القول في تأويل قوله تعالى:
[16 - 19]
nindex.php?page=treesubj&link=31002_34234_29046nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك لتعجل به nindex.php?page=treesubj&link=24906_34234_29046nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إن علينا جمعه وقرآنه [ ص: 5992 ] nindex.php?page=treesubj&link=34234_29046nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=18فإذا قرأناه فاتبع قرآنه nindex.php?page=treesubj&link=28740_28742_34234_29046nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=19ثم إن علينا بيانه nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك لتعجل به أي: لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي، لتأخذه على عجلة، مخافة أن يتفلت منك.
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إن علينا جمعه أي: في صدرك، وإثبات حفظه في قلبك، بحيث لا يذهب عليك منه شيء.
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17وقرآنه أي: أن تقرأه بعد فلا تنسى
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=18فإذا قرأناه أي: أتممنا قراءته عليك بلسان جبريل عليه السلام،
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=18فاتبع قرآنه أي: كن مقفيا له ولا تراسله.
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=19ثم إن علينا بيانه أي: بيان ما فيه، إذا أشكل عليك شيء من معانيه، أو أن نبينه على لسانك.
تنبيهات:
الأول: ما ذكرناه في تأويل الآية هو المأثور في "الصحيحين" وغيرهما، ولفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650004«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه إذا أنزل عليه» ، فقيل له:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك يخشى أن يتفلت منه
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إن علينا جمعه أن نجمعه في صدرك
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17وقرآنه أي: تقرأه
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=18فإذا قرأناه يقول: أنزل عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=18فإذا قرأناه فاتبع قرآنه أن نبينه على لسانك. زاد في رواية: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، إذا أتاه
جبريل استمع، فإذا انطلق
جبريل، قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه.
قال
ابن زيد : أي: لا تكلم بالذي أوحينا إليك حتى يقضى إليك وحيه، فإذا قضينا إليك وحيه، فتكلم به. يعني: أن هذه الآية نظير قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما [ ص: 5993 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : وهكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك وغير واحد، أن هذه الآية نزلت في ذلك، وأنها تعليم من الله عز وجل لرسوله كيفية تلقيه الوحي.
الثاني: ذكروا في مناسبة وقوع الآية معترضة في أحوال القيامة -على تأويلهم المتقدم- وجوها:
منها:
nindex.php?page=treesubj&link=28245تأكيد التوبيخ على ما جبل عليه الإنسان -والمرء مفتون بحب العاجل- حتى جعل مخلوقا من عجل، ومن محبة العاجل، وإيثاره على الآجل، تقديم الدنيا الحاضرة على الآخرة، الذي هو منشأ الكفر والعناد، المؤدي إلى إنكار الحشر والمعاد; فالنهي عن العجلة في هذا يقتضي النهي فيما عداه، على آكد وجه. وهذه مناسبة تامة بين ما اعترض فيه وبينه، قاله
الشهاب.
ومنها: أن عادة القرآن، إذا ذكر الكتاب المشتمل على عمل العبد، حيث يعرض يوم القيامة، أردفه بذكر الكتاب المشتمل على الأحكام الدينية في الدنيا التي تنشأ عنها المحاسبة عملا وتركا، كما قال في الكهف:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه إلى أن قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=89ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن الآية. وقال في طه:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا إلى أن قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما
ومنها: أن أول السورة لما نزل إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=15ولو ألقى معاذيره صادف أنه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة بادر إلى تحفظ الذي نزل، وحرك به لسانه من عجلته خشية من تفلته، فنزلت:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=19ثم إن علينا بيانه ثم عاد الكلام إلى تكملة ما ابتدأ به.
قال
الفخر الرازي: ونحوه ما لو ألقى المدرس على الطالب مثلا مسألة، فتشاغل الطالب بشيء عرض له فقال له: ألق إلي بالك، وتفهم ما أقول، ثم كمل المسألة، فمن لا يعرف
[ ص: 5994 ] السبب يقول: ليس هذا الكلام مناسبا للمسألة، بخلاف من عرف ذلك. قاله
الحافظ ابن حجر في "فتح الباري".
الثالث: استدلوا على التأويل السابق بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=19ثم إن علينا بيانه على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، كما هو مذهب الجمهور لما تقتضيه " ثم " من التراخي. وأول من استدل لذلك بهذه الآية القاضي
أبو بكر بن الطيب، وتبعوه. وهذا لا يتم إلا على تأويل البيان بتبيين المعنى، وإلا فإذا حمل على أن المراد استمرار حفظه له، وظهوره على لسان، فلا!
قال
الآمدي: يجوز أن يراد البيان التفصيلي، ولا يلزم منه جواز تأخير البيان الإجمالي، فلا يتم الاستدلال. وتعقب باحتمال إرادة المعنيين: الإظهار والتفصيل وغير ذلك؛ لأن قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=19بيانه جنس مضاف، فيعم جميع أصنافه من إظهاره وتبيين أحكامه، وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك. قاله
الحافظ في "الفتح".
وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال أن تكون " ثم " للترتيب في الإخبار. أي: إنا نخبرك بأن علينا بيانه، فلا تدل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب. وضعفه
الرازي بأنه ترك للظاهر من غير دليل.
الرابع: ما قدمناه من معنى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك إلخ، وما استفيد منه، وما قيل في مناسبته لما قبله، كله إذا جرى على المأثور فيها. وحاول
nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال معنى فقال كما نقله عنه
الرازي: إن قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك ليس خطابا مع الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو خطاب مع الإنسان المذكور في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=13ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر فكان ذلك حال ما ينبأ بقبائح أفعاله، وذلك بأن يعرض عليه كتابه فيقال له:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه من شدة الخوف،
[ ص: 5995 ] وسرعة القراءة، فيقال له:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك لتعجل به فإنه يجب علينا بحكم الوعد، أو بحكم الحكمة، أن نجمع أعمالك عليك، وأن نقرأها عليك، فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه، بالإقرار بأنك فعلت تلك الأفعال، ثم إن علينا بيان أمره، وشرح مراتب عقوبته.
وحاصل الأمر من تفسير هذه الآية: أن المراد منه، أنه تعالى يقرأ على الكافر جميع أعماله، على سبيل التفصيل. وفيه أشد الوعيد في الدنيا، وأشد التهويل في الآخرة.
ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال : فهذا وجه حسن، ليس في العقل ما يدفعه، وإن كانت الآثار غير واردة به. انتهى.
ونقل
الشهاب أن بعضهم ارتضى هذا الوجه، وقدمه على الوجه السابق.
وزعم
الحافظ ابن حجر أن الحامل على هذا الوجه الأخير هو عسر بيان المناسبة بين هذه الآية وما قبلها من أحوال القيامة؛ أي: ولما بين الأئمة المناسبة التي أثرناها عنهم، لم يبق وجه للذهاب إلى هذا الوجه الأخير، مع أن هذا الوجه -هو فيما يظهر- فيه غاية القوة والارتباط به قبله وما بعده، مما يؤثره على المأثور، الذي قد يكون مدركه الاجتهاد، والوقوف مع ظاهر ألفاظ الآية. ومما يؤيد ما أورد عليه أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال; لأن الظاهر أن ذلك كان في مبدأ البعث النبوي، ولم يكن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ولد حينئذ. ولا مانع -كما قال
ابن حجر- أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بعد، فيراه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أو يخبر به، فيكون من مراسيل الصحابة، والله أعلم.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[16 - 19]
nindex.php?page=treesubj&link=31002_34234_29046nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ nindex.php?page=treesubj&link=24906_34234_29046nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [ ص: 5992 ] nindex.php?page=treesubj&link=34234_29046nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=18فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ nindex.php?page=treesubj&link=28740_28742_34234_29046nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=19ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ أَيْ: لَا تُحَرِّكْ بِالْقُرْآنِ لِسَانَكَ عِنْدَ إِلْقَاءِ الْوَحْيِ، لِتَأْخُذَهُ عَلَى عَجَلَةٍ، مَخَافَةَ أَنْ يَتَفَلَّتَ مِنْكَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ أَيْ: فِي صَدْرِكَ، وَإِثْبَاتَ حِفْظِهِ فِي قَلْبِكَ، بِحَيْثُ لَا يَذْهَبُ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ.
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17وَقُرْآنَهُ أَيْ: أَنْ تَقْرَأَهُ بَعْدُ فَلَا تَنْسَى
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=18فَإِذَا قَرَأْنَاهُ أَيْ: أَتْمَمْنَا قِرَاءَتَهُ عَلَيْكَ بِلِسَانِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=18فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ أَيْ: كُنْ مُقْفِيًا لَهُ وَلَا تُرَاسِلْهُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=19ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ أَيْ: بَيَانَ مَا فِيهِ، إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ مَعَانِيهِ، أَوْ أَنْ نُبَيِّنَهُ عَلَى لِسَانِكَ.
تَنْبِيهَاتٌ:
الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ هُوَ الْمَأْثُورُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" وَغَيْرِهِمَا، وَلَفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650004«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ» ، فَقِيلَ لَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ يَخْشَى أَنْ يَتَفَلَّتَ مِنْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17وَقُرْآنَهُ أَيْ: تَقْرَأَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=18فَإِذَا قَرَأْنَاهُ يَقُولُ: أُنْزِلَ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=18فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ أَنْ نُبَيِّنَهُ عَلَى لِسَانِكَ. زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ، إِذَا أَتَاهُ
جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ
جِبْرِيلُ، قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ.
قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : أَيْ: لَا تَكَلَّمْ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ حَتَّى يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، فَإِذَا قَضَيْنَا إِلَيْكَ وَحْيَهُ، فَتَكَلَّمْ بِهِ. يَعْنِي: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [ ص: 5993 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ : وَهَكَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16815وَقَتَادَةُ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٌ nindex.php?page=showalam&ids=14676وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهَا تَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ كَيْفِيَّةَ تَلَقِّيهِ الْوَحْيَ.
الثَّانِي: ذَكَرُوا فِي مُنَاسَبَةِ وُقُوعِ الْآيَةِ مُعْتَرِضَةً فِي أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ -عَلَى تَأْوِيلِهِمُ الْمُتَقَدِّمِ- وُجُوهًا:
مِنْهَا:
nindex.php?page=treesubj&link=28245تَأْكِيدُ التَّوْبِيخِ عَلَى مَا جُبِلَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ -وَالْمَرْءُ مَفْتُونٌ بِحُبِّ الْعَاجِلِ- حَتَّى جُعِلَ مَخْلُوقًا مِنْ عَجَلٍ، وَمِنْ مَحَبَّةِ الْعَاجِلِ، وَإِيثَارِهِ عَلَى الْآجِلِ، تَقْدِيمُ الدُّنْيَا الْحَاضِرَةِ عَلَى الْآخِرَةِ، الَّذِي هُوَ مَنْشَأُ الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ، الْمُؤَدِّي إِلَى إِنْكَارِ الْحَشْرِ وَالْمَعَادِ; فَالنَّهْيُ عَنِ الْعَجَلَةِ فِي هَذَا يَقْتَضِي النَّهْيَ فِيمَا عَدَاهُ، عَلَى آكَدِ وَجْهٍ. وَهَذِهِ مُنَاسَبَةٌ تَامَّةٌ بَيْنَ مَا اعْتُرِضَ فِيهِ وَبَيْنَهُ، قَالَهُ
الشِّهَابُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ عَادَةَ الْقُرْآنِ، إِذَا ذُكِرَ الْكِتَابُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى عَمَلِ الْعَبْدِ، حَيْثُ يُعْرَضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَرْدَفَهُ بِذِكْرِ الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ فِي الدُّنْيَا الَّتِي تَنْشَأُ عَنْهَا الْمُحَاسَبَةُ عَمَلًا وَتَرْكًا، كَمَا قَالَ فِي الْكَهْفِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ إِلَى أَنْ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=89وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ الْآيَةَ. وَقَالَ فِي طه:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا إِلَى أَنْ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا
وَمِنْهَا: أَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ لَمَّا نَزَلَ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=15وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ صَادَفَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بَادَرَ إِلَى تَحَفُّظِ الَّذِي نَزَلَ، وَحَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ مِنْ عَجَلَتِهِ خَشْيَةً مِنْ تَفَلُّتِهِ، فَنَزَلَتْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=19ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ثُمَّ عَادَ الْكَلَامُ إِلَى تَكْمِلَةِ مَا ابْتَدَأَ بِهِ.
قَالَ
الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: وَنَحْوَهُ مَا لَوْ أَلْقَى الْمُدَرِّسُ عَلَى الطَّالِبِ مَثَلًا مَسْأَلَةً، فَتَشَاغَلَ الطَّالِبُ بِشَيْءٍ عَرَضَ لَهُ فَقَالَ لَهُ: أَلْقِ إِلَيَّ بَالَكَ، وَتَفَهَّمْ مَا أَقُولُ، ثُمَّ كَمَّلَ الْمَسْأَلَةَ، فَمَنْ لَا يَعْرِفُ
[ ص: 5994 ] السَّبَبَ يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ مُنَاسِبًا لِلْمَسْأَلَةِ، بِخِلَافِ مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ. قَالَهُ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي "فَتْحِ الْبَارِي".
الثَّالِثُ: اسْتَدَلُّوا عَلَى التَّأْوِيلِ السَّابِقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=19ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ لِمَا تَقْتَضِيهِ " ثُمَّ " مِنَ التَّرَاخِي. وَأَوَّلُ مَنِ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْقَاضِي
أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ، وَتَبِعُوهُ. وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا عَلَى تَأْوِيلِ الْبَيَانِ بِتَبْيِينِ الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَإِذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِمْرَارُ حِفْظِهِ لَهُ، وَظُهُورِهِ عَلَى لِسَانٍ، فَلَا!
قَالَ
الْآمِدِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْبَيَانُ التَّفْصِيلِيُّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ، فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ. وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ إِرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ: الْإِظْهَارِ وَالتَّفْصِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=19بَيَانَهُ جِنْسٌ مُضَافٌ، فَيَعُمُّ جَمِيعَ أَصْنَافِهِ مِنْ إِظْهَارِهِ وَتَبْيِينِ أَحْكَامِهِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ تَخْصِيصٍ وَتَقْيِيدٍ وَنَسْخٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَهُ
الْحَافِظُ فِي "الْفَتْحِ".
وَجَوَّزَ
nindex.php?page=showalam&ids=15021الْقَفَّالُ أَنْ تَكُونَ " ثُمَّ " لِلتَّرْتِيبِ فِي الْإِخْبَارِ. أَيْ: إِنَّا نُخْبِرُكَ بِأَنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ، فَلَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ. وَضَعَّفَهُ
الرَّازِيُّ بِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.
الرَّابِعُ: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ إِلَخْ، وَمَا اسْتُفِيدَ مِنْهُ، وَمَا قِيلَ فِي مُنَاسَبَتِهِ لِمَا قَبْلَهُ، كُلُّهُ إِذَا جَرَى عَلَى الْمَأْثُورِ فِيهَا. وَحَاوَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=15021الْقَفَّالُ مَعْنًى فَقَالَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ
الرَّازِيُّ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لَيْسَ خِطَابًا مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ خِطَابٌ مَعَ الْإِنْسَانِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=13يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ فَكَانَ ذَلِكَ حَالَ مَا يُنَبَّأُ بِقَبَائِحِ أَفْعَالِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيُقَالُ لَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا فَإِذَا أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ تَلَجْلَجَ لِسَانُهُ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ،
[ ص: 5995 ] وَسُرْعَةِ الْقِرَاءَةِ، فَيُقَالُ لَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا بِحُكْمِ الْوَعْدِ، أَوْ بِحُكْمِ الْحِكْمَةِ، أَنْ نَجْمَعَ أَعْمَالَكَ عَلَيْكَ، وَأَنْ نَقْرَأَهَا عَلَيْكَ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ عَلَيْكَ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، بِالْإِقْرَارِ بِأَنَّكَ فَعَلْتَ تِلْكَ الْأَفْعَالَ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَ أَمْرِهِ، وَشَرْحَ مَرَاتِبِ عُقُوبَتِهِ.
وَحَاصِلُ الْأَمْرِ مِنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ، أَنَّهُ تَعَالَى يَقْرَأُ عَلَى الْكَافِرِ جَمِيعَ أَعْمَالِهِ، عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ. وَفِيهِ أَشَدُّ الْوَعِيدِ فِي الدُّنْيَا، وَأَشَدُّ التَّهْوِيلِ فِي الْآخِرَةِ.
ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15021الْقَفَّالُ : فَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ، لَيْسَ فِي الْعَقْلِ مَا يَدْفَعُهُ، وَإِنْ كَانَتِ الْآثَارُ غَيْرَ وَارِدَةٍ بِهِ. انْتَهَى.
وَنَقَلَ
الشِّهَابُ أَنَّ بَعْضَهُمُ ارْتَضَى هَذَا الْوَجْهَ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ.
وَزَعَمَ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ الْحَامِلَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ هُوَ عُسْرُ بَيَانِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا قَبْلَهَا مِنْ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ؛ أَيْ: وَلَمَّا بَيَّنَ الْأَئِمَّةُ الْمُنَاسَبَةَ الَّتِي أَثَرْنَاهَا عَنْهُمْ، لَمْ يَبْقَ وَجْهٌ لِلذَّهَابِ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ، مَعَ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ -هُوَ فِيمَا يَظْهَرُ- فِيهِ غَايَةُ الْقُوَّةِ وَالِارْتِبَاطِ بِهِ قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، مِمَّا يُؤْثِرُهُ عَلَى الْمَأْثُورِ، الَّذِي قَدْ يَكُونُ مَدْرَكُهُ الِاجْتِهَادَ، وَالْوُقُوفَ مَعَ ظَاهِرِ أَلْفَاظِ الْآيَةِ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحَالِ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَبْدَأِ الْبَعْثِ النَّبَوِيِّ، وَلَمْ يَكُنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وُلِدَ حِينَئِذٍ. وَلَا مَانِعَ -كَمَا قَالَ
ابْنُ حَجَرٍ- أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ بَعْدُ، فَيَرَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، أَوْ يُخْبَرَ بِهِ، فَيَكُونُ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.