قوله: "يقص الحق" قرأ نافع، وابن كثير، "يقص" بصاد مهملة مشددة مرفوعة، وهي قراءة وعاصم: والباقون بضاد معجمة مخففة مكسورة، وهاتان في المتواتر. وقرأ ابن عباس، عبد الله، وأبي، ويحيى بن وثاب، ، والنخعي والأعمش، "يقضي بالحق" من القضاء. وقرأ وطلحة: سعيد بن جبير "يقضي بالحق وهو خير القاضين". فأما قراءة "يقضي" فمن القضاء، ويؤيده قوله: ومجاهد: "وهو خير الفاصلين"، فإن الفصل يناسب القضاء، ولم يرسم إلا بضاد، كأن الباء حذفت خطا كما حذفت لفظا لالتقاء الساكنين، كما حذفت من نحو: "فما تغن النذر"، وكما حذفت الواو في "سندع [ ص: 658 ] الزبانية"، "ويمح الله الباطل"، لما تقدم.
وأما نصب "الحق" بعده ففيه أربعة أوجه، أحدها: أنه منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف؛ أي: يقضي القضاء الحق. والثاني: أنه ضمن "يقضي" معنى ينفذ، فلذلك عداه إلى المفعول به. الثالث: أن "قضى" بمعنى صنع، فيتعدى بنفسه من غير تضمين، ويدل على ذلك قوله:
1936 - وعليهما مسرودتان قضاهما داوود ... ... ... ...
أي: صنعهما. الرابع: أنه على إسقاط حرف الجر؛ أي: يقضي بالحق، فلما حذف انتصب مجروره على حد قوله: 1937 - تمرون الديار فلم تعوجوا ... ... ... ...
ويؤيد ذلك: القراءة بهذا الأصل.
وأما قراءة "يقص"، فمن "قص الحديث"، أو من "قص الأثر"؛ أي: تتبعه. وقال تعالى: نحن نقص عليك أحسن القصص . ورجح القراءة الأولى بقوله: "الفاصلين"، وحكي عنه أنه قال: "أهو يقص الحق أو يقضي الحق"، فقالوا: "يقص"، فقال: "لو كان "يقص" لقال: "وهو خير القاصين"، أقرأ أحد بهذا ؟ وحيث قال: "وهو خير الفاصلين"، فالفصل إنما يكون في القضاء"، وكأن أبا عمرو لم يبلغه "وهو خير القاصين" [ ص: 659 ] قراءة. وقد أجاب أبو عمرو بن العلاء عما ذكره أبو علي الفارسي ابن العلاء، فقال: "القصص هنا بمعنى القول، وقد جاء الفصل في القول أيضا، قال تعالى: "إنه لقول فصل"، وقال تعالى: "كتاب أحكمت آياته ثم فصلت"، وقال تعالى: "ونفصل الآيات"، فقد حمل الفصل على القول، واستعمل معه كما جاء مع القضاء، فلا يلزم "من الفاصلين" أن يكون معينا ليقضي.