قوله: "في الظلمات" فيه أوجه، أحدها: أن يكون خبرا ثانيا لقوله: "والذين كذبوا"، ويكون ذلك عبارة عن العمى، ويصير نظير الآية الأخرى: صم بكم عمي ، فعبر عن العمى بلازمه، والمراد بذلك: عمى البصيرة. والثاني: أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من الضمير المستكن في الخبر، تقديره: ضالون حال كونهم مستقرين في الظلمات. الثالث: أنه صفة لـ "بكم"، فيتعلق أيضا بمحذوف؛ أي: بكم كائنون في الظلمات. الرابع: أن يكون ظرفا [ ص: 614 ] على حقيقته، وهو ظرف لـ "صم" أو لـ "بكم". قال : "أو لما ينوب عنهما في الفعل"؛ أي: لأن الصفتين في قوة التصريح بالفعل. أبو البقاء
قوله: من يشأ الله يضلله في "من" وجهان، أحدهما: أنها مبتدأ، وخبرها ما بعدها، وقد عرف غير مرة. ومفعول "يشأ" محذوف؛ أي: من يشإ الله إضلاله. والثاني: أنه منصوب بفعل مضمر يفسره ما بعده من حيث المعنى، ويقدر ذلك الفعل متأخرا عن اسم الشرط؛ لئلا يلزم خروجه عن الصدر، وقد تقدم التنبيه على ذلك وأن فيه خلافا، والتقدير: من يشق الله يشأ إضلاله ومن يسعد يشأ هدايته. فإن قلت: هل يجوز أن تكون "من" مفعولا مقدما لـ "يشأ" ؟ فالجواب: أن ذلك لا يجوز لفساد المعنى. فإن قلت: أقدر مضافا هو المفعول، حذف وأقيمت "من" مقامه، تقديره: إضلال من يشاء وهداية من يشاء، ودل على هذا المضاف جواب الشرط. فالجواب: أن حكى عن العرب أن اسم الشرط غير الظرف، والمضاف إلى اسم الشرط لا بد أن يكون في الجزاء ضمير يعود عليه، أو على ما أضيف إليه، فالضمير في "يضلله" و "يجعله": إما أن يعود على المضاف المحذوف ويكون كقوله: الأخفش أو كظلمات في بحر لجي يغشاه ، فالهاء في "يغشاه" تعود على المضاف؛ أي: كذي ظلمات يغشاه، وإما أن يعود على اسم الشرط، والأول ممتنع؛ إذ يصير التقدير: إضلال من يشإ الله يضلله؛ أي: يضل الإضلال، وهو فاسد. والثاني أيضا ممتنع لخلو الجواب من ضمير يعود على المضاف إلى اسم الشرط. فإن قيل: يجوز أن يكون المعنى: من يشإ الله بالإضلال، وتكون "من" مفعولا مقدما؛ لأن "شاء" بمعنى: أراد، و "أراد" يتعدى بالباء، قال: [ ص: 615 ]
1910 - أرادت عرارا بالهوان ومن يرد عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم
قيل: لا يلزم من كون "شاء" بمعنى "أراد" أن يتعدى تعديته، ولذلك نجد اللفظ الواحد تختلف تعديته باختلاف متعلقه، تقول: دخلت الدار ودخلت في الأمر، ولا تقول: دخلت الأمر، فإذا كان ذلك في اللفظ الواحد فما بالك بلفظين ؟ ولم يحفظ عن العرب تعدية "شاء" بالباء، وإن كانت في معنى أراد.