فمن تدبر القرآن : تبين له أنه كما
nindex.php?page=treesubj&link=29010_28867قال تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=4120&ayano=39الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني } يشبه بعضه بعضا . ويصدق بعضه بعضا . ليس بمختلف ولا بمتناقض {
nindex.php?page=tafseer&surano=579&ayano=4ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } . وهو " مثاني " يثني الله فيه الأقسام . ويستوفيها . والحقائق : إما متماثلة . وهي " المتشابه " وإما مماثلة . وهي : الأصناف والأقسام والأنواع . وهي " المثاني " . و " التثنية " يراد بها : جنس التعديد من غير اقتصار على اثنين فقط . كما في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5312&ayano=67ارجع البصر كرتين } يراد به : مطلق العدد كما تقول : قلت له مرة بعد مرة . تريد : جنس العدد .
وتقول : هو يقول كذا ويقول كذا . وإن كان قد قال مرات كقول
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597602عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه جعل يقول بين السجدتين : رب اغفر لي . رب اغفر لي } لم يرد : أن هذا قاله مرتين فقط كما يظنه بعض الناس الغالطين . بل يريد : أنه جعل يثني هذا القول ويردده ويكرره كما كان يثني لفظ التسبيح .
[ ص: 408 ] وقد قال
حذيفة رضي الله عنه في الحديث الصحيح الذي رواه
مسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597603إنه ركع نحوا من قيامه يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم وذكر أنه سجد نحوا من قيامه يقول في سجوده : رب اغفر لي . رب اغفر لي } . وقد صرح في الحديث الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597604أنه أطال الركوع والسجود بقدر البقرة والنساء وآل عمران } فإنه قام بهذه السور كلها .
وذكر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597605أنه كان يقول : سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى } . فعلم أنه أراد بتثنية اللفظ : جنس التعداد والتكرار لا الاقتصار على مرتين . فإن " الاثنين " أول العدد الكثير . فذكر أول الأعداد يعني أنه عدد هذا اللفظ لم يقتصر على مرة واحدة .
فالتثنية التعديد . والتعديد يكون للأقسام المختلفة . وليس في القرآن تكرار محض بل لا بد من فوائد في كل خطاب . ف " المتشابه " في النظائر المتماثلة . و " المثاني " في الأنواع . وتكون التثنية في المتشابه أي هذا المعنى قد ثني في القرآن لفوائد أخر .
[ ص: 409 ] ف " المثاني " تعم هذا وهذا . وفاتحة الكتاب : هي " السبع المثاني " لتضمنها هذا وهذا . وبسط هذا له موضع آخر .
والمقصود هنا : أن قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة } قد تم الكلام هنا . فلا يملك أحد من المعبودين من دون الله الشفاعة ألبتة . ثم استثنى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } فهذا استثناء منقطع . والمنقطع يكون في المعنى المشترك بين المذكورين . فلما نفى ملكهم الشفاعة بقيت الشفاعة بلا مالك لها .
كأنه قد قيل : فإذا لم يملكوها هل يشفعون في أحد ؟ فقال : نعم {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43من شهد بالحق وهم يعلمون } . وهذا يتناول الشافع والمشفوع له . فلا يشفع إلا من شهد بالحق وهم يعلمون . فالملائكة والأنبياء والصالحون - وإن كانوا لا يملكون الشفاعة - لكن إذا أذن الرب لهم شفعوا . وهم لا يؤذن لهم إلا في الشفاعة للمؤمنين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله .
فيشهدون بالحق وهم يعلمون . لا يشفعون لمن قال هذه الكلمة تقليدا للآباء والشيوخ . كما جاء الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597606إن الرجل يسأل في قبره ؟ ما تقول في هذا الرجل ؟ فأما المؤمن فيقول : هو عبد الله ورسوله . جاءنا بالبينات والهدى . وأما المرتاب فيقول : هاه هاه لا أدري . سمعت [ ص: 410 ] الناس يقولون شيئا فقلته } فلهذا قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43إلا من شهد بالحق وهم يعلمون }
. وقد تقدم قول
ابن عباس : يعني من قال " لا إله إلا الله " يعني : خالصا من قلبه . والأحاديث الصحيحة الواردة في الشفاعة كلها تبين : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28768الشفاعة إنما تكون في أهل " لا إله إلا الله " . وقد ثبت في صحيح
البخاري . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597607أن nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ قال : يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث . أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة : من قال لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه }
. فبين أن المخلص لها من قبل نفسه : هو أسعد بشفاعته صلى الله عليه وسلم من غيره ممن يقولها بلسانه وتكذبها أقواله وأعماله . فهؤلاء هم الذين شهدوا بالحق شهدوا " أن لا إله إلا الله " كما شهد الله لنفسه بذلك وملائكته وأولو العلم {
nindex.php?page=tafseer&surano=314&ayano=3شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } . فإذا شهدوا - وهم يعلمون - كانوا من أهل الشفاعة شافعين ومشفوعا لهم . فإن المؤمنين أهل التوحيد يشفع بعضهم في بعض كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة . كما ثبت في الصحيحين من حديث
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : - في الحديث الطويل حديث التجلي والشفاعة - {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597608حتى إذا خلص المؤمنون من النار .
فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار . يقولون : ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون . فيقال لهم : أخرجوا من عرفتم . فتحرم صورهم على النار } - وذكر تمام الحديث " .
nindex.php?page=treesubj&link=28974_28768_28861وسبب نزول الآية - على ما ذكروه - مؤيد لما ذكره .
قال
أبو الفرج ابن الجوزي : سبب نزولها : أن
النضر بن الحارث ونفرا معه قالوا " إن كان ما يقول
محمد حقا . فنحن نتولى الملائكة . فهم أحق بالشفاعة من
محمد . فنزلت هذه الآية " قاله
مقاتل .
[ ص: 412 ] وعلى هذا : فيقصد أن
nindex.php?page=treesubj&link=29690الملائكة وغيرهم لا يملكون الشفاعة . فليس توليكم إياهم واستشفاعكم بهم : بالذي يوجب أن يشفعوا لكم . فإن أحدا ممن يدعى من دون الله لا يملك الشفاعة . ولكن {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43من شهد بالحق وهم يعلمون } فإن الله يشفع فيه .
فالذي تنال به الشفاعة : هي الشهادة بالحق . وهي شهادة أن لا إله إلا الله . لا تنال بتولي غير الله . لا الملائكة ولا الأنبياء ولا الصالحين . فمن والى أحدا من هؤلاء ودعاه وحج إلى قبره أو موضعه ونذر له وحلف به وقرب له القرابين ليشفع له : لم يغن ذلك عنه من الله شيئا . وكان من أبعد الناس عن شفاعته وشفاعة غيره . فإن الشفاعة إنما تكون : لأهل توحيد الله وإخلاص القلب والدين له . ومن تولى أحدا من دون الله فهو مشرك . فهذا القول والعبادة الذي يقصد به المشركون الشفاعة : يحرم عليهم الشفاعة . فالذين عبدوا الملائكة والأنبياء والأولياء والصالحين - ليشفعوا لهم - كانت عبادتهم إياهم وإشراكهم بربهم الذي به طلبوا شفاعتهم : به حرموا شفاعتهم وعوقبوا بنقيض قصدهم . لأنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا . وكثير من أهل الضلال : يظن أن الشفاعة تنال بهذه الأمور التي
[ ص: 413 ] فيها شرك أو هي شرك خالص كما ظن ذلك المشركون الأولون . وكما يظنه
النصارى ومن ضل من المنتسبين إلى الإسلام . الذين يدعون غير الله ويحجون إلى قبره أو مكانه وينذرون له ويحلفون به . ويظنون : أنه بهذا يصير شفيعا لهم .
nindex.php?page=treesubj&link=28988_29428_29690قال تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=2102&ayano=17قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=17أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } . قال طائفة من
السلف : كان أقوام يعبدون
المسيح والعزير والملائكة فبين الله أنهم لا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويله . كما بين أنهم لا يملكون الشفاعة .
وهذا لا استثناء فيه وإن كان الله يجيب دعاءهم ثم قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=17أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } فبين أن هؤلاء المزعومين الذين يدعونهم من دون الله كانوا يرجون رحمة الله ويخافون عذابه ويتقربون إليه بالأعمال الصالحة كسائر عباده المؤمنين وقد قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=376&ayano=3ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } .
فَمَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ : تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَمَا
nindex.php?page=treesubj&link=29010_28867قَالَ تَعَالَى { nindex.php?page=tafseer&surano=4120&ayano=39اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ } يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا . وَيُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا . لَيْسَ بِمُخْتَلِفِ وَلَا بِمُتَنَاقِضِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=579&ayano=4وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } . وَهُوَ " مَثَانِيَ " يُثَنِّي اللَّهُ فِيهِ الْأَقْسَامَ . وَيَسْتَوْفِيَهَا . وَالْحَقَائِقُ : إمَّا مُتَمَاثِلَةٌ . وَهِيَ " الْمُتَشَابِهُ " وَإِمَّا مُمَاثِلَةٌ . وَهِيَ : الْأَصْنَافُ وَالْأَقْسَامُ وَالْأَنْوَاعُ . وَهِيَ " الْمَثَانِي " . و " التَّثْنِيَةُ " يُرَادُ بِهَا : جِنْسُ التَّعْدِيدِ مِنْ غَيْرِ اقْتِصَارٍ عَلَى اثْنَيْنِ فَقَطْ . كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5312&ayano=67ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ } يُرَادُ بِهِ : مُطْلَقُ الْعَدَدِ كَمَا تَقُولُ : قُلْت لَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ . تُرِيدُ : جِنْسَ الْعَدَدِ .
وَتَقُولُ : هُوَ يَقُولُ كَذَا وَيَقُولُ كَذَا . وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ مَرَّاتٍ كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597602عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ جَعَلَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ : رَبِّ اغْفِرْ لِي . رَبِّ اغْفِرْ لِي } لَمْ يُرِدْ : أَنَّ هَذَا قَالَهُ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ الغالطين . بَلْ يُرِيدُ : أَنَّهُ جَعَلَ يُثَنِّي هَذَا الْقَوْلَ وَيُرَدِّدَهُ وَيُكَرِّرَهُ كَمَا كَانَ يُثَنِّي لَفْظَ التَّسْبِيحِ .
[ ص: 408 ] وَقَدْ قَالَ
حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ
مُسْلِمٌ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597603إنَّهُ رَكَعَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ : سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَذَكَرَ أَنَّهُ سَجَدَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ : رَبِّ اغْفِرْ لِي . رَبِّ اغْفِرْ لِي } . وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597604أَنَّهُ أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ بِقَدْرِ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ وَآلِ عِمْرَانَ } فَإِنَّهُ قَامَ بِهَذِهِ السُّوَرِ كُلِّهَا .
وَذَكَرَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597605أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى } . فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِتَثْنِيَةِ اللَّفْظِ : جِنْسَ التَّعْدَادِ وَالتَّكْرَارِ لَا الِاقْتِصَارَ عَلَى مَرَّتَيْنِ . فَإِنَّ " الِاثْنَيْنِ " أَوَّلُ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ . فَذَكَرَ أَوَّلَ الْأَعْدَادِ يَعْنِي أَنَّهُ عَدَّدَ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ .
فَالتَّثْنِيَةُ التَّعْدِيدُ . وَالتَّعْدِيدُ يَكُونُ لِلْأَقْسَامِ الْمُخْتَلِفَةِ . وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ تَكْرَارٌ مَحْضٌ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فَوَائِدَ فِي كُلِّ خِطَابٍ . ف " الْمُتَشَابِهُ " فِي النَّظَائِرِ الْمُتَمَاثِلَةِ . و " الْمَثَانِي " فِي الْأَنْوَاعِ . وَتَكُونُ التَّثْنِيَةُ فِي الْمُتَشَابِهِ أَيْ هَذَا الْمَعْنَى قَدْ ثُنِّيَ فِي الْقُرْآنِ لِفَوَائِدَ أُخَرَ .
[ ص: 409 ] ف " الْمَثَانِي " تَعُمُّ هَذَا وَهَذَا . وَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ : هِيَ " السَّبْعُ الْمَثَانِي " لِتَضَمُّنِهَا هَذَا وَهَذَا . وَبَسْطٌ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ قَوْلَهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ } قَدْ تَمَّ الْكَلَامُ هُنَا . فَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنْ الْمَعْبُودِينَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الشَّفَاعَةَ أَلْبَتَّةَ . ثُمَّ اسْتَثْنَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ . وَالْمُنْقَطِعُ يَكُونُ فِي الْمَعْنَى الْمُشْتَرِكِ بَيْنَ الْمَذْكُورِينَ . فَلَمَّا نَفَى مُلْكَهُمْ الشَّفَاعَةَ بَقِيَتْ الشَّفَاعَةُ بِلَا مَالِكٍ لَهَا .
كَأَنَّهُ قَدْ قِيلَ : فَإِذَا لَمْ يَمْلِكُوهَا هَلْ يَشْفَعُونَ فِي أَحَدٍ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الشَّافِعَ وَالْمَشْفُوعَ لَهُ . فَلَا يَشْفَعُ إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . فَالْمَلَائِكَةُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ - وَإِنْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ - لَكِنْ إذَا أَذِنَ الرَّبُّ لَهُمْ شَفَعُوا . وَهُمْ لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ إلَّا فِي الشَّفَاعَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ .
فَيَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . لَا يَشْفَعُونَ لِمَنْ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تَقْلِيدًا لِلْآبَاءِ وَالشُّيُوخِ . كَمَا جَاءَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597606إنَّ الرَّجُلَ يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ ؟ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ : هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ . جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى . وَأَمَّا الْمُرْتَابُ فَيَقُولُ : هاه هاه لَا أَدْرِي . سَمِعْت [ ص: 410 ] النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْته } فَلِهَذَا قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ : يَعْنِي مَنْ قَالَ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " يَعْنِي : خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ . وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْوَارِدَةُ فِي الشَّفَاعَةِ كُلُّهَا تُبَيِّنُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28768الشَّفَاعَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي أَهْلِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597607أَنَّ nindex.php?page=showalam&ids=3أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : يَا nindex.php?page=showalam&ids=3أَبَا هُرَيْرَةَ لَقَدْ ظَنَنْت أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْك لِمَا رَأَيْت مِنْ حِرْصِك عَلَى الْحَدِيثِ . أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ : مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ }
. فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُخْلِصَ لَهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ : هُوَ أَسْعَدُ بِشَفَاعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُولُهَا بِلِسَانِهِ وَتُكَذِّبُهَا أَقْوَالُهُ وَأَعْمَالُهُ . فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْحَقِّ شَهِدُوا " أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " كَمَا شَهِدَ اللَّهُ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ وَمَلَائِكَتُهُ وَأُولُو الْعِلْمِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=314&ayano=3شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } . فَإِذَا شَهِدُوا - وَهُمْ يَعْلَمُونَ - كَانُوا مِنْ أَهْلِ الشَّفَاعَةِ شَافِعِينَ وَمَشْفُوعًا لَهُمْ . فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ أَهْلَ التَّوْحِيدِ يَشْفَعُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : - فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ حَدِيثِ التَّجَلِّي وَالشَّفَاعَةِ - {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597608حَتَّى إذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ .
فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ . يَقُولُونَ : رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ . فَيُقَالُ لَهُمْ : أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ . فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ } - وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ " .
nindex.php?page=treesubj&link=28974_28768_28861وَسَبَبُ نُزُولِ الْآيَةَ - عَلَى مَا ذَكَرُوهُ - مُؤَيِّدٌ لِمَا ذَكَرَهُ .
قَالَ
أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : سَبَبُ نُزُولِهَا : أَنَّ
النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَنَفَرًا مَعَهُ قَالُوا " إنْ كَانَ مَا يَقُولُ
مُحَمَّدٌ حَقًّا . فَنَحْنُ نَتَوَلَّى الْمَلَائِكَةَ . فَهُمْ أَحَقُّ بِالشَّفَاعَةِ مِنْ
مُحَمَّدٍ . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ " قَالَهُ
مُقَاتِلٌ .
