آ. ( 105 ) قوله تعالى: عليكم أنفسكم الجمهور على نصب "أنفسكم" وهو منصوب على الإغراء بـ "عليكم"؛ لأن "عليكم" هنا اسم فعل؛ [ ص: 451 ] إذ التقدير: الزموا أنفسكم؛ أي: هدايتها وحفظها مما يؤذيها، فـ "عليكم" هنا يرفع فاعلا تقديره: عليكم أنتم، ولذلك يجوز أن يعطف عليه مرفوع، نحو: "عليكم أنتم وزيد الخير"، كأنك قلت: الزموا أنتم وزيد الخير. واختلف النحاة في الضمير المتصل بها وبأخواتها نحو: إليك ولديك ومكانك، فالصحيح أنه في موضع جر كما كان قبل أن تنقل الكلمة إلى الإغراء، وهذا مذهب واستدل له سيبويه، بما حكى عن الأخفش العرب "على عبد الله" بجر "عبد الله"، وهو نص في المسألة. وذهب إلى أنه منصوب المحل، وفيه بعد لنصب ما بعدهما، أعني: "على" وما بعدها كهذه الآية. وذهب الكسائي إلى أنه مرفوعه، وقد حققت هذه المذاهب بدلائلها مبسوطة في " شرح التسهيل ". وقال الفراء : - بعد أن جعل "كم" في موضع جر بـ "على" - بخلاف رويدكم فإن الكاف هناك للخطاب ولا موضع لها، فإن "رويد" قد استعملت للأمر المواجه من غير كاف الخطاب، وكذا قوله تعالى: "مكانكم"، "كم" في محل جر". قلت: في هذه المسألة كلام طويل، صحيحه أن "رويد" تارة يكون ما بعدها مجرور المحل وتارة منصوبه، وليس هذا موضعه، وقد قدمت في سورة النساء الخلاف في جواز تقديم معمول هذا الباب عليه. أبو البقاء
وقرأ "أنفسكم" رفعا فيما حكاه عنه صاحب " الكشاف "، وهي مشكلة وتخريجها على أحد وجهين: إما الابتداء، و "عليكم" خبره مقدم عليه، والمعنى على الإغراء أيضا، فإن الإغراء قد جاء بالجملة الابتدائية، ومنه قراءة بعضهم: نافع بن أبي نعيم: "ناقة الله وسقياها"، وهذا تحذير [ ص: 452 ] وهو نظير الإغراء. والثاني من الوجهين: أن تكون توكيدا للضمير المستتر في "عليكم"؛ لأنه كما تقدم تقديره قائم مقام الفعل، إلا أنه شذ توكيده بالنفس من غير تأكيد بضمير منفصل، والمفعول على هذا محذوف، تقديره: عليكم أنتم أنفسكم صلاح حالكم وهدايتكم.
قوله: "لا يضركم" قرأ الجمهور بضم الراء مشددة. وقرأ "لا يضركم" بضم الضاد وسكون الراء، وقرأ الحسن البصري: : "لا يضركم" بكسر الضاد وسكون الراء، وقرأ إبراهيم النخعي أبو حيوة: "لا يضرركم" بسكون الضاد وضم الراء الأولى والثانية. فأما قراءة الجمهور فتحتمل وجهين، أحدهما: أن يكون الفعل فيها مجزوما على جواب الأمر في "عليكم"، وإنما ضمت الراء إتباعا لضمة الضاد، وضمة الضاد هي حركة الراء الأولى نقلت للضاد لأجل إدغامها في الراء بعدها، والأصل: "لا يضرركم"، ويجوز أن يكون الجزم لا على وجه الجواب للأمر، بل على وجه أنه نهي مستأنف، والعمل فيه ما تقدم، وينصر جواز الجزم هنا على المعنيين المذكورين من الجواب والنهي قراءة الحسن فإنهما نص في الجزم ولكنهما محتملتان للجزم على الجواب أو النهي. والوجه الثاني: أن يكون الفعل مرفوعا وليس جوابا ولا نهيا، بل هو مستأنف سيق للإخبار بذلك، وينصره قراءة والنخعي، أبي حيوة المتقدمة.
وأما قراءة فمن "ضاره يضوره" كصانه يصونه. وأما قراءة الحسن فمن "ضاره يضيره" كباعة يبيعه، والجزم فيهما على ما تقدم في قراءة العامة من الوجهين. وحكى النخعي : "لا يضركم" بفتح الراء، ووجهها على الجزم، وأن الفتح للتخفيف وهو واضح، والجزم على ما تقدم أيضا من [ ص: 453 ] الوجهين. وهذه كلها لغات قد تقدم التنبيه عليها في آل عمران. أبو البقاء
و "من ضل" فاعل، و "إذا" ظرف ناصبه "يضركم"؛ أي: لا يضركم الذي ضل وقت اهتدائكم، ويجوز أن تكون شرطية وجوابها محذوف لدلالة الكلام عليه. وقال : "ويبعد أن تكون ظرفا لـ "ضل"؛ لأن المعنى لا يصح معه". قلت: لأنه يصير المعنى على نفي الضرر الحاصل ممن يضل وقت اهتدائهم، فقد يتوهم أنه لا ينتفي عنهم ضرر من ضل في غير وقت اهتدائهم، ولكن هذا لا ينفي صحة المعنى بالكلية كما ذكره. أبو البقاء