[ ص: 5 ] قال شيخ الإسلام
أحمد بن تيمية قدس الله روحه فيما صنفه بقلعة
دمشق أخيرا : - بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له ; وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما .
[ ص: 6 ] فصل في الفرقان بين الحق والباطل وأن الله بين ذلك بكتابه ونبيه فمن كان أعظم اتباعا لكتابه الذي أنزله ونبيه الذي أرسله كان أعظم فرقانا ومن كان أبعد عن اتباع الكتاب والرسول كان أبعد عن الفرقان واشتبه عليه الحق بالباطل كالذين اشتبه عليهم عبادة الرحمن بعبادة الشيطان والنبي الصادق بالمتنبئ الكاذب وآيات النبيين بشبهات الكذابين حتى اشتبه عليهم الخالق بالمخلوق . فإن الله سبحانه وتعالى بعث
محمدا بالهدى ودين الحق ; ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ففرق به بين الحق والباطل والهدى والضلال والرشاد والغي والصدق والكذب والعلم والجهل والمعروف والمنكر وطريق أولياء الله السعداء وأعداء الله الأشقياء ;
[ ص: 7 ] وبين ما عليه الناس من الاختلاف وكذلك النبيون قبله قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=222&ayano=2كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1980&ayano=16تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1981&ayano=16وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } وقال سبحانه وتعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2881&ayano=25تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=297&ayano=2الم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=298&ayano=2الله لا إله إلا هو الحي القيوم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=299&ayano=3نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل } {
nindex.php?page=tafseer&surano=300&ayano=3من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان } .
قال جماهير المفسرين : هو القرآن . روى
ابن أبي حاتم بإسناده عن
الربيع بن أنس قال : هو الفرقان فرق بين الحق والباطل . قال : وروي عن
عطاء ومجاهد ومقسم وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك وروي بإسناده عن
شيبان عن
قتادة في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=300&ayano=3وأنزل الفرقان } قال : هو القرآن الذي أنزله الله على
محمد ففرق به بين الحق والباطل وبين فيه دينه وشرع فيه شرائعه وأحل حلاله وحرم حرامه وحد
[ ص: 8 ] حدوده وأمر بطاعته ونهى عن معصيته . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16292عباد بن منصور سألت
الحسن عن قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=300&ayano=3وأنزل الفرقان } قال : هو كتاب بحق . و " الفرقان " مصدر فرق فرقانا مثل الرجحان والكفران والخسران وكذلك "
nindex.php?page=treesubj&link=20752_28867القرآن " هو في الأصل مصدر قرأ قرآنا ومنه قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5643&ayano=75إن علينا جمعه وقرآنه } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5644&ayano=75فإذا قرأناه فاتبع قرآنه } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5645&ayano=75ثم إن علينا بيانه } ويسمى الكلام المقروء نفسه " قرآنا " وهو كثير كما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2015&ayano=16فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } كما أن الكلام هو اسم مصدر كلم تكليما وتكلم تكلما ويراد به الكلام نفسه ; وذلك لأن الإنسان إذا تكلم كان كلامه بفعل منه وحركة هي مسمى المصدر وحصل عن الحركة صوت يقطع حروفا هو نفس التكلم فالكلام والقول ونحو ذلك يتناول هذا وهذا ; ولهذا كان الكلام تارة يجعل نوعا من العمل إذا أريد به المصدر وتارة يجعل قسيما له إذا أريد ما يتكلم به وهو يتناول هذا وهذا . وهذا مبسوط في غير هذا الموضع . والمقصود هنا أن
nindex.php?page=treesubj&link=28867لفظ " الفرقان " إذا أريد به المصدر كان المراد أنه أنزل الفصل والفرق بين الحق والباطل وهذا منزل في الكتاب فإن في الكتاب الفصل ، وإنزال الفرق هو إنزال الفارق . وإن أريد بالفرقان ما يفرق فهو الفارق أيضا فهما في المعنى سواء وإن أريد
[ ص: 9 ] بالفرقان نفس المصدر فيكون إنزاله كإنزال الإيمان وإنزال العدل فإنه جعل في القلوب التفريق بين الحق والباطل بالقرآن كما جعل فيها الإيمان والعدل وهو سبحانه وتعالى أنزل الكتاب والميزان
nindex.php?page=treesubj&link=28867والميزان قد فسر بالعدل وفسر بأنه ما يوزن به ليعرف العدل وهو كالفرقان يفسر بالفرق ويفسر بما يحصل به الفرق وهما متلازمان ; فإذا أريد الفرق نفسه فهو نتيجة الكتاب وثمرته ومقتضاه وإذا أريد الفارق فالكتاب نفسه هو الفارق ويكون له اسمان كل اسم يدل على صفة ليست هي الصفة الأخرى سمي كتابا باعتبار أنه مجموع مكتوب تحفظ حروفه ويقرأ ويكتب وسمي فرقانا باعتبار أنه يفرق بين الحق والباطل كما تقدم كما سمي هدى باعتبار أنه يهدي إلى الحق وشفاء باعتبار أنه يشفي القلوب من مرض الشبهات والشهوات ونحو ذلك من أسمائه . وكذلك أسماء " الرسول " كالمقفي والماحي والحاشر . وكذلك " أسماء الله الحسنى " كالرحمن والرحيم والملك والحكيم ونحو ذلك .
والعطف يكون لتغاير الأسماء والصفات وإن كان المسمى واحدا كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6036&ayano=87سبح اسم ربك الأعلى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6037&ayano=87الذي خلق فسوى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6038&ayano=87والذي قدر فهدى } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5135&ayano=57هو الأول والآخر والظاهر والباطن } ونحو ذلك .
[ ص: 10 ] وهنا ذكر أنه نزل الكتاب فإنه نزله متفرقا وأنه أنزل التوراة والإنجيل وذكر أنه أنزل الفرقان وقد أنزل سبحانه وتعالى الإيمان في القلوب وأنزل الميزان والإيمان . و " الميزان " مما يحصل به الفرقان أيضا كما يحصل بالقرآن وإذا أنزل القرآن حصل به الإيمان والفرقان ونظير هذا قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2552&ayano=21ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا } قيل : الفرقان هو التوراة وقيل هو الحكم بنصره على
فرعون كما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1209&ayano=8إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان } . وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=689&ayano=5قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } قيل : " النور " هو
محمد عليه الصلاة والسلام وقيل : هو الإسلام . وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=671&ayano=4قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا } قيل : " البرهان " هو
محمد وقيل هو الحجة والدليل . وقيل : القرآن والحجة والدليل تتناول الآيات التي بعث بها
محمد صلى الله عليه وسلم لكنه هناك جاء بلفظ آتينا وجاءكم . وهنا قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=300&ayano=3وأنزل الفرقان } جاء بلفظ الإنزال ; فلهذا شاع بينهم أن القرآن والبرهان يحصل بالعلم والبيان كما حصل بالقرآن ويحصل بالنظر والتمييز بين أهل الحق والباطل بأن ينجي هؤلاء وينصرهم ويعذب هؤلاء فيكون قد فرق بين الطائفتين كما يفرق المفرق بين أولياء الله وأعدائه بالإحسان إلى هؤلاء وعقوبة هؤلاء .
[ ص: 11 ] وهذا كقوله في القرآن في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1209&ayano=8إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير } قال
الوالبي عن
ابن عباس {
nindex.php?page=tafseer&surano=1209&ayano=8يوم الفرقان } يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل . قال
ابن أبي حاتم وروي عن
مجاهد ومقسم nindex.php?page=showalam&ids=16523وعبيد الله بن عبد الله والضحاك وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك ; وبذلك فسر أكثرهم {
nindex.php?page=tafseer&surano=1197&ayano=8إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا } كما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5284&ayano=65ومن يتق الله يجعل له مخرجا } أي : من كل ما ضاق على الناس قال
الوالبي عن
ابن عباس في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1197&ayano=8إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا } أي مخرجا قال
ابن أبي حاتم : وروي عن
مجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان كذلك غير أن
مجاهدا قال مخرجا في الدنيا والآخرة وروي عن
الضحاك عن
ابن عباس قال نصرا قال : وفي آخر قول
ابن عباس والسدي نجاة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير {
nindex.php?page=tafseer&surano=1197&ayano=8يجعل لكم فرقانا } أي : فصلا بين الحق والباطل يظهر الله به حقكم ويطفئ به باطل من خالفكم وذكر
البغوي عن
مقاتل بن حيان قال مخرجا في الدنيا من الشبهات لكن قد يكون هذا تفسيرا لمراد
مقاتل بن حيان كما ذكر
أبو الفرج بن الجوزي عن
ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وابن [ ص: 12 ] قتيبة : أنهم قالوا هو المخرج . ثم قال : والمعنى يجعل لكم مخرجا في الدنيا من الضلال وليس مرادهم وإنما مرادهم المخرج المذكور في
nindex.php?page=treesubj&link=29638_28867قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=5284&ayano=65ومن يتق الله يجعل له مخرجا } والفرقان المذكور في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1209&ayano=8وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان } وقد ذكر عن
ابن زيد أنه قال هدى في قلوبهم يعرفون به الحق من الباطل ونوعا الفرقان فرقان الهدى والبيان والنصر والنجاة هما نوعا " الظهور " في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1277&ayano=9هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله } يظهره بالبيان والحجة والبرهان ويظهر باليد والعز والسنان . وكذلك "
nindex.php?page=treesubj&link=29638_18475السلطان " في قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=2126&ayano=17واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا } فهذا النوع وهو الحجة والعلم كما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3474&ayano=30أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4229&ayano=40الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4860&ayano=53إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان } وقد فسر " السلطان " بسلطان القدرة واليد وفسر بالحجة والبيان فمن الفرقان ما نعته الله به في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1117&ayano=7ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1118&ayano=7الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } ففرق بين المعروف والمنكر أمر بهذا ونهى عن هذا وبين الطيب والخبيث أحل هذا وحرم هذا .
ومن " الفرقان " أنه فرق بين أهل الحق المهتدين المؤمنين المصلحين أهل الحسنات وبين أهل الباطل الكفار الضالين المفسدين أهل السيئات قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4539&ayano=45أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4036&ayano=38أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5374&ayano=68أفنجعل المسلمين كالمجرمين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5375&ayano=37ما لكم كيف تحكمون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1508&ayano=11مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4106&ayano=39أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3714&ayano=35وما يستوي الأعمى والبصير } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3715&ayano=35ولا الظلمات ولا النور } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3716&ayano=35ولا الظل ولا الحرور } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3717&ayano=35وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور } }
nindex.php?page=tafseer&surano=3718&ayano=35إن أنت إلا نذير } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3719&ayano=2إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا } وقال
[ ص: 14 ] تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=917&ayano=6أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3553&ayano=32أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } فهو سبحانه بين الفرق بين أشخاص أهل الطاعة لله والرسول والمعصية لله والرسول كما بين الفرق بين ما أمر به وبين ما نهى عنه .
[ ص: 5 ] قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
أَحْمَد بْنُ تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِيمَا صَنَّفَهُ بِقَلْعَةِ
دِمَشْقَ أَخِيرًا : - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ المهتد وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ; وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .
[ ص: 6 ] فَصْلٌ فِي الْفُرْقَانِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَأَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ ذَلِكَ بِكِتَابِهِ وَنَبِيِّهِ فَمَنْ كَانَ أَعْظَمَ اتِّبَاعًا لِكِتَابِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ وَنَبِيِّهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ كَانَ أَعْظَمَ فُرْقَانًا وَمَنْ كَانَ أَبْعَدَ عَنْ اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالرَّسُولِ كَانَ أَبْعَدَ عَنْ الْفُرْقَانِ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ كَاَلَّذِينَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ عِبَادَةُ الرَّحْمَنِ بِعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ وَالنَّبِيُّ الصَّادِقُ بِالْمُتَنَبِّئِ الْكَاذِبِ وَآيَاتُ النَّبِيِّينَ بِشُبُهَاتِ الْكَذَّابِينَ حَتَّى اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ الْخَالِقُ بِالْمَخْلُوقِ . فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعَثَ
مُحَمَّدًا بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ; لِيُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ فَفَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالرَّشَادِ وَالْغَيِّ وَالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ وَطَرِيقِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ السُّعَدَاءِ وَأَعْدَاءِ اللَّهِ الْأَشْقِيَاءِ ;
[ ص: 7 ] وَبَيَّنَ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَكَذَلِكَ النَّبِيُّونَ قَبْلَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=222&ayano=2كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1980&ayano=16تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1981&ayano=16وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2881&ayano=25تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=297&ayano=2الم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=298&ayano=2اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=299&ayano=3نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=300&ayano=3مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ } .
قَالَ جَمَاهِيرُ الْمُفَسِّرِينَ : هُوَ الْقُرْآنُ . رَوَى
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ
الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ : هُوَ الْفُرْقَانُ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ . قَالَ : وَرُوِيَ عَنْ
عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ ومقسم وقتادة وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ نَحْوُ ذَلِكَ وَرُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ
شيبان عَنْ
قتادة فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=300&ayano=3وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ } قَالَ : هُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ فَفَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَبَيَّنَ فِيهِ دِينَهُ وَشَرَعَ فِيهِ شَرَائِعَهُ وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ وَحَدَّ
[ ص: 8 ] حُدُودَهُ وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِ وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَتِهِ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16292عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ سَأَلْت
الْحَسَنَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=300&ayano=3وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ } قَالَ : هُوَ كِتَابٌ بِحَقِّ . وَ " الْفُرْقَانُ " مَصْدَرُ فَرَقَ فُرْقَانًا مِثْلُ الرُّجْحَانِ وَالْكُفْرَانِ وَالْخُسْرَانِ وَكَذَلِكَ "
nindex.php?page=treesubj&link=20752_28867الْقُرْآنُ " هُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ قَرَأَ قُرْآنًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5643&ayano=75إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5644&ayano=75فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5645&ayano=75ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } وَيُسَمَّى الْكَلَامُ الْمَقْرُوءُ نَفْسُهُ " قُرْآنًا " وَهُوَ كَثِيرٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2015&ayano=16فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } كَمَا أَنَّ الْكَلَامَ هُوَ اسْمُ مَصْدَرِ كَلَّمَ تَكْلِيمًا وَتَكَلَّمَ تَكَلُّمًا وَيُرَادُ بِهِ الْكَلَامُ نَفْسُهُ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا تَكَلَّمَ كَانَ كَلَامُهُ بِفِعْلِ مِنْهُ وَحَرَكَةٍ هِيَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ وَحَصَلَ عَنْ الْحَرَكَةِ صَوْتٌ يُقَطَّعُ حُرُوفًا هُوَ نَفْسُ التَّكَلُّمِ فَالْكَلَامُ وَالْقَوْلُ وَنَحْوُ ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا ; وَلِهَذَا كَانَ الْكَلَامُ تَارَةً يُجْعَلُ نَوْعًا مِنْ الْعَمَلِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ وَتَارَةً يُجْعَلُ قَسِيمًا لَهُ إذَا أُرِيدَ مَا يُتَكَلَّمُ بِهِ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا . وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28867لَفْظَ " الْفُرْقَانِ " إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْفَصْلَ وَالْفَرْقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهَذَا مُنَزَّلٌ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّ فِي الْكِتَابِ الْفَصْلَ ، وَإِنْزَالُ الْفَرْقِ هُوَ إنْزَالُ الْفَارِقِ . وَإِنْ أُرِيدَ بِالْفُرْقَانِ مَا يُفَرِّقُ فَهُوَ الْفَارِقُ أَيْضًا فَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ وَإِنْ أُرِيدَ
[ ص: 9 ] بِالْفُرْقَانِ نَفْسُ الْمَصْدَرِ فَيَكُونُ إنْزَالُهُ كَإِنْزَالِ الْإِيمَانِ وَإِنْزَالِ الْعَدْلِ فَإِنَّهُ جَعَلَ فِي الْقُلُوبِ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِالْقُرْآنِ كَمَا جَعَلَ فِيهَا الْإِيمَانَ وَالْعَدْلَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=28867وَالْمِيزَانُ قَدْ فُسِّرَ بِالْعَدْلِ وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ مَا يُوزَنُ بِهِ لِيُعْرَفَ الْعَدْلُ وَهُوَ كَالْفُرْقَانِ يُفَسَّرُ بِالْفَرْقِ وَيُفَسَّرُ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَرْقُ وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ ; فَإِذَا أُرِيدَ الْفَرْقُ نَفْسُهُ فَهُوَ نَتِيجَةُ الْكِتَابِ وَثَمَرَتُهُ وَمُقْتَضَاهُ وَإِذَا أُرِيدَ الْفَارِقُ فَالْكِتَابُ نَفْسُهُ هُوَ الْفَارِقُ وَيَكُونُ لَهُ اسْمَانِ كُلُّ اسْمٍ يَدُلُّ عَلَى صِفَةٍ لَيْسَتْ هِيَ الصِّفَةَ الْأُخْرَى سُمِّيَ كِتَابًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَجْمُوعٌ مَكْتُوبٌ تُحْفَظُ حُرُوفُهُ وَيُقْرَأُ وَيُكْتَبُ وَسُمِّيَ فُرْقَانًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ كَمَا تَقَدَّمَ كَمَا سُمِّيَ هُدًى بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَهْدِي إلَى الْحَقِّ وَشِفَاءً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَشْفِي الْقُلُوبَ مِنْ مَرَضِ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ . وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ " الرَّسُولِ " كَالْمُقْفِي وَالْمَاحِي وَالْحَاشِرِ . وَكَذَلِكَ " أَسْمَاءُ اللَّهِ الْحُسْنَى " كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ وَالْمَلِكِ وَالْحَكِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَالْعَطْفُ يَكُونُ لِتَغَايُرِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى وَاحِدًا كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6036&ayano=87سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6037&ayano=87الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6038&ayano=87وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5135&ayano=57هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ } وَنَحْوُ ذَلِكَ .
[ ص: 10 ] وَهُنَا ذَكَرَ أَنَّهُ نَزَّلَ الْكِتَابَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ مُتَفَرِّقًا وَأَنَّهُ أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْفُرْقَانَ وَقَدْ أَنْزَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْإِيمَانَ فِي الْقُلُوبِ وَأَنْزَلَ الْمِيزَانَ وَالْإِيمَانَ . وَ " الْمِيزَانُ " مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْفُرْقَانُ أَيْضًا كَمَا يَحْصُلُ بِالْقُرْآنِ وَإِذَا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ حَصَلَ بِهِ الْإِيمَانُ وَالْفُرْقَانُ وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2552&ayano=21وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا } قِيلَ : الْفُرْقَانُ هُوَ التَّوْرَاةُ وَقِيلَ هُوَ الْحُكْمُ بِنَصْرِهِ عَلَى
فِرْعَوْنَ كَمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1209&ayano=8إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ } . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=689&ayano=5قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } قِيلَ : " النُّورُ " هُوَ
مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقِيلَ : هُوَ الْإِسْلَامُ . وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=671&ayano=4قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } قِيلَ : " الْبُرْهَانُ " هُوَ
مُحَمَّدٌ وَقِيلَ هُوَ الْحُجَّةُ وَالدَّلِيلُ . وَقِيلَ : الْقُرْآنُ وَالْحُجَّةُ وَالدَّلِيلُ تَتَنَاوَلُ الْآيَاتِ الَّتِي بُعِثَ بِهَا
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ هُنَاكَ جَاءَ بِلَفْظِ آتَيْنَا وَجَاءَكُمْ . وَهُنَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=300&ayano=3وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ } جَاءَ بِلَفْظِ الْإِنْزَالِ ; فَلِهَذَا شَاعَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالْبُرْهَانَ يَحْصُلُ بِالْعِلْمِ وَالْبَيَانِ كَمَا حَصَلَ بِالْقُرْآنِ وَيَحْصُلُ بِالنَّظَرِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِأَنْ يُنَجِّيَ هَؤُلَاءِ وَيَنْصُرَهُمْ وَيُعَذِّبَ هَؤُلَاءِ فَيَكُونُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ كَمَا يُفَرِّقُ الْمُفَرِّقُ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ بِالْإِحْسَانِ إلَى هَؤُلَاءِ وَعُقُوبَةِ هَؤُلَاءِ .
[ ص: 11 ] وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1209&ayano=8إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } قَالَ
الوالبي عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1209&ayano=8يَوْمَ الْفُرْقَانِ } يَوْمُ بَدْرٍ فَرَّقَ اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ . قَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَرُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ ومقسم nindex.php?page=showalam&ids=16523وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالضَّحَّاكِ وقتادة وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ نَحْوُ ذَلِكَ ; وَبِذَلِكَ فَسَّرَ أَكْثَرُهُمْ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1197&ayano=8إنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } كَمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5284&ayano=65وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } أَيْ : مِنْ كُلِّ مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ قَالَ
الوالبي عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1197&ayano=8إنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } أَيْ مَخْرَجًا قَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : وَرُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالضَّحَّاكِ وقتادة والسدي وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ
مُجَاهِدًا قَالَ مَخْرَجًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرُوِيَ عَنْ
الضَّحَّاكِ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَصْرًا قَالَ : وَفِي آخِرِ قَوْلِ
ابْنِ عَبَّاسٍ والسدي نَجَاةً .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1197&ayano=8يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } أَيْ : فَصْلًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ يُظْهِرُ اللَّهُ بِهِ حَقَّكُمْ وَيُطْفِئُ بِهِ بَاطِلَ مَنْ خَالَفَكُمْ وَذَكَرَ
البغوي عَنْ
مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ مَخْرَجًا فِي الدُّنْيَا مِنْ الشُّبُهَاتِ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ هَذَا تَفْسِيرًا لِمُرَادِ
مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ كَمَا ذَكَرَ
أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالضَّحَّاكِ وَابْنِ [ ص: 12 ] قُتَيْبَةَ : أَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ الْمَخْرَجُ . ثُمَّ قَالَ : وَالْمَعْنَى يَجْعَلْ لَكُمْ مَخْرَجًا فِي الدُّنْيَا مِنْ الضَّلَالِ وَلَيْسَ مُرَادَهُمْ وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ الْمَخْرَجُ الْمَذْكُورُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29638_28867قَوْلِهِ : { nindex.php?page=tafseer&surano=5284&ayano=65وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } وَالْفُرْقَانُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1209&ayano=8وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ } وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ
ابْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ هُدًى فِي قُلُوبِهِمْ يَعْرِفُونَ بِهِ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ وَنَوْعَا الْفُرْقَانِ فُرْقَانُ الْهُدَى وَالْبَيَانِ وَالنَّصْرِ وَالنَّجَاةِ هُمَا نَوْعَا " الظُّهُورِ " فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1277&ayano=9هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } يُظْهِرُهُ بِالْبَيَانِ وَالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ وَيُظْهِرُ بِالْيَدِ وَالْعِزِّ وَالسِّنَانِ . وَكَذَلِكَ "
nindex.php?page=treesubj&link=29638_18475السُّلْطَانُ " فِي قَوْلِهِ : { nindex.php?page=tafseer&surano=2126&ayano=17وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا } فَهَذَا النَّوْعُ وَهُوَ الْحُجَّةُ وَالْعِلْمُ كَمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3474&ayano=30أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4229&ayano=40الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إنْ فِي صُدُورِهِمْ إلَّا كِبْرٌ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4860&ayano=53إنْ هِيَ إلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } وَقَدْ فُسِّرَ " السُّلْطَانُ " بِسُلْطَانِ الْقُدْرَةِ وَالْيَدِ وَفُسِّرَ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ فَمِنْ الْفُرْقَانِ مَا نَعَتَهُ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1117&ayano=7وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1118&ayano=7الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } فَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ أَمَرَ بِهَذَا وَنَهَى عَنْ هَذَا وَبَيْنَ الطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ أَحَلَّ هَذَا وَحَرَّمَ هَذَا .
وَمِنْ " الْفُرْقَانِ " أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ الْمُهْتَدِينَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُصْلِحِينَ أَهْلِ الْحَسَنَاتِ وَبَيْنَ أَهْلِ الْبَاطِلِ الْكُفَّارِ الضَّالِّينَ الْمُفْسِدِينَ أَهْلِ السَّيِّئَاتِ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4539&ayano=45أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4036&ayano=38أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5374&ayano=68أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5375&ayano=37مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1508&ayano=11مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4106&ayano=39أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3714&ayano=35وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3715&ayano=35وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3716&ayano=35وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3717&ayano=35وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } }
nindex.php?page=tafseer&surano=3718&ayano=35إنْ أَنْتَ إلَّا نَذِيرٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3719&ayano=2إنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } وَقَالَ
[ ص: 14 ] تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=917&ayano=6أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3553&ayano=32أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ } فَهُوَ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ أَشْخَاصِ أَهْلِ الطَّاعَةِ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَالْمَعْصِيَةِ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ كَمَا بَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا أَمَرَ بِهِ وَبَيْنَ مَا نَهَى عَنْهُ .