[ ص: 412 ] وَعَلَى هَذَا : فَيُقْصَدُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29690الْمَلَائِكَةَ وَغَيْرَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ . فَلَيْسَ تَوَلِّيكُمْ إيَّاهُمْ وَاسْتِشْفَاعُكُمْ بِهِمْ : بِاَلَّذِي يُوجِبُ أَنْ يَشْفَعُوا لَكُمْ . فَإِنَّ أَحَدًا مِمَّنْ يُدْعَى مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ . وَلَكِنْ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فَإِنَّ اللَّهَ يَشْفَعُ فِيهِ .
فَاَلَّذِي تُنَالُ بِهِ الشَّفَاعَةُ : هِيَ الشَّهَادَةُ بِالْحَقِّ . وَهِيَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ . لَا تُنَالُ بِتَوَلِّي غَيْرِ اللَّهِ . لَا الْمَلَائِكَةِ وَلَا الْأَنْبِيَاءِ وَلَا الصَّالِحِينَ . فَمَنْ وَالَى أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ وَدَعَاهُ وَحَجَّ إلَى قَبْرِهِ أَوْ مَوْضِعِهِ وَنَذَرَ لَهُ وَحَلَفَ بِهِ وَقَرَّبَ لَهُ الْقَرَابِينَ لِيَشْفَعَ لَهُ : لَمْ يُغْنِ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا . وَكَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ شَفَاعَتِهِ وَشَفَاعَةِ غَيْرِهِ . فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ إنَّمَا تَكُونُ : لِأَهْلِ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْقَلْبِ وَالدِّينِ لَهُ . وَمَنْ تَوَلَّى أَحَدًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ . فَهَذَا الْقَوْلُ وَالْعِبَادَةُ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ الشَّفَاعَةَ : يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الشَّفَاعَةَ . فَاَلَّذِينَ عَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ - لِيَشْفَعُوا لَهُمْ - كَانَتْ عِبَادَتُهُمْ إيَّاهُمْ وَإِشْرَاكُهُمْ بِرَبِّهِمْ الَّذِي بِهِ طَلَبُوا شَفَاعَتَهُمْ : بِهِ حُرِمُوا شَفَاعَتَهُمْ وَعُوقِبُوا بِنَقِيضِ قَصْدِهِمْ . لِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا . وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ : يَظُنُّ أَنَّ الشَّفَاعَةَ تُنَالُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي
[ ص: 413 ] فِيهَا شِرْك أَوْ هِيَ شِرْكٌ خَالِصٌ كَمَا ظَنَّ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ الْأَوَّلُونَ . وَكَمَا يَظُنُّهُ
النَّصَارَى وَمَنْ ضَلَّ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْإِسْلَامِ . الَّذِينَ يَدْعُونَ غَيْرَ اللَّهِ وَيَحُجُّونَ إلَى قَبْرِهِ أَوْ مَكَانِهِ وَيُنْذِرُونَ لَهُ وَيَحْلِفُونَ بِهِ . وَيَظُنُّونَ : أَنَّهُ بِهَذَا يَصِيرُ شَفِيعًا لَهُمْ .
nindex.php?page=treesubj&link=28988_29428_29690قَالَ تَعَالَى { nindex.php?page=tafseer&surano=2102&ayano=17قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=17أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } . قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ
السَّلَفِ : كَانَ أَقْوَامٌ يَعْبُدُونَ
الْمَسِيحَ وَالْعُزَيْرَ وَالْمَلَائِكَةَ فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْهُمْ وَلَا تَحْوِيلَهُ . كَمَا بَيَّنَ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ .
وَهَذَا لَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يُجِيبُ دُعَاءَهُمْ ثُمَّ قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=17أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } فَبَيَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَزْعُومِينَ الَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَانُوا يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ وَيَتَقَرَّبُونَ إلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كَسَائِرِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=376&ayano=3وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .