nindex.php?page=treesubj&link=29617وقد توصف الاعتقادات والمقالات بأنها باطلة إذا كانت غير مطابقة إن لم يكن فيها منفعة كقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14893اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع } فيعود الحق فيما يتعلق بالإنسان إلى ما ينفعه من علم وقول وعمل وحال قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1737&ayano=13أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها } - إلى قوله - {
nindex.php?page=tafseer&surano=1737&ayano=13كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4593&ayano=47الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4594&ayano=47والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد } - إلى قوله - {
nindex.php?page=tafseer&surano=4595&ayano=47كذلك يضرب الله للناس أمثالهم } .
[ ص: 350 ] وإذا كان كذلك وقد علم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28324_28678_27212كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل حابط لا ينفع صاحبه وقت الحاجة إليه فكل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل لأن ما لم يرد به وجهه إما ألا ينفع بحال وإما أن ينفع في الدنيا أو في الآخرة فالأول ظاهر وكذلك منفعته في الآخرة بعد الموت فإنه قد ثبت بنصوص المرسلين أنه بعد الموت لا ينفع الإنسان من العمل إلا ما أراد به وجه الله .
وأما في الدنيا فقد يحصل له لذات وسرور وقد يجزى بأعماله في الدنيا لكن تلك اللذات إذا كانت تعقب ضررا أعظم منها وتفوت أنفع منها وأبقى فهي باطلة أيضا فثبت أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل وإن كان فيه لذة ما .
وأما الكائنات فقد كانت معدومة منتفية فثبت أن أصدق كلمة قالها شاعر كلمة
لبيد :
" ألا كل شيء ما خلا الله باطل "
وكما قال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597148أصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
} وإنها تجمع الحق الموجود والحق المقصود وكل موجود بدون الله باطل وكل مقصود بدون قصد الله فهو باطل وعلى هذين فقد فسر قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=3368&ayano=28كل شيء هالك إلا وجهه } إلا ما أريد به وجهه وكل شيء معدوم إلا من جهته .
هذا على قول وأما القول الآخر وهو المأثور عن طائفة من
السلف وبه فسره
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد رحمه الله تعالى
[ ص: 351 ] في رده على
الجهمية والزنادقة قال
أحمد : وأما قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=3368&ayano=28كل شيء هالك إلا وجهه } وذلك أن الله أنزل {
nindex.php?page=tafseer&surano=4982&ayano=55كل من عليها فان } فقالت الملائكة : هلك أهل الأرض وطمعوا في البقاء فأنزل الله تعالى أنه يخبر عن أهل السموات والأرض أنكم تموتون فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3368&ayano=2كل شيء } من الحيوان {
nindex.php?page=tafseer&surano=3368&ayano=28هالك } - يعني ميتا - {
nindex.php?page=tafseer&surano=3368&ayano=28إلا وجهه } فإنه حي لا يموت فلما ذكر ذلك أيقنوا عند ذلك بالموت " ذكر ذلك في رده على
الجهمية قولهم إن الجنة والنار تفنيان .
وقد تبين مما ذكرناه أن الحسن هو الحق والصدق والنافع والمصلحة والحكمة والصواب .
وأن الشيء القبيح هو الباطل والكذب والضار والمفسدة والسفه والخطأ .
وأما مواضع الاشتباه والنزاع واختلاف الخلائق فموضع واحد وذلك أن فعل الله كله حسن جميل قال الله عز وجل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3542&ayano=32الذي أحسن كل شيء خلقه } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3274&ayano=27صنع الله الذي أتقن كل شيء } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1141&ayano=7ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=58574إن الله جميل يحب الجمال } وهو حكم عدل قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=314&ayano=3شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=537&ayano=4إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=813&ayano=6وهو الحكيم الخبير } .
وهذا كله متفق عليه بين الأمة مجملا غير مفسر فإذا فسر تنازعوا فيه .
وذلك أن هذه الأعمال الفاسدة والآلام وهذا الشر الوجودي المتعلق بالحيوان وأنه لا يخلو عن أن يكون عملا من الأعمال أو أن يكون ألما من الآلام الواقعة بالحيوان وذلك العمل القبيح والألم شره من ضرره وهذا العمل والتألم :
المعتزلة ومن اتبعها من
الشيعة تزعم أن الأعمال ليست من خلقه ولا كونها شيئا وأن الآلام لا يجوز أن يفعلها إلا جزاء على عمل سابق أو تعوض بنفع لاحق وكثير من أهل الإثبات ومن اتبعهم من
الجبرية يقولون بل الجميع خلقه وهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا فرق بين خلق المضار والمنافع والخير والشر بالنسبة إليه .
ويقول هؤلاء : إنه لا يتصور أن يفعل ظلما ولا سفها أصلا بل لو فرض أنه فعل أي شيء كان فعله حكمة وعدلا وحسنا إذ لا قبيح إلا ما نهى عنه وهو لم ينهه أحد ويسوون بين تنعيم الخلائق وتعذيبهم وعقوبة المحسن ورفع درجات الكفار والمنافقين .
والفريقان متفقان على أنه لا ينتفع بطاعات العباد ولا يتضرر
[ ص: 353 ] بمعصيتهم لكن الأولون يقولون : الإحسان إلى الغير حسن لذاته وإن لم يعد إلى المحسن منه فائدة .
والآخرون يقولون : ما حسن منا حسن منه وما قبح منا قبح منه والآخرون مع جمهور الخلائق ينكرون والأولون يقولون : إذا أمر بالشيء فقد أراده منا .
لا يعقل الحسن والقبيح إلا ما ينفع أو يضر كنحو ما يأمر الواحد منا غيره بشيء فإنه لابد أن يريده منه ويعينه عليه وقد أقدر الكفار بغاية القدرة ولم يبق يقدر على أن يجعلهم يؤمنون اختيارا وإنما كفرهم وفسوقهم وعصيانهم بدون مشيئته واختياره .
وآخرون يقولون : الأمر ليس بمستلزم الإرادة أصلا وقد بينت التوسط بين هذين في غير هذا الموضع وكذلك أمره .
والأولون يقولون لا يأمر إلا بما فيه مصلحة العباد والآخرون يقولون أمره لا يتوقف على المصلحة .
وهنا مقدمات تكشف هذه المشكلات .
( إحداها أنه ليس ما حسن منه حسن منا وليس ما قبح منه يقبح منا فإن
المعتزلة شبهت الله بخلقه وذلك أن الفعل يحسن منا لجلبه المنفعة ويقبح لجلبه المضرة ويحسن لأنا أمرنا به ويقبح لأنا نهينا عنه وهذان الوجهان منتفيان في حق الله تعالى قطعا ولو كان
[ ص: 354 ] الفعل يحسن باعتبار آخر كما قال بعض الشيوخ :
ويقبح من سواك الفعل عندي وتفعله فيحسن منك ذاكا
( المقدمة الثانية أن
nindex.php?page=treesubj&link=20692_20691الحسن والقبح قد يكونان صفة لأفعالنا وقد يدرك بعض ذلك بالعقل وإن فسر ذلك بالنافع والضار والمكمل والمنقص فإن أحكام الشارع فيما يأمر به وينهى عنه تارة تكون كاشفة للصفات الفعلية ومؤكدة لها وتارة تكون مبينة للفعل صفات لم تكن له قبل ذلك وأن الفعل تارة يكون حسنه من جهة نفسه وتارة من جهة الأمر به وتارة من الجهتين جميعا .
ومن أنكر أن يكون للفعل صفات ذاتية لم يحسن إلا لتعلق الأمر به وأن الأحكام بمجرد نسبة الخطاب إلى الفعل فقط فقد أنكر ما جاءت به الشرائع من المصالح والمفاسد والمعروف والمنكر وما في الشريعة من المناسبات بين الأحكام وعللها وأنكر خاصة الفقه في الدين الذي هو معرفة حكمة الشريعة ومقاصدها ومحاسنها .
( المقدمة الثالثة أن الله خلق كل شيء وهو على كل شيء قدير .
ومن جعل شيئا من الأعمال خارجا عن قدرته ومشيئته فقد ألحد في أسمائه وآياته بخلاف ما عليه
القدرية .
( المقدمة الرابعة أن
nindex.php?page=treesubj&link=28779الله إذا أمر العبد بشيء فقد أراده منه [ ص: 355 ] إرادة شرعية دينية وإن لم يرده منه إرادة قدرية كونية فإثبات إرادته في الأمر مطلقا خطأ ونفيها عن الأمر مطلقا خطأ وإنما الصواب التفصيل كما جاء في التنزيل {
nindex.php?page=tafseer&surano=194&ayano=2يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } {
nindex.php?page=tafseer&surano=525&ayano=4يريد الله أن يخفف عنكم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=920&ayano=6فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا } وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=715&ayano=5أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم } وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=262&ayano=2ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد } وأمثال ذلك كثير .
( المقدمة الخامسة أن محبته ورضاه مستلزم للإرادة الدينية والأمر الديني وكذلك بغضه وغضبه وسخطه مستلزم لعدم الإرادة الدينية فالمحبة والرضا والغضب والسخط ليس هو مجرد الإرادة .
هذا قول جمهور
أهل السنة .
ومن قال إن هذه الأمور بمعنى الإرادة كما يقوله كثير من
القدرية وكثير من أهل الإثبات فإنه يستلزم أحد الأمرين : إما [ أن ] الكفر والفسوق والمعاصي مما يكرهها دينا فقد كره كونها وإنها واقعة بدون مشيئته وإرادته .
وهذا قول
القدرية أو يقول إنه لما كان مريدا لها شاءها فهو محب لها راض بها كما تقوله طائفة من أهل الإثبات وكلا القولين فيه ما فيه فإن الله تعالى يحب المتقين ويحب المقسطين وقد رضي عن المؤمنين ويحب ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب وليس هذا
[ ص: 356 ] المعنى ثابتا في الكفار والفجار والظالمين ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب كل مختال فخور ومع هذا فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
وأحسن ما يعتذر به من قال هذا القول من أهل الإثبات : أن المحبة بمعنى الإرادة أنه أحبها كما أرادها كونا .
فكذلك أحبها ورضيها كونا .
وهذا فيه نظر مذكور في غير هذا الموضع .
( فإن قيل تقسيم الإرادة لا يعرف في حقنا بل إن الأمر منه بالشيء .
إما أن يريده أو لا يريده وأما الفرق بين الإرادة والمحبة فقد يعرف في حقنا ( فيقال وهذا هو الواجب فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29682_21052الله تعالى ليس كمثله شيء وليس أمره لنا كأمر الواحد منا لعبده وخدمه وذلك أن الواحد منا إذا أمر عبده فإما أن يأمره لحاجته إليه أو إلى المأمور به أو لحاجته إلى الأمر فقط فالأول كأمر السلطان جنده بما فيه حفظ ملكه ومنافعهم له فإن هداية الخلق وإرشادهم بالأمر والنهي هي من باب الإحسان إليهم والمحسن من العباد يحتاج إلى إحسانه قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2053&ayano=17إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها } وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=4305&ayano=41من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها } .
والله تعالى لم يأمر عباده لحاجته إلى خدمتهم ولا هو محتاج إلى
[ ص: 357 ] أمرهم وإنما أمرهم إحسانا منه ونعمة أنعم بها عليهم فأمرهم بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم .
وإرسال الرسل وإنزال الكتب من أعظم نعمه على خلقه كما قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=2611&ayano=21وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=460&ayano=3لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=1431&ayano=10يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1432&ayano=10قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا } فمن أنعم الله عليه مع الأمر بالامتثال فقد تمت النعمة في حقه كما قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=677&ayano=5اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } وهؤلاء هم المؤمنون .
ومن لم ينعم عليه بالامتثال بل خذله حتى كفر وعصى فقد شقي لما بدل نعمة الله كفرا كما قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=1792&ayano=14ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار } والأمر والنهي الشرعيان لما كانا نعمة ورحمة عامة لم يضر ذلك عدم انتفاع بعض الناس بهما من الكفار كإنزال المطر وإنبات الرزق هو نعمة عامة وإن تضرر بها بعض الناس لحكمة أخرى كذلك مشيئته لما شاءه من المخلوقات وأعيانها وأفعالها لا يوجب أن يحب كل شيء .
منها فإذا أمر العبد بأمر فذاك إرشاد ودلالة فإن فعل المأمور به صار محبوبا لله وإلا لم يكن محبوبا له وإن كان مرادا له وإرادته له تكوينا لمعنى آخر .
فالتكوين غير التشريع .
( فإن قيل المحبة والرضا يقتضيان ملاءمة ومناسبة بين المحب
[ ص: 358 ] والمحبوب ويوجب للمحب بدرك محبوبه فرحا ولذة وسرورا وكذلك البغض لا يكون إلا عن منافرة بين المبغض والمبغض وذلك يقتضي للمبغض بدرك المبغض أذى وبغضا ونحو ذلك والملاءمة والمنافرة تقتضي الحاجة إذ ما لا يحتاج الحي إليه لا يحبه وما لا يضره كيف يبغضه ؟ والله غني لا تجوز عليه الحاجة إذ لو جازت عليه الحاجة للزم حدوثه وإمكانه وهو غني عن العالمين وقد قال تعالى [ أي في الحديث القدسي ] {
nindex.php?page=hadith&LINKID=68469يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني } فلهذا فسرت المحبة والرضا بالإرادة إذ يفعل النفع والضر .
فيقال الجواب من وجهين : ( أحدهما الإلزام وهو أن نقول : الإرادة لا تكون إلا للمناسبة بين المريد والمراد وملاءمته في ذلك تقتضي الحاجة وإلا فما لا يحتاج إليه الحي لا ينتفع به ولا يريده ولذلك إذا أراد به العقوبة والإضرار لا يكون إلا لنفرة وبغض وإلا فما لم يتألم به الحي أصلا لا يكرهه ولا يدفعه .
وكذلك نفس نفع الغير وضرره هو في الحي متنافر من الحاجة فإن الواحد منا إنما يحسن إلى غيره لجلب منفعة أو لدفع مضرة وإنما يضر غيره لجلب منفعة أو دفع مضرة فإذا كان الذي يثبت صفة وينفي أخرى يلزمه فيما أثبته نظير ما يلزمه فيما نفاه لم يكن إثبات إحداهما ونفي الأخرى أولى من العكس ولو عكس عاكس فنفى ما أثبته من الإرادة
[ ص: 359 ] وأثبت ما نفاه من المحبة لما ذكره لم يكن بينهما فرق وحينئذ فالواجب إما نفي الجميع ولا سبيل إليه للعلم الضروري بوجود نفع الخلق والإحسان إليهم وأن ذلك يستلزم الإرادة وأما إثبات الجميع كما جاءت به النصوص وحينئذ فمن توهم أنه يلزم من ذلك محذور فأحد الأمرين لازم : إما أن ذلك المحذور لا يلزم أو أنه إن لزم فليس بمحذور .
( الجواب الثاني أن الذي يعلم قطعا [ هو ] أن
nindex.php?page=treesubj&link=29443_29682_29625الله قديم واجب الوجود كامل وأنه لا يجوز عليه الحدوث ولا الإمكان ولا النقص لكن كون هذه الأمور التي جاءت بها النصوص مستلزمة للحدوث والإمكان أو النقص هو موضع النظر فإن الله غني واجب بنفسه وقد عرف أن قيام الصفات به لا يلزم حدوثه ولا إمكانه ولا حاجته .
وإن قول القائل بلزوم افتقاره إلى صفاته اللازمة بمنزلة قوله مفتقر إلى ذاته ومعلوم أنه غني بنفسه وأنه واجب الوجود بنفسه وأنه موجود بنفسه فتوهم حاجة نفسه إلى نفسه إن عنى به أن ذاته لا تقوم إلا بذاته فهذا حق فإن الله غني عن العالمين وعن خلقه وهو غني بنفسه .
وأما إطلاق القول بأنه غني عن نفسه فهو باطل فإنه محتاج إلى نفسه وفي إطلاق كل منهما إيهام معنى فاسد ولا خالق إلا الله تعالى فإذا كان سبحانه عليما يحب العلم عفوا يحب العفو جميلا يحب
[ ص: 360 ] الجمال نظيفا يحب النظافة طيبا يحب الطيب وهو يحب المحسنين والمتقين والمقسطين وهو سبحانه الجامع لجميع الصفات المحبوبة ; والأسماء الحسنى والصفات العلى وهو يحب نفسه ويثني بنفسه على نفسه والخلق لا يحصون ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه .
فالعبد
nindex.php?page=treesubj&link=18270المؤمن يحب نفسه ويحب في الله من أحب الله وأحبه الله ; فالله سبحانه أولى بأن يحب نفسه ويحب في نفسه عباده المؤمنين ويبغض الكافرين ويرضى عن هؤلاء ويفرح بهم ويفرح بتوبة عبده التائب من أولئك ويمقت الكفار ويبغضهم ويحب حمد نفسه والثناء عليه كما {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597149قال النبي صلى الله عليه وسلم للأسود بن سريع لما قال : إنني حمدت ربي بمحامد فقال إن ربك يحب الحمد } وقال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597150لا أحد أحب إليه المدح من الله ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل ولا أحد أصبر على أذى من الله يجعلون له ولدا وشريكا وهو يعافيهم ويرزقهم } فهو يفرح بما يحبه ويؤذيه ما يبغضه ويصبر على ما يؤذيه وحبه ورضاه وفرحه وسخطه وصبره على ما يؤذيه كل ذلك من كماله وكل ذلك من صفاته وأفعاله وهو الذي خلق الخلائق وأفعالهم وهم لن يبلغوا ضره فيضروه ولن يبلغوا نفعه فينفعوه .
وإذا فرح ورضي بما فعله بعضهم فهو سبحانه الذي خلق فعله كما أنه إذا فرح ورضي بما يخلقه فهو الخالق وكل الذين يؤذون الله ورسوله هو الذي مكنهم وصبر على أذاهم بحكمته
[ ص: 361 ] فلم يفتقر إلى غيره ولم يخرج شيء عن مشيئته ولم يفعل أحد ما لا يريد وهذا قول عامة
القدرية ونهاية الكمال والعزة .
وأما الإمكان لو افتقر وجوده إلى فرح غيره وأما الحدوث فيبنى على قيام الصفات فيلزم منه حدوثه وقد ذكر في غير هذا الموضع أن ما سلكه
الجهمية في نفي الصفات فمبناه على القياس الفاسد المحض وله شرح مذكور في غير هذا الموضع .
ومن تأمل نصوص الكتاب والسنة وجدها في غاية الإحكام والإتقان وأنها مشتملة على التقديس لله عن كل نقص والإثبات لكل كمال وأنه تعالى ليس له كمال ينتظر بحيث يكون قبله ناقصا ; بل من الكمال أنه يفعل ما يفعله بعد أن لم يكن فاعله وأنه إذا كان كاملا بذاته وصفاته وأفعاله لم يكن كاملا بغيره ولا مفتقرا إلى سواه بل هو الغني ونحن الفقراء وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=477&ayano=3لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق } وهو سبحانه في محبته ورضاه ومقته وسخطه وفرحه وأسفه وصبره وعفوه ورأفته له الكمال الذي لا تدركه الخلائق وفوق الكمال إذ كل كمال فمن كماله يستفاد وله الثناء الحسن الذي لا تحصيه العباد وإنما هو كما أثنى على نفسه له الغنى الذي لا يفتقر إلى سواه {
nindex.php?page=tafseer&surano=2362&ayano=19إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2363&ayano=19لقد أحصاهم وعدهم عدا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2364&ayano=19وكلهم آتيه يوم القيامة فردا } .
[ ص: 362 ] فهذا الأصل العظيم وهو مسألة خلقه وأمره وما يتصل به من صفاته وأفعاله من محبته ورضاه وفرحه بالمحبوب وبغضه وصبره على ما يؤذيه هي متعلقة بمسائل القدر ومسائل الشريعة .
والمنهاج الذي هو المسئول عنه ومسائل الصفات ومسائل الثواب والعقاب والوعد والوعيد وهذه الأصول الأربعة كلية جامعة وهي متعلقة به وبخلقه .
وهي في عمومها وشمولها وكشفها للشبهات تشبه مسألة الصفات الذاتية والفعلية ومسألة الذات والحقيقة والحد وما يتصل بذلك من مسائل الصفات والكلام في حلول الحوادث ونفي الجسم وما في ذلك من تفصيل وتحقيق .
فإن المعطلة والملحدة في أسمائه وآياته كذبوا بحق كثير جاءت به الرسل بناء على ما اعتقدوه من نفي الجسم والعرض ونفي حلول الحوادث ونفي الحاجة .
وهذه الأشياء يصح نفيها باعتبار ولكن ثبوتها يصح باعتبار آخر فوقعوا في نفي الحق الذي لا ريب فيه الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب وفطرت عليه الخلائق ودلت عليه الدلائل السمعية والعقلية والله أعلم .
nindex.php?page=treesubj&link=29617وَقَدْ تُوصَفُ الِاعْتِقَادَاتُ وَالْمَقَالَاتُ بِأَنَّهَا بَاطِلَةٌ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُطَابِقَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَنْفَعَةٌ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14893اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ } فَيَعُودُ الْحَقُّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِنْسَانِ إلَى مَا يَنْفَعُهُ مِنْ عِلْمٍ وَقَوْلٍ وَعَمَلٍ وَحَالٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1737&ayano=13أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } - إلَى قَوْلِهِ - {
nindex.php?page=tafseer&surano=1737&ayano=13كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4593&ayano=47الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4594&ayano=47وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ } - إلَى قَوْلِهِ - {
nindex.php?page=tafseer&surano=4595&ayano=47كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } .
[ ص: 350 ] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28324_28678_27212كُلَّ عَمَلٍ لَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ حَابِطٌ لَا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَكُلُّ عَمَلٍ لَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ مَا لَمْ يُرِدْ بِهِ وَجْهَهُ إمَّا أَلَّا يَنْفَعَ بِحَالٍ وَإِمَّا أَنْ يَنْفَعَ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ فَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ مَنْفَعَتُهُ فِي الْآخِرَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِنُصُوصِ الْمُرْسَلِينَ أَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَنْفَعُ الْإِنْسَانَ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا أَرَادَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ .
وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ يَحْصُلُ لَهُ لَذَّاتٌ وَسُرُورٌ وَقَدْ يُجْزَى بِأَعْمَالِهِ فِي الدُّنْيَا لَكِنَّ تِلْكَ اللَّذَّاتِ إذَا كَانَتْ تَعْقُبُ ضَرَرًا أَعْظَمَ مِنْهَا وَتُفَوِّتُ أَنْفَعَ مِنْهَا وَأَبْقَى فَهِيَ بَاطِلَةٌ أَيْضًا فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ لَذَّةٌ مَا .
وَأَمَّا الْكَائِنَاتُ فَقَدْ كَانَتْ مَعْدُومَةً مُنْتَفِيَةً فَثَبَتَ أَنَّ أَصْدَقَ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ
لَبِيَدٍ :
" أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ "
وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597148أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ قَوْلُ لَبِيَدٍ
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ
} وَإِنَّهَا تَجْمَعُ الْحَقَّ الْمَوْجُودَ وَالْحَقَّ الْمَقْصُودَ وَكُلُّ مَوْجُودٍ بِدُونِ اللَّهِ بَاطِلٌ وَكُلُّ مَقْصُودٍ بِدُونِ قَصْدِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَعَلَى هَذَيْنِ فَقَدْ فُسِّرَ قَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3368&ayano=28كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ } إلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ مَعْدُومٌ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ .
هَذَا عَلَى قَوْلٍ وَأَمَّا الْقَوْلُ الْآخَرُ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ
السَّلَفِ وَبِهِ فَسَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
[ ص: 351 ] فِي رَدِّهِ عَلَى
الجهمية وَالزَّنَادِقَةِ قَالَ
أَحْمَد : وَأَمَّا قَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3368&ayano=28كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ } وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4982&ayano=55كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } فَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ : هَلَكَ أَهْلُ الْأَرْضِ وَطَمِعُوا فِي الْبَقَاءِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّكُمْ تَمُوتُونَ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3368&ayano=2كُلِّ شَيْءٍ } مِنْ الْحَيَوَانِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3368&ayano=28هَالِكٌ } - يَعْنِي مَيِّتًا - {
nindex.php?page=tafseer&surano=3368&ayano=28إلَّا وَجْهَهُ } فَإِنَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ فَلَمَّا ذُكِرَ ذَلِكَ أَيْقَنُوا عِنْدَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ " ذَكَرَ ذَلِكَ فِي رَدِّهِ عَلَى
الجهمية قَوْلَهُمْ إنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ تَفْنَيَانِ .
وَقَدْ تَبَيَّنَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْحَسَنَ هُوَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالنَّافِعُ وَالْمَصْلَحَةُ وَالْحِكْمَةُ وَالصَّوَابُ .
وَأَنَّ الشَّيْءَ الْقَبِيحَ هُوَ الْبَاطِلُ وَالْكَذِبُ وَالضَّارُّ وَالْمَفْسَدَةُ وَالسَّفَهُ وَالْخَطَأُ .
وَأَمَّا مَوَاضِعُ الِاشْتِبَاهِ وَالنِّزَاعِ وَاخْتِلَافِ الْخَلَائِقِ فَمَوْضِعٌ وَاحِدٌ وَذَلِكَ أَنَّ فِعْلَ اللَّهِ كُلَّهُ حَسَنٌ جَمِيلٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3542&ayano=32الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3274&ayano=27صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1141&ayano=7وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=58574إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ } وَهُوَ حَكَمٌ عَدْلٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=314&ayano=3شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=537&ayano=4إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=813&ayano=6وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } .
وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ مُجْمَلًا غَيْرَ مُفَسَّرٍ فَإِذَا فُسِّرَ تَنَازَعُوا فِيهِ .
وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ الْفَاسِدَةَ وَالْآلَامَ وَهَذَا الشَّرُّ الْوُجُودِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِالْحَيَوَانِ وَأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ أَنْ يَكُونَ عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ أَوْ أَنْ يَكُونَ أَلَمًا مِنْ الْآلَامِ الْوَاقِعَةِ بِالْحَيَوَانِ وَذَلِكَ الْعَمَلُ الْقَبِيحُ وَالْأَلَمُ شَرُّهُ مِنْ ضَرَرِهِ وَهَذَا الْعَمَلُ وَالتَّأَلُّمُ :
الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ اتَّبَعَهَا مِنْ
الشِّيعَةِ تَزْعُمُ أَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنْ خَلْقِهِ وَلَا كَوْنُهَا شَيْئًا وَأَنَّ الْآلَامَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهَا إلَّا جَزَاءً عَلَى عَمَلٍ سَابِقٍ أَوْ تُعَوَّضُ بِنَفْعِ لَاحِقٍ وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ
الْجَبْرِيَّةِ يَقُولُونَ بَلْ الْجَمِيعُ خَلَقَهُ وَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَلَا فَرْقَ بَيْن خَلْقِ الْمَضَارِّ وَالْمَنَافِعِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ .
وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ : إنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَفْعَلَ ظُلْمًا وَلَا سَفَهًا أَصْلًا بَلْ لَوْ فَرَضَ أَنَّهُ فَعَلَ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ فَعَلَّه حِكْمَة وَعَدْلًا وَحُسْنًا إذْ لَا قَبِيحَ إلَّا مَا نَهَى عَنْهُ وَهُوَ لَمْ يَنْهَهُ أَحَد وَيُسَوُّونَ بَيْن تَنْعِيمِ الْخَلَائِقِ وَتَعْذِيبِهِمْ وَعُقُوبَةِ الْمُحْسِنِ وَرَفْعِ دَرَجَات الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ .
وَالْفَرِيقَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِطَاعَاتِ الْعِبَادِ وَلَا يَتَضَرَّرُ
[ ص: 353 ] بِمَعْصِيَتِهِمْ لَكِنْ الْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ : الْإِحْسَانُ إلَى الْغَيْرِ حَسَن لِذَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمُحْسِنِ مِنْهُ فَائِدَة .
وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ : مَا حَسُنَ مِنَّا حَسَن مِنْهُ وَمَا قَبَّحَ مِنَّا قُبْح مِنْهُ وَالْآخَرُونَ مَعَ جُمْهُورِ الْخَلَائِقِ يُنْكِرُونَ وَالْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ : إذَا أَمَرَ بِالشَّيْءِ فَقَدْ أَرَادَهُ مِنَّا .
لَا يَعْقِلُ الْحَسَن وَالْقَبِيح إلَّا مَا يَنْفَعُ أَوْ يَضُرُّ كَنَحْوِ مَا يَأْمُرُ الْوَاحِد مِنَّا غَيْره بِشَيْءِ فَإِنَّهُ لابد أَنْ يُرِيدَهُ مِنْهُ وَيُعِينَهُ عَلَيْهِ وَقَدْ أَقْدِرُ الْكَفَّار بِغَايَةِ الْقُدْرَةِ وَلَمْ يُبْقِ يُقَدِّرُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُمْ يُؤَمِّنُونَ اخْتِيَارًا وَإِنَّمَا كُفْرُهُمْ وَفُسُوقُهُمْ وَعِصْيَانُهُمْ بِدُونِ مَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ .
وَآخَرُونَ يَقُولُونَ : الْأَمْرُ لَيْسَ بِمُسْتَلْزَمِ الْإِرَادَةِ أَصْلًا وَقَدْ بَيَّنَتْ التَّوَسُّط بَيْن هَذَيْنَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَكَذَلِكَ أَمَرَهُ .
وَالْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَة الْعِبَادِ وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ أَمْرَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ .
وَهُنَا مُقَدِّمَات تُكْشَفُ هَذِهِ الْمُشْكِلَات .
( إحْدَاهَا أَنَّهُ لَيْسَ مَا حَسُنَ مِنْهُ حَسَن مِنَّا وَلَيْسَ مَا قَبَّحَ مِنْهُ يُقَبِّحُ مِنَّا فَإِنَّ
الْمُعْتَزِلَة شَبَّهَتْ اللَّهَ بِخَلْقِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ يُحَسِّنُ مِنَّا لِجَلْبِهِ الْمَنْفَعَةَ وَيُقَبِّحُ لِجَلْبِهِ الْمُضِرَّة وَيَحْسُنُ لِأَنَّا أَمَرْنَا بِهِ وَيُقَبِّحُ لِأَنَّا نَهَيْنَا عَنْهُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُنْتَفِيَانِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَطْعًا وَلَوْ كَانَ
[ ص: 354 ] الْفِعْل يَحْسُنُ بِاعْتِبَارِ آخَرَ كَمَا قَالَ بَعْض الشُّيُوخِ :
وَيُقَبِّحُ مِنْ سِوَاك الْفِعْل عِنْدِي وَتَفْعَلُهُ فَيُحْسِنُ مِنْك ذاكا
( الْمُقَدِّمَة الثَّانِيَة أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20692_20691الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ قَدْ يُكَوِّنَانِ صِفَةً لِأَفْعَالِنَا وَقَدْ يُدْرِكُ بَعْض ذَلِكَ بِالْعَقْلِ وَإِنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِالنَّافِعِ وَالضَّارِّ وَالْمُكَمِّل وَالْمُنَقِّص فَإِنَّ أَحْكَامَ الشَّارِعِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ تَارَةً تَكُونُ كَاشِفَة لِلصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَمُؤَكِّدَةً لَهَا وَتَارَةً تَكُونُ مُبَيِّنَةً لِلْفِعْلِ صِفَاتٍ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَّ الْفِعْلَ تَارَةً يَكُونُ حُسْنُهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ وَتَارَةً مِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ بِهِ وَتَارَةً مِنْ الْجِهَتَيْنِ جَمِيعًا .
وَمَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ لِلْفِعْلِ صِفَاتٌ ذَاتِيَّةٌ لَمْ يَحْسُنْ إلَّا لِتَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِهِ وَأَنَّ الْأَحْكَامَ بِمُجَرَّدِ نِسْبَةِ الْخِطَابِ إلَى الْفِعْلِ فَقَطْ فَقَدْ أَنْكَرَ مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرَائِعُ مِنْ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ وَمَا فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ الْمُنَاسَبَاتِ بَيْن الْأَحْكَامِ وَعِلَلِهَا وَأَنْكَرَ خَاصَّةً الْفِقْهَ فِي الدِّينِ الَّذِي هُوَ مَعْرِفَةُ حِكْمَةِ الشَّرِيعَةِ وَمَقَاصِدِهَا وَمَحَاسِنِهَا .
( الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
وَمَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ خَارِجًا عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ
الْقَدَرِيَّةُ .
( الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28779اللَّهَ إذَا أَمَرَ الْعَبْدَ بِشَيْءٍ فَقَدْ أَرَادَهُ مِنْهُ [ ص: 355 ] إرَادَةً شَرْعِيَّةً دِينِيَّةً وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ مِنْهُ إرَادَةً قَدَرِيَّةً كَوْنِيَّةً فَإِثْبَاتُ إرَادَتِهِ فِي الْأَمْرِ مُطْلَقًا خَطَأٌ وَنَفْيُهَا عَنْ الْأَمْرِ مُطْلَقًا خَطَأٌ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ التَّفْصِيلُ كَمَا جَاءَ فِي التَّنْزِيلِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=194&ayano=2يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=525&ayano=4يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ } وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=920&ayano=6فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا } وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=715&ayano=5أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=262&ayano=2وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ .
( الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ أَنَّ مَحَبَّتَهُ وَرِضَاهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِرَادَةِ الدِّينِيَّةِ وَالْأَمْرِ الدِّينِيِّ وَكَذَلِكَ بُغْضُهُ وَغَضَبُهُ وَسُخْطُهُ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ الْإِرَادَةِ الدِّينِيَّةِ فَالْمَحَبَّةُ وَالرِّضَا وَالْغَضَبُ وَالسَّخَطُ لَيْسَ هُوَ مُجَرَّدَ الْإِرَادَةِ .
هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ
أَهْلِ السُّنَّةِ .
وَمَنْ قَالَ إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ بِمَعْنَى الْإِرَادَةِ كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ
الْقَدَرِيَّةِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ : إمَّا [ أَنَّ ] الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْمَعَاصِيَ مِمَّا يَكْرَهُهَا دِينًا فَقَدْ كَرِهَ كَوْنَهَا وَإِنَّهَا وَاقِعَةٌ بِدُونِ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ .
وَهَذَا قَوْلُ
الْقَدَرِيَّةِ أَوْ يَقُولُ إنَّهُ لَمَّا كَانَ مُرِيدًا لَهَا شَاءَهَا فَهُوَ مُحِبٌّ لَهَا رَاضٍ بِهَا كَمَا تَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ فِيهِ مَا فِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَيُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وَقَدْ رَضِيَ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحِبُّ مَا أَمَرَ بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ وَلَيْسَ هَذَا
[ ص: 356 ] الْمَعْنَى ثَابِتًا فِي الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ وَالظَّالِمِينَ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَلَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَمَعَ هَذَا فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ .
وَأَحْسَنُ مَا يَعْتَذِرُ بِهِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ : أَنَّ الْمَحَبَّةَ بِمَعْنَى الْإِرَادَةِ أَنَّهُ أَحَبُّهَا كَمَا أَرَادَهَا كَوْنًا .
فَكَذَلِكَ أَحَبَّهَا وَرَضِيَهَا كَوْنًا .
وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
( فَإِنْ قِيلَ تَقْسِيمُ الْإِرَادَةِ لَا يُعْرَفُ فِي حَقِّنَا بَلْ إنَّ الْأَمْرَ مِنْهُ بِالشَّيْءِ .
إمَّا أَنْ يُرِيدَهُ أَوْ لَا يُرِيدَهُ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْن الْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ فَقَدْ يُعْرَفُ فِي حَقِّنَا ( فَيُقَالُ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29682_21052اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَلَيْسَ أَمْرُهُ لَنَا كَأَمْرِ الْوَاحِدِ مِنَّا لِعَبْدِهِ وَخَدَمِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا إذَا أَمَرَ عَبْدَهُ فَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَهُ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ لِحَاجَتِهِ إلَى الْأَمْرِ فَقَطْ فَالْأَوَّلُ كَأَمْرِ السُّلْطَانِ جُنْدَهُ بِمَا فِيهِ حِفْظُ مُلْكِهِ وَمَنَافِعِهِمْ لَهُ فَإِنَّ هِدَايَةَ الْخَلْقِ وَإِرْشَادَهُمْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هِيَ مِنْ بَابِ الْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ وَالْمُحْسِنُ مِنْ الْعِبَادِ يَحْتَاجُ إلَى إحْسَانِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2053&ayano=17إنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4305&ayano=41مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا } .
وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ عِبَادَهُ لِحَاجَتِهِ إلَى خِدْمَتِهِمْ وَلَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى
[ ص: 357 ] أَمْرِهِمْ وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ إحْسَانًا مِنْهُ وَنِعْمَةً أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ فَأَمَرَهُمْ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا فِيهِ فَسَادُهُمْ .
وَإِرْسَالُ الرُّسُلِ وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِهِ عَلَى خَلْقِهِ كَمَا قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2611&ayano=21وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=460&ayano=3لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ } وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1431&ayano=10يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1432&ayano=10قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } فَمَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَعَ الْأَمْرِ بِالِامْتِثَالِ فَقَدْ تَمَّتْ النِّعْمَةُ فِي حَقِّهِ كَمَا قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=677&ayano=5الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ .
وَمَنْ لَمْ يُنْعِمْ عَلَيْهِ بِالِامْتِثَالِ بَلْ خَذَلَهُ حَتَّى كَفَرَ وَعَصَى فَقَدْ شَقِيَ لِمَا بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا كَمَا قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1792&ayano=14أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ } وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ الشَّرْعِيَّانِ لَمَّا كَانَا نِعْمَةً وَرَحْمَةً عَامَّةً لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ عَدَمُ انْتِفَاعِ بَعْضِ النَّاسِ بِهِمَا مِنْ الْكُفَّارِ كَإِنْزَالِ الْمَطَرِ وَإِنْبَاتِ الرِّزْقِ هُوَ نِعْمَةٌ عَامَّةٌ وَإِنَّ تَضَرَّرَ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ لِحِكْمَةٍ أُخْرَى كَذَلِكَ مَشِيئَتُهُ لِمَا شَاءَهُ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَعْيَانِهَا وَأَفْعَالِهَا لَا يُوجِبُ أَنْ يُحِبَّ كُلَّ شَيْءٍ .
مِنْهَا فَإِذَا أَمَرَ الْعَبْدَ بِأَمْرٍ فَذَاكَ إرْشَادٌ وَدَلَالَةٌ فَإِنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ صَارَ مَحْبُوبًا لِلَّهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَحْبُوبًا لَهُ وَإِنْ كَانَ مُرَادًا لَهُ وَإِرَادَته لَهُ تَكْوِينًا لِمَعْنَى آخَرَ .
فَالتَّكْوِينُ غَيْرُ التَّشْرِيعِ .
( فَإِنْ قِيلَ الْمَحَبَّةُ وَالرِّضَا يَقْتَضِيَانِ مُلَاءَمَةً وَمُنَاسِبَةً بَيْن الْمُحِبِّ
[ ص: 358 ] وَالْمَحْبُوبِ وَيُوجِبُ لِلْمُحِبِّ بَدْرِك مَحْبُوبِهِ فَرَحًا وَلَذَّةً وَسُرُورًا وَكَذَلِكَ الْبُغْضُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ مُنَافَرَةٍ بَيْنَ الْمُبْغِضِ وَالْمُبْغِضِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي لِلْمُبْغِضِ بَدْرِك الْمُبْغِضِ أَذًى وَبُغْضًا وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالْمُلَاءَمَةُ وَالْمُنَافَرَةُ تَقْتَضِي الْحَاجَةَ إذْ مَا لَا يَحْتَاجُ الْحَيُّ إلَيْهِ لَا يُحِبُّهُ وَمَا لَا يَضُرُّهُ كَيْفَ يُبْغِضُهُ ؟ وَاَللَّهُ غَنِيٌّ لَا تَجُوزُ عَلَيْهِ الْحَاجَةُ إذْ لَوْ جَازَتْ عَلَيْهِ الْحَاجَةُ لَلَزِمَ حُدُوثُهُ وَإِمْكَانُهُ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى [ أَيْ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ ] {
nindex.php?page=hadith&LINKID=68469يَا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي } فَلِهَذَا فُسِّرَتْ الْمَحَبَّةُ وَالرِّضَا بِالْإِرَادَةِ إذْ يَفْعَلُ النَّفْعَ وَالضُّرَّ .
فَيُقَالُ الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدِهِمَا الْإِلْزَامُ وَهُوَ أَنْ نَقُولَ : الْإِرَادَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمُرِيدِ وَالْمُرَادِ وَمُلَاءَمَتُهُ فِي ذَلِكَ تَقْتَضِي الْحَاجَةَ وَإِلَّا فَمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحَيُّ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُرِيدُهُ وَلِذَلِكَ إذَا أَرَادَ بِهِ الْعُقُوبَةَ وَالْإِضْرَارَ لَا يَكُونُ إلَّا لِنَفْرَةِ وَبُغْضٍ وَإِلَّا فَمَا لَمْ يَتَأَلَّمْ بِهِ الْحَيُّ أَصْلًا لَا يَكْرَهُهُ وَلَا يَدْفَعُهُ .
وَكَذَلِك نَفْسُ نَفْعِ الْغَيْرِ وَضَرَرِهِ هُوَ فِي الْحَيِّ مُتَنَافِرٌ مِنْ الْحَاجَةِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا إنَّمَا يُحْسِنُ إلَى غَيْرِهِ لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ لِدَفْعِ مُضِرَّةٍ وَإِنَّمَا يَضُرُّ غَيْرَهُ لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مُضِرَّةٍ فَإِذَا كَانَ الَّذِي يُثْبِتُ صِفَةً وَيَنْفِي أُخْرَى يَلْزَمُهُ فِيمَا أَثْبَتَهُ نَظِيرُ مَا يَلْزَمُهُ فِيمَا نَفَاهُ لَمْ يَكُنْ إثْبَاتُ إحْدَاهُمَا وَنَفْيُ الْأُخْرَى أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ وَلَوْ عَكَسَ عَاكِسٌ فَنَفَى مَا أَثْبَتّه مِنْ الْإِرَادَةِ
[ ص: 359 ] وَأَثْبَتَ مَا نَفَاهُ مِنْ الْمَحَبَّةِ لِمَا ذَكَرَهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَحِينَئِذٍ فَالْوَاجِبُ إمَّا نَفْيُ الْجَمِيعِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِوُجُودِ نَفْعِ الْخَلْقِ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ وَأَمَّا إثْبَاتُ الْجَمِيعِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ وَحِينَئِذٍ فَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَحْذُورٌ فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ : إمَّا أَنَّ ذَلِكَ الْمَحْذُورَ لَا يَلْزَمُ أَوْ أَنَّهُ إنْ لَزِمَ فَلَيْسَ بِمَحْذُورِ .
( الْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ الَّذِي يُعْلَمُ قَطْعًا [ هُوَ ] أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29443_29682_29625اللَّهَ قَدِيمٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ كَامِلٌ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْحُدُوثُ وَلَا الْإِمْكَانُ وَلَا النَّقْصُ لَكِنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا النُّصُوصُ مُسْتَلْزَمَةً لِلْحُدُوثِ وَالْإِمْكَانِ أَوْ النَّقْصِ هُوَ مَوْضِعُ النَّظَرِ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ وَقَدْ عَرَفَ أَنَّ قِيَامَ الصِّفَاتِ بِهِ لَا يَلْزَمُ حُدُوثَهُ وَلَا إمْكَانَهُ وَلَا حَاجَتَهُ .
وَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ بِلُزُومِ افْتِقَارِهِ إلَى صِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مُفْتَقِرٌ إلَى ذَاتِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ غَنِيٌّ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ مَوْجُودٌ بِنَفْسِهِ فَتَوَهَّمَ حَاجَةُ نَفْسِهِ إلَى نَفْسِهِ إنْ عَنَى بِهِ أَنَّ ذَاتَه لَا تَقُومُ إلَّا بِذَاتِهِ فَهَذَا حَقٌّ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ وَعَنْ خَلْقِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ بِنَفْسِهِ .
وَأَمَّا إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى نَفْسِهِ وَفِي إطْلَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا إيهَامُ مَعْنًى فَاسِدٍ وَلَا خَالِقَ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا كَانَ سُبْحَانَهُ عَلِيمًا يُحِبُّ الْعِلْمَ عَفُوًّا يُحِبُّ الْعَفْوَ جَمِيلًا يُحِبُّ
[ ص: 360 ] الْجَمَالَ نَظِيفًا يُحِبُّ النَّظَافَةَ طَيِّبًا يُحِبُّ الطَّيِّبَ وَهُوَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ وَالْمُقْسِطِينَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْجَامِعُ لِجَمِيعِ الصِّفَاتِ الْمَحْبُوبَةِ ; وَالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى وَهُوَ يُحِبُّ نَفْسَهُ وَيُثْنِي بِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَالْخَلْقُ لَا يُحْصُونَ ثَنَاءً عَلَيْهِ بَلْ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ .
فَالْعَبْدُ
nindex.php?page=treesubj&link=18270الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ نَفْسَهُ وَيُحِبُّ فِي اللَّهِ مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ وَأَحَبَّهُ اللَّهُ ; فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَوْلَى بِأَنْ يُحِبَّ نَفْسَهُ وَيُحِبَّ فِي نَفْسِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ وَيُبْغِضَ الْكَافِرِينَ وَيَرْضَى عَنْ هَؤُلَاءِ وَيَفْرَحُ بِهِمْ وَيَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ التَّائِبِ مِنْ أُولَئِكَ وَيَمْقُتُ الْكُفَّارَ وَيُبْغِضُهُمْ وَيُحِبُّ حَمْدَ نَفْسِهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ كَمَا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597149قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ لَمَّا قَالَ : إنَّنِي حَمِدْت رَبِّي بِمَحَامِدَ فَقَالَ إنَّ رَبَّك يُحِبُّ الْحَمْدَ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597150لَا أَحَدَ أَحَبُّ إلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَلَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى مِنْ اللَّهِ يَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَشَرِيكًا وَهُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ } فَهُوَ يَفْرَحُ بِمَا يُحِبُّهُ وَيُؤْذِيهِ مَا يُبْغِضُهُ وَيَصْبِرُ عَلَى مَا يُؤْذِيهِ وَحُبُّهُ وَرِضَاهُ وَفَرَحُهُ وَسَخَطُهُ وَصَبْرُهُ عَلَى مَا يُؤْذِيهِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ الْخَلَائِقَ وَأَفْعَالَهُمْ وَهُمْ لَنْ يَبْلُغُوا ضُرَّهُ فَيَضُرُّوهُ وَلَنْ يَبْلُغُوا نَفْعَهُ فَيَنْفَعُوهُ .
وَإِذَا فَرِحَ وَرَضِيَ بِمَا فَعَلَهُ بَعْضُهُمْ فَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي خَلَقَ فِعْلَهُ كَمَا أَنَّهُ إذَا فَرِحَ وَرَضِيَ بِمَا يَخْلُقُهُ فَهُوَ الْخَالِقُ وَكُلُّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ هُوَ الَّذِي مَكَّنَهُمْ وَصَبَرَ عَلَى أَذَاهُمْ بِحِكْمَتِهِ
[ ص: 361 ] فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى غَيْرِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ أَحَدٌ مَا لَا يُرِيدُ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ
الْقَدَرِيَّةِ وَنِهَايَةُ الْكَمَالِ وَالْعِزَّةِ .
وَأَمَّا الْإِمْكَانُ لَوْ افْتَقَرَ وُجُودُهُ إلَى فَرَحِ غَيْرِهِ وَأَمَّا الْحُدُوثُ فَيُبْنَى عَلَى قِيَامِ الصِّفَاتِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ حُدُوثُهُ وَقَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ مَا سَلَكَهُ
الجهمية فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ فَمَبْنَاهُ عَلَى الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ الْمَحْضِ وَلَهُ شَرْحٌ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَمَنْ تَأَمَّلَ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَدَهَا فِي غَايَةِ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ وَأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى التَّقْدِيسِ لِلَّهِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَالْإِثْبَاتِ لِكُلِّ كَمَالٍ وَأَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ كَمَالٌ يُنْتَظَرُ بِحَيْثُ يَكُونُ قَبْلَهُ نَاقِصًا ; بَلْ مِنْ الْكَمَالِ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلُهُ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ كَامِلًا بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا بِغَيْرِهِ وَلَا مُفْتَقِرًا إلَى سِوَاهُ بَلْ هُوَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=477&ayano=3لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } وَهُوَ سُبْحَانَهُ فِي مَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَمَقْتِهِ وَسَخَطِهِ وَفَرَحِهِ وَأَسَفِهِ وَصَبْرِهِ وَعَفْوِهِ وَرَأْفَتِهِ لَهُ الْكَمَالُ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الْخَلَائِقُ وَفَوْقَ الْكَمَالِ إذْ كَلُّ كَمَالٍ فَمِنْ كَمَالِهِ يُسْتَفَادُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ الَّذِي لَا تُحْصِيهِ الْعِبَادُ وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ لَهُ الْغِنَى الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ إلَى سِوَاهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2362&ayano=19إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2363&ayano=19لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2364&ayano=19وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } .
[ ص: 362 ] فَهَذَا الْأَصْلُ الْعَظِيمُ وَهُوَ مَسْأَلَةُ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَفَرَحِهِ بِالْمَحْبُوبِ وَبُغْضِهِ وَصَبْرِهِ عَلَى مَا يُؤْذِيهِ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَسَائِلِ الْقَدَرِ وَمَسَائِلِ الشَّرِيعَةِ .
وَالْمِنْهَاجُ الَّذِي هُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ وَمَسَائِلُ الصِّفَاتِ وَمَسَائِلُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَهَذِهِ الْأُصُولُ الْأَرْبَعَةُ كُلِّيَّةٌ جَامِعَةٌ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ وَبِخَلْقِهِ .
وَهِيَ فِي عُمُومِهَا وَشُمُولِهَا وَكَشْفِهَا لِلشُّبُهَاتِ تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ وَمَسْأَلَةِ الذَّاتِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْحَدِّ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ وَالْكَلَامِ فِي حُلُولِ الْحَوَادِثِ وَنَفْيِ الْجِسْمِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَفْصِيلٍ وَتَحْقِيقٍ .
فَإِنَّ الْمُعَطِّلَةَ وَالْمُلْحِدَةَ فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ كَذَّبُوا بِحَقِّ كَثِيرٍ جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ بِنَاءً عَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ مِنْ نَفْيِ الْجِسْمِ وَالْعَرَضِ وَنَفْيِ حُلُولِ الْحَوَادِثِ وَنَفْيِ الْحَاجَةِ .
وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ يَصِحُّ نَفْيُهَا بِاعْتِبَارٍ وَلَكِنَّ ثُبُوتَهَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ فَوَقَعُوا فِي نَفْيِ الْحَقِّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ وَفُطِرَتْ عَلَيْهِ الْخَلَائِقُ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ السَّمْعِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .