قوله: "آزر" الجمهور: آزر بزنة آدم، مفتوح الزاي والراء، وإعرابه حينئذ على أوجه، أحدها: أنه بدل من "أبيه"، أو عطف بيان له إن كان آزر لقبا له، وإن كان صفة بمعنى المخطئ كما قاله أو المعوج كما قاله الزجاج، ، أو الشيخ الهرم كما قاله الفراء فيكون نعتا لـ "أبيه"، أو حالا منه بمعنى: وهو في حالة اعوجاج أو خطأ، وينسب الضحاك، وإن قيل: إن آزر [ ص: 696 ] اسم صنم كان يعبده أبوه، فيكون إذ ذاك عطف بيان لأبيه أو بدلا منه، ووجه ذلك أنه لما لازم عبادته نبز به وصار لقبا له، كما قال بعض المحدثين: للزجاج.
1958 - أدعى بأسماء نبزا في قبائلها كأن أسماء أضحت بعض أسمائي
كذا نسبه إلى بعض المحدثين، ونسبه الشيخ لبعض النحويين، قال الزمخشري : "كما نبز ابن قيس بالرقيات اللاتي كان يشبب بهن، فقيل: ابن قيس الرقيات"، أو يكون على حذف مضاف؛ أي: لأبيه عابد آزر، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وعلى هذا فيكون عابد صفة لأبيه أعرب هذا بإعرابه، أو يكون منصوبا على الذم. الزمخشري
وآزر ممنوع الصرف واختلف في علة منعه، فقال : "والأقرب أن يكون وزن آزر فاعل، كعابر وشالخ وفالغ، فعلى هذا هو ممنوع للعلمية والعجمة". وقال الزمخشري : "ووزنه أفعل ولم ينصرف للعجمة والتعريف على قول من لم يشتقه من الأزر أو الوزر، ومن اشتقه من واحد منهما، قال: هو عربي ولم يصرفه للتعريف ووزن الفعل"، وهذا الخلاف يشبه الخلاف في آدم، وقد تقدم ذلك، وأن اختيار أبو البقاء فيه أنه فاعل كعابر، وما جرى على ذاك، وإذا قلنا بكونه صفة على ما قاله الزمخشري بمعنى المخطئ، أو بمعنى المعوج، أو بمعنى الهرم، كما قاله الزجاج الفراء فيشكل منع صرفه، ويشكل أيضا وقوعه صفة للمعرفة. [ ص: 697 ] والضحاك،
وقد يجاب عن الأول بأن الإشكال يندفع بادعاء وزنه على أفعل، فيمتنع حينئذ للوزن والصفة كأحمر وبابه، وأما على قول فلا يتمشى ذلك، وعن الثاني بأنه لا نسلم أنه نعت لـ "أبيه" حتى يلزم وصف المعارف بالنكرات، بل هو منصوب على الذم أو أنه على نية الألف واللام، قالهما الزمخشري والثاني ضعيف؛ لأن حذف أل وإرادة معناها إما أن يؤثر منع صرف [ كما ] في "سحر" ليوم بعينه ويسمى عدلا، وإما أن يؤثر بناء ويسمى تضمنا كأمس، وفي سحر وأمس كلام طويل ليس هذا مقامه، ولا يمكن أن يقال: إن "آزر" امتنع من الصرف كما امتنع "سحر"؛ أي: للعدل عن أل؛ لأن العدل يمنع فيه مع التعريف، فإنه لوقت بعينه، بخلاف هذا فإنه وصف كما فرضتم. الزجاج،
وقرأ أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، والحسن، في آخرين بضم الراء على أنه منادى حذف حرف ندائه، كقوله تعالى: ومجاهد "يوسف أعرض"، وكقوله:
1955 - ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ... ... ...
في أحد الوجهين؛ أي: يا يزيد، ويؤيده ما في مصحف يا آزر بإثبات حرفه، وهذا إنما يتمشى على دعوى أنه علم، وأما على دعوى وصفيته فيضعف؛ لأن حذف حرف النداء يقل فيها، كقولهم: "افتد مخنوق" و "صاح شمر" أبي:
وقرأ في رواية: "أأزرا تتخذ" بهمزتين مفتوحتين وزاي ساكنة [ ص: 698 ] وراء منونة منصوبة، "تتخذ" بدون همزة استفهام، ولما حكى ابن عباس هذه القراءة لم يسقط همزة الاستفهام من "أتتخذ". فأما على القراءة الأولى فقال الزمخشري مفسرا لمعناها: "أعضدا وقوة ومظاهرة على الله تتخذ، وهو من قوله: "اشدد به أزري" انتهى. وعلى هذا فيحتمل "أزرا" أن ينتصب من ثلاثة أوجه، أحدها: أنه مفعول من أجله، و ابن عطية "أصناما آلهة" منصوب بتتخذ على ما سيأتي بيانه، والمعنى: أتتخذ أصناما آلهة لأجل القوة والمظاهرة. والثاني: أن ينتصب على الحال؛ لأنها في الأصل صفة لأصناما، فلما قدمت عليها وعلى عاملها انتصبت على الحال. والثالث: أن ينتصب على أنه مفعول ثان قدم على عامله، والأصل: أتتخذ أصناما آلهة أزرا؛ أي: قوة ومظاهرة.
وأما القراءة الثانية فقال : "هو اسم صنم، ومعناه: أتعبد أزرا، على الإنكار، ثم قال: تتخذ أصناما آلهة تثبيتا لذلك وتقريرا، وهو داخل في حكم الإنكار؛ لأنه كالبيان له"، فعلى هذا "أزرا" منصوب بفعل محذوف يدل عليه المعنى، ولكن قوله: "وهو داخل في حكم الإنكار" يقوي أنه لم يقرأ: "أتتخذ" بهمزة الاستفهام؛ لأنه لو كان معه همزة استفهام لكان مستقلا بالإنكار، ولم يحتج أن يقول: هو داخل في حكم الإنكار؛ لأنه كالبيان له. الزمخشري
وقرأ أيضا ابن عباس وأبو إسماعيل الشامي: "أإزرا" بهمزة استفهام بعدها همزة مكسورة ونصب الراء منونة، فجعلها بدلا من واو [ ص: 699 ] اشتقاقا من الوزر، كإسادة وإشاح في: وسادة ووشاح. وقال ابن عطية : "وفيه وجهان، أحدهما: أن الهمزة الثانية فاء الكلمة وليست بدلا من شيء، ومعناه: الثقل"، وجعله أبو البقاء اسم صنم، والكلام فيه كالكلام في "أزرا" المفتوح الهمزة، وقد تقدم. الزمخشري
وقرأ "إزرا تتخذ" بدون همزة استفهام، ولكن بكسر الهمزة وسكون الزاي ونصب الراء منونة، ونصبه واضح مما تقدم، و "تتخذ" يحتمل أن تكون المتعدية لاثنين بمعنى التصييرية، وأن تكون المتعدية لواحد لأنها بمعنى عمل، ويحكى في التفسير أن أباه كان ينحتها ويصنعها، والجملة الاستفهامية في محل نصب بالقول، وكذلك قوله: الأعمش: "إني أراك"، و "أراك" يحتمل أن تكون العلمية وهو الظاهر فتتعدى لاثنين، وأن تكون بصرية وليس بذاك، فـ "في ضلال" حال، وعلى كلا التقديرين يتعلق بمحذف، إلا أنه في الأول أحد جزأي الكلام، وفي الثاني فضلة.
و "مبين" اسم فاعل من "أبان" لازما بمعنى ظهر، ويجوز أن يكون من المتعدي والمفعول محذوف؛ أي: مبين كفركم بخالقكم، وعلى هذا فقول "ليس بالفعل المتعدي المنقول من بان يبين" غير مسلم، وجعل الضلال ظرفا محيطا بهم مبالغة في اتصافهم به، فهو أبلغ من قوله: "أراكم ضالين" . ابن عطية