه حد القذف ولم يحد هو حد الزنا لمجرد الاستفاضة
[ ص: 352 ] وإن كان يعاقب كل منهما دون الحد وقد
nindex.php?page=treesubj&link=10282اعتبر نصاب حد الزنا بأربعة شهداء .
وكذلك تعتبر صفاتهم فلا يقام حد الزنا على مسلم إلا بشهادة مسلمين لكن يقال : لم يقيدهم بأن يكونوا عدولا مرضيين كما قيدهم في آية الدين بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=291&ayano=2ممن ترضون من الشهداء } وقال في آية الوصية : {
nindex.php?page=tafseer&surano=780&ayano=5اثنان ذوا عدل منكم } وقال في آية الرجعة {
nindex.php?page=tafseer&surano=5284&ayano=65وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله } فقد أمرنا الله سبحانه بأن نحمل الشهادة المحتاج إليها لأهل العدل والرضا وهؤلاء هم الممتثلون ما أمرهم الله به بقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=632&ayano=4يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا } الآية . وفي قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=947&ayano=6وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=292&ayano=2ولا تكتموا الشهادة } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=291&ayano=2ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5478&ayano=70والذين هم بشهاداتهم قائمون } فهم يقومون بالشهادة بالقسط لله فيحصل مقصود الذي استشهده .
" الوجه الثاني " أن كون شهادتهم مقبولة مسموعة لأنهم أهل العدل والرضى . فدل على وجوب ذلك في القبول والأداء وقد نهى سبحانه عن
nindex.php?page=treesubj&link=27107قبول شهادة الفاسق بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4667&ayano=49إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا } الآية لكن هذا نص في أن الفاسق الواحد يجب التبين في خبره
[ ص: 353 ] وأما الفاسقان فصاعدا فالدلالة عليه تحتاج إلى مقدمة أخرى وما ذكروه من عدد الشهود لا يعتبر في الحكم باتفاق العلماء في مواضع وعند جمهورهم قد يحكم بلا شهود في مواضع عند النكول والرد ونحو ذلك ويحكم بشاهد ويمين كما مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87745قضى بشاهد ويمين } رواه
أبو داود وغيره من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ورواه
مسلم من حديث
ابن عباس : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597735أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين } ورواه غيرهما ويدل على هذا أن الله لم يعتبر عند الأداء هذا القيد : لا في آية الزنا ولا في آية القذف بل قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=512&ayano=4فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2819&ayano=24والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } وإنما أمر بالتثبت عند خبر الفاسق الواحد ولم يأمر به عند خبر الفاسقين فإن خبر الاثنين يوجب من الاعتقاد ما لا يوجبه خبر الواحد ; ولهذا قال العلماء :
nindex.php?page=treesubj&link=10299_10308_26930إذا استراب الحاكم في الشهود فرقهم وسألهم عن مكان الشهادة وزمانها وصفتها وتحملها وغير ذلك مما يتبين به اتفاقهم واختلافهم .
وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2819&ayano=24ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } فهذا نص في أن هؤلاء القذفة لا تقبل لهم شهادة أبدا واحدا كانوا أو عددا ; بل لفظ الآية ينتظم العدد على سبيل الجمع والبدل ; لأن الآية نزلت في
أهل الإفك باتفاق أهل العلم والحديث والفقه والتفسير وكان الذين قذفوا
[ ص: 354 ] عائشة عددا ولم يكونوا واحدا لما رأوها قد قدمت صحبة
صفوان بن المعطل السلمي بعد قفول العسكر وكانت قد ذهبت تطلب قلادة لها عدمت فرفع أصحاب الهودج هودجها معتقدين أنها فيه لخفتها ولم تكن فيه فلما رجعت لم تجد أحدا من الجيش فمكثت مكانها وكان
صفوان قد تخلف وراء الجيش فلما رآها أعرض بوجهه عنها وأناخ راحلته حتى ركبتها ثم ذهب بها إلى العسكر فكانت خلوته بها للضرورة كما يجوز للمرأة أن
nindex.php?page=treesubj&link=17875_27335تسافر بلا محرم للضرورة كسفر الهجرة : مثل ما قدمت
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مهاجرة وقصة
عائشة .
وقد دلت الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=26930القاذفين لا تقبل شهادتهم مجتمعين ولا متفرقين .
ودلت أيضا على أن شهادتهم بعد التوبة مقبولة كما هو مذهب الجمهور فإنه كان من جملتهم
nindex.php?page=showalam&ids=7927مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت كما في الصحيح عن
عائشة وكان منهم
حمنة بنت جحش وغيرها ومعلوم أنه لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم ولا المسلمون بعده شهادة أحد منهم لأنهم كلهم تابوا لما نزل القرآن ببراءتها ومن لم يتب حينئذ فإنه كافر مكذب بالقرآن وهؤلاء ما زالوا مسلمين وقد نهى الله عن قطع صلتهم ولو ردت شهادتهم بعد التوبة لاستفاض ذلك كما استفاض رد
عمر شهادة
أبي بكرة وقصة
عائشة كانت أعظم من قصة
المغيرة ; لكن من
[ ص: 355 ] رد
nindex.php?page=treesubj&link=28995_27107شهادة القاذف بعد التوبة قد يقول : أرد شهادة من حد في القذف وهؤلاء لم يحدوا والأولون يجيبون بأجوبة .
( أحدها أنه قد روي في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم حد أولئك .
و ( الثاني أن هذا الشرط غير معتبر في ظاهر القرآن وهم لا يقولون به كما هو مقرر في موضعه .
و ( الثالث أن الذين اعتبروا الحد اعتبروه وقالوا : قد يكون القاذف صادقا وقد يكون كاذبا فإعراض المقذوف عن طلب حد القذف قد يكون لصدق القاذف فإذا طلب الحد ولم يأت القاذف بأربعة شهداء ظهر كذبه ومعلوم أن الذين قذفوا
عائشة ظهر كذبهم أعظم من ظهور كذب كل أحد ; فإن الله هو الذي برأها بكلامه الذي أنزله من فوق سبع سموات يتلى فإذا كانت شهادتهم بعد توبتهم مقبولة فشهادة غيرهم ممن شهد على غيرها بالقذف أولى بالقبول وقصة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب التي حكم فيها بين
المهاجرين والأنصار في شأن
المغيرة لما
nindex.php?page=treesubj&link=26929_26930شهد عليه ثلاثة بالزنا وتوقف الرابع عن الشهادة فجلد أولئك الثلاثة ورد شهادتهم دليل على الفصلين جميعا كما دلت قصة
عائشة على قبول شهادتهم بعد التوبة والجلد ; لأن اثنين من الثلاثة تابا فقبل
عمر [ ص: 356 ] والمسلمون شهادتهما والثالث وهو
أبو بكرة مع كونه من أفضلهم لم يتب فلما لم يتب لم يقبل المسلمون شهادته وكان من صالحي المسلمين وقد قال
عمر تب أقبل شهادتك ; لكن إذا كان القرآن قد بين أن
nindex.php?page=treesubj&link=10531_26484_28995القذفة إن لم يأتوا بأربعة شهداء لم تقبل شهادتهم أبدا ثم قال بعد ذلك : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2819&ayano=24وأولئك هم الفاسقون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2820&ayano=2إلا الذين تابوا } فمعلوم أن قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2819&ayano=24وأولئك هم الفاسقون } وصف ذم لهم زائد على ما ذكره من رد شهادتهم .
وأما تفسير
nindex.php?page=treesubj&link=10282_15961 " العدالة " المشروطة في هؤلاء الشهداء : فإنها الصلاح في الدين والمروءة والصلاح في أداء الواجبات وترك الكبيرة والإصرار على الصغيرة . و " الصلاح في المروءة " استعمال ما يجمله ويزينه واجتناب ما يدنسه ويشينه فإذا وجد هذا في شخص كان عدلا في شهادته وكان من الصالحين الأبرار . وأما أنه لا يستشهد أحد في وصية أو رجعة في جميع الأمكنة والأزمنة حتى يكون بهذه الصفة فليس في كتاب الله وسنة رسوله ما يدل على ذلك ; بل هذا صفة المؤمن الذي أكمل إيمانه بأداء الواجبات وإن كان المستحبات لم يكملها ومن كان كذلك كان من أولياء الله المتقين .
ثم إن القائلين بهذا قد يفسرون الواجبات بالصلوات الخمس ونحوها ; بل قد يجب على الإنسان من حقوق الله وحقوق عباده ما لا يحصيه
[ ص: 357 ] إلا الله تعالى مما يكون تركه أعظم إثما من شرب الخمر والزنا ومع ذلك لم يجعلوه قادحا في عدالته ; إما لعدم استشعار كثرة الواجبات وإما لالتفاتهم إلى ترك السيئات دون فعل الواجبات وليس الأمر كذلك في الشريعة وبالجملة هذا معتبر في باب الثواب والعقاب والمدح والذم والموالاة والمعاداة وهذا أمر عظيم .
وأما قول من يقول : الأصل في المسلمين العدالة فهو باطل ; بل الأصل في بني
آدم الظلم والجهل كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3638&ayano=33وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا } . ومجرد التكلم بالشهادتين لا يوجب انتقال الإنسان عن الظلم والجهل إلى العدل .
و ( باب الشهادة مداره على أن يكون الشهيد مرضيا أو يكون ذا عدل يتحرى القسط والعدل في أقواله وأفعاله والصدق في شهادته وخبره وكثيرا ما يوجد هذا مع الإخلال بكثير من تلك الصفات ; كما أن الصفات التي اعتبروها كثيرا ما توجد بدون هذا كما قد رأينا كل واحد من الصنفين كثيرا ; لكن يقال : إن ذلك مظنة الصدق والعدل والمقصود من الشهادة ودليل عليها وعلامة لها ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث المتفق على صحته : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597736عليكم بالصدق ; فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة } الحديث إلى آخره .
[ ص: 358 ] فالصدق مستلزم للبر كما أن الكذب مستلزم للفجور فإذا وجد الملزوم وهو تحري الصدق وجد اللازم وهو البر وإذا انتفى اللازم وهو البر انتفى الملزوم وهو الصدق وإذا وجد الكذب وهو الملزوم وجد الفجور وهو اللازم وإذا انتفى اللازم وهو الفجور انتفى الملزوم وهو الكذب ; فلهذا
nindex.php?page=treesubj&link=19474_18979استدل بعدم بر الرجل على كذبه وبعدم فجوره على صدقه .
فالعدل الذي ذكره الفقهاء من انتفى فجوره وهو إتيان الكبيرة والإصرار على الصغيرة وإذا انتفى ذلك فيه انتفى كذبه الذي يدعوه إلى هذا الفجور والفاسق هو من عدم بره وإذا عدم بره عدم صدقه ودلالة هذا الحديث مبنية على أن الداعي إلى البر يستلزم البر والداعي إلى الفجور يستلزم الفجور . فالخطأ كالنسيان والعمد كالكذب . والله أعلم .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=28995_10479قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { nindex.php?page=tafseer&surano=2819&ayano=24وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } وَقَالَ فِيهَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2819&ayano=24وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } وَقَالَ فِيهَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2828&ayano=24لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } فَذَكَرَ عَدَدَ الشُّهَدَاءِ وَأَطْلَقَ صِفَتَهُمْ وَلَمْ يُقَيِّدْهُمْ بِكَوْنِهِمْ مِنَّا وَلَا مِمَّنْ نَرْضَى وَلَا مِنْ ذَوِي الْعَدْلِ كَمَا قَيَّدَ صِفَةَ الشُّهَدَاءِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَلِهَذَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ :
nindex.php?page=treesubj&link=10282_26929_25855هَلْ شَهَادَةُ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الْحَدُّ عَلَى الزَّانِي مِثْلُ شَهَادَةِ أَهْلِ الْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ وَغَيْرِهِمْ هَلْ تَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْ الْقَاذِفِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ
أَحْمَد .
" أَحَدُهُمَا " أَنَّهَا تَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْ الْقَاذِفِ وَإِنْ لَمْ تُوجِبْ حَدَّ الزِّنَا عَلَى الْمَقْذُوفِ كَشَهَادَةِ الزَّوْجِ عَلَى امْرَأَتِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْرَأُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى امْرَأَتِهِ لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا تَدْفَعُ الْعَذَابَ عَنْهَا بِشَهَادَتِهَا أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ فَهَلْ تُحَدُّ أَوْ تُحْبَسُ حَتَّى تُقِرَّ أَوْ تُلَاعِنَ أَوْ يُخَلَّى سَبِيلُهَا ؟ فِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ وُجُوبُ حَدِّ الزِّنَا عَلَى الْمَقْذُوفِ ; فَإِنَّ كِلَاهُمَا حَدٌّ
nindex.php?page=treesubj&link=25855وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَالْأَرْبَعُ شَهَادَاتٍ لِلْقَاذِفِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ وَلَوْ اعْتَرَفَ الْمَقْذُوفُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا دُرِئَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَلَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عَنْهَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ غَيْرَ مُحْصَنٍ - مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْفَاحِشَةِ - لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَمْ يُحَدَّ هُوَ حَدَّ الزِّنَا لِمُجَرَّدِ الِاسْتِفَاضَةِ
[ ص: 352 ] وَإِنْ كَانَ يُعَاقَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا دُونَ الْحَدِّ وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=10282اُعْتُبِرَ نِصَابُ حَدِّ الزِّنَا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ .
وَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ صِفَاتُهُمْ فَلَا يُقَامُ حَدُّ الزِّنَا عَلَى مُسْلِمٍ إلَّا بِشَهَادَةِ مُسْلِمِينَ لَكِنْ يُقَالُ : لَمْ يُقَيِّدْهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا عُدُولًا مَرْضِيِّينَ كَمَا قَيَّدَهُمْ فِي آيَةِ الدَّيْنِ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=291&ayano=2مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ } وَقَالَ فِي آيَةِ الْوَصِيَّةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=780&ayano=5اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَقَالَ فِي آيَةِ الرَّجْعَةِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5284&ayano=65وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } فَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ نَحْمِلَ الشَّهَادَةَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهَا لِأَهْلِ الْعَدْلِ وَالرِّضَا وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُمْتَثِلُونَ مَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=632&ayano=4يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا } الْآيَةُ . وَفِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=947&ayano=6وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=292&ayano=2وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=291&ayano=2وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5478&ayano=70وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ } فَهُمْ يَقُومُونَ بِالشَّهَادَةِ بِالْقِسْطِ لِلَّهِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُ الَّذِي اسْتَشْهَدَهُ .
" الْوَجْهُ الثَّانِي " أَنَّ كَوْنَ شَهَادَتِهِمْ مَقْبُولَةً مَسْمُوعَةً لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْعَدْلِ وَالرِّضَى . فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ فِي الْقَبُولِ وَالْأَدَاءِ وَقَدْ نَهَى سُبْحَانَهُ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=27107قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4667&ayano=49إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } الْآيَةُ لَكِنَّ هَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْفَاسِقَ الْوَاحِدَ يَجِبُ التَّبَيُّنُ فِي خَبَرِهِ
[ ص: 353 ] وَأَمَّا الْفَاسِقَانِ فَصَاعِدًا فَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ تَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَةٍ أُخْرَى وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ عَدَدِ الشُّهُودِ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فِي مَوَاضِعَ وَعِنْدَ جُمْهُورِهِمْ قَدْ يُحْكَمُ بِلَا شُهُودٍ فِي مَوَاضِعَ عِنْدَ النُّكُولِ وَالرَّدِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيُحْكَمُ بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ كَمَا مَضَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87745قَضَى بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ } رَوَاهُ
أَبُو داود وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597735أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ } وَرَوَاهُ غَيْرُهُمَا وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَعْتَبِرْ عِنْدَ الْأَدَاءِ هَذَا الْقَيْدَ : لَا فِي آيَةِ الزِّنَا وَلَا فِي آيَةِ الْقَذْفِ بَلْ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=512&ayano=4فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2819&ayano=24وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالتَّثَبُّتِ عِنْدَ خَبَرِ الْفَاسِقِ الْوَاحِدِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ عِنْدَ خَبَرِ الْفَاسِقِينَ فَإِنَّ خَبَرَ الِاثْنَيْنِ يُوجِبُ مِنْ الِاعْتِقَادِ مَا لَا يُوجِبُهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ ; وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ :
nindex.php?page=treesubj&link=10299_10308_26930إذَا اسْتَرَابَ الْحَاكِمُ فِي الشُّهُودِ فَرَّقَهُمْ وَسَأَلَهُمْ عَنْ مَكَانِ الشَّهَادَةِ وَزَمَانِهَا وَصِفَتِهَا وَتَحَمُّلِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَبَيَّنُ بِهِ اتِّفَاقُهُمْ وَاخْتِلَافُهُمْ .
وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2819&ayano=24وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَذَفَةِ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ شَهَادَةٌ أَبَدًا وَاحِدًا كَانُوا أَوْ عَدَدًا ; بَلْ لَفْظُ الْآيَةِ يَنْتَظِمُ الْعَدَدَ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ وَالْبَدَلِ ; لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي
أَهْلِ الْإِفْكِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَكَانَ الَّذِينَ قَذَفُوا
[ ص: 354 ] عَائِشَةَ عَدَدًا وَلَمْ يَكُونُوا وَاحِدًا لَمَّا رَأَوْهَا قَدْ قَدِمَتْ صُحْبَةَ
صَفْوَانِ بْنِ الْمُعَطَّلِ السلمي بَعْدَ قُفُولِ الْعَسْكَرِ وَكَانَتْ قَدْ ذَهَبَتْ تَطْلُبُ قِلَادَةً لَهَا عَدِمَتْ فَرَفَعَ أَصْحَابُ الْهَوْدَجِ هَوْدَجَهَا مُعْتَقِدِينَ أَنَّهَا فِيهِ لِخِفَّتِهَا وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ فَلَمَّا رَجَعَتْ لَمْ تَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْجَيْشِ فَمَكَثَتْ مَكَانَهَا وَكَانَ
صَفْوَانُ قَدْ تَخَلَّفَ وَرَاءَ الْجَيْشِ فَلَمَّا رَآهَا أَعْرَضَ بِوَجْهِهِ عَنْهَا وَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى رَكِبَتْهَا ثُمَّ ذَهَبَ بِهَا إلَى الْعَسْكَرِ فَكَانَتْ خَلْوَتُهُ بِهَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=17875_27335تُسَافِرَ بِلَا مَحْرَمٍ لِلضَّرُورَةِ كَسَفَرِ الْهِجْرَةِ : مِثْلَ مَا قَدِمَتْ
أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي معيط مُهَاجِرَةً وَقِصَّةِ
عَائِشَةَ .
وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26930الْقَاذِفِينَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ مُجْتَمِعِينَ وَلَا مُتَفَرِّقِينَ .
وَدَلَّتْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ شَهَادَتَهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ مَقْبُولَةٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=7927مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ
عَائِشَةَ وَكَانَ مِنْهُمْ
حمنة بِنْتُ جَحْشٍ وَغَيْرُهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ شَهَادَةَ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ تَابُوا لَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِبَرَاءَتِهَا وَمَنْ لَمْ يَتُبْ حِينَئِذٍ فَإِنَّهُ كَافِرٌ مُكَذِّبٌ بِالْقُرْآنِ وَهَؤُلَاءِ مَا زَالُوا مُسْلِمِينَ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ قَطْعِ صِلَتِهِمْ وَلَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ لَاسْتَفَاضَ ذَلِكَ كَمَا اسْتَفَاضَ رَدُّ
عُمَرَ شَهَادَةِ
أَبِي بَكْرَةَ وَقِصَّةُ
عَائِشَةَ كَانَتْ أَعْظَمَ مِنْ قِصَّةِ
الْمُغِيرَةِ ; لَكِنَّ مَنْ
[ ص: 355 ] رَدَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28995_27107شَهَادَةَ الْقَاذِفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ قَدْ يَقُولُ : أَرُدُّ شَهَادَةَ مَنْ حُدَّ فِي الْقَذْفِ وَهَؤُلَاءِ لَمْ يُحَدُّوا وَالْأَوَّلُونَ يُجِيبُونَ بِأَجْوِبَةِ .
( أَحَدُهَا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي السُّنَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ أُولَئِكَ .
و ( الثَّانِي أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ .
و ( الثَّالِثُ أَنَّ الَّذِينَ اعْتَبَرُوا الْحَدَّ اعْتَبَرُوهُ وَقَالُوا : قَدْ يَكُونُ الْقَاذِفُ صَادِقًا وَقَدْ يَكُونُ كَاذِبًا فَإِعْرَاضُ الْمَقْذُوفِ عَنْ طَلَبِ حَدِّ الْقَذْفِ قَدْ يَكُونُ لِصِدْقِ الْقَاذِفِ فَإِذَا طُلِبَ الْحَدُّ وَلَمْ يَأْتِ الْقَاذِفُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ظَهَرَ كَذِبُهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِينَ قَذَفُوا
عَائِشَةَ ظَهَرَ كَذِبُهُمْ أَعْظَمَ مِنْ ظُهُورِ كَذِبِ كُلِّ أَحَدٍ ; فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي بَرَّأَهَا بِكَلَامِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ يُتْلَى فَإِذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ مَقْبُولَةً فَشَهَادَةُ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ شَهِدَ عَلَى غَيْرِهَا بِالْقَذْفِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ وَقِصَّةُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا بَيْن
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي شَأْنِ
الْمُغِيرَةِ لَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=26929_26930شَهِدَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا وَتَوَقَّفَ الرَّابِعُ عَنْ الشَّهَادَةِ فَجَلَدَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةَ وَرَدَّ شَهَادَتَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا كَمَا دَلَّتْ قِصَّةُ
عَائِشَةَ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالْجَلَدِ ; لِأَنَّ اثْنَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ تَابَا فَقَبِلَ
عُمَرُ [ ص: 356 ] وَالْمُسْلِمُونَ شَهَادَتَهُمَا وَالثَّالِثُ وَهُوَ
أَبُو بَكْرَةَ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَفْضَلِهِمْ لَمْ يَتُبْ فَلَمَّا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُسْلِمُونَ شَهَادَتَهُ وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ
عُمَرُ تُبْ أَقْبَلْ شَهَادَتَك ; لَكِنْ إذَا كَانَ الْقُرْآنُ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10531_26484_28995الْقَذَفَةَ إنْ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ أَبَدًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2819&ayano=24وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2820&ayano=2إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } فَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2819&ayano=24وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } وَصْفُ ذَمٍّ لَهُمْ زَائِدٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ رَدِّ شَهَادَتِهِمْ .
وَأَمَّا تَفْسِيرُ
nindex.php?page=treesubj&link=10282_15961 " الْعَدَالَةِ " الْمَشْرُوطَةِ فِي هَؤُلَاءِ الشُّهَدَاءِ : فَإِنَّهَا الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ وَالْمُرُوءَةُ وَالصَّلَاحُ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْكَبِيرَةِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغِيرَةِ . و " الصَّلَاحُ فِي الْمُرُوءَةِ " اسْتِعْمَالُ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ وَاجْتِنَابُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ فَإِذَا وُجِدَ هَذَا فِي شَخْصٍ كَانَ عَدْلًا فِي شَهَادَتِهِ وَكَانَ مِنْ الصَّالِحِينَ الْأَبْرَارِ . وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَشْهَدُ أَحَدٌ فِي وَصِيَّةٍ أَوْ رَجْعَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ حَتَّى يَكُونَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ; بَلْ هَذَا صِفَةُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي أَكْمَلَ إيمَانَهُ بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبَّاتِ لَمْ يُكْمِلْهَا وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ .
ثُمَّ إنَّ الْقَائِلِينَ بِهَذَا قَدْ يُفَسِّرُونَ الْوَاجِبَاتِ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَنَحْوِهَا ; بَلْ قَدْ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ مَا لَا يُحْصِيهِ
[ ص: 357 ] إلَّا اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا يَكُونُ تَرْكُهُ أَعْظَمَ إثْمًا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَجْعَلُوهُ قَادِحًا فِي عَدَالَتِهِ ; إمَّا لِعَدَمِ اسْتِشْعَارِ كَثْرَةِ الْوَاجِبَاتِ وَإِمَّا لِالْتِفَاتِهِمْ إلَى تَرْكِ السَّيِّئَاتِ دُونَ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ وَبِالْجُمْلَةِ هَذَا مُعْتَبَرٌ فِي بَابِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ وَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ .
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ : الْأَصْلُ فِي الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ فَهُوَ بَاطِلٌ ; بَلْ الْأَصْلُ فِي بَنِي
آدَمَ الظُّلْمُ وَالْجَهْلُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3638&ayano=33وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } . وَمُجَرَّدُ التَّكَلُّمِ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا يُوجِبُ انْتِقَالَ الْإِنْسَانِ عَنْ الظُّلْمِ وَالْجَهْلِ إلَى الْعَدْلِ .
و ( بَابُ الشَّهَادَةِ مَدَارُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الشَّهِيدُ مَرْضِيًّا أَوْ يَكُونَ ذَا عَدْلٍ يَتَحَرَّى الْقِسْطَ وَالْعَدْلَ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَالصِّدْقَ فِي شَهَادَتِهِ وَخَبَرِهِ وَكَثِيرًا مَا يُوجَدُ هَذَا مَعَ الْإِخْلَالِ بِكَثِيرِ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ ; كَمَا أَنَّ الصِّفَاتِ الَّتِي اعْتَبَرُوهَا كَثِيرًا مَا تُوجَدُ بِدُونِ هَذَا كَمَا قَدْ رَأَيْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الصِّنْفَيْنِ كَثِيرًا ; لَكِنْ يُقَالُ : إنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الشَّهَادَةِ وَدَلِيلٌ عَلَيْهَا وَعَلَامَةٌ لَهَا ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597736عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ ; فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ وَالْبِرَّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ } الْحَدِيثُ إلَى آخِرِهِ .
[ ص: 358 ] فَالصِّدْقُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْبِرِّ كَمَا أَنَّ الْكَذِبَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْفُجُورِ فَإِذَا وُجِدَ الْمَلْزُومُ وَهُوَ تَحَرِّي الصِّدْقِ وُجِدَ اللَّازِمُ وَهُوَ الْبِرُّ وَإِذَا انْتَفَى اللَّازِمُ وَهُوَ الْبِرُّ انْتَفَى الْمَلْزُومُ وَهُوَ الصِّدْقُ وَإِذَا وُجِدَ الْكَذِبُ وَهُوَ الْمَلْزُومُ وُجِدَ الْفُجُورُ وَهُوَ اللَّازِمُ وَإِذَا انْتَفَى اللَّازِمُ وَهُوَ الْفُجُورُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ وَهُوَ الْكَذِبُ ; فَلِهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=19474_18979اُسْتُدِلَّ بِعَدَمِ بِرِّ الرَّجُلِ عَلَى كَذِبِهِ وَبِعَدَمِ فُجُورِهِ عَلَى صِدْقِهِ .
فَالْعَدْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ مَنْ انْتَفَى فُجُورُهُ وَهُوَ إتْيَانُ الْكَبِيرَةِ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ فِيهِ انْتَفَى كَذِبُهُ الَّذِي يَدْعُوهُ إلَى هَذَا الْفُجُورِ وَالْفَاسِقُ هُوَ مَنْ عَدِمَ بِرُّهُ وَإِذَا عَدِمَ بِرُّهُ عَدِمَ صِدْقُهُ وَدَلَالَةُ هَذَا الْحَدِيثِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ إلَى الْبِرِّ يَسْتَلْزِمُ الْبِرَّ وَالدَّاعِيَ إلَى الْفُجُورِ يَسْتَلْزِمُ الْفُجُورَ . فَالْخَطَأُ كَالنِّسْيَانِ وَالْعَمْدُ كَالْكَذِبِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .