1711 - لها صواهل في صم السلام كما صاح القسيات في أيدي الصياريف
وقوله الآخر:
1712 - وما زودوني غير سحق عمامة وخمس مئ منها قسي زائف
وقال صاحب " الكشاف ": وقرأ "قسية"؛ أي: رديئة مغشوشة، [ ص: 223 ] من قولهم: درهم قسي، وهو من القسوة؛ لأن الذهب والفضة الخالصين فيهما لين، والمغشوش فيه صلابة ويبس، والقاسي والقاسح - بالحاء المهملة - أخوان في الدلالة على اليبس. وهذا القول سبقه إليه المبرد، فإنه قال: يسمى الدرهم المغشوش قسيا لصلابته وشدته للغش الذي فيه، وهو يرجع للمعنى الأول، والقاسي والقاسح بمعنى واحد، وعلى هذين القولين تكون اللفظة عربية، وقيل: بل هذه القراءة توافق قراءة الجماعة في المعنى والاشتقاق؛ لأنه فعيل للمبالغة، كشاهد وشهيد، فكذلك قاس وقسي، وإنما أنث على معنى الجماعة. وقرأ عبد الله: الهيصم بن شداخ: "قسية" بضم القاف وتشديد الياء. وقرئ: "قسية" بكسر القاف إتباعا، وأصل القراءتين: قاسوة وقسيوة؛ لأن الاشتقاق من القسوة.
قوله: "يحرفون" في هذه الجملة أربعة أوجه، أحدها: أنها مستأنفة بيان لقسوة قلوبهم؛ لأنه لا قسوة أعظم من الافتراء على الله تعالى. والثاني: أنها حال من مفعول "لعناهم"؛ أي: لعناهم حال اتصافهم بالتحريف. والثالث: - قاله - أنه حال من الضمير المستتر في "قاسية"، وقال: ولا يجوز أن يكون حالا من القلوب؛ لأن الضمير في أبو البقاء "يحرفون" لا يرجع إلى القلوب. وهذا الذي قاله فيه نظر؛ لأنه من حيث جوز أن يكون حالا من الضمير في "قاسية"، يلزمه أن يجوز أن يكون حالا من “القلوب"؛ لأن الضمير المستتر في "قاسية" يعود على "القلوب"، فكما يمتنع أن يكون حالا من ظاهره، [ ص: 224 ] يمتنع أن يكون حالا من ضميره، وكأن المانع الذي توهمه كون الضمير - وهو الواو في "يحرفون" - إنما يعود على اليهود بجملتهم لا على قلوبهم خاصة، فإن القلوب لا تحرف، إنما يحرف أصحاب القلوب، وهذا لازم له في تجويزه الحالية من الضمير في "قاسية". ولقائل أن يقول: المراد بالقلوب: نفس الأشخاص، وإنما عبر عنهم بالقلوب؛ لأن هذه الأعضاء هي محل التحريف؛ أي: إنه صادر عنها بتفكرها فيه، فيجوز على هذا أن يكون حالا من القلوب. والرابع: أن تكون حالا من "هم"، قال وهو ضعيف، يعني: لأن الحال من المضاف إليه لا تجوز، وغيره يجوز ذلك في مثل هذا الموضع؛ لأن المضاف بعض المضاف إليه. وقرأ الجمهور بفتح الكاف وكسر اللام، وهو جمع "كلمة". وقرأ أبو البقاء: "الكلم" بكسر الكاف وسكون اللام، وهو تخفيف قراءة الجماعة، وأصلها أنه كسر الكاف إتباعا، ثم سكن العين تخفيفا، وقرأ أبو رجاء: السلمي والنخعي : "الكلام" بالألف. "وعن مواضعه" قد ذكر مثله في النساء.
قوله: "على خائنة" في "خائنة" ثلاثة أوجه، أحدها: أنها اسم فاعل، والهاء للمبالغة، كراوية ونسابة؛ أي: على شخص خائن، قال الشاعر:
1713 - حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن للغدر خائنة مغل الإصبع
الثاني: أن التاء للتأنيث، وأنث على معنى طائفة، أو نفس، أو فعلة خائنة. الثالث: أنها مصدر كالعافية والعاقبة، ويؤيد هذا الوجه قراءة [ ص: 225 ] "على خيانة"، وأصل خائنة: خاونة، وخيانة: خوانة؛ لقولهم: تخون وخوان وهو أخون، وإنما أعلا إعلال "قائمة وقيام"، و "منهم" صفة لـ "خائنة"، إن أريد بها الصفة، وإن أريد بها المصدر قدر مضاف؛ أي: من بعض خياناتهم. الأعمش:
قوله: "إلا قليلا" منصوب على الاستثناء، وفي المستنثى منه أربعة أقوال، أظهرها: أنه لفظ خائنة، وهم الأشخاص المذكورون في الجملة قبله؛ أي: لا تزال تطلع على من يخون منهم إلا القليل، فإنه لا يخون فلا تطلع عليه، وهؤلاء هم وأصحابه. قال عبد الله بن سلام ولو قرئ بالجر على البدل لكان مستقيما، يعني: على البدل من "خائنة"، فإنه في حيز كلام غير موجب. والثاني: - ذكره أبو البقاء: - أنه الفعل؛ أي: لا تزال تطلع على فعل الخيانة إلا فعلا قليلا، وهذا واضح، إن أريد بالخيانة أنها صفة للفعلة المقدرة كما تقدم، ولكن يبعد ما قاله ابن عطية قوله بعده: "منهم"، وقد تقدم لنا نظير ذلك في قوله: ابن عطية ما فعلوه إلا قليل منهم ، حيث جوز فيه أن يكون صفة لمصدر محذوف. الثالث: أنه "قلوبهم" في قوله: الزمخشري "وجعلنا قلوبهم قاسية"، قال صاحب هذا القول: والمراد بهم المؤمنون؛ لأن القسوة زالت عن قلوبهم، وهذا فيه بعد كبير، لقوله: "لعناهم". الرابع: أنه الضمير في "منهم" من قوله تعالى: "على خائنة منهم"، قاله مكي.