قوله: "ما تدعون" يجوز في "ما" أربعة أوجه، أظهرها: أنها موصولة بمعنى الذي؛ أي: فتكشف الذي تدعون، والعائد محذوف لاستكمال الشروط؛ أي: تدعونه. الثاني: أنها ظرفية، قاله . وعلى هذا فيكون مفعول "يكشف" محذوفا، تقديره: فيكشف العذاب مدة دعائكم؛ أي: ما دمتم داعيه. [ ص: 629 ] قال الشيخ: "وهذا ما لا حاجة إليه مع أن فيه وصلها بمضارع، وهو قليل جدا، تقول: "لا أكلمك ما طلعت الشمس"، ويضعف: ما تطلع الشمس". قلت: قوله: "بمضارع" كان ينبغي أن يقول: مثبت؛ لأنه متى كان منفيا بـ "لم" كثر وصلها به، نحو قوله: ابن عطية
1921 - ولن يلبث الجهال أن يتهضموا أخا الحلم ما لم يستعن بجهول
ومن وصلها بمضارع مثبت قوله:
1922 - أطوف ما أطوف ثم آوي إلى أما ويرويني النقيع
وقول الآخر:
1923 - أطوف ما أطوف ثم آوي إلى بيت قعيدته لكاع
فـ "أطوف" صلة لـ "ما" الظرفية.
الثالث: أنها نكرة موصوفة، ذكره ، والعائد أيضا محذوف؛ أي: فيكشف شيئا تدعونه؛ أي: تدعون كشفه، والحذف من الصفة أقل منه من الصلة. الرابع: أنها مصدرية، قال أبو البقاء : "ويصح أن تكون مصدرية على حذف في الكلام". قال ابن عطية "وهو مثل: "وسأل [ ص: 630 ] القرية". قلت: والتقدير: فيكشف سبب دعائكم وموجبه. قال الشيخ: "وهذه دعوى محذوف غير معين، وهو خلاف الظاهر". وقال الزجاج: : "وليست مصدرية، إلا أن تجعلها مصدرا بمعنى المفعول"، يعني: يصير تقديره: فيكشف مدعوكم؛ أي: الذي تدعون لأجله، وهو الضر ونحوه. أبو البقاء
قوله: "إليه" فيما يتعلق به وجهان، أحدهما: أن يتعلق بـ "تدعون"، والضمير حينئذ يعود على "ما" الموصولة؛ أي: الذي تدعون إلى كشفه، و "دعا" بالنسبة إلى متعلق الدعاء يتعدى بـ "إلى" أو اللام. قال تعالى: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ، وإذا دعوا إلى الله ، وقال:
1924 - وإن أدع للجلى أكن من حماتها ... ... ... ...
وقال:
1925 - وإن دعوت إلى جلى ومكرمة يوما سراة كرام الناس فادعينا
وقال:
1926 - دعوت لما نابني مسورا فلبي فلبي يدي مسور
والثاني: أن يتعلق بـ "يكشف"، قال : "أي: يرفعه [ ص: 631 ] إليه" انتهى. والضمير على هذا عائد على الله تعالى، وذكر أبو البقاء وجهي التعلق، ولم يتعرض للضمير وقد عرفته. وقال أبو البقاء : "والضمير في "إليه" يحتمل أن يعود إلى الله بتقدير: فيكشف ما تدعون فيه إليه". قال الشيخ: "وهذا ليس بجيد؛ لأن "دعا" يتعدى لمفعول به دون حرف جر: ابن عطية "ادعوني أستجب لكم"، "إذا دعان"، ومن كلام العرب: "دعوت الله سميعا". قلت: ومثله: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا ، ادعوا ربكم تضرعا ، قال: "ولا تقول بهذا المعنى: "دعوت إلى الله" بمعنى: دعوت الله، إلا أنه يمكن أن يصحح كلامه بمعنى التضمين، ضمن "تدعون" معنى "تلجؤون فيه إلى الله"، إلا أن التضمين ليس بقياس، لا يصار إليه إلا عند الضرورة، ولا ضرورة تدعو إليه هنا".
قلت: ليس التضمين مقصورا على الضرورة، وهو في القرآن أكثر من أن يحصر، تقدم لك منه جملة صالحة، وسيأتي لك إن شاء الله مثلها، على أنه قد يقال: تجويز أبي محمد عود الضمير إلى الله تعالى محمول على أن "إليه" متعلق بيكشف، كما تقدم نقله عن ، وأن معناه "يرفعه" فلا يلزم المحذور المذكور، لولا أنه يعكر عليه تقديره بقوله: "تدعون فيه إليه"، فتقديره "فيه" ظاهره أنه يزعم تعلقه بـ "تدعون". أبي البقاء
قوله: "إن شاء" جوابه محذوف لفهم المعنى، ودلالة ما قبله عليه؛ أي: إن شاء أن يكشف كشف، وادعاء تقديم جواب الشرط هنا واضح [ ص: 632 ] لاقترانه بالفاء، فهو أحسن من قوله: "أنت ظالم إن فعلت"، لكن يمنع من كونها جوابا هنا أنها سببية مرتبة؛ أي: أنها أفادت ترتب الكشف على الدعاء، وأن الدعاء سبب فيه، على أن لنا خلافا في فاء الجزاء: هل تفيد السببية أو لا ؟
قوله: "وتنسون ما تشركون" الظاهر في "ما" أن تكون موصولة اسمية، والمراد بها ما عبد من دون الله مطلقا: العقلاء وغيرهم، إلا أنه غلب غير العقلاء عليهم، كقوله: ولله يسجد ما في السماوات ، والعائد محذوف؛ أي ما تشركونه مع الله في العبادة. وقال "الأصل: وتنسون دعاء ما تشركون، فحذف المضاف". ويجوز أن تكون مصدرية، وحينئذ لا تحتاج إلى عائد عند الجمهور. ثم هل هذا المصدر باق على حقيقته ؟ أي: تنسون الإشراك نفسه لما يلحقكم من الدهشة والحيرة، أو هو واقع موقع المفعول به؛ أي: وتنسون المشرك به وهي الأصنام وغيرها، وعلى هذا فمعناه كالأول، وحينئذ يحتمل السياق أن يكون على بابه من الغفلة، وأن يكون بمعنى الترك، وإن كانوا ذاكرين لها؛ أي: للأصنام وغيرها. الفارسي